مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 1

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 1/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص:5

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علی خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد و آله الطاهرین.

وبعد، يقول المفتقر الى الله الغتي عبد الأعلى خلف العلامة الورع المغفور له السيد علي رضا الموسوي السبزواري وفقه الله تعالى لمراضيه وجعل مستقبل أمره ځيرة من ماضيه.

هذا ما وفقني الله عز وجل من تأليف في فقه الأمامية من طهارته إلى دياته اقتبسته من المأثورات عن الإمام المعصوم ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق الأمين وسائر الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين المنتهية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقتصرة من المطالب على اهتها ومن الدلائل على ائمها.

من الم وتعرضت لعامة القواعد بحسب المناسبات والفروع التي خلت عنها كتب اصحابنا في العبادات والمعاملات فصار لباب احکام الكتاب المبين ونتائج احاديث المعصومين عليهم السلام. وارجو من الله العظيم أن يجعله خالصا لوجهه الكريم. كما أرجو من الناظرين اليه ان يطلعوني على عثراتي في حياتي ويترحموا علي بعد مماتي.

وكان ذلك في جوار امیر المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت و اليه انيب و لا حول و لا قوة الا بالله العلي

عبد الأعلى الموسوي السبزواري

ص:6

أحكام الاجتهاد و التقليد

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

مسألة 1: يجب على كلّ مكلّف في عباداته و معاملاته

(مسألة 1): يجب على كلّ مكلّف في عباداته و معاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا .

هذا الوجوب فطري يجده كلّ عاقل من نفسه بعد علمه بأنّه ليس كالبهائم و بعد احتمال العقاب في ترك التعرض له.

كما أنّه طريقيّ محض لا نفسيّة فيه بوجه، فيكون المناط كلّه على الواقع، و عليه فحق التعبير أن يقال: لا يصح كلّ فعل و ترك إلا مع إحراز المطابقة للواقع، و طريق إحراز المطابقة له في غير الضروريات و اليقينيات: إما الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.

و منه يعلم عدم اختصاص ذلك بالمكلّفين و لا بخصوص التكاليف الإلزامية، بل يجري بالنسبة إلى غير المكلّفين و غير الإلزاميات أيضا، و كذا الكلام فيما يأتي في [مسألتي 6 و 29].

المراد بالمعاملات هنا كلّ ما لا يتقوّم بقصد القربة- كحيازة المباحات و اللقطة و الأطعمة و الأشربة و الحجر و الصيد و الذباحة و نحوها- لا خصوص العقود و الإيقاعات- كالبيع و الإجارة و النكاح و الطلاق و الإقرار- فكأنّه قال في العبادات و غيرها، فيشمل جميع أبواب الفقه من أول الطهارة إلى آخر الديات و يأتي منه التصريح بالتعميم في [مسألة 6].

لأن كلا من الثلاثة من الطرق المتعارفة الفطرية لدرك الواقع و يكفي في

ص:7

اعتبار تلك الطريق عدم ثبوت الردع عنها فكيف بورود التقرير بآيات النفر (1) و السؤال (2) و غيرهما من الأخبار المتواترة في الجملة (3)و الجميع إرشاد إلى حكم الفطرة كما هو واضح.

ثمَّ إنّ هذه الطرق الثلاثة لا تختص بالوظائف الشرعية العملية فقط، بل تجري في جميع العلوم أيضا، و ليس وجوبها نفسيّا و لا غيريّا بل طريقيّ محض لدرك الواقع، فلو فرض إدراك الواقع بدونها فلا منشأ للعقاب، و لو ترك الواقع فالعقاب عليه فقط كما هو شأن كلّ واجب طريقيّ.

و التخيير بين الثلاثة عقلائيّ لم يثبت الردع عنه شرعا بل ظهور إجماع الفقهاء عليه يكون تقريرا له. و هذه الطرق و إن كانت في عرض واحد بالنسبة إلى الإجزاء عن الواقع فيتخيّر المكلّف فيها لا محالة و لكن فضل الاجتهاد على غيره مما لا يخفى على أحد، و أقربية الاحتياط لدرك الواقع واضح أيضا، و لا ريب في كون الاجتهاد في المقام كسائر العلوم النظامية من الواجبات الكفائية.

نعم، قد يصير واجبا عينيا، لجهات خارجية، فما نسب إلى علماء حلب من كون الاجتهاد واجبا عينيا لعلّ نظرهم إلى ملاحظة الجهات الخارجية لا نفس الاجتهاد من حيث هو.

و الظاهر أنّ الحصر بين الثلاثة عقليّ إنّ كان التقليد عبارة عن: مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه، لأنّ من ترك الاجتهاد و الاحتياط و أتى بعمل بلا تقليد فصادف مطابقته لرأي من يصح الاعتماد عليه يكون داخلا في التقليد حينئذ، و أما إن كان التفاتيا فأتى بعمل صادف الواقع بلا تقليد- و قلنا بصحته- حينئذ، فليس الحصر صحيحا، لأنّ طرق صحة العمل على هذا أربعة:

الاجتهاد، و التقليد، و الاحتياط، و مصادفة الواقع من دون أن يكون اجتهادا أو تقليدا أو احتياطا.

______________________________

ص: 8


1- سورة التوبة (9) الآية: 122.
2- سورة النحل (16) الآية: 43.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب صفات القاضي.

مسألة 2: الأقوى جواز العمل بالاحتياط

(مسألة 2): الأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهدا كان أو لا (4)

______________________________

ثمَّ إنّ الاجتهاد هو بذل الوسع في المدارك المعتبرة لدرك الوظائف الشرعية. و الاحتياط هو: إتيان الوظيفة بنحو يعلم بدرك الواقع. و سيأتي معنى التقليد في [مسألة 8] إن شاء اللّه تعالى.

(4) لما تقدم من أنّه لا موضوعية للطرق الثلاثة، و إنّما هي طرق محضة لدرك الواقع، و الاحتياط أوثقها و أقواها. و لكن نسب المشهور عدم جواز العمل بالاحتياط مع التمكن منهما و استدلوا عليه بأمور:

الأول: أنّ ظاهر ما دل من الآيات مثل قوله تعالى وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (1). و قوله تعالى وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ إِلّٰا رِجٰالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ (2).

و الأخبار الدالة على وجوب تعلم الأحكام مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله في معتبرة زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ألا و إنّ اللّه يحبّ بغاة العلم» (3) و غيرها من الروايات هو أن يكون ذلك إما بنحو الاجتهاد أو التقليد، فمع التمكن منهما لا يجوز العمل بالاحتياط.

و فيه: أنّ التعليم واجب طريقيّ محض لا أن يكون نفسيّا أو غيريّا، فالمقصود من التعلم العمل بالواقع، و لا ريب في تحقق العمل به في مورد الاحتياط بنحو أوثق لحصول العلم من الاحتياط بإتيان الواقع بخلاف الأخيرين.

الثاني: دعوى الاتفاق من السيد رحمه اللّه على بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد.

و فيه: أنّ المتيقن منه على فرض تحققه إنّما هو في مورد ترك الواقع للجهل

______________________________

ص: 9


1- . سورة التوبة (9) الآية: 122.
2- سورة النحل (16) الآية: 43.
3- الوسائل باب: 4 حديث: 23 و راجع باب 8: من أبواب صفات القاضي. و في أصول الكافي: باب 1 من كتاب فضل العلم.

لكن يجب أن يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد (5).

مسألة 3: قد يكون الاحتياط في الفعل

(مسألة 3): قد يكون الاحتياط في الفعل (6) كما إذا احتمل كون الفعل واجبا و كان قاطعا بعدم حرمته، و قد يكون في الترك (7) كما

______________________________

بموازين الاحتياط لا في مورد إتيان الواقع بالاحتياط.

الثالث: أنّ الاحتياط مستلزم لفقد قصد التمييز في المكلّف به فلا يجوز العمل به من هذه الجهة.

و فيه: أنّه لا دليل من عقل أو نقل على وجوب قصد التمييز، فلا وجه لاعتباره.

الرابع: قد ثبت بدليل الانسداد بطلان الاحتياط.

و فيه: أنّه إنما يدل على عدم وجوبه في الجملة لا بطلانه من أصله، فالمقتضي لجواز الاحتياط موجود و المانع عنه مفقود فالحكم بالجواز مطلقا متجه إلّا في موارد تأتي الإشارة إليها كما في [مسألة 66] و غيرها و الأحوط مراعاة ما نسب إلى المشهور مطلقا.

ثمَّ إنّ المراد بجواز الاحتياط و عدمه في نظائر المقام إنّما هو الجواز الوضعي فقط دون التكليفي، لأنّه مع صحة العمل و مطابقته للواقع لا وجه للعقاب، و مع عدمها لا عقاب إلا على ترك الواقع فقط، فلا وجه للجواز التكليفي و عدمه بالنسبة إلى نفس الاحتياط من حيث هو.

(5) لأنّه لا يتحقق العمل بالاحتياط إلا بعد إحراز كيفيته و موازين العمل به، فهذا الشرط من مقوّمات تحققه خارجا، و يكفي في الاستدلال عليه تصور معنى الاحتياط.

(6) كما في موارد الشبهات الوجوبية مطلقا و في جميع موارد الشك في القيدية- جزءا كان القيد أو شرطا- و أمثلة ذلك كثيرة في الفقه خصوصا في العبادات.

(7) كجميع موارد الشبهات التحريمية مطلقا حكمية كانت أو موضوعية و موارد الشك في المانعية.

ص: 10

إذا احتمل حرمة فعل و كان قاطعا بعدم وجوبه، و قد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار كما إذا لم يعلم أنّ وظيفته القصر أو التمام.

مسألة 4: الأقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار

(مسألة 4): الأقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار و أمكن الاجتهاد أو التقليد (8).

______________________________

(8) لما تقدم أنّ الاحتياط من أوثق طرق إحراز الواقع فيصح العمل به إلّا إذا دل دليل على المنع. و ما استدل به على المنع أمور كلّها مخدوشة:

الأول: أنّ الإطاعة و الامتثال متقوّمات بقصد الأمر تفصيلا و لا يمكن هذا مع الاحتياط لكون الامتثال فيه باحتمال الأمر و رجائه.

و فيه: أنّ كيفية الإطاعة و الامتثال من الأمور المتعارفة عند الناس، فكلّ ما حكم العرف بتحقق الامتثال فيه و لم يثبت الردع عنه شرعا يكفي في الامتثال شرعا أيضا، و لا ريب في حكمهم بتحقق الإطاعة و الامتثال في موارد الاحتياط كتحققها في موارد العلم التفصيلي، بل ربما يعد الامتثال الإجمالي الاحتياطي أقرب إلى الطاعة من الامتثال التفصيلي، لأنّ الامتثال الاحتياطي نحو انقياد للمولى في مورد احتمال طلبه و أمره، فيكون الامتثال الإجمالي في عرض التفصيلي في كفاية درك الواقع بكلّ منهما.

الثاني: أنّ التكرار لعب و عبث بأمر المولى، و الاحتياط مستلزم له.

و فيه: أنّهما من الأمور القصدية و لا ريب في عدم قصد المحتاط لهما، و على فرض كونهما من العناوين الانطباقية القهرية فلا يحكم العرف بانطباقهما على التكرار لغرض صحيح، و هو الاهتمام بدرك الواقع.

الثالث: أنّ قصد الوجه معتبر في العبادات و الاحتياط مستلزم لفقده.

و فيه: أنّه لا دليل مطلقا على اعتبار قصد الوجه و على فرض الاعتبار فقصد الوجه بعنوانه الواقعي رجاء يكفي و لا دليل على اعتبار أزيد منه، بل مقتضى الأصل عدمه. هذا كلّه مع أنّ اشتراط إحراز الواقع بخصوص الاجتهاد أو التقليد من القيود المشكوكة، و المرجع فيها أصالة البراءة، فيجوز للمتمكن من الاجتهاد

ص: 11

مسألة 5: في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلّدا

(مسألة 5): في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلّدا (9) لأنّ المسألة خلافية (10).

______________________________

و التقليد تركهما و العمل بالاحتياط في عباداته و معاملاته، كما يجوز له التبعيض بأن يعمل في عباداته بأحدهما و في معاملاته بالاحتياط أو بالعكس، بل يجوز له التبعيض في عمل واحد بأن يعمل في بعض أحكام الصلاة مثلا بأحدهما و في بعضها الآخر بالاحتياط، كما يجوز للمقلّد أن يجتهد و يعمل باجتهاده و يترك التقليد فيما اجتهد.

نعم، لو اجتهد في مسألة واحدة و خالف نظره مع الاحتياط و مع رأي من وجب عليه تقليده يمكن دعوى انصراف الأدلة عنه، فمقتضى الأصل عدم اعتبار رأيه لا لنفسه و لا لغيره. هذا.

ثمَّ إنّه هل يجوز للمجتهد المطلق التقليد عن مجتهد آخر أم لا؟

الحق أن يقال: إنّ المجتهد الآخر إما أن تكون فتواه مطابقة لرأيه، أو تكون مخالفة له و مطابقة للاحتياط، أو تكون مخالفة لهما معا.

أما في الأولين فلا وجه لعدم الجواز لا تكليفا و لا وضعا، لأنّ الاجتهاد و التقليد كالاحتياط طريق محض لصحة العمل و لا موضوعية فيها بوجه أبدا كما مر، و المفروض صحة عمله.

و أما الثالثة: فمقتضى السيرة فيها عدم جواز الرجوع و لعله المتيقن من الإجماع على عدم الجواز بناء على تحققه و سيأتي في [مسألة 31] من أحكام الجماعة ما يناسب المقام إن شاء اللّه تعالى.

(9) لأنّ الاحتياط طريق لإحراز الواقع، و كلّ طريق لا بد و أن يستند إلى حجة معتبرة- من يقين أو ضرورة أو اجتهاد أو تقليد- و مع انتفاء الأولين كما هو المفروض لا بد و أن يستند إلى أحد الأخيرين. نعم، لو تيقن بصحته أو قامت ضرورة عليها لا يحتاج إلى الاجتهاد و التقليد حينئذ.

(10) أي غير يقينية و لا ضرورية، و إلا فمجرد كون المسألة خلافية لا يكون دليلا للتقليد فيها لأنّ مسألة جواز التقليد أيضا محلّ خلاف مع أنّه لا وجه لجواز التقليد فيها، بل لا بد و أن تكون بالفطرة أو بالضرورة كما لا يخفى.

ص: 12

مسألة 6: في الضروريات لا حاجة إلى التقليد

(مسألة 6): في الضروريات لا حاجة إلى التقليد كوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما، و كذا في اليقينيّات إذا حصل له اليقين (11) و في غيرهما يجب التقليد (12) إن لم يكن مجتهدا إذا لم يمكن الاحتياط و إن أمكن تخيّر بينه و بين التقليد (13).

مسألة 7: عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل

(مسألة 7): عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل (14).

______________________________

(11) بل و لا حاجة إلى الاجتهاد أيضا لما تقدم من أنّ التقليد و الاجتهاد من الطرق المتعارفة لدرك الواقع و اليقين، و الضرورة من أقوى الطرق و أجلاها فمع وجود أحدهما لا موضوع للاجتهاد و التقليد أصلا و سيأتي في [مسألة 29] ما ينفع المقام.

(12) كتابا كآيتي النفر و السؤال (1). و سنّة مستفيضة، بل متواترة (2)، و للفطرة المستقيمة و السيرة القطعية المستمرة، و قد فصّل جميعها في علم الأصول من شاء فليراجع كتابنا (تهذيب الأصول) (3).

(13) لأنّ كلّا منهما طريق لدرك الواقع و إحرازه، و لا ترجيح في البين.

إن قلت: الترجيح مع الاحتياط للعلم بإتيان الواقع فيه بخلاف التقليد.

قلت: نعم، لو لا جهة التسهيل النوعي في التقليد التي بنيت عليها الشريعة الختمية السمحة السهلة.

(14) لقاعدة الاشتغال بعد عدم إحراز فراغ الذمة بوجه معتبر. نعم، لو صادف الواقع يصح عمله طبعا، و سيأتي طريق إحراز مصادفة الواقع في [مسألة 16] إن شاء اللّه تعالى.

و لا فرق في ذلك بين القاصر و المقصّر إلا في الإثم في الثاني دون الأول،

______________________________

ص: 13


1- سورة التوبة (9) الآية: 122، و سورة النحل (16) الآية: (43).
2- الوسائل باب: 4 و 8 من أبواب صفات القاضي، ج (18).
3- تهذيب الأصول ج 2) صفحة: 99 و 112، الطبعة الثانية- بيروت.

مسألة 8: التقليد هو الالتزام بالعمل

(مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل (15).

______________________________

بل و لا اختصاص لذلك بعمل العامي بلا اجتهاد و تقليد، بل المجتهد و المقلّد أو المحتاط إن قصّروا فيما يلزم عليهم في موازين الاجتهاد أو ما يعتبر في مرجع التقليد أو الجهات اللازمة في الاحتياط يكون عملهم باطلا إلا إذا أحرزت الموافقة للواقع بوجه معتبر، بل يبطل مع المخالفة للواقع حتّى مع القصور أيضا إلّا أنّهم معذورون ما لم يلتفتوا فلا إثم للقاصر بخلاف المقصّر.

(15) التقليد من القلادة: و هي التي تجعل في العنق، و في حديث الخلافة: «و قلّدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام» و المقلّد يجعل أعماله في عنق من يقلده.

و في رواية أبي بصير قال:

«دخلت أم خالد العبديّة على أبي عبد اللّه عليه السلام فقالت: قد قلّدتك ديني فألقى اللّه عزّ و جلّ حين ألقاه فأخبره أنّ جعفر بن محمّد عليهما السلام أمرني و نهاني. الحديث (1).

و في رواية عبد الرحمن بن حجاج:

«كان أبو عبد اللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرّأي فجاء أعرابيّ فسأل ربيعة الرّأي عن مسألة فأجابه، فلما سكت قال له الأعرابيّ: أ هو في عنقك؟ فسكت ربيعة و لم يرد عليه شيئا، فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابيّ: أ هو في عنقك؟ فسكت ربيعة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام هو في عنقه، قال: أو لم يقل: كلّ مفت ضامن» (2).

و في حديث البصري عن الصادق عليه السلام: «و اهرب من الفتيا هربك من الأسد و لا تجعل رقبتك للناس جسرا» (3).

______________________________

ص: 14


1- الوسائل باب: 20 من الأشربة المحرمة حديث 2.
2- الوسائل باب: 7 من آداب القاضي حديث 2.
3- البحار ج 1 باب آداب طلب العلم حديث 7.

.....

______________________________

و يمكن أن يكون بمعنى جعل العامي فتاوى الفقيه في عنقه، أو كون الجعل من الطرفين، و يشهد له قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «قرأت في كتاب عليّ عليه السلام: إنّ اللّه تعالى لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتّى أخذ من العلماء عهدا ببذل العلم للجهال» (1).

و لا ثمرة علمية و لا عملية في بيان أنّ هذا الجعل من العامي أو من المفتي أو منهما معا، و الظاهر كون التقليد من المبينات العرفية في الجملة، و مقتضى الأصل عدم ثبوته إلا بما دل الدليل عليه، و ثبوته بالعمل معلوم عند الكلّ، و في غيره مشكوك فيه، و الأصل عدمه.

فالقول: بأنّه الالتزام بالعمل، إن أريد كون الالتزام طريقا محضا للعمل بما التزم به بحيث لا موضوعية فيه بوجه فيكون عبارة أخرى عن العمل و لا نزاع منه مع من فسّره بنفس العمل، و إن أراد أنّه نفس الالتزام من حيث هو بلا دخل للعمل فيه، فيرده اللغة و العرف.

نعم، حيث إنّ العمل غالبا يتوقف على العلم به و الالتزام بصدوره عن حجة معتبرة صح التعبير: بأنّ التقليد هو الالتزام من باب الغالب لا من جهة دخل الالتزام في حقيقته و قوامه، و إلا فلا يجب الالتزام نفسا في الأحكام و لا يشترط في صحة العمل للأصل بعد عدم الدليل عليه من العقل أو الشرع كما فصّل ذلك في الأصول.

و ما قيل: من أنّه يعتبر في صحة العمل صدوره عن حجة معتبرة مع أنّه قد يكون عبادة و هي متوقفة على قصد القربة و هو متوقف على الحجة و إلا لكان تشريعا، فلو كان التقليد عبارة عن نفس العمل لم يكن صدوره عن الحجة و لم تحصل القربة إن كان عبادة لعدم ثبوته بالحجة بعد، فلا بد من الالتزام في الرتبة السابقة على العمل لئلا يلزم الإشكال.

مدفوع: بأنّ إحراز كون المفتي جامعا لشرائط الفتوى إجمالا يكفي في صدق أنّ العمل المطابق لرأيه صادر عن حجة معتبرة فيصح قصد القربة فيه أيضا إن كان عبادة.

______________________________

ص: 15


1- باب بذل العلم حديث 1 من أصول الكافي ج 1.

.....

______________________________

و أما تفسيره بالأخذ بقول الغير فإن كان المراد الأخذ العملي كما هو المتفاهم من الأخذ في مثل هذه الاستعمالات كقوله تعالى وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(1) فلا نزاع في البين.

و إن كان المراد الأخذ القلبي أي الالتزام فقد مرّ ما فيه، و إن أريد الأخذ بالجارحة الخاصة بلا عمل و الالتزام فهو واضح الفساد.

و خلاصة الكلام: أنّ الالتزام في الأحكام الفرعية مطلقا و في التقليد و كذا الأخذ لا موضوعية لهما بوجه بل طريق محض إلى العمل فمع تحققه خارجا تفرغ الذمة و يصح التقليد، تحقق الالتزام و الأخذ أم لا، و مع عدم تحقق العمل تشتغل الذمة و لا يتحقق التقليد أيضا تحقق الالتزام و الأخذ أم لا، و لكن الأولى هو التعبير بالالتزام كما تقدم.

فروع- (الأول): على فرض كون التقليد عبارة عن الالتزام يكفي فيه الالتزام الإجمالي و لا يعتبر التفصيلي منه، للأصل بعد عدم الدليل عليه، و حينئذ فيكون الالتزام بأصل الشريعة بما قرّره الشارع من رجوع العوام إلى من استجمع شرائط الفتوى التزام بالعمل بفتواه في الجملة، فلا ثمرة في نزاع أنّ التقليد التزام بالعمل أو نفس العمل.

(الثاني): لا يعتبر السبق الزماني للالتزام على العمل بل يكفي الرتبي فقط إذا لا دليل على الأزيد منه.

(الثالث): لو عمل بلا التزام سهوا أو جهلا أو عمدا و لكن استجمع عمله لشرائط الصحة بنظر من يصح الاعتماد على رأيه، فظاهرهم الصحة حتّى عند القائلين بأنّه التزام بالعمل لعدم الدليل على كونه شرطا لصحة العمل كشرطية الإيمان مثلا.

(الرابع): قد ذكرنا (2) أنّ التقليد هو العمل برأي من يصح الاعتماد على رأيه فهل هو تطبيق العمل و استناده إلى رأي من صح الاعتماد على رأيه حتّى يكون

______________________________

ص: 16


1- سورة الحشر الآية: 7.
2- تقدم في صفحة: 8.

بقول مجتهد معيّن (16) و إن لم يعمل بعد، بل و لو لم يأخذ

______________________________

أمرا اختياريا في قوام ذاته، أم يكفي فيه مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه سواء التفت إليها أم لا، و سواء قصد التطبيق و الاستناد أم لا قولان. الحق هو الثاني، لأنّ التطبيق و الاستناد و نحوهما من التعبيرات ليست شرطا لصحة العمل من حيث هو، كشرطية الطهارة للصلاة و الإيمان للعبادات، بل واجب طريقيّ على القول به لمطابقة العمل لرأيه.

نعم: حيث إنّ المطابقة لا تحصل غالبا إلا بالتطبيق و الاستناد يذكر ذلك لا لدخله في قوام التقليد و حقيقته.

فتخلص من جميع ما تقدم: أنّ التقليد: «مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه سواء حصلت المطابقة من التطبيق و الاستناد أم لا».

(16) المجتهد الذي يصح العمل برأيه إما متحد أو متعدد، و على الثاني إما مختلفون في الفتاوى أو لا.

و لا وجه للتعيين بل لا موضوع له في الأول، لأنّ التعيين الخارجي يغني عن التعيين القصدي إذا القصد إليه تعيين لا محالة، سواء قصد التعيين أم لا.

و كذا لا يجب في القسم الثالث لتعيّن الفتوى و عدم اختلافه و تعدد المفتي مع وحدة الفتوى لا يوجب الاختلاف الذي يوجب التعيين فيصح التقليد عن الشخص المعيّن، للسيرة و إطلاقات الأدلة اللفظية و عموماتها كما يصح عن الكلّ و عن الكلّيّ في المعيّن أيضا، و للإطلاق و العموم. نعم، لا يصح عن المردد بما هو كذلك لعدم تحققه خارجا بل لو لا ذهنا لأنّ التحقق مساوق للتشخص و هو ينافي التردد.

و أما على الثاني، فإما أن يكون الاختلاف بنحو يمكن الجمع بين آرائهم و يتحقق بذلك الجمع بين المحتملات، فينطبق هذا قهرا على الاحتياط، أو يكون بنحو لا يمكن ذلك، و على كلّ تقدير يجب التعيين مقدمة للعمل. هذا كلّه مع التساوي في الفضيلة، و أما مع التفاضل و تحقق الأعلمية فيأتي تفصيله في المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

ص: 17

فتواه، فإذا أخذ رسالته و التزم بالعمل بما فيها كفى في تحقق التقليد (17).

مسألة 9: الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت و لا يجوز تقليد الميت ابتداء (18).

______________________________

ثمَّ إنه لو عمل بلا تعيين في مورد لزومه، جهلا أو سهوا أو عمدا فإن طابق العمل للواقع يصح و إلا فلا. و طريق إحراز المطابقة أما إحراز كون العمل مطابقا لرأي من يصح الاعتماد على رأيه من المجتهدين أو مطابقته للاحتياط.

(17) ظهر- من جميع ما تقدم- عدم كون أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل تقليدا.

(18) البحث في تقليد الميت يقع في صور:

فتارة: يكون عن تقليده ابتداء، و أخرى: عن البقاء على تقليده، و كلّ منهما تارة: مع موافقة رأيه لرأي من يصح الاعتماد على رأيه من الأحياء و أخرى: مع المخالفة.

الصورة الأولى: و هي تقليده ابتداء مع موافقة رأيه للأحياء و الأموات أيضا، فيصح العمل حتّى بناء على القول بأنّ التقليد هو الالتزام بالعمل، لما مرّ من بيان المراد منه لأنّه و إن كان التزاما برأي الميت ابتداء لكن بعد مطابقته لرأي الحيّ يكون التزاما بالنسبة إليه أيضا بالعرض، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، بل الأصل ينفيه. و أما جواز أصل تقليده فيدل عليه ما يدل على الجواز في صورة المخالفة بالأولوية، و ما ادعي من الإجماع على عدم جواز تقليد الميت ابتداء، المتيقن بل الظاهر منه غير هذه الصورة.

الصورة الثانية: و هي تقليده ابتداء مع المخالفة لآراء الأحياء و الأموات في الجملة، فلا ريب في ثبوت السيرة العقلائية في كلّ علم أو صنعة و حرفة في كلّ زمان و مكان أو كلّ مذهب و ملّة على الرجوع إلى آراء الأموات في الجملة و الاستفادة منها و الاعتماد عليها و اتباعها علما و عملا، و يصح التمسك بإطلاقات الأدلة اللفظية من الآيات و الروايات (1)أيضا.

______________________________

ص: 18


1- تقدم ذكرهما في صفحة: 9.

.....

______________________________

و أشكل عليه أولا: بأنّه لا ريب في اختلاف الأموات في الفتوى فلو شملها دليل الحجية يلزم التكاذب في مفاده.

و يرده: بأنّ العلم بالاختلاف غير منجز لمن يريد أن يقلد الشيخ الطوسي رحمه اللّه تعالى مثلا لخروج جملة كثيرة من الأحكام غير الابتلائية عن مورد ابتلائه، و خروج جمع كثير من الفقهاء المفضولين بالنسبة إلى الشيخ عن مورد ابتلائه، و بعد عدم تنجز هذا العلم الإجمالي لا محذور في التمسك بالإطلاقات و العمومات.

مع أنّ لنا أن نقول: إنّ الشارع رفع اليد عن الواقع في مورد هذه الاختلافات لمصالح شتى كما في موارد التقية و نحوها. أو أنّ الواقع هو الانتهاء إلى الكتاب و السنة بنحو ما قرّره الشارع اتحدت الأنظار في المفاد أو تعددت لأنّه عالم باختلاف الأفهام و الأنظار و تحقق الاختلاف في الأحكام الظاهرية بين الفقهاء و عدم إمكان إجماع الأنظار على شي ء واحد في جميع الفروع الاجتهادية عادة، و مع ذلك أكد أشدّ التأكيد على متابعة الفقهاء فكيف يكون الاختلاف حينئذ موجبا للتكاذب بل يصح أن تكون في نفس العمل برأي من صح الاعتماد على رأيه حينئذ مصالح كثيرة يدرك بها فوت الواقع لو تحقق، فتكون آراؤهم الشريفة مما أنزلها اللّه تعالى من هذه الجهة و إن اختلفت و تعددت.

قال صاحب الجواهر: «و بذلك ظهر أنّ دليل التقليد حينئذ هو جميع ما في الكتاب و السنة من الأمر بأخذ ما أنزل اللّه تعالى و القيام بالقسط و العدل و نحو ذلك، و اختلاف المجتهدين بسبب اختلاف الموازين التي قررها صاحب الشرع لمعرفته غير قادح في كون الجميع مما أنزل اللّه تعالى شأنه من الحكم».

و بهذا يجاب عما إذا علم بالاختلاف تفصيلا أو بالعلم الإجمالي المنجز.

هذا مع أنّ الأدلة اللفظية على فرض تمامية دلالتها إرشاد إلى بناء العقلاء و تقدم استقرار بنائهم على العمل برأي الأموات.

إن قلت: يكون مفاد أدلة حجية الفتوى على هذا، الحجية التخييرية مع أنّ المتفاهم منها الحجية التعيينية و يجري هذا الإشكال في العدول من الحيّ إلى الحيّ و غيره أيضا.

ص: 19

.....

______________________________

قلت: ظهور اللفظيّ منها و المتعيّن من اللّبيّ منها في خصوص التعيينية أول الدعوى فهي تدل على مجرد الحجية تعيينية كانت أو تخييرية، و على فرض استظهار الأولى فهو من جهة الانصراف في الأدلة اللفظية و غلبة الوجود في الأدلة اللّبية لا يضر بأصل الحجية كما هو معلوم، و حينئذ فإن دل الدليل الخارجي على التعيينية تعينت و إلا فهي إما تخييرية شرعية أو عقلائية.

و ثانيا: إنّ ظاهر آية الإنذار (1)التي هي من أدلة حجية قول المفتي و وجوب الرجوع إليه هو فعلية الإنذار حين الإفتاء بالنسبة إلى المستفتي و لا يتحقق ذلك لمن مات و كذا قوله عليه السلام: «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه». (2) فإنّ المنساق من هذه الصفات فعليتها حين الإفتاء فلا يكفي مجرد تلبسها فيما مضى.

و فيه: أولا: أنّ جميع الأدلة اللفظية لا تشتمل على مثل هذه التعبيرات فيصح الأخذ بإطلاقها و عموماتها.

و ثانيا: المتفاهم عرفا من مثل الآية و الرواية قبول قول من كان متصفا بهذه الصفات و لائقا لقبول قوله سواء كان حيّا أم ميتا، فللصفات دخل في القبول لا في الحياة، فمن كان متصفا بها يقبل قوله و لو كان ميتا، و من لم يكن متصفا بها لا يقبل قوله و لو كان حيّا- كما يقال في المحاورات يجب قبول قول الناصح المشفق و الحكيم الخبير و العالم الناقد البصير إلى غير ذلك من التعبيرات الظاهرة عرفا في اعتبار الصفة لا الحياة، و كذا الكلام في الإمامة العظمى فإنّ لصفات الإمامة دخلا في الاعتقاد به لا الحياة الظاهرية فيرجع إليه عليه السلام و لو بعد موته الظاهري فالسيرة ثابتة و الردع غير ثابت فيصح التمسك بها كما يصح التمسك بالأصل أيضا في الحكم التكليفي، فيستصحب وجوب تقليده في صورة التعيين و جوازه في غيرها.

و ما قيل تارة: إنّه من الشك في أصل الحدوث لا البقاء.

و فيه: إنّ الحدوث إذا لوحظ بالنسبة إلى المجتهد الميت فهو مقطوع به

______________________________

ص: 20


1- سورة التوبة (9) الآية: 122.
2- الوسائل باب: 10 من صفات القاضي حديث: 20.

.....

______________________________

و يكون الشك ممحضا في البقاء، و كذا إن لوحظ بالنسبة إلى نفس الأحكام المجتهد فيها، و إن لوحظ بالنسبة إلى من يريد تقليد الميت ابتداء فهو أيضا شك في بقاء الحكم حتّى بالنسبة إليه أو اختصاصه بخصوص من قلّده في زمان حياته، و يستصحب بقاء الوجوب لا محالة فيكون الشك في البقاء على أيّ تقدير.

و أخرى:- بأنّه معارض بأصالة عدم الجعل بالنسبة إليه.

و فيه: إنّ الشك في الجعل مسبب عن الشك في ثبوت حد أو قيد للحكم المجعول و عدم ثبوته، و بأصالة عدم ثبوت الحد و القيد له يرتفع الشك فيه فلا يبقى موضوع لأصالة عدم الجعل بعد ذلك، و يصح التمسك بالأصل في الحكم الوضعي أيضا بأن يقال: مقتضى الأصل بقاء الحجية و صحة الاعتذار برأيه.

و سيأتي في الجهة الثانية ما ينفع المقام.

فالمقتضي لجواز تقليد الميت ابتداء موجود، و لا مانع في البين سوى دعوى الإجماع و في كونه من الإجماع المعتبر تأمل، و بناء على اعتباره فمورده صورة العلم بمخالفة فتواه لفتوى الحيّ في المسائل الابتلائية التي يعمل بها المقلّد و عدم كون فتوى الميت مطابقة للاحتياط و إحرازهما مشكل بل ممنوع، لأنّ المسائل الابتلائية متفق عليها بين الكلّ غالبا. نعم، نعلم إجمالا بتحقق الاختلاف في الفتوى في الجملة و هو غير منجز لخروج جملة كثيرة من الفروع عن مورد ابتلاء العامي في كلّ عصر كما لا يخفى.

ثمَّ إنّه بناء على عدم جواز تقليد الميت ابتداء لو خالف ذلك و قلّده و طابق عمله الاحتياط أو رأي من يصح الاعتماد على رأيه من الأحياء صح و إلا فلا. و اللّه تعالى هو العالم بالحقائق.

الصورة الثالثة: و هي جواز البقاء على تقليد الميت مع موافقة رأيه لرأي الأحياء، و لا ريب في صحة العمل الموافق لرأيه سواء قلنا بأنّ التقليد: مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه أم قلنا بأنّه: العمل برأي الغير أم قلنا بأنّه: الالتزام بالعمل بقول الغير، لتحقق صحة استناد العمل إلى الحجة المعتبرة في جميع ذلك و مطابقته لرأي الحيّ كان البقاء على تقليد الميت جائزا أو لا.

و قد تقدم أنّ المراد بالالتزام على فرض اعتباره هو الإجمالي منه دون

ص: 21

.....

______________________________

التفصيلي فمن التزم بالبقاء على رأي الميت و هو مطابق لرأي الحيّ يصدق عليه أنّه ملتزم بالعمل برأي الحيّ بالعرض ما لم تكن على الخلاف بل الظاهر أنّه لا أثر لتقييد الخلاف في المقام ما لم يرجع إلى إخلال شرط أو جزء من العمل.

و أما جواز البقاء في هذه الصورة فيدل عليه جميع ما يأتي في صورة المخالفة بالأولوية.

الصورة الرابعة: و هي جواز البقاء على تقليد الميت مع مخالفة رأيه لرأي الحيّ فالسيرة عليه غير قابلة للإنكار و تشملها الإطلاقات و العمومات بنحو ما تقدم في التقليد الابتدائي و يجري الأصل في الحكم الوضعي و التكليفي و لا يجري ما تقدم في التقليد الابتدائي و يجري الأصل في الحكم الوضعي و التكليفي و لا يجري هنا إشكال الشك في أصل ثبوت الجعل للعلم بثبوته كما لا يخفى، مع أنّه لا تصل النوبة إلى الأصل بعد تحقق السيرة.

و دعوى: أنّ جريان الأصل في هذه الموارد، إما في الحكم الواقعي أو في الظاهري أو في الحكم الوضعي. و الأول مخدوش بعدم اليقين السابق، و الثاني بأنّ الحكم الظاهري ليس متقوّما بمجرد حدوث الرأي فقط بل به و بالبقاء أيضا، و لا بقاء مع معارضة الأخيرين بأصالة العدم.

مدفوعة: أما الأول، فبأنّ عدم اليقين السابق إنّما هو فيما إذا لوحظت كلّ واقعة مستقلة و بحسب ذاتها، و أما إذا لوحظ مجموع الوقائع من حيث المجموع فلا ريب في تحقق الحكم الواقعي فيها مع أنّ غلبة إصابة الأمارات للواقع مستلزمة لثبوته في كلّ واقعة أيضا إلا ما ظهر الخلاف.

و أما الثاني: فبأنّ المناط في صحة التقليد، الرأي- بمعنى اسم المصدر و هو متقوّم بصاحبه حدوثا فقط لا بقاء. نعم، لو كان المناط فيه الرأي بمعنى المصدر لكان في البقاء أيضا محتاجا إليه و لكنّه باطل.

و أما الثالث: فيما ثبت في محلّه من صحة جريان الأصل فيها بلا شبهة.

و أما الرابع: فبأنّها مبنية على جريان الأصل في الأعدام الأزلية و هو بعيد عن الأذهان العرفية مع أنّها لو جرت في نظائر المقام لسقطت تمام الاستصحابات الوجودية بلا كلام، و هو خلاف ما تسالم عليه الأعلام.

و دعوى: الانعدام بعروض الموت فلا موضوع للاستصحاب حينئذ.

ص: 22

.....

______________________________

مردودة: لأنّ تعلق الروح بالبدن و استكماله فيما له الرأي موجب لحدوث الرأي خارجا، و أما بقاء الرأي فليس منوطا ببقاء صاحبه بل له أسباب أخرى من الحفظ في الكتب أو القلوب و نحو ذلك، فليست العلة المحدثة هي المبقية بعينها. فالرأي مثل البناء و الأثر و الصنعة فكما يصح التقليد في صنائعهم يصح التقليد في آرائهم.

إن قلت: ظاهرهم التسالم على عدم صحة التقليد عند عروض النسيان أو الجنون، و الموت مثلهما.

قلت-: مضافا إلى ظهور الإجماع على المنع فيهما دون المقام-: إنّ القياس مع الفارق، لكونهما موجبين للخلل في الفكر و القوة العاقلة فيختل الرأي قهرا، و الموت ليس كذلك، بل هو انقطاع الروح عن البدن و انفصالها عنه بلا خلل في أحدهما أصلا. هذا و سيأتي في [مسألة 24] ما ينفع المقام.

و خلاصة الكلام من المبدإ إلى الختام: أنّ المقتضي لتقليد الميت ابتداء و البقاء عليه مطلقا موجود، و المانع منحصر بدعوى الإجماع على المنع في التقليد الابتدائي دون البقاء، مع أنّ اعتباره في مورده مشكل فكيف بغيره! ثمَّ إنّه لا بد في البقاء من صدقه عرفا بنحو يخرج عن التقليد الابتدائي بأن عمل ببعض المسائل في الجملة و لا يعتبر العمل بجميع المسائل التي يبقى على تقليده فيها لصدق البقاء عرفا فيما إذا عمل بالبعض أيضا.

و لكن هذا كلّه إذا لم يكن المقلّد مترددا في حجية فتوى من يجوّز البقاء على التقليد. و إلا فيشكل تقليده فيه لأنّ المتيقن من السيرة و المنساق من الأدلة غير هذه الصورة خصوصا في مسألة البقاء و تقليد الأعلم التي تكون بمنزلة أصل التقليد في الجملة فلا بد و أن لا تكون محل الشبهة و التردد. و يأتي في [مسألة 46] نظير المقام.

فروع- (الأول) المناط في الموافقة و المخالفة فيما تقدم هو التوافق و التخالف في الفتوى دون الاحتياط، فلو كان قول الميت موافقا للاحتياط يصح الأخذ به و إن خالف فتوى الحيّ حتّى في التقليد الابتدائي.

(الثاني) مورد الموافقة و المخالفة لا بد و أن يكون في المسألة الابتلائية دون

ص: 23

مسألة 10: إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز له العود إلى الميت

(مسألة 10): إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز له العود إلى الميت (19).

مسألة 11: لا يجوز العدول عن الحيّ إلى الحيّ

(مسألة 11): لا يجوز العدول عن الحيّ إلى الحيّ (20). إلّا

______________________________

الخارجة عنها و هي كثيرة جدا في كلّ عصر و زمان و بالنسبة إلى كلّ أحد لعدم الأثر للعلم بالمخالفة حينئذ.

(الثالث) من تلحظ الموافقة و المخالفة بالنسبة إلى رأيه لا بد و أن يكون مجتهدا جامعا للشرائط من كلّ جهة بحيث يعتنى بقوله بين أقوال الفقهاء فلا عبرة بموافقة غيره و مخالفته.

(الرابع) يعتبر في إحراز المخالفة أن يكون بطريق معتبر علما كان أو علميا.

(19) استدل عليه تارة: بالإجماع. و فيه: أنّ المتيقن منه على فرض اعتباره التقليد الابتدائي دون مثل الفرض.

و أخرى: بأصالة عدم الحجية. و فيه: أنّها محكومة بما تقدم من السيرة و الأصول و الإطلاقات و العمومات على جواز البقاء بل التقليد الابتدائي، و المقام إن لم يكن من البقاء عرفا يكون من التقليد الابتدائي.

و ثالثة: بأصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير. و فيه: أنّها كذلك لو لم يكن إطلاق أو سيرة أو أصل آخر على الخلاف. هذا كلّه مع المخالفة في الفتوى و إلا فلا أثر للنزاع أصلا.

(20) مورد هذا الفرع في صورة اختلافهما في الفتوى و عدم كون فتوى المعدول إليه موافقة للاحتياط. و استدل عليه تارة: بأصالة عدم الحجية و أخرى:

بأصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير.

و فيهما- ما تقدم في المسألة السابقة من أنّ وجود الإطلاقات و العمومات يمنع عن التمسك بالأصل.

و أما المناقشة فيها بسقوطها بالمعارضة فقد مر دفعها بإمكان السببية في الجملة في الاستظهارات المنتهية إلى الكتاب و السنة بالطرق الصحيحة الشرعية

ص: 24

إذا كان الثاني اعلم (21).

مسألة 12: يجب تقليد الأعلم مع الإمكان

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان (22).

______________________________

لمصالح شتّى كما تقدم و لا محذور فيه من عقل أو شرع بل يستفاد منها التخيير العقلائي حدوثا و بقاء، و لا نحتاج معه إلى استصحاب التخيير مع أنّه لا إشكال فيه أيضا إلا دعوى أنّ موضوع التخيير فيما إذا لم تقم عنده الحجة، و مع الأخذ بقول أحدهما قامت لديه الحجة فيسقط هذا الموضوع فلا يجري الأصل.

و فيه: أنّ موضوع التخيير من لم تقم عنده الحجة التعيينية من كلّ حيثية و جهة إثباتا و ثبوتا و لا ريب في تحققه فيجري الأصل بلا محذور.

إن قلت: سلّمنا ذلك و لكنّه معارض باستصحاب الحجة الفعلية لما أخذه.

فهو معاضد لاستصحاب التخيير لا أن يكون معارضا. هذا و يشهد لما ذكرنا ثبوت السيرة على العدول من أهل خبرة شي ء إلى مثله في الجملة فإنّا نرى أنّ من رجع إلى خياط مثلا مدة يدعه و يرجع إلى غيره مع تساويهما في فنهما و اختلافهما في النظر في الجملة.

و قد يستدل على عدم الجواز بالإجماع المحكي عن المحقق القمي. و يرد بعدم ثبوت كونه من الإجماع المعتبر.

(21) يأتي ما يتعلق به في المسألة التالية.

(22) نسب ذلك إلى المشهور و موضوع البحث فيما إذا أحرزت الأعلمية مع إحراز مخالفة فتواه مع فتوى العالم مع عدم كون فتوى العالم موافقة للاحتياط، فينبغي أن يعنون البحث (يجوز تقليد العالم فيما توافق نظره مع نظر الأعلم و كذا فيما تخالف مع كون نظر العالم مطابقا للاحتياط و يجب تقليد الأعلم في مورد مخالفة رأيه لرأي العالم إذا كان رأيه مخالفا للاحتياط).

و كيف كان لا إشكال في جواز تقليد العالم فيما إذا توافق رأيه مع رأي الأعلم سواء قلنا إنّ التقليد: هو مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه، لتحقق المطابقة حينئذ قطعا أن قلنا بأنّه: العمل بقول الغير، لتحقق العمل بقول الأعلم

ص: 25

.....

______________________________

أيضا و هكذا على القول بأنّه: الالتزام بالعمل بقول الغير، لأنّ الالتزام بالعمل بقول العالم مع مطابقته لرأي الأعلم التزام بالعرض بالعمل بقول الأعلم أيضا و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا المقدار من الالتزام.

و أما إذا طابق رأي العالم للاحتياط و خالف قول الأعلم فلا ريب في صحة تقليد العالم، للعلم بدرك الواقع حينئذ.

و أما إذا خالف الاحتياط و خالف رأي الأعلم أيضا ففي هذا القسم استدل على وجوب تقليد الأعلم بأمور:

الأول: السيرة العقلائية الجارية على الأخذ بقول الأعلم عند المخالفة.

و فيه: إنّ المتيقن منها صورة إحراز إصابة الواقع لدى المخالفة أو غلبة الإصابة و كلاهما في المقام ممنوع. مع أنّ المتيقن منه ما إذا أحرزت الأعلمية بالخصوص في مورد المخالفة و المقام أعم منه، لأنّ مورد البحث ما إذا أحرزت الأعلمية في الجملة لا بالتفصيل في كلّ مسألة مضافا إلى أنّ المعلوم من السيرة الرجوع إلى الأعلم عند المخالفة ما إذا قل الاحتلاف و كان مورد المخالفة من الأمور المهمة التي تكون فيها المسؤولية من كلّ جهة لا في مثل الظنون الاجتهادية التي شاع الخلاف فيها حتّى من فقيه واحد و لا مسؤولية فيها عند المخالفة أبدا إلا مع التقصير و معه يسقط اعتبار الاجتهاد رأسا فكيف بالأعلمية.

الثاني: أصالة عدم حجية رأي العالم مع وجود الأعلم، و أصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير.

و فيه: إنّهما محكومان بالإطلاقات و العمومات. بل و بالسيرة في الجملة.

الثالث: الإجماع الذي ادعاه السيد و المحقق الثاني (قدس سرّهما).

و فيه: إنّه يمكن المناقشة في مثل هذه الإجماعات كما ثبت في علم الأصول قال صاحب الجواهر في كتاب القضاء: «لم نحقق الإجماع من المحقق الثاني و إجماع المرتضى مبني على مسألة تقليد المفضول في الإمامة العظمى مع وجود الأفضل و هو غير ما نحن فيه».

ص: 26

.....

______________________________

الرابع: أنّه قد ورد الرجوع إلى الأفقه في القضاء عند اختلاف القضاة (1).

و فيه: أولا: عدم دلالته حتّى في مورده كما يأتي في [مسألة 56].

و ثانيا: التعدي من القضاء إلى الفتوى يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

الخامس: أنّ الظن الحاصل من قول الأعلم أقرب إلى الواقع.

و فيه: منع البناء و المبنى كما لا يخفى، و لذلك ذهب جمع من الفقهاء إلى جواز تقليد العالم مع وجود الأعلم حتّى في مورد مخالفة الفتوى، و استدلوا عليه بأمور:

الأول: أنّه مقتضى الإطلاقات و العمومات الدالة على الرجوع إلى العلماء و السؤال عنهم (2).

و أشكل عليه تارة: بأنّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

و فيه: أنّ ظاهر الكلام أن يكون في مقام البيان مطلقا إلا إذا دلت قرينة على الخلاف و هي مفقودة.

و أخرى: بأنّها لا تشمل صورة الاختلاف.

و فيه: ما تقدم في تقليد الميت فراجع.

الثاني: إفتاء أصحاب المعصومين مع اختلافهم في الفضيلة و عدم صدور إنكار منهم عليهم السلام و ذلك واضح لمن تدبر أحوالهم و كيفية معاشرة المعصومين عليهم السلام معهم.

و فيه: أنّه لم يعلم منهم الاختلاف في الفتوى أيضا بل الظاهر أنّهم كانوا يفتون بعين النصوص التي كانوا يتلقونها عن المعصومين عليهم السلام.

الثالث: السيرة المستمرة في الإفتاء و الاستفتاء مع اختلاف الفقهاء في الفضيلة.

و فيه: إنّه لم يعلم تحقق السيرة حتّى في صورة إحراز الاختلاف في الفتوى و إحراز الأعلمية و المتيقن منها صورة الموافقة.

الرابع: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يولّي القضاء إلى بعض

______________________________

ص: 27


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي حديث: 1، 20، 45.
2- تقدم في صفحة 9.

.....

______________________________

أصحابه مع حضور أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أفقههم. و أنّ الأئمة مع وجودهم كانوا يأمرون الناس بالرجوع إلى أصحابهم و ترغيبهم إلى الفتوى بعبارات شتّى(1).

و فيه: ما أوردناه على الوجه الثاني.

الخامس: أنّ الأحكام مستندة إلى ظواهر الكتاب و الروايات المنزلة على الأذهان العرفية المستقيمة و الإجماعات و الشهرات و الضرورات و المسلّمات و لا ثمرة للأعلمية فيها و إنّما هي تنتج في بعض التحقيقات و التدقيقات التي ربما كانت بمعزل عن مذاق الأئمة عليهم السلام.

و فيه: أولا، أنّ عمدة مدارك الأحكام الروايات التي هي بمنزلة الشرح و البيان للكتاب و لا يمكن استفادة شي ء من الآيات الكريمة ما لم يعرض على الروايات الشريفة و هي مختلفة و متعارضة كما هو معلوم. و أنّ كلمات الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) هي بمنزلة الشرح لتلك الروايات المختلفة أيضا فتكون استفادة الأحكام مع هذا الاختلاف الفاحش لغير الأعلم مشكلة كما لا يخفى على الخبير.

و ثانيا: أنّ التحقيقات و التدقيقات الفقهية لها مدخل عظيم في استنباط الأحكام من المدارك المختلفة المتعارضة المبتنية عليها الأحكام.

السادس: قد استقصي بحمد اللّه طرق الاستدلال على المسائل الفقهية، و ما يرد عليها من الإشكالات و ما يجاب عنها و سائر ما هو لازم للفحص الاجتهادي في كتب المتقدمين فكيف بالمتأخرين فضلا عن متأخري المتأخرين و اللازم الإحاطة بها إحاطة فهم و تدبر، فإن كان المراد بالأعلم من أحاط بكلّها و بالعالم من أحاط ببعضها فيرجع إلى بحث المتجزي و المطلق، و إن كان المراد به من يقدر أن يزيد على ما أتوا به (رضوان اللّه تعالى عليهم) فهو من لزوم ما لا يلزم.

و فيه: أنّ الراد بالأعلمية الأجود فهما و الأحسن تعيينا للوظائف الشرعية كما يأتي إن شاء اللّه تعالى. و لا دخل لذلك بما ذكر نعم، كثرة الإحاطة بالأدلة

______________________________

ص: 28


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي.

على الأحوط و يجب الفحص عنه (23).

______________________________

و المسائل لها دخل في حصول مرتبة الأعلمية لا أن تكون عينها كدخل أمور أخرى فيها.

هذا: و قد يتمسك لعدم اعتبارها بأنّ في تشخيصها عسرا و حرجا فينفى بدليل نفي العسر و الحرج. و فيه: ما لا يخفى.

و خلاصة القول: إنّ عمدة الدليل على عدم الاعتبار التمسك بالإطلاق و العموم و السيرة في الجملة.

و يمكن المناقشة في الأوليين بعدم كونهما متكفّلين لبيان هذه الجهات.

و أما السيرة فثبوتها أول الدعوى و على فرض الثبوت ففي كونها من السيرة التي يعتنى بها في الفقه مجال للبحث فأصالة عدم الحجية و أصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير محكمة. هذا. و عن بعض مشايخنا قدست أسرارهم: «إنّ كلّ من يصير أعلم يعترف بكون الأعلمية شرطا فكون هذا الشرط وجدانيّا أقرب إلى أن يكون استدلاليا» فما هو المشهور هو الأحوط لو لم يكن أقوى.

و الظاهر أنّها كما تشترط في صحة التقليد تشترط في صحة الفتوى أيضا.

(23) لأنّ وجوب الفحص عن الحجة عند التردد و الحيرة مما تسالم عليه العقلاء مع ظهور تسالم الفقهاء عليه أيضا و لكن الأقسام المتصورة في المقام سبعة:

الأول: العلم بوجود الأعلم و توافقه في الفتوى مع العالم.

الثاني: هذه الصورة مع الاختلاف فيه و كون فتوى العالم موافقة للاحتياط، و لا وجه لوجوب الفحص فيهما، لما مرّ من عدم تحقق موضوع وجوب تقليد الأعلم حينئذ.

الثالث: الجهل بوجود الأعلم و على فرض وجوده، الجهل باختلاف فتواه مع غيره.

الرابع: الشك في أصل وجوده و الشك في الاختلاف على فرض وجوده و لا وجه لوجوب الفحص فيهما أيضا لما تقدم من تقوّم وجوب تقليد الأعلم بوجوده مع

ص: 29

مسألة 13: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة

(مسألة 13): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما (24) إلا إذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع (25).

______________________________

إحراز الاختلاف. و مقتضى السيرة العقلائية و الإطلاقات و العمومات المنزلة عليها صحة الرجوع إلى الكلّ حينئذ.

الخامس: الجهل بالاختلاف و العلم بالتفاضل.

السادس: الجهل بالتفاضل و العلم بالاختلاف.

و الظاهر جريان السيرة على الرجوع إلى الكل فيهما أيضا فتشملهما الإطلاقات و العمومات، لما تقدم من تقوّم الوجوب بأمرين: إحراز التفاضل و الاختلاف معا، مضافا إلى أنّ المتيقّن من السيرة الدالة على لزوم الفحص غير هذين القسمين.

و ما يقال: من عدم شمول أدلة الحجية لصورة الاختلاف فقد تقدمت المناقشة فيه و لكن الأحوط الفحص في كلّ ما شك في ثبوت السيرة في الرجوع إلى الكلّ.

السابع: العلم بالتفاضل و العلم بالاختلاف. و يجب الفحص فيه لما مرّ.

فرع:- حيث إنّ الأعلمية صفة حادثة يصح الرجوع عند الشك في وجودها إلى الأصل كما أنّ المخالفة أيضا كذلك و ليس ذلك بمثبت، لأنّ الأثر مترتب على إحراز المخالفة لا إحراز الموافقة كما تقدم.

(24) للإطلاقات و العمومات و السيرة سواء اتحدا في الفتوى أم اختلفا لشمولها للصورتين.

(25) استدل عليه تارة بأصالة التعيين عند دوران الأمر بينه و بين التخيير.

و فيه: إنّه ليس كلّ احتمال تعيين منشأ للأخذ به و تعينه بل لا بد و أن يكون مما له دخل في الملاك و لا دخل للأورعية في العلم إلا أن يقال: إنّ الأورع يتحفظ على تطبيق فتاواه على الاحتياط مهما أمكنه.

ص: 30

مسألة 14: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل

(مسألة 14: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم (26) و إن أمكن الاحتياط (27).

مسألة 15: إذا قلّد مجتهدا كان يجوّز البقاء على تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة

(مسألة 15: إذا قلّد مجتهدا كان يجوّز البقاء على تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة بل يجب الرجوع إلى الحيّ الأعلم في جواز البقاء و عدمه (28).

______________________________

و أخرى: بما ورد في المقبولة (1) من تقديم الأعدل و الأصدق و الأورع على غيره.

و فيه: إنّ مورده القضاء و التعدي منه إلى الفتوى مشكل.

و ثالثة: بجريان سيرة المتشرعة على الأخذ بقول الأورع.

و فيه: إنّ ثبوتها مشكل، و على فرض الثبوت فاعتبارها أشكل في مقابل الإطلاقات و العمومات. نعم، لا ريب في أنّ ذلك أحوط كما سيأتي منه قدس سره في [مسألة 33].

(26) مع مراعاة الأعلم فالأعلم ما سيأتي في [مسألة 61] و ذلك لأدلة التقليد من العمومات و الإطلاقات و السيرة بلا دليل على التخصيص و التقييد.

(27) لعدم الدليل على تعيينه بل مقتضى الأدلة القطعية الدالة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم عدمه و سبق في [مسألة 4] ما يرتبط بالمقام.

(28) لأنّ البقاء على تقليده في هذه المسألة لا بد و أن يستند إلى حجة معتبرة من اجتهاد أو ضرورة، أو سيرة عقلائية معتبرة، أو تقليد صحيح.

و الأولان: مفروضا الانتفاء لفرض كون المقلّد عاميا و عدم كون المسألة من الضروريات.

و كذا الثالث لعدم تحقق السيرة على البقاء في خصوص هذه المسألة بل

______________________________

ص: 31


1- الوسائل باب 9: من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

مسألة 16: عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل

(مسألة 16): عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل و إن كان مطابقا للواقع (29)، و أما الجاهل القاصر أو المقصّر الذي كان غافلا

______________________________

الظاهر تحققها على الخلاف حيث إنّ المتشرعة يرجعون إلى الحي في مسألة جواز البقاء و عدمه.

و الرابع: إن كان بالرجوع إلى نفس الميت فهو دور لأنّه من إثبات حجية رأيه برأيه، فتعيّن أن يكون بالرجوع إلى غيره، و هو المطلوب. و لو نوقش في الدور بإمكان فرض اختلاف الجهة فلا يكون التوقف من جهة واحدة حتى يلزم الدور لا يجوز الرجوع إليه أيضا لعدم شمول أدلة التقليد لهذه المسألة و لا أقل من الشك في الشمول فلا يصح التمسك بالأدلة اللفظية و غيرها كما لا يخفى.

إن قلت: قد تقدم سابقا جواز البقاء على تقليد الميت فكيف يجمع بينه و بين المقام من عدم جوازه.

قلت: ما مر سابقا كان بالنسبة إلى سائر المسائل غير مسألة البقاء على تقليد الميت و البحث في المقام في خصوص مسألة البقاء فقط دون سائر المسائل و سيأتي في [مسألة 61] بعض ما يرتبط بالمقام.

(29) الجاهل إما قاصر أو مقصّر و كلّ منهما إما ملتفت أو لا، و العمل الصادر منه إما واجد لجميع الشرائط مطلقا أو فاقد لبعضها. و مقتضى ما تقدم من أنّ كلا من الاجتهاد و التقليد و الاحتياط طريق إلى إتيان العمل صحيحا و أنّه لا موضوعية لها بوجه هو صحة عمل الجاهل بجميع أقسامه إن طابق الواقع مستجمعا لجميع الأجزاء و الشرائط و بطلانه مع فقده لبعضها.

و من يقول بالبطلان في الصورة الأولى فلا بد له إما أن يقول بالموضوعية في الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط، و هو باطل، أو يستند إلى بعض الإجماعات المنقولة على البطلان، و اعتباره ممنوع، أو يقول: إن البطلان مستند إلى فقد جزء أو شرط أو وجود مانع، و هو خلف، أو مستند إلى اعتبار الجزم في النية و الجاهل غير جازم بها فيبطل عمله من هذه الجهة، و هو ممنوع صغرى و كبرى، إذ ربّ جاهل يحصل منه الجزم بالنية مع أنّه لا دليل على اعتبار الجزم أصلا بل

ص: 32

حين العمل (30) و حصل منه قصد القربة فإن كان مطابقا لفتوى المجتهد الذي قلّده بعد ذلك كان صحيحا و الأحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل (31).

______________________________

مقتضى الأصل عدمه، لأنّه من الشك في أصل الشرطية و المرجع فيها البراءة و اكتفاء العقلاء بالامتثالات الاحتمالية فيما بينهم من أقوى الشواهد على الصحة.

(30) ظهر مما تقدم عدم الفرق بينه و بين غيره إن استجمع العمل الأجزاء و الشرائط و فقد الموانع. نعم، ربما لا يتمشى من الملتفت قصد القربة فالعمل يكون باطلا من جهة الإخلال بالشرط لا من جهة أخرى.

(31) المناط كلّه في صحة العمل مطابقته مع الحجة المعتبرة و الاستناد و الالتفات إليه طريق إلى إحراز المطابقة لا أنّ له موضوعية خاصة و مع تحقق المطابقة لا أثر للاستناد و الالتفات إليه إلا بناء على أن تكون لنفس الالتفات إلى التقليد من حيث هو موضوعية خاصة، و لا دليل عليه بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار.

فروع (الأول): يكفي في صحة العمل مطابقته لرأي من يكون رأيه حجة معتبرة سواء اتفقت المطابقة حين صدور العمل أم حصلت حين اختيار التقليد و ذلك لما تقدم من أن تطبيق العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه لا موضوعية فيه بوجه بل هو طريق محض إلى تحقق المطابقة فمع حصول مطابقة العمل لرأي من وجب تقليده حين العمل لا يبقى موضوع لتطبيقه على الأخير و كذا العكس.

(الثاني) لو علم بمخالفة العمل للواقع مع مطابقته لرأي أحدهما ظاهرا يكون كمن قلّده عن عمد و التفات ثمَّ علم بالمخالفة فيبطل العمل في جميع الصور بناء على أنّ لرأي المجتهد طريقية محضة و أما بناء على أنّ له موضوعية في الجملة تسهيلا على الأنام كما سبق عن صاحب الجواهر و يستظهر أيضا من بعض الأعلام فيصح في الجميع.

(الثالث) لو كان العمل حين صدوره مطابقا لرأي مجتهد جامع للشرائط

ص: 33

مسألة 17: المراد من الأعلم: من يكون أعرف بالقواعد و المدارك للمسألة

(مسألة 17): المراد من الأعلم: من يكون أعرف بالقواعد و المدارك للمسألة و أكثر اطلاعا لنظائرها و للأخبار و أجود فهما للأخبار و الحاصل أن يكون أجود استنباطا (32) و المرجع في تعيينه أهل الخبرة و الاستنباط (33).

مسألة 18: الأحوط عدم تقليد المفضول

(مسألة 18): الأحوط عدم تقليد المفضول حتّى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل (34).

______________________________

فمات ذلك المجتهد يصح عمله. و ليس ذلك من تقليد الميت ابتداء كما هو واضح.

(الرابع) لو كان أحدهما أعلم يتعيّن لحاظ المطابقة مع رأيه على تفصيل تقدم في [مسألة 12].

(32) الأعلمية من الموضوعات العرفية و محتملاتها في المقام أربعة:

الأول: أن يكون أكثر علما من غيره. و هو باطل، إذ لا دخل لجملة كثيرة من العلوم.

الثاني: أن يكون أكثر استحضارا للفروع الفقهية و مسائلها. و هو باطل أيضا، إذ ربّ غير مجتهد يكون أكثر اطلاعا و حفظا للفروع الفقهية من المجتهد.

الثالث: أن يكون أقرب إصابة للواقع و هو باطل أيضا، إذ لا يمكن لأحد الاطلاع على ذلك إلا لعلّام الغيوب.

الرابع: أن يكون أجود فهما و أحسن تعيينا للوظائف الشرعية، و هذا هو المتفاهم منها عرفا في المقام و غيره مما جرت عليه سيرة العقلاء من الرجوع إلى الأعلم فيه.

(33) للسيرة العقلائية على الرجوع إلى أهل الخبرة في كلّ موضوع عند التردد فيه.

(34) لا وجه لهذا الاحتياط مطلقا سواء كان التقليد مطابقة العمل لرأي الحجة أم الالتزام برأي الغير أم مجرد العمل برأيه لصحة تحقق ذلك كلّه بالنسبة

ص: 34

مسألة 19: لا يجوز تقليد غير المجتهد

(مسألة 19): لا يجوز تقليد غير المجتهد و إن كان من أهل العلم (35) كما أنّه يجب على غير المجتهد التقليد و إن كان من أهل العلم (36).

مسألة 20: يعرف الاجتهاد بالعلم الوجداني

(مسألة 20): يعرف الاجتهاد بالعلم الوجداني (37) كما إذا كان المقلّد من أهل الخبرة و علم باجتهاد شخص، و كذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة (38) إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل

______________________________

إلى المفضول المتطابقة فتواه مع الأفضل فينطبق معنى التقليد بأيّ معنى كان بالنسبة إلى الأفضل أيضا.

نعم، أرسل في بعض الكلمات عدم جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل إرسال المسلّمات و لكنّه مردود بعدم كونه من الإجماع المعتبر و على فرض ذلك، فالمتيقن منه صورة المخالفة بينهما لا الموافقة. هذا إذا لم يترتب على تقليد المفضول محذور و إلا فقد يحرم.

(35) لأصالة عدم الحجية، و ظهور إجماع الإمامية، و لكن مع ذلك كلّه لو قلّده و طابق العمل مع رأي المجتهد الجامع للشرائط صح العمل المطابق له و سيأتي في [مسألة 43] ما يرتبط بالمقام.

(36) لما سبق في [مسألة 1] و لا بد من تقييده بما إذا لم يكن محتاطا.

(37) لأنّ حجية العلم من الفطريات لكلّ أحد.

(38) لاعتبار شهادة العدلين عند المتشرعة قديما و حديثا في كلّ شي ء و لم يرد ردع من الشارع، بل قد ورد ما يمكن استفادة تعميم اعتبار شهادتهما مطلقا(1) كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى بل يمكن أن يكون اعتبارها في الجملة مورد السيرة العقلائية، لأنّ أهل كلّ مذهب و ملّة يعتمدون على شهادة عدلين من أهل مذهبهم و ملّتهم و يرتبون عليها الأثر.

نعم ليس العدل في كلّ مذهب عدلا في جميع المذاهب و ذلك لا ينافي

______________________________

ص: 35


1- الوسائل باب 4: من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد (39)، و كذا يعرف بالشياع المفيد للعلم (40) و كذا الأعلمية تعرف بالعلم أو البينة غير المعارضة أو الشياع المفيد للعلم (41).

______________________________

اعتبار شهادة العدل في الجملة عند جميع الناس.

(39) لسقوطهما بالتعارض بعد عدم الترجيح في البين.

(40) الشياع و الأشياع و الاستفاضة بمعنى واحد و هما من موجبات سكون النفس و اطمينانها. قال صاحب الجواهر: «بل لعلّ ذلك هو المراد بالعلم في الشرع موضوعا و حكما فلا ريب في الاكتفاء به قبل حصول مقتضى الشك». و حيث قيده في المتن بإفادة العلم، فالمناط كله على حصوله، و لكن مع ذلك لا بد من التأمل كثيرا إذ نرى جملة كثيرة من الشايعات مستندة إلى أمور وهمية باطلة.

(41) لعدم اختصاص العلم بمورد دون آخر، كعدم اختصاص البينة أيضا إلا في موارد قيدها الشارع بقيد مخصوص من كونها أربعة أو بقدر القسامة أو غير ذلك.

و دعوى: أنّه يعتبر في قبول الشهادة أن تكون في الأمور الحسية، و الاجتهاد و الأعلمية من الحدسيات دون الحسيات.

مردودة أولا: إنّ المراد بالعلم فيها إنما هو علم الشاهد بالمشهود به، كعلمه بالشمس، كما في الحديث (1) سواء كان منشأ حصول العلم الحس أم الحدس.

و ثانيا: يمكن أن يكون المنشأ هنا حسيّا أيضا، لكثرة معاشرته و مباحثته معه فيسمع آراءه و يرى جهده و آثاره.

فرع:- هل يثبت الاجتهاد و الأعلمية بقول مطلق الثقة أو لا؟ قولان:

مستند الأول- سيرة العقلاء من الاعتماد عليه في الموضوعات الخارجية، و ورود أخبار كثيرة في الموارد المتفرقة (2) دالة على اعتبار قوله فيها.

______________________________

ص: 36


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الشهادات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمة العبادة حديث: 19 و باب 2: من الوكالة حديث: 1 و باب 97: من أحكام الوصايا و راجع باب 3: من الأذان و الإقامة و باب 59: من المواقيت.

مسألة 21: إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما و لا البينة

(مسألة 21): إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما و لا البينة فإن حصل الظنّ بأعلمية أحدهما تعيّن تقليده، بل لو كان في أحدهما احتمال الأعلمية يقدّم كما إذا علم أنّهما إما متساويان أو هذا المعيّن أعلم، و لا يحتمل أعلمية الآخر، فالأحوط تقديم من يحتمل أعلميته (42).

______________________________

و مستند الثاني- ما نسب إلى المشهور من عدم الاعتبار، و احتمال ردع السيرة برواية مسعدة بن صدقة المتقدمة: «و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (1).

بدعوى: أنّ المراد من الاستبانة هو العلم.

و فيه: أنّ الشهرة غير ثابتة و الاستبانة أعم من العلمية و مطلق الاطمئنان العرفي. فالقول بالثبوت قوي و طريق الاحتياط واضح. هذا إذا حصل منه الاطمئنان النوعي و الا فلا اعتبار به.

و يمكن أن يجمع بذلك بين القولين: فمن قال باعتباره، أراد صورة حصول الاطمئنان نوعا، و من قال بالعدم أراد صورة عدم حصوله.

(42) الأقسام أربعة: فتارة يحتمل التساوي بلا احتمال للأعلمية في البين أصلا لا في أحدهما بالخصوص و لا في كلّ منهما.

و أخرى: يحتمل التساوي مع احتمال أعلمية كلّ منهما من الآخر و الحكم فيهما هو التخيير لبناء العقلاء، و عدم ثبوت الردع عنه و عدم الدليل على الاحتياط.

و ثالثة: يحتمل التساوي مع احتمال أعلمية أحدهما بالخصوص.

و رابعة: يحتمل أعلمية أحدهما بالخصوص مع عدم احتمال التساوي

______________________________

ص: 37


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به، حديث 40.

مسألة 22: يشترط في المجتهد أمور

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور (43): البلوغ (44)، و العقل (45)، و الإيمان (46)، و العدالة (47)، و الرجولية (48)، و الحرية

______________________________

و الحكم فيهما تعيين الأخذ بقول محتمل الأعلمية، لأصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير.

(43) للمجتهد الجامع للشرائط مناصب مختلفة: الفتوى، و القضاء، و الزعامة العامة، و الشرائط المذكورة شرط لجميع تلك المناصب.

(44) للإجماع: و أما التمسك بالسيرة على الإطلاق فهو مشكل، إذ لم يحرز بناء من العقلاء على عدم الرجوع إلى غير البالغ مطلقا و إن أمكن دعواه على نحو الإجمال كما لا يصح التمسك بقول علي عليه السلام في معتبرة إسحاق بن عمّار: «عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة» (1) لأنّه حكم خاص في مورد مخصوص.

(45) لسيرة العقلاء- فضلا عن المتشرعة- و إجماع الفقهاء في المطبق و أما الأدواري في دور الإفاقة فلا دليل عليه سوى الإجماع.

(46) إجماعا، بل و إمكان دعوى القطع بعدم رضاء المعصومين عليهم السلام بالرجوع إلى غير من اتبعهم.

و أما قول أبي الحسن عليه السلام فيما كتب لعليّ بن سويد-: «لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنّك إن تعديتهم أخذت عن الخائنين الذين خانوا اللّه و رسوله و خانوا أمانتهم» الحديث (2) مضافا إلى قصور سنده، لا ربط له بالمقام، لكونه في مقام بيان مانعية الخيانة، و لا إشكال فيها حتّى لو تحققت في المؤمن الاثني عشري أيضا، و إنّما الكلام في أنّه إذا اجتهد غير الإمامي في فقه الإمامية، مع تحقق الأمانة و العدالة و سائر الشرائط. هل يصح تقليده أم لا؟

كما لا يصح الاستشهاد بقول أبي الحسن عليه السلام لأحمد بن حاتم بن

______________________________

ص: 38


1- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة حديث: 3: 19.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث 42 و 5.

.....

______________________________

ماهويه و أخيه: «فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا، و كل كثير القدم في أمرنا فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى» (1)فإنّه محمول على الندب إجماعا إذا لم يقل أحد باعتبار كثرة السنن في حبهم، و كثرة القدم في أمرهم عليهم السلام في مرجعية الفتوى و القضاء.

(47) إجماعا و لسيرة المتشرعة: و دعوى: أنّ سيرة العقلاء على الأعم منها و من مطلق الوثوق (مردودة) بأنّ الإجماع و سيرة المتشرعة على اعتبار خصوص العدالة يمنع الأخذ بإطلاق سيرة العقلاء. و يشهد لاعتبارها بل بما فوقها رواية الاحتجاج الآتية.

إن قلت: إنّه قد ثبت في محلّه كفاية مطلق الوثوق بالراوي في قبول روايته فليكن المقام أيضا كذلك.

قلت: نعم، لو لا سيرة المتشرعة على اعتبار خصوص العدالة في المقام خلفا عن سلف، و سيأتي في [مسألة 71] ما يرتبط بالمقام إن شاء اللّه تعالى.

(48) لسيرة المتشرعة، و انصراف الأدلة عن المرأة، مع ذكر الرجل في بعضها.

و دعوى: أنّ قيام السيرة على الرجوع إلى الرجال- إنّما هو لعدم وجود امرأة مجتهدة جامعة للشرائط من كلّ جهة، لا أنّه مع وجودها لا يرجع إليها. و أنّ الانصراف بدوي لا اعتبار به كما ثبت في محله، و أنّ ذكر الرجل إنّما هو من باب المثال لا التخصيص كما هو الأغلب.

مردودة بأنّ المستفاد من السيرة قيامها على اعتبار الرجولية حتّى مع وجود امرأة مجتهدة، كما هو المشاهد بين المتشرعة في عدم رجوعهم إلى النساء مع وجود الرجال في أحكام الدين. و الانصراف محاوري معتبر و نعلم أنّ ذكر الرجل من باب التخصيص لا المثال مع أنّه وردت إطلاقات من الروايات (2) على عدم الاعتماد عليهنّ و يشهد له ما ورد من أنّه: «ليس على النساء جمعة و لا جماعة-

______________________________

ص: 39


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث 42 و 5.
2- الوسائل باب: 94 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

على قول (49)، و كونه مجتهدا مطلقا فلا يجوز تقليد المتجزّي (50).

______________________________

إلى أن قال عليه السلام: و لا تولّى القضاء و لا تستشار» (1).

(49) نسب اعتبارها إلى جمع منهم ثاني الشهيدين، بل إلى المشهور. و لا دليل على اعتبارها سوى الاستحسانات التي لا ينبغي أن تذكر، فمقتضى الإطلاقات و السيرة عدم اعتبارها.

(50) استدل عليه تارة: بدعوى الإجماع. و فيه: إنّه لا اعتبار بهذه الدعوى، ما دام لم ينسب إلى أحد من الأعيان و الأجلاء و أخرى: بقول الصادق عليه السلام، في مقبولة ابن حنظلة: «ينظران من كان منكم، ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» (2) بدعوى ظهور الحلال و الحرام و الأحكام في العموم.

و فيه: أنّ المقطوع به عدم إرادة جميع أحاديثهم و أحكامهم و حلالهم و حرامهم عليهم السّلام فإنّ ذلك متعذر عادة، بل الإجماع على عدم اعتباره.

فلا بد و أن يراد من قوله عليه السّلام، الجنس الشامل للقليل و الكثير، و المطلق و المتجزي، بقرينة قوله الآخر في رواية أبي خديجة: «انظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئا من (قضائنا) قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه» (3). و لا ريب في صدقه على المتجزي- كما أنّ المطلقات المشتملة على العالم و أهل الذكر و الفقيه و نحوها، شاملة له أيضا. و الظاهر تحقق سيرة العقلاء أيضا على الرجوع إلى المتجزي، في كلّ صنعة و حرفة و علم.

فروع- (الأول): للاجتهاد المطلق مراتب متفاوتة جدّا: أدناها حصول قوة الاستنباط في الفقه من بدية إلى ختامه. و أعلاها فعلية الاستنباط أي: من وفق، مع ذلك لإعمال تلك القوة في جميع فروع الفقه مرات عديدة، بحيث

______________________________

ص: 40


1- الوسائل باب: 25 من أبواب العشرة في السفر و الحضر.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 5.

و الحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداء. نعم، يجوز البقاء كما مرّ (51)، و أن يكون أعلم فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع

______________________________

اشتدت قوته في كلّ مرة من جهات شتّى، و ظهرت له أمور لم يكن ملتفتا إليها قبل ذلك و هو من فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم. و بينهما مراتب كما لا يخفى.

(الثاني): المتجزي، قد يلحظ بالنسبة إلى كمية العلم المجتهد فيه، و قد يلحظ بالنسبة إلى كيفيته.

و الأول: كأن يجتهد في باب خاص من أبواب الفقه، مثلا دون باقي أبوابه و يقابله المطلق أي: من اجتهد في تمام أبوابه.

و الثاني: مثل أن يكون مجتهدا مطلقا و لكن كان هناك مجتهد مطلق آخر أقوى اجتهادا و أشد ملكة منه، و المتعارف من إطلاق التجزي هو الأول بل يكون إطلاقه على الثاني بنحو من المسامحة و يصح تحققهما بالنسبة إلى شخص واحد أيضا فيكون في مدة متجزيا ثمَّ يصير مطلقا أو يكون له في مدة بعض مراتب ملكة الاجتهاد المطلق ثمَّ يشتد بعد ذلك إلى أعلى المراتب و أقواها و جميع هذه الأقسام ممكن ذاتا و واقع خارجا، و وجدان المجتهدين في كلّ علم و اختلاف المدارك وضوحا و خفاء أقوى شاهد على ذلك.

(الثالث): لا ريب في نفوذ حكم المجتهد المطلق و صحة تقليده و تصديه للأمور الحسبية، و كذا المتجزي إن كان في جملة معتد بها من أبواب الفقه، للإطلاقات و العمومات و السيرة المتقدمة. بخلاف ما إذا كان في مسائل يسيرة، للشك في شمول الإطلاق و العموم و السيرة لمثله، فالمرجع أصالة عدم الحجية و لكن الظاهر صحة عمله لنفسه فيما اجتهد فيه لعموم أدلة حجية الظواهر. و اعتبار الأصول و القواعد بعد تحقق شرائطها و عدم الشك في شمولها لمثله عرفا.

(51) تقدم ما يتعلق بهما في [مسألة 9].

ص: 41

التمكن من الأفضل (52)، و أن لا يكون متولّدا من الزنا (53)، و أن لا يكون مقبلا على الدنيا (54) و طالبا لها مكبّا عليها مجدّا في تحصيلها، ففي الخبر: «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه».

______________________________

(52) على ما تقدم من التفصيل في [مسألة 13].

(53) إن قيل بكفره، فيدل عليه ما تقدم من اشتراط الإيمان. و إلا فدليله منحصر بالإجماع المحكي مؤيدا بتنفر الطباع عنه. و يأتي في شرائط إمام الجماعة ما ينفع المقام.

(54) الإقبال على الدنيا ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة، فيكون حرامه من منافيات العدالة و يغني اشتراطها عن اشتراطه. و الرواية المذكورة في المتن- مضافا إلى قصور سندها- يمكن أن تكون في مقام بيان الوثاقة و العدالة كما اعترف به صاحب الجواهر في كتاب الزكاة عند البحث عن ولاية الفقيه. هذا.

و لكن الحق هو أنّ الإقبال على الدنيا و الإكباب عليها- و لو بنحو الحلال- مانع عن إقبال القلوب عليه و موجب لتنفرها عنه، فكما يرى الناس أنّ ذلك مناف لمقام النبوة و الإمامة، يرونه أيضا مناف لما هو من فروعه و غصونه أيضا.

و الواجب من الإقبال على الدنيا، ما كان منه في إقامة ضروريات معاش النفس و العيال. و المندوب منه، كما في مورد التوسعة على العيال و قضاء حوائج المؤمنين. و المكروه منه، ما إذا انطبق عنوان مكروه عليه و المباح ما إذا لم ينطبق عليه عنوان أصلا.

فائدتان:- الأولى: حيث إنّ مقام الفتوى و القضاء من فروع النبوة و الخلافة العظمى و أجل المواهب الإلهية، يهتم الناس بشروطه و تنزهه عن كلّ ما يدنسه.

فمقتضى مرتكزات المتشرعة أصالة عدم الوصول إليه إلا بعد الاستجماع، حتّى لمحتمل الشرطية و لا يرون هذا المقام مناسبا للتمسك بأصالة الإطلاق و العموم عند الشك في شرطية شي ء فيه كما لا يرون ذلك مناسبا لمقام النبوة و الإمامة.

ص: 42

مسألة 23: العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرّمات

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرّمات (55) و تعرف: بحسن الظاهر (56) الكاشف عنها علما أو

______________________________

و لعلّ ذهاب جمع من الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) إلى اعتبار جملة من الشروط التي لم يقم عليها دليل واضح، من هذه الجهة.

الثانية: الرئاسة الدينية المساوقة غالبا لمرجعية الفتوى، تنقسم بحسب الحكم التكليفي إلى الأحكام الخمسة. و موضوع الأقسام كأحكامها واضح لمن تأمل.

(55) على المشهور بين الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) و البحث فيها من جهات:

الأولى: أنّ العدالة ليست من الحقائق الشرعية و لا من الموضوعات المستنبطة، بل هي من المفاهيم اللغوية العرفية الثابتة في جميع الأعصار و الأزمان، بل و في جميع الملل و الأديان إذ لكلّ ملّة و مذهب عادل و فاسق. و قد رتب الشارع عليها أمورا، كما في سائر المفاهيم العرفية التي تكون موضوعا للأحكام الشرعية، فاللازم هو الرجوع إلى اللغة و المرتكزات و أخذ مفهومها منها ثمَّ الرجوع إلى الأخبار. فإن استفيد منها شي ء زائد عليها فهو. و إلا فعليها المعوّل و إذا رجعنا إليها نجد أنّها بمعنى الاستقامة و الاستواء سواء كان متعلقها الجهات الجسمانية فقط أم المعنوية أم هما معا- كما سيجي ء بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

الثانية: أنّ الاستقامة و الاستواء تارة: تكون راسخة ثابتة، لا تزول إلا بقوة قاهرة أحيانا. و أخرى: حالة سريعة الزوال بأدنى شي ء. و العدالة عبارة عن الأولى التي تسمّى بالملكة أيضا، لا الثانية: و إلا فكلّ فاسق مسلم قد تعرض له حالة الاستواء و الاستقامة أحيانا، لاعتقاده العقائد الإسلامية من المبدإ و المعاد، و التوجه إلى النعيم و العذاب و غيرها. مع أنّه لا يسمّى عادلا عند نفس الفساق، فكيف بغيرهم!! فاتحد ما اصطلح عليه المشهور من الفقهاء. من أنّها: «ملكة باعثة على إتيان الواجبات، و اجتناب المحرمات». مع ما ارتكز في أذهان العقلاء، من كونها: «الحالة الراسخة» دون مجرد الحالة فقط. هذا فما نسب إلى الصدوق

ص: 43

.....

______________________________

و المفيد و غيرهما من المتقدمين رحمهم اللّه من أنّها: «اجتناب المعاصي عن ملكة» فالظاهر عدم اختلافهم مع المشهور. في الواقع، لأنّهم لا يقولون بأنّها مجرد الملكة و لو لم تظهر آثارها الخارجية، بل لا يعقل هذا الاحتمال في حد نفسه، لأنّ ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرّمات لا تنفك عن إتيانها و تركها فهما متلازمان عرفا بل حقيقة فلا فرق في التعبير بأنّها اجتناب المعاصي عن ملكة، أو التعبير بأنّها ملكة اجتناب المعاصي- لما عرفت أنّ كلّا منهما ملازم للآخر.

و أما من عبّر بأنّها: مجرد ترك المعاصي أو خصوص الكبائر منها ما نسب ذلك إلى الحلّي و المجلسي و غيرهما، بل قد نسب إلى الأشهر.

فإن أرادوا بذلك كفاية تركها في تحقق العدالة في الجملة، و لو بنحو الحالة و أنّه لا يضر ارتكاب الكبيرة فيها، أحيانا. فهو خلاف الإجماع و النص و سيرة المتشرعة.

و إن أرادوا المواظبة على تركها و الاستمرار، فلا ينفك عن الملكة- لما يأتي- من أنّ للملكة مراتب متفاوتة يكفي أدناها في تحقق العدالة.

و أما من عبّر بأنّها: مجرد حسن الظاهر كما نسب ذلك إلى بعض القدماء.

فإن أرادوا أنّها مجرد حسن الظاهر و أنّ له موضوعية خاصة في العدالة، و إن علم أنّه يرتكب المعاصي في الخلوات، أو جوّزوا ترتيب آثار العدالة على مجهول الحال، فالظاهر تحقق الإجماع على خلافه: و إن أرادوا أنّ من حسن الظاهر تستكشف العدالة ما لم يعلم الخلاف فهو مسلّم كما سيأتي.

الثالثة: الظاهر صحة إضافة العدالة إلى كلّ من الفعل و الفاعل معا لمكان التضائف بينهما. فمن واظب على إتيان الواجبات و ترك المحرّمات يصح أن يقال: إنّه عادل، كما يصح أن يقال: إن ترك المعاصي و فعل الواجبات، عدل. و هكذا الفسق، فيصح استناده إلى كلّ من الفعل و الفاعل فيقال: الغيبة فسق، و المغتاب (الفاعل) فاسق، و لا ثمرة عملية و لا علمية في ذلك.

الرابعة: للملكات النفسانية- مطلقا عدالة كانت أو غيرها- مراتب متفاوتة جدّا، كما هو معلوم لكلّ أحد. و يكفي في ملكة العدالة فيما يترتب عليها من الأحكام أدناها، إن صدق الستر و العفاف و إتيان الواجبات و ترك المحرّمات عند

ص: 44

.....

______________________________

المتشرعة، لإطلاقات الأدلة و سيرة المتشرعة، بل ظهور الإجماع. و ندرة وجود سائر المراتب فيلزم تعطيل الأحكام و اختلال النظام، و هذه المرتبة لا تنافي صدور الذنب أحيانا و نادرا لغلبة القوة الشهوانية (إذ الجواد قد يكبو و الصّارم قد ينبو).

إن قلت: لا أثر للفظ الملكة في النصوص و كلمات القدماء فمن أين دارت العدالة مدارها و تفرعت منها الفروع.

قلت: نعم، و لكنّها تلخيص للمستفاد من جميع النصوص و كلمات الفقهاء بل و مرتكزات المتشرعة بل العقلاء فالملكة أوجز لفظ و أخصره في بيان العدالة فلا ريب فيه من هذه الجهة. و لا وجه لإصرار صاحب الجواهر رحمه اللّه و من تبعه في تضعيف القول بأنّها ملكة و ذلك لأنّها في مقابل الحال الزائل و تساوق الاستقامة و الاستواء و الاهتمام و المواظبة على الوظائف الشرعية. و لا ريب عندهم في عدم كفاية مجرد الحال في العدالة كما تقدم.

و اعتبار المواظبة و الاهتمام بالشريعة و هما عبارة أخرى أن أدنى مراتب الملكة. و قد تقدم عدم الدليل على اعتبار أكثر منه.

و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال بأنّها: الملكة أراد المرتبة الأدنى منها، و من نفى ذلك أراد المرتبة العليا منها، كما هو منصرف إطلاق لفظ الملكة.

نعم، لو كان بحيث لا تصدق عليه العناوين الواردة في الأدلة من الستر و العفاف و ترك المعاصي و نحوها لا وجه لثبوت العدالة حينئذ.

الخامسة: أجمع رواية وردت في بيان العدالة، صحيحة ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام، بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال عليه السلام: «أن تعرفوه بالستر و العفاف، و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف، و غير ذلك، و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك. و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب

ص: 45

.....

______________________________

عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلاهم إلّا من علّة، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصّلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين .. الحديث» (1).

و المنساق من هذه الرواية عرفا بقرينة معلومية العدالة في الجملة لدى المسلمين كمعلومية الفسق عندهم خصوصا لمثل ابن أبي يعفور الذي هو من أجلاء أصحاب الصادق عليه السلام و فضلائهم. أنّ السؤال إنّما هو لبيان معرفة العدالة خارجا، لأنّ الصفات النفسانية تعرف بآثارها الخارجية غالبا- كالشجاعة و السخاوة و نحوهما و كذا العدالة.

و كيفية تعرّف العدالة تارة: بحسب الحد المنطقي، و أخرى: بحسب المفهوم العرفي، و ثالثة: بحسب تشخيص المصداق الخارجي. و ما ورد من الشرع في بيانها إنّما هو بالنسبة إلى القسم الأخير لأنّه المبتلى به عند الناس دون الأولين.

ثمَّ إنّ لمعرفة صفات الشخص مراتب ثلاثة بحسب الغالب:

الأولى: أن يعرف صفاته من أصدقائه و خلطائه ممن يكون معاشرا معه و مطّلعا على صفاته.

الثانية: أن يعرف من القرائن و الآثار، و هذا إنّما هو بالنسبة إلى من لا يكون معاشرا مع الشخص و لا مع أصدقائه و لكن يطلع على بعض خصوصياته و آثاره في الجملة.

الثالثة: أن يكون معه في أوقات الصلاة مثلا و يستكشف من ذلك بعض صفاته النفسانية، و إنّما هو بالنسبة إلى من لا يراه إلا في أوقات الصلاة مثلا.

فجعل عليه السلام كلّا من هذه المراتب الثلاثة معرّفا. فالأولى كقوله عليه السلام:

«أن تعرفوه بالسّتر و العفاف و كفّ البطن». و الثانية كقوله عليه السلام:

______________________________

ص: 46


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 1.

.....

______________________________

«و تعرف باجتناب الكبائر». و الثالثة كقوله عليه السلام: «و الدّلالة على ذلك كلّه- إلى قوله- و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس. إلخ». فإنّ المواظبة على الصلاة بالنحو الذي ذكره عليه السلام ملازمة عادة لاجتناب المعاصي لقوله تعالى إِنَّ الصَّلٰاةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ (1). و لقوله عليه السلام فيها: «إنّ الصّلاة ستر و كفّارة للذنوب». ثمَّ أضاف عليه السلام طريقا رابعا بالنسبة إلى من لا يراه أوقات الصلاة أيضا بأن يكون غائبا عنه أو في غير بلده فقال عليه السلام: «فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا ما رأينا منه إلّا خيرا».

و هذه هي الطرق المتعارفة لمعرفة المصداق الخارجي للعادل التي قررها الإمام عليه السلام، و هي التي تكون مورد احتياج المكلّفين في أمر العدالة. لا بيان الحد المنطقي لعدم ربطه بما هو مورد الحاجة، و لا بيان مفهومه العرفي لأنّه معلوم في الجملة عند كلّ مسلم.

ثمَّ لا يخفى إمكان استظهار اعتبار الملكة بالمعنى الذي قلناه من قوله عليه السلام: «أن تعرفوه بالسّتر و العفاف». فإنّ قول القائل عرفت زيدا مثلا بالستر و العفاف أو بصلاة الليل مثلا أو بحسن الخلق، ظاهر ظهورا عرفيا في رسوخ تلك الأوصاف فيه. دون أن يكون من مجرد الحالة و كذا قوله عليه السلام: «أن يكون ساترا لجميع عيوبه» لأنّ الستر لجميع العيوب ملازم غالبا لحصول أدنى مرتبة الملكة. و كذا قوله عليه السلام: «واظب عليهن» و قوله: «ما رأينا منه إلّا خيرا مواظبا». إلى غير ذلك مما يكون مشعرا أو ظاهرا في اعتبار الرسوخ و الثبوت و الملكة في الجملة.

ثمَّ إنّه عليه السلام لم يذكر فعل تمام الواجبات و لا ترك المحرمات اكتفاء بما ذكره من باب المثال عنها مع أنّ اجتناب الكبائر يشمل الجميع، لأنّ ترك الواجبات من الكبائر، كما أنّ فعل جملة من المحرّمات منها أيضا. و يمكن أن يستفاد اعتبار الملكة، في الجملة من قول أبي جعفر عليه السلام في الموثق:

«تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر

______________________________

ص: 47


1- سورة العنكبوت (29) الآية: 45.

.....

______________________________

و العفاف، مطيعات للأزواج تاركات للبذاء و التبرّج إلى الرّجال في أنديتهم» (1).

و ما ورد في أنّه «تقبل شهادة الرجل لولده أو والده إذا كان خيرا» (2) و ما ورد في قبول شهادة المكاري و الجمال و الملاح «إذا كانوا صلحاء» (3) و ما ورد في قبول شهادة الضيف «إذا كان عفيفا صائنا» (4) إلى غير ذلك من النصوص المستفادة منها عرفا، اعتبار الاستقامة في جادة الشرع و رسوخ الديانة في الشاهد عرفا.

و يتم في غيره مما تعتبر فيه العدالة بالقول بعدم الفصل. و سيجي ء ما يتعلق بالمقام في بحث عدالة إمام الجماعة إن شاء اللّه تعالى.

فروع (الأول): من كانت له ملكة العدالة و شك في زوالها، فمقتضى الأصل بقاؤها و لو علم بارتكابه الكبيرة و علم بتوبته و ندامته فيترتب عليه آثار العدالة لأنّ «التّائب من الذنب كمن لا ذنب له» (5) و لا يترتب آثارها عليه بعد المعصية و قبل التوبة لصدق ارتكاب الحرام و عدم الاجتناب عن الكبيرة عليه. و لو شك في توبته فلا يبعد ترتيب آثار العدالة عليه لظاهر حال المسلم الذي يقتضي ندمه بعد ارتكاب الذنب.

و أما لو كان ارتكابه للمعصية كثيرا، بحيث زالت الملكة رأسا، فلا بد في ترتيب آثار العدالة عليه من مضيّ زمان يصدق عليه الاستقامة في جادة الشرع و الرسوخ فيها، نعم، بناء على القول بأنّها عبارة عن مجرد ترك المعاصي و لو بدون الملكة يصح ترتبها عليه حينئذ و هكذا من كان فاسقا ثمَّ تاب.

(الثاني): من كان صغيرا فبلغ و لم يرتكب ذنبا بعد البلوغ بيوم أو أكثر لا يبعد جريان أحكام العدالة عليه في ذلك اليوم حتى بناء على اعتبار الملكة فيها، بدعوى أنّها أعم مما إذا كتب عليه تكليف المحرمات فتركها أو كان تركها لأجل

______________________________

ص: 48


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادة حديث: 20.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الشهادة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الشهادة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الشهادة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.

.....

______________________________

عدم التكليف. و لكنّه مشكل فيما إذا كان مرتكبا للمحرمات و غير مبال بها في زمان صغره.

(الثالث): لو كان ترك المعاصي لقصوره و عدم وجود أسبابها، و كان بحيث لو حصلت أسبابها ارتكبها، فالأحوط عدم ترتيب آثار العدالة عليه لإمكان دعوى انصراف الأدلة عن مثله. و كذلك لو ترك بعض المعاصي خوفا من اللّه تبارك و تعالى و بعضها لفقد الأسباب أو رياء.

(الرابع): لو كان ناويا للمعصية و هيّأ بعض أسبابها، و لكنّه لم يأت بها لا يضر ذلك بالعدالة إلّا بناء على حرمة التجري مع الإصرار بذلك أو صار ذلك بحيث زالت عنه الاستقامة الدينية. هذا و سيأتي في بحث العدالة من شرائط إمام الجماعة أنّه لا دليل على اعتبار ترك منافيات المروءة في العدالة ما لم ينطبق عليه عنوان آخر.

(56) حسن الظاهر من الطرق العرفية في الجملة لاستكشاف الواقع ما لم يظهر الخلاف. و لذلك نجد الناس، يستكشفون من حسن ظاهر بناء أو متاع أو بدن شخص حسن واقعه إلا مع القرينة على المخالفة.

و بعبارة أخرى: لا فرق عندهم في الاعتبار في الجملة بين ظاهر المقال و ظاهر الحال. و لم أر نفس هذا اللفظ في الأخبار. نعم، فيها ما يقارنه كقوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة: «و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك»(1). و نحوه من سائر فقراته التي يمكن استفادة كفاية حسن الظاهر منها في الطريقية. و قوله عليه السلام في صحيحة حريز: «إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا. الحديث» (2) و قوله عليه السلام في مرسلة يونس المعمول بها: «إذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته، و لا يسئل عن باطنه» (3). و قوله عليه السلام في صحيحة ابن المغيرة:

«كل من ولد على الفطرة و عرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته» (4) و غير ذلك

______________________________

ص: 49


1- تقدم في صفحة: 45.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادة حديث: 18.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادة حديث: 5.

.....

______________________________

من الروايات مما هو كثير لا يخفى على الخبير.

ثمَّ إنّ المستفاد من هذه الروايات اعتبار ما هو المتعارف بين الناس، من الاعتماد على حسن الظاهر ما لم ينكشف الخلاف، بل لا نحتاج في مثل هذه الأمور الابتلائية المتعارفة إلى دليل الإمضاء، و يكفينا عدم ثبوت الردع فيها، كما ثبت في محلّه. و يمكن التأييد بأصالة الاستقامة و السلامة لأنّ ارتكاب المعصية نحو اعوجاج و من قبيل عروض المرض بل هو مرض روحاني، و لعل نظر من قال إنّ العدالة عبارة عن ظهور الإسلام- بناء على ثبوت هذا القول- مستند إلى مثل هذا الأصل فتأمل.

فروع: (الأول): نسب إلى المشهور، كفاية حسن الظاهر و لو لم يحصل الظن بالواقع تمسكا بإطلاقات جملة من الأخبار المتقدمة، و نسب إلى بعض آخر اعتبار حصوله تمسكا برواية الكرخي عن الصادق عليه السلام قال: «من صلّى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنّوا به خيرا و أجيزوا شهادته» (1)فيتقيد بها جميع المطلقات المتقدمة.

و فيه: أنّ عدّ ذلك من أدلة اعتبار مطلق حسن الظاهر، أولى من جعله مقيّدا للمطلقات لأنّ المتفاهم عرفا ظن الخير بمن صلّى الصلوات في اليوم و الليلة في جماعة سواء حصل الظن من ظاهر حاله أم لا فظن الخير بشخص غير كون ظاهر حاله موجبا للظن. و الفرق بينهما واضح.

و نسب إلى ثالث اعتبار حصول الوثوق لمرسلة يونس المتقدمة بدعوى أنّ قوله عليه السلام: «فإذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا» أي موجبا لحصول الأمن و هو الوثوق.

و فيه: إنّها ليست إلا كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة التي ورد فيها:

«و الدلالة على ذلك أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك». و لا فرق بينهما في متفاهم العرف فقوله عليه السلام في مرسلة يونس: «ظاهر الرّجل ظاهرا مأمونا». أي لا

______________________________

ص: 50


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 12.

.....

______________________________

يرتكب المعاصي ظاهرا. و لا ريب في كونه أعم من حصول الوثوق و عدمه.

و لكن يمكن الجمع بين هذه الأقوال، بأنّ المراد بالوثوق هو أدنى مرتبته إذ لا دليل على اعتبار أزيد منها بل الدليل على عدمه لاستلزامه الحرج و إثارة التشكيك و الوسواس. و أدنى مرتبة الوثوق مستلزم للظن بها، و المراد بهما النوعي منهما- دون الشخصي- كما هو كذلك في اعتبار ظواهر الألفاظ أيضا.

فما نسب إلى المشهور من كفاية حسن الظاهر، و لو لم يحصل منه الظن أريد به الظن الشخصي إذا الظن النوعي حاصل منه غالبا، اعتبر التقييد به أولا.

و من اعتبر الظن أراد منه النوعي الذي هو حاصل قهرا، و إنّما اعتبره تنبيها على عدم الاكتفاء بكلّ حسن ظاهر و لو كان للتدليس و نحوه و من قال باعتبار الوثوق أراد النوعي أي أدنى مرتبته المساوق للظن النوعي أيضا.

(الثاني): ليس المراد بحسن الظاهر مجرد وجوده و لو بنحو صرف الوجود لأنّ ذلك يكون لغالب الناس، بل ما يحصل بعد التأمل و التثبيت في الجملة بحيث يتميز به المدلس عن غيره فيكون اعتبار ظاهر الحال هنا كاعتبار ظاهر المقال لدى العقلاء الذي لا يعتمد عليه إلا مع عدم الظفر بالقرينة على الخلاف و هو مستلزم للوثوق بالعدالة غالبا.

(الثالث): لو كان حسن ظاهره بحيث يحصل الظن منه لنوع الناس و متعارفهم، و لم يحصل الظن لشخص يجوز له أن يرتب عليه آثار العدالة لما تقدم من أنّ المراد النوعي منه دون الشخصي، و أما لو ظن بعدها، فإن كان ذلك من الوسواس فعليه نقض ظنه و ترتيب آثار العدالة، لما سيجي ء في محلّه من أنّ الوسواس من الشيطان. و إن كان من منشإ صحيح متعارف يشكل ترتب الأثر حينئذ إذ المتيقن من بناء العقلاء في اعتبار الظنون النوعية ما لم يكن ظن معتبر على خلافها.

(الرابع): لو ثبت حسن ظاهره عند شخص دون الآخر. فللأول أن يرتب آثار العدالة دون الأخير. و لو كان ظاهره حسنا و شك في أنّه للتدليس أو لخوف من اللّه تعالى، يمكن القول بترتب آثار العدالة، حملا لفعله على الصحة.

ص: 51

ظنّا (57) و تثبت بشهادة العدلين (58) و بالشياع المفيد للعلم (59).

______________________________

(57) أما العلم فلا اختصاص لاعتباره بمنشإ خاص، فيكون حجة من أيّ منشإ حصل سواء كان من حسن الظاهر أم من غيره.

و أما الظن فقد تقدم الكلام فيه. و الظاهر هو النوعي منه فتارة: يكون حسن الظاهر بحيث يحصل لكل من التفت إليه الظن بالعدالة، و يحصل للشخصي أيضا، فيكفي بغير إشكال: و أخرى: يحصل للنوع و لا يحصل للشخص.

و الظاهر كفايته في ترتيب الأثر- كما تقدم و ثالثا: يحصل للشخص و يكون بحيث لو التفت إليه المتعارف لا يحصل لهم الظن. و يشكل ترتب الأثر حينئذ.

(58) أما بناء على عموم حجية البينة لكلّ شي ء، و أنّها من الحجج العقلائية كما تقدم فلا إشكال فيه. و أما بناء على اختصاصها بالموارد المنصوصة. فيمكن الاستدلال على اعتبارها في خصوص المقام بالسيرة، و قوله عليه السلام فيما تقدم في صحيحة ابن أبي يعفور: «فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا ما رأينا منه إلّا خيرا» بضميمة الإجماع على عدم اعتبار الأزيد من العدلين. و قول أبي جعفر عليه السلام: «شهادة القابلة جائزة على أنّه استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت» (1) و في رواية علقمة: «من لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر. الحديث» (2) بضميمة القول بعدم الفصل بين الجرح و التعديل و غيرهما.

فروع- (الأول): لا فرق في الشهادة بين القولية و الفعلية للسيرة.

(الثاني): الظاهر اعتبار الوثوق المتعارف بالصدق. فلو كانا بحيث لا يحصل الوثوق بصدقهما عند متعارف الناس يشكل ترتب آثار العدالة على شهادتهما.

(الثالث): هل يكفي قول من كان موثوقا به في الإخبار بالعدالة؟ وجهان

______________________________

(1)

(2)

ص: 52


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الشهادات حديث: 35.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الشهادات حديث: 13.

مسألة 24: إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط

(مسألة 24): إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلّد العدول إلى غيره (60).

______________________________

تقدم ما يتعلق بذلك في ذيل [مسألة 20].

(59) لما مر من اعتبار العلم من أي منشإ حصل.

فرع:- هل تثبت العدالة بالاطمينان و مطلق الوثوق الذي يعبر عنه بالعلم العادي؟ يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه الثبوت. و قد تقدمت عبارته في فرع ذيل [مسألة 20]، و لا يبعد تحقق السيرة عليه أيضا.

و يمكن الاستدلال في المقام برواية عليّ بن راشد: «لا تصلّ إلا خلف من تثق بدينه» (1)، و غيرها من الروايات، بناء على أنّ المراد بالدين إتيان الواجبات و ترك المحرّمات دون أصل التشيع. و عدم الفرق بين عدالة إمام الجماعة و غيره كما هو الظاهر.

فتلخص مما تقدم: أنّ العدالة تثبت بالاطمينان- أعم من أن يكون علما أو وثوقا أو ظنا اطمينانيا- و تثبت بالبينة أيضا. و لا فرق في الوثوق بين أن يحصل من قول شخص واحد أو جهة أخرى، و الوجه في ذلك كله بناء العقلاء الذي لم يثبت ردعه، بل ثبت الإمضاء في الجملة بما تقدم من الأدلة، و يقتضيه سهولة الشّريعة.

(60) على المشهور، و فقد الشرائط إنّما يكون بالنسبة إلى الحياة و الإيمان و العدالة و الاجتهاد.

و الأول: فقد تقدم الكلام فيه. و أما البقية فيجري فيها جميع ما مر- من صحة البقاء على تقليد الميت- لاتحادها معه من حيث المدرك، فتجري أصالة حجية الرأي و صحة الاستناد إليه، و بقاء الأحكام المكشوفة من الأدلة و الأحكام الظاهرية المستنبطة فيهما، بل يصح الاستناد إلى الإطلاقات و السيرة أيضا لعدم قصور و خلل في الرأي حين حدوثه. و إنّما حصل الخلل في البقاء، و لا يضر ذلك

______________________________

ص: 53


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

مسألة 25: إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلّد أصلا

(مسألة 25): إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلّد أصلا فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر (61).

مسألة 26: إذا قلّد من يحرّم البقاء على تقليد الميت

(مسألة 26): إذا قلّد من يحرّم البقاء على تقليد الميت فمات

______________________________

في حدوث الرأي مستجمعا للشرائط. فما هو المشهور من وجوب العدول عند فقد بعض هذه الشرائط ليس لعدم المقتضي في اعتبار الرأي، بل لا بد و أن يكون لأجل وجود المانع عنه، و هو أمران:

الأول: ظهور تسالم الأصحاب عليه. و فيه: أنّ كونه من الإجماع المعتبر مشكل، بل ممنوع.

الثاني: القطع بعدم رضاء المعصومين عليهم السلام بالاستناد إلى من خالفهم و لو كان حدوث آرائه حين الإيمان بهم. و استنكار المتشرعة الرجوع إلى الفاسق و المجنون و من فقد علمه لعروض مرض أو نسيان أو نحو ذلك. و إنّ المتشرعة بل العقلاء يرون المنافاة بين مرجعية الفتوى و فقدان مثل هذه الشرائط، و يرونها شرطا حدوثيا من كلّ جهة، خصوصا إذا بلغ المجتهد إلى مقام المرجعية الكبرى و الزعامة العظمى، فإنّ مفاسد فقدان بعض هذه الشرائط أكثر من أن يخفى- كما هو واضح لأولي النّهى.

و بالجملة: حيث إنّ العرف يرى هذه الشرائط شرطا حدوثا و بقاء لا يجري الاستصحاب بنحو ما مر في تقليد الميت لأنّ نظر العرف في المقام من الأمارة على الخلاف.

و إنّما الكلام في أنّه يجب الإعلام بحاله أو لا؟ و الظاهر هو الأول، لما يأتي في [مسألة 48].

(61) لأنّ تقليد فاقد الشرط كالعدم، و حينئذ فإن كان رأيه مطابقا للاحتياط أو لرأي من يكون جامعا للشرائط يصح عمله، و إلا فلا. و قد مر في [مسألة 16] ما ينفع المقام.

ص: 54

و قلّد من يجوّز البقاء، له أن يبقى على تقليد الأول في جميع المسائل إلّا مسألة حرمة البقاء (62).

مسألة 27: يجب على المكلّف العلم بأجزاء العبادات و شرائطها

(مسألة 27): يجب على المكلّف العلم بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدّماتها (63). و لو لم يعلمها و لكن علم إجمالا أنّ عمله واجد لجميع الأجزاء و الشرائط و فاقد للموانع صح و إن لم يعلمها تفصيلا (64).

مسألة 28: يجب تعلّم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالبا

(مسألة 28): يجب تعلّم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالبا (65) نعم، لو اطمأنّ من نفسه أنّه لا يبتلى بالشك و السهو صح عمله (66) و إن لم يحصل العلم بأحكامها.

______________________________

(62) إذ يلزم من صحة البقاء على تقليده عدم صحته. و قد تقدم في [مسألة 15] ما يرتبط بالمقام.

(63) لتوقف الامتثال عليه، و هذا الوجوب طريقي محض. و ما ورد في الشرع من الأمر بالأجزاء و الشرائط في العبادات- كما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى- إرشاد إليه.

(64) لتوقف الامتثال عليه، و هذا الوجوب طريقي محض. و ما ورد في الشرع من الأمر بالأجزاء و الشرائط في العبادات- كما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى- إرشاد إليه.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 1، ص: 55

(64) لكفاية العلم الإجمالي بالفراغ عقلا، و لا دليل على اعتبار أزيد منه شرعا إلا بناء على اعتبار التمييز في امتثال العبادات، و مقتضى الأصل عدمه بعد فقدان الدليل عليه، و قد سبق أنّ وجوب التعلم طريقي محض لا أن يكون مقدميا و شرطا لصحة العمل حتّى يفسد العمل بفقده، و لا أن يكون نفسيا حتّى توجب مخالفته العقاب مع مطابقة العمل للواقع، و كلّ ذلك واضح و غير قابل للتشكيك، و يأتي فيما يتعلق بتعلم القراءة و الذكر في الصلاة ما ينفع المقام.

(65) الكلام فيه عين ما تقدم في المسألة السابقة.

(66) المناط كلّه على إحراز مطابقة العمل للواقع، اطمأنّ بعدم الابتلاء أو لا. و سواء ابتلي بها أو لا، فلو كانت المسألة محل الابتلاء، و لم يتعلم حكمها، فعمل على أحد طرفي الاحتمال رجاء فطابق الواقع صح عمله مع حصول قصد

ص: 55

مسألة 29: كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات

(مسألة 29): كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات، بل يجب تعلّم حكم كلّ فعل يصدر منه سواء كان من العبادات أم المعاملات أم العاديات (67).

______________________________

القربة و تحقق سائر الشرائط المعتبرة. نعم، لا ريب في تحقيق التجري في الجملة حينئذ، و لو لم يطابق الواقع يعاقب على تركه فقط.

فرعان- (الأول): لو اطمأنّ بعدم الابتلاء و صلّى فابتلي اتفاقا، و بنى على أحد الطرفين و كان مخالفا للواقع، لا منشأ لاستحقاق العقاب بالنسبة إليه، لكون اطمئنانه بعدم الابتلاء عذرا له عقلا، فيكون كارتكاب الشبهة بعد الفحص و الوقوع في مخالفة الواقع اتفاقا. و لكن لا يسقط عنه القضاء و الإعادة بعد الالتفات، لإطلاقات الأدلة و عموماتها.

و أما لو لم يطمئن به فاتفق الابتلاء و الوقوع في خلاف الواقع يستحق العقوبة، لعدم مؤمّن له عقلا، فيكون كارتكاب الشبهة قبل الفحص و اتفاق الوقوع في خلاف الواقع. و كذا لو اطمأنّ بالابتلاء، بل فيه أولى.

(الثاني): يمكن أن يقال: إنّه من كثرة اهتمام الشارع بالصلاة بطرق شتّى و كثرة التوصية بها بعبارات مختلفة، يستفاد وجوب تعلم مسائلها الابتلائية كوجوب تعلم نفسها، و لذا حكي عن شيخنا الأنصاري (قدّس سره) الحكم بفسق من ترك تعلم المسائل الابتلائية للصلاة من الشك و السهو، لأنّه حينئذ من ترك الواجب، و الإصرار عليه مع القدرة على التعلم، خصوصا مع الملازمة العادية بين ترك التعلم و الوقوع في خلاف الواقع، فيكون ترك تعلمها نحو استخفاف و تضييع للصلاة، فيشمله ما دل على حرمتهما مطلقا (1).

(67) كلّ عمل يصدر من المكلّف أو كلّ ما يعتقده من الأحكام الفرعية لا بد و أن يستند إلى حجة معتبرة، لاحتمال العقاب في ترك الاستناد فيحكم العقل

______________________________

ص: 56


1- الوسائل باب: 6 من أعداد الفرائض و نوافلها.

.....

______________________________

بوجوبه بالفطرة، فالاعتقاد بوجوب شي ء أو حرمته أو استحبابه أو كراهته أو إباحته يجب أن يستند إلى الحجة، و هي في حق العامي إما الضرورة أو اليقين أو رأي المجتهد.

و الأولى كوجوب أصل الصلوات اليومية و الحج و نحوهما من الضروريات الواجبة، و كحرمة الظلم و الخيانة و نحوهما من الضروريات المحرمة، و كاستحباب حسن الخلق و حسن المعاشرة في المستحبات الضرورية. و مثل كراهة القذارة و الكثافة في المكروهات الضرورية، و كإباحة شرب الماء من دجلة و الفرات مثلا في المباحات الضرورية في الشريعة.

و لا وجه للتقليد في هذه الأمور لصحة الاحتجاج بكون الشي ء ضروريا و هو من أقوى الحجج.

و الثاني مثل ما إذا حصل له اليقين بحكم من الأحكام و هو كثير أيضا.

و يتحقق الثالث فيما إذا انتفت الضرورة و اليقين. فينحصر الاحتجاج بالنسبة إلى العامي حينئذ بالاستناد إلى رأي المجتهد فقط.

هذا كلّه بحسب اعتقاد العامي للأحكام، و أما عمله فكلّ ما كان إلزاميا فعلا أو تركا يجب فيه الاستناد إلى الحجة ضرورية كانت أو يقينية أو لفتوى المجتهد مع مع فقد الأولين يتعيّن الأخير، و كذا إن لم يكن إلزاميا أصلا و لكن أراد بالفعل أو الترك إضافة كلّ منهما إلى الشارع من جهة الندب أو الكراهة أو الإباحة.

و أما لو لم يكن إلزام في البين و لا إضافة إلى الشارع فلا دليل على وجوب التقليد فيه، لعدم احتمال ضرر في تركه حتّى تشمله قاعدة دفع الضرر المحتمل كجملة كثيرة من العاديات التي لا إلزام فيها من الشارع فعلا أو تركا، و ليس ارتكابها لأجل الإضافة إلى الشرع، بل لجريان العرف و العادة عليه.

فروع- (الأول): يعتبر في وجوب التقليد كون ما يقلد فيه من الابتلائيات في الجملة، فما خرج عن مورد الابتلاء كأحكام العبيد و الإماء، أو جملة كثيرة من المسائل المتصورة في الكتب الاستدلالية التي لا تكون مورد ابتلاء العامي أصلا، لا يجب التقليد فيها. نعم، لو اتفق الابتلاء أحيانا وجب تصحيح العمل فيه، أما بالاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.

ص: 57

مسألة 30: إذا علم أنّ الفعل الفلاني ليس حراما و لم يعلم أنّه واجب

(مسألة 30): إذا علم أنّ الفعل الفلاني ليس حراما و لم يعلم أنّه واجب أو مباح أو مستحب أو مكروه يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثواب (68)، و إذا علم أنّه ليس بواجب و لم يعلم أنّه حرام أو مكروه أو مباح له أن يتركه لاحتمال كونه مبغوضا (69).

مسألة 31: إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد البقاء على رأيه الأول

(مسألة 31): إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد البقاء على رأيه الأول (70).

______________________________

(الثاني) لو علم العامي أنّ عمله مطابق للاحتياط، فلا وجه لوجوب التقليد عليه فيما طابق الاحتياط، بل يكون لغوا.

(الثالث) تختلف المسائل من جهة كونها مورد الابتلاء و عدمه بالنسبة إلى الأشخاص اختلافا فاحشا. فرب مسألة تكون مورد ابتلاء شخص في كلّ شهر و لا يتفق الابتلاء بها لآخر في سنة، فيختلف مورد التقليد سعة و ضيقا من هذه الجهة اختلافا كثيرا.

(68) لما استقر عليه آراء المحققين في هذه الأعصار من عدم اعتبار قصد الوجه، و قد جرت السيرة على كفاية الامتثال الإجمالي و لو مع التمكن من الامتثال التفصيلي، بل يمكن أن يكون المقام من الانقياد المطلوب عقلا و شرعا. هذا إذا كان المورد عباديا، و أما إذا كان توصليا، فالأمر فيه أوضح، لعدم اعتبار قصد الوجه فيه أصلا و لم يقل به أحد.

(69) بلا إشكال فيه من أحد، بل ربما يعد حسنا، لكونه نحوا من الانقياد.

(70) لجريان السيرة العقلائية على عدم الرجوع إلى أهل الخبرة إذا اعترف بخطإه فيما هو خبير فيه فما لا يكون حجة لنفسه فكيف يكون حجة لغيره، سواء كان ظهور الخطإ من الضد- إلى الضد كتبدل الرأي من الوجوب إلى الحرمة- أو بالعكس من القوي إلى الضعيف- كتبدل الرأي من الوجوب إلى الندب. و سواء كان تبين الخطإ علميا أو بالظنون الاجتهادية المعتبرة.

ثمَّ إنّه لو كان التبدل من الحرمة إلى الوجوب أو الندب أو الكراهة أو الإباحة فلا بد له من العمل بالمتبدل إليه، و أما لو كان بالعكس فلا يصح له ذلك، و أما لو

ص: 58

مسألة 32: إذا عدل المجتهد عن الفتوى إلى التوقف و التردد يجب على المقلّد الاحتياط

(مسألة 32): إذا عدل المجتهد عن الفتوى إلى التوقف و التردد يجب على المقلّد الاحتياط أو العدول إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد (71).

مسألة 33: إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء

(مسألة 33): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء و يجوز التبعيض في المسائل (72). و إذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك، فالأولى بل

______________________________

كان من الوجوب إلى الندب يجوز له البقاء على عمله و تركه، و في العكس يجب البقاء. هذا حكم عمله الفعلي، و أما حكم أعماله السابقة فيأتي في [مسألة 53] إن شاء اللّه تعالى.

(71) هذه المسألة متحدة مع سابقتها في الدليل، و تلخيصه: أنّ الرجوع إلى الغير مطلقا متوقف على ثبوت الرأي أو الفتوى، و مع التبدل أو التوقف ينتفي ذلك كلّه، فلا يبقى موضوع للتقليد أصلا، فتصل النوبة لا محالة، إمّا إلى الاحتياط أو الرجوع إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد.

فرع:- لو كان العامي عالما بصحة رأي المجتهد، و هو معترف بفساده أو متردد فيه، يصح له العمل به، لكن من حيث علمه لا من جهة التقليد.

(72) أما في صورة الاتفاق في الفتوى فللإجماع و الإطلاقات و السيرة فيجوز التقليد عن أحدهما أو عنهما معا، إذ لا دليل على اعتبار الوحدة مع الاتفاق في الرأي، كما يجوز التبعيض.

و أما مع الاختلاف فلا ريب في صحة تقليد أحدهما لوجود المقتضي و فقد المانع، كما لا يجوز تقليدهما معا في مورد الاختلاف للسيرة العقلائية على عدم الرجوع حينئذ.

و أما التبعيض فقيل بعدم الجواز، لعدم شمول الأدلة له، أما الإجماع فلأنّ المتيقن منه صورة الاتفاق دون الاختلاف، و أما الإطلاق فلأنّ المنساق منه الحجية التعيينية دون التخييرية، و أما السيرة فبما نوقش به في الإجماع.

ص: 59

الأحوط اختياره (73).

مسألة 34: إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّى إلى الأعلم ثمَّ وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول إلى ذلك الأعلم

(مسألة 34): إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّى إلى الأعلم ثمَّ وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول إلى ذلك الأعلم و إن قال الأول بعدم جوازه (74).

______________________________

و يرد على الأول: بأنّ الظاهر من كلماتهم هو العموم فراجع، مع أنّه لو لم يشمل مورد الاختلاف لا محذور فيه- لما يأتي من ثبوت السيرة و كفايتها.

و يرد على الثاني: أنّ انسباق التعيينية من الإطلاقات إنّما هو من باب الغالب لا الامتناع الثبوتي أو الإثباتي لأنّ الحجية التخييرية صحيحة في المحاورات العرفية و واقعة لديهم كما يأتي. فيشمل الإطلاق و كلّ ما جرت عليه المحاورة العرفية و السيرة العقلائية.

و يرد على الثالث: أنّ الواقع في الخارج تفكيك العقلاء في رجوعهم إلى الخبراء فيأخذون من بعضهم رأيا و من الآخرين رأيا آخر و لو في عمل واحد ذي أجزاء و شرائط و لم يثبت الردع عنه، و يأتي في [مسألة 65] ما ينفع المقام.

(73) تقدم في [مسألة 13] ما استدل به لتعيين الأورع و المناقشة فيه، و يصلح ذلك لمجرد الأولوية و إن قصر عن إثبات وجوب التعيين، و قد أرسل صاحب الجواهر ترجيح أعلم الورعين و أورع العالمين إرسال المسلّمات، و جعله من صغريات قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح، و فيه: ما لا يخفى.

(74) لأنّ كلّ ما هو شرط حدوثا شرط بقاء أيضا. فإذا كانت الأعلمية شرطا لصحة التقليد فمع زوالها يزول شرط الصحة و يجب الرجوع إلى الأعلم، بناء على الشرطية، بلا فرق بين أن يكون مورد التقليد خصوص مسألة تقليد الأعلم أو غيرها من سائر المسائل. نعم، في الأولى يصح الاستدلال على لزوم الرجوع عنه، بأنّ البقاء عليه يكون من حجية فتوى شخص بفتوى نفسه، و هو باطل.

ثمَّ إنّه يجري في المقام ما تقدم سابقا من اشتراط ذلك بالمخالفة بين الفتويين، و عدم كون فتوى غير الأعلم موافقا للاحتياط.

ص: 60

مسألة 35: إذا قلّد شخصا بتخيّل أنّه زيد فبان عمرا

(مسألة 35): إذا قلّد شخصا بتخيّل أنّه زيد فبان عمرا فإن كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن على وجه التقييد صح و إلا فمشكل (75).

______________________________

و خلاصة ما تقدم: أنّ العامي الذي قلّد مجتهدا ثمَّ صار غيره أعلم، إن كان عالما بصحة البقاء على تقليد غير الأعلم يصح له البقاء لأجل علمه، و إن كان شاكا فيه يلزمه عقله بالرجوع إلى الأعلم بناء على وجوب تقليده و ليس له البقاء على تقليد من كان يقلده، و إن أفتى بصحة تقليد غير الأعلم لأنّه من حجية الفتوى بالفتوى. و أما المجتهد الذي صار غيره أعلم فإن كان مبناه صحة تقليد غير الأعلم مطلقا، فله الفتوى بذلك، و لكنّه لا ينفع للعامي المتردد في صحة البقاء على تقليده، و إن لم يكن مبناه ذلك فهو معلوم و يصح له حينئذ الفتوى بالأخذ بأحوط القولين.

ثمَّ إنّ تعبير الماتن «قدّس سرّه» بالأحوط، إن كان من جهة تردده في أصل اعتبار الأعلمية- كما مر منه- فله وجه، و إن كان بلحاظ خصوص المقام، فهو مشكل لوجود القول بحرمة العدول مطلقا.

(75) خلاصة الكلام: أنّه مع تساويهما في العلم و الفتوى و عدم الاختلاف بينهما، لا ثمرة للتقييد و عدمه، سواء كان التقليد مطابقة العمل لرأي المجتهد أم نفس العمل بقوله أن الالتزام بالعمل، لأنّ التقليد في نظائر المقام بحسب المتعارف ملحوظ من باب تعدد المطلوب، إذ الشخص العامي بان على التقليد بفطرته الإيمانية بل العقلائية، و اختيار زيد إنّما يكون لغرض زائد على أصل التقليد من صداقته أو سيادته أو شهرته أو لجهة أخرى، و مثل ذلك لا يضر بأصل التقليد أبدا، فلا ريب حينئذ في مطابقة العمل لرأي المجتهد و صدق العمل برأيه و صدق الالتزام بالعمل بالرأي أيضا، نعم، لو كان من قصده أن يقلّد شخصا بعنوان أنّه زيد، و كان بحيث لو كان يعلم أنّه عمرو كان بانيا على عدم التقليد أصلا، أو عدم تقليد عمرو كذلك، يشكل الصحة بناء على أنّ التقليد هو الالتزام- لعدم تحققه واقعا، و لكن قد مر عدم الدليل على اعتبار الالتزام في

ص: 61

مسألة 36: فتوى المجتهد تعلم بأحد الأمور

(مسألة 36): فتوى المجتهد تعلم بأحد الأمور: (الأول) أن يسمع منه شفاها (76)، (الثاني) أن يخبر بها عدلان (77)، (الثالث) إخبار عدل واحد بل يكفي إخبار شخص موثق يوجب قوله الاطمئنان و إن لم يكن عادلا (78)، (الرابع) الوجدان في رسالته و لا بد أن تكون مأمونة من الغلط (79).

مسألة 37: إذا قلّد من ليس له أهلية الفتوى ثمَّ التفت

(مسألة 37): إذا قلّد من ليس له أهلية الفتوى ثمَّ التفت وجب عليه العدول (80) و حال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلّد و كذا إذا قلّد غير الأعلم وجب على الأحوط العدول إلى الأعلم (81) و إذا قلّد الأعلم ثمَّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول إلى الثاني على الأحوط.

مسألة 38: إن كان الأعلم منحصرا في شخصين

(مسألة 38): إن كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن

______________________________

التقليد أصلا، فلا إشكال من جهة التقليد إلا إذا رجع إلى قصد عدم التقليد لو بان عمرا بناء على تقوم التقليد بالقصد و الاختيار. و كذا إذا اختلفا في الفتوى بناء على شمول الأدلة لصورة الاختلاف أيضا كما مر.

(76) لحجية ظواهر الكلام، كما ثبت في محلّه.

(77) على المشهور لثبوت السيرة على الاعتماد عليه، بل على مطلق الثقة، في نظائر المقام.

(78) لأنّ الاطمئنان: عبارة عن القطع العادي، و هو معتبر عند العقلاء و يدور عليه نظام معاشهم و معادهم.

(79) لا بد فيها أيضا من تحقق الاطمئنان.

(80) لأنّ التقليد الحاصل منه كالعدم، لفقد الشرط. و التعبير بالعدول لا وجه له بحسب الواقع. نعم، يصح بحسب الزعم و الاعتقاد.

(81) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة، و بما بعدها في المسائل السابقة.

ص: 62

التعيين (82) فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط (83) و إلا كان مخيّرا بينهما.

مسألة 39: إذا شك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه

(مسألة 39): إذا شك في موت المجتهد أو في تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء إلى أن يتبيّن له الحال (84).

مسألة 40: إذا علم أنّه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان

(مسألة 40): إذا علم أنّه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان و لم يعلم مقداره فإن علم بكيفيتها و موافقتها للواقع أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلّفا بالرجوع إليه فهو (85) و إلا فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط و إن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالمقدار المتيقن (86).

______________________________

(82) و لم يحتمل أعلمية أحدهما، و إلا فهو المتعيّن و قد تقدم ما يتعلق به في [مسألة 21].

(83) ظاهره «قدّس سرّه» وجوب هذا الاحتياط، و ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم وجوبه، و تقتضيه السيرة أيضا.

(84) كلّ ذلك للاستصحاب. و لا يجب الفحص، لوجود الأصل المعتبر.

(85) لأنّ طريق إحراز الموافقة للواقع، إحراز الموافقة لرأي من يجب اتباعه. و قد تقدم في [مسألة 16]، و يأتي في [مسألة 53] ما ينفع المقام.

(86) المقام من موارد الأقل و الأكثر، و الشك بالنسبة إلى الأكثر شك في أصل التكليف، و المرجع فيه البراءة، سواء كان القضاء بالأمر الأول أم بالأمر الجديد. أما على الأخير فهو واضح، و أما على الأول فلأنّه ليس تابعا لأصل تشريع الأمر الأول مطلقا، بل يتبع مقدار اشتغال الذمة به، و المفروض أنّ نفس الاشتغال مردد بين الأقل و الأكثر، و مع الشك تجري البراءة عن الزائد على المتيقن. و لا يجري استصحاب بقاء التكليف لأنّه بالنسبة إلى الأكثر من الشك في

ص: 63

.....

______________________________

أصل الحدوث، و ليس المقام مثل خروج الرطوبة المرددة بين البول و المني الذي يأتي في [مسألة 8] من فصل الاستبراء و [مسألة 3] من فصل مستحبات غسل الجنابة من وجوب الجمع بين الغسل و الوضوء لاستصحاب بقاء أصل الحدث و ذلك لجريان الأصل فيه بالنسبة إلى ذات الحدث من حيث هو بخلاف المقام، الذي تعلق التكليف فيه بخصوص العناوين الخاصة، من الظهرين و العصرية و نحوها، و هي بذاتها مرددة بين الأقل و الأكثر، مع أنّ في جريان استصحاب كليّ الحدث فيما تردد بين الأقل و الأكثر تفصيلا تعرضنا له في كتابنا (تهذيب الأصول) (1).

فروع- (الأول): لا فرق في اليقين بالبطلان، بين كونه حاصلا بالوجدان أو من جهة مخالفة أعماله لرأي المجتهد.

(الثاني): لو شك في صحة عمله و بطلانه. فإن كان حين العمل متوجها في الجملة، فمقتضى قاعدة الفراغ في العبادات و أصالة الصحة في غيرها هو الصحة. و أما إذا كان غافلا بالمرة، فالمسألة مبتنية على جريان قاعدة الفراغ و الصحة حتّى في صورة الغفلة أيضا، وجهان، بل قولان: مقتضى إطلاق بعض الأخبار (2)هو الأول، و تقتضيه سهولة الشريعة مع غلبة الجهل بتلك الخصوصيات على سواد الناس. و لا يبعد دعوى السيرة في الجملة أيضا، و ما يظهر من بعض الأخبار (3) من اعتبار الالتفات حين العمل ليس علة للحكم بالصحة حتّى يدور الحكم بالصحة مدارها، بل يمكن أن يكون من باب بيان الحكمة بحسب الغالب. و سيأتي في أحكام الوضوء ما ينفع المقام.

(الثالث): إذا شك في أصل الإتيان و عدمه فمقتضى قاعدة الاشتغال و أصالة عدم الإتيان، وجوب القضاء.

و دعوى: أنّ موضوع وجوب القضاء هو الفوت، و إثبات ذلك بعدم الإتيان

______________________________

ص: 64


1- راجع المجلد الثاني صفحة: 242- 246 ط: بيروت.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.

مسألة 41: إذا علم أنّ أعماله السابقة كانت مع التقليد لكن لا يعلم أنّها كانت عن تقليد صحيح أم لا

(مسألة 41): إذا علم أنّ أعماله السابقة كانت مع التقليد لكن لا يعلم أنّها كانت عن تقليد صحيح أم لا، بنى على الصحة (87).

______________________________

يكون من الأصل المثبت. مردودة: بأنّ الفوت عبارة أخرى عن عدم الإتيان شرعا و عرفا، بل و لغة أيضا، فلا اثنينية بينهما حتّى يكون من المثبت.

(الرابع): إذا شك حين إرادة إتيان العمل في صحته و فساده. فلا طريق لإثبات صحته، لأنّ قاعدة الصحة تختص بالشك الحادث بعد العمل، لا ما كان قبله أو معه.

(الخامس): لو تردد القضاء بين الأقل و الأكثر من جهة الشك في بلوغه مقتضى الأصل الموضوعي و الحكمي عدم وجوب الأكثر- كما في سائر الموارد.

(السادس): لو علم بكيفية العمل. و شك في انطباق المأتي به عليها تجري قاعدة الفراغ. و الظاهر عدم جريان استصحاب عدم الإتيان بالواجب، لكونه من جريان الأصل في المفهوم المردد بين معلوم الوجود و معلوم الانتفاء، و قد ثبت في محلّه عدم صحته: مع أنّه لو كان صحيحا لكان محكوما بقاعدة الفراغ.

(87) لا ريب في أنّ أصالة الصحة من الأصول العملية، التي لا تجري إلا مع وجود أثر عملي شرعي، و مع عدمه لا مجرى لها أبدا. كما لا ريب في أنّ التقليد بما هو تقليد لا موضوعية له بوجه و إنّما هو طريق لتصحيح العمل فقط.

فكلّ مورد أحرز صحة العمل بوجوه من الوجوه. و لو بأصالة الصحة، لا أثر لجريانها في التقليد من حيث هو، لأنّه لغو و لا مورد يكون فيه للتقليد موضوعية محضة حتّى يجري فيه الأصل مع قطع النظر عن العمل- فلو قلد زمانا ثمَّ شك في أنّ تقليده كان صحيحا أو لا، فإن كان عمله مطابقا لرأي من قلّده و كان جامعا للشرائط صح عمله سواء جرى في أصل التقليد أصالة الصحة أم لا. و لو لم يكن كذلك بطل، سواء جرى الأصل في نفس التقليد أم لا. و لو قلد شخصا زمانا ثمَّ عدل إلى غيره مع مخالفتهما في الفتوى، و قلنا بصحة الأعمال السابقة حينئذ- لا أثر لجريان الأصل في نفس التقليد. و كذا لو قلنا بفسادها، بل لو فرض في مورد جريان الأصل في نفس التقليد من حيث هو يكون طريقا محضا إلى العمل، فهذه

ص: 65

مسألة 42: إذا قلّد مجتهدا ثمَّ شك في أنّه جامع للشرائط أم لا

(مسألة 42): إذا قلّد مجتهدا ثمَّ شك في أنّه جامع للشرائط أم لا، وجب عليه الفحص (88).

مسألة 43: من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء

(مسألة 43): من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء (89)

______________________________

المسألة إما أن ترجع إلى المسألة السابقة، أو إلى ما يأتي في [مسألة 53].

(88) لأنّ الشكّ في الحجية مساوق لعدمها، بلا فرق بين الحدوث و البقاء. و هذا الوجوب فطري كوجوب أصل التقليد، مع أنّ ظاهر الفقهاء التسالم عليه بلا فرق فيه بين الابتداء و الاستدامة. نعم، لو علم بتحقق الشرائط ثمَّ شك، فمقتضى الاستصحاب هو البقاء.

(89) البحث فيه تارة: من حيث الحكم التكليفي. و أخرى: من حيث الحكم الوضعي.

أما الأول: فاستدلوا على الحرمة تارة بظهور الإجماع. و فيه: أنّ المتيقن منه ما إذا ترتب عليه مفسدة- من إبطال حق أو إحقاق باطل و نحوهما.

و أخرى: بأنّه إغواء و إضلال. و فيه: أنّ المدعى أعم منه إذ الكلام فيما إذا لم تترتب المفسدة أصلا.

و ثالثة: بأنّه من مناصب النبوة و الإمامة، فلا يجوز لغير الأهل. و فيه: أنّ ما هو من المناصب حجية الفتوى، و ليس البحث فيها. إنّما البحث في أنّ من كان مجتهدا و لم يكن عادلا أو كان مملوكا أو امرأة أو ولد زنا مثلا هل يحرم عليه الإفتاء كحرمة الغيبة و الغناء أو لا؟

و رابعة: بأنّه قول على اللّه تعالى بغير علم. و فيه: أنّه يصح فيما إذا كان جاهلا فأفتى، و أما لو كان عالما أو كان أعلم، و لم يكن فيه بعض الشرائط، فلا وجه له و بعد قصور هذه الأدلة عن إثبات المدعى، يكون المرجع هو البراءة عن الحرمة. هذا و لكن ظاهر الفقهاء التسالم على الحرمة مطلقا.

و أما الثاني: فمقتضى الأصل و ما دل على اعتبار ما تقدم من الشروط في المفتي، عدم الحجية.

فروع- (الأول): لو كان رأي من فقد الشرائط مطابقا للاحتياط. و عمل

ص: 66

و كذا من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس (90).

______________________________

العامي به، يصح عمله و لا شي ء عليه. و كذا لو كان مطابقا لرأي من استجمع الشرائط.

(الثاني): بناء على حرمة الإفتاء على فاقد الشرائط، إذا أفتى في حال فقد الشرائط ثمَّ صار واجدا لها، فإن كان فقد الشرائط من جهة القصور أو التقصير في أصل الاجتهاد، فلا اعتبار بفتواه. و إن كان لأجل فقد العدالة مثلا ثمَّ صار عادلا، فالظاهر اعتبار الفتوى حينئذ.

(الثالث): لو حصّل ملكة الاجتهاد في حال فقد الشرائط، فصار مستجمعا لها حين مرجعية الفتوى صح و كفى.

(90) للشك في اعتبار رأيه و نظره. و مقتضى الأصل عدم الاعتبار إلا مع الدليل عليه و هو مفقود، و لأنّ القضاوة من فروع منصب النبوة بل إنّها من المناصب الخاصة فليس لكلّ أحد التصدي لها إلا بعد أن يستجمع الشرائط المعتبرة فيها.

و يصح دعوى القطع بعدم رضاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه المعصومين عليهم السلام بالرجوع إلى حكام الجور، و في موثق إسحاق بن عمار قال أمير المؤمنين عليه السلام لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا نبي أو وصي نبيّ أو شقيّ» (1)، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام في معتبرة سليمان بن خالد: «اتقوا الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي (كنبي) أو وصيّ نبيّ» (2)و الأخبار في سياق هذا الأمر كثيرة، و هذا في الجملة مما لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّه إذا استفاد المجتهد الجامع للشرائط جميع ما يتعلق بالقضاء من الأدلة المعتبرة و اجتهد فيها و صار عالما بها و نظر في حلالها و حرامها عن بصيرة و تعمق. هل يعتبر مباشرته في القضاء أو يكفي إضافة ذلك إليه و لو كان بتقليده فيما استنبطه و استظهره من الأدلة؟

______________________________

ص: 67


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صفات القاضي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صفات القاضي حديث: 3.

.....

______________________________

و بعبارة أخرى: هل تعتبر في القضاوة الحقة المباشرة للمجتهد من كلّ حيثية و جهة إلى تمام الحكم و فصل الخصومة أو تعتبر المباشرة في خصوص استفادة موازينها و أحكامها عن الأدلة، و التسبب في سائر جهاته إلّا مع الدليل على الخلاف؟ نسب إلى المشهور الأول، و استدل عليه بأمور: الأول: ظواهر الأدلة المشتملة على العلم مثل قول الصادق عليه السلام: «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» أو المشتملة على المعرفة. كقوله عليه السلام: «اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا» (1). أو النظر كقوله عليه السلام: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا» (2) فإنّ هذه العناوين مختصة بالمجتهد فلا تشمل غيره.

و فيه أولا: إنّ الروايات المذكورة لا تختص بالمجتهد اتفاقا، و إنّ العلم و المعرفة و النظر أعم من العلم و المعرفة و النظر الاجتهادي و غيره لغة و عرفا. فإنّ العامي الذي فهم المسائل من رسالة عملية و تأملها بمقدار إدراكه يقال: إنّه نظر في مسائل الكتاب، و عرفها، و علم بها، لأنّ للعلم و المعرفة و النظر مراتب متفاوتة جدا. و من يجوّز القضاء للمقلّد لا يجوّز لكلّ مقلّد، بل لخصوص من عرف المزايا و الدقائق و الخصوصيات المتعلقة بالوقائع و الجهات الراجعة إلى الحكم و المتحاكمين، و لا ريب في صدق العناوين المذكورة عليه.

و دعوى: أنّ المراد بها خصوص من بلغ مرتبة الاجتهاد بلا شاهد، بل الشاهد على خلافه لكثرة إرجاع الأئمة عليهم السلام شيعتهم (3) إلى جملة من الرواة الذين لم نظفر لهم على رأي و دقة و اجتهاد أصلا، و لم يكن لهم شأن غير نقل الأحاديث- كالمقلّد الذي لا شأن له غير الإحاطة بفتاوى المقلّد و نقلها و ضبطها.

و ثانيا: إنّ جلّ هذه الأحاديث بل كلّها إنّما وردت لسد باب الرجوع إلى

______________________________

ص: 68


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 6.
2- تقدم في صفحة 40.
3- تقدم في صفحة 27.

.....

______________________________

حكام الجور و فتح باب الرجوع إلى علوم المعصومين، و الأخذ عنهم عليهم السلام و الانتساب في الفتوى و القضاء إليهم. و لا ريب في تحقق ذلك فيمن فرضناه من المقلّد.

و ثالثا: إنّ ما يصدر من المقلّد في المقام لا موضوعية له بوجه، بل هو من جهة الاستناد إلى نظر المجتهد و علمه و معرفته. فيتحقق جميع ذلك حينئذ- كما إذا أرسل الطيب مثلا خادمه إلى من يحتاج إليه في الطب، و أطلعه على جميع ما يحتاج إليه في الطبابة. و كما إذا نقل رأو موازين القضاء الذي سمعه من الإمام إلى غيره فعمل الغير بها.

الثاني: أنّ القضاوة منصب خاص و ولاية مخصوصة، و مقتضى الأصل عدمها إلا في المتيقن من مورد الأدلة و هو خصوص المجتهد. و قد تقدم قول الصادق عليه السلام: «اتّقوا الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضايا، العادل في المسلمين لنبيّ (كنبي) أو وصيّ نبيّ».

و فيه: أنّ المنصب و الولاية ليس إلا للمجتهد الذي استنبط أحكام القضاء و المقلّد يتصدى للقضاء عنه لا أن يكون له منصب و ولاية في عرضه، فهو بمنزلة الآلة المحضة بلا نفسية له من هذه الجهة فكيف بأن يكون له منصب!! و حينئذ فيكون فعله من مجرد المعروف الذي يشمله قولهم عليهم السلام: «كل معروف صدقة» (1) و قوله عليه السلام: «أول من يدخل الجنّة المعروف و أهله» (2). و يمكن أن يستشهد للصحة بقولهم عليهم السلام: «الحكم حكمان حكم اللّه و حكم الجاهلية- الحديث» (3)، و تسمية مثل هذا الحكم بحكم الجاهلية مما لا يرضى به أحد.

الثالث: دعوى الإجماع- كما عن المسالك و غيره.

و فيه: أنّ عهدة إثبات كونه من الإجماعات المعتبرة على مدعيه.

______________________________

ص: 69


1- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب صفات القاضي حديث: 8.

و حكمه ليس بنافذ (91)، و لا يجوز الترافع إليه (92)، و لا الشهادة

______________________________

و يمكن أن يجعل النزاع بين الأعلام لفظيا فمن يقول بعدم الجواز يريده بالنسبة إلى العامي الذي لا يطلع على موازين القضاء و خصوصيات فصل الخصومة، و كيفيات الدعوى، و هذا مسلّم بين الكلّ. و من يقول بالجواز أراده بالنسبة إلى الذي يطلع على جميع ما يطلع عليه المجتهد بتقليده.

فروع- (الأول): لا بد و أن يكون أصل جواز تصدي المقلّد للقضاء مستندا إلى علم قطعي أو تقليد صحيح. فليس لكلّ عامي أن يتصدى لذلك و إن عرف أحكام القضاء.

(الثاني): هل يعتبر أن يتحقق فيه باقي الشرائط غير الاجتهاد- من الذكورة و الحرية و غيرهما. لأنّه المتيقن من الجواز. أو لا يعتبر، لكون تلك الشرائط معتبرة في المنصب و ليس للعامي منصب، و إنّما هو من مجرد الآلة فقط؟

وجهان: أحوطهما الأول.

(الثالث): لو كان المترافعان مقلّدين لمن لا يجوّز قضاء غير المجتهد، لا يصح لهما الرجوع إليه حينئذ و إن كان مقلّدا لمن يجوّزه.

(91) لأصالة عدم النفوذ و الحجية إلا فيما دلت عليه الأدلة.

(92) أما في قضاة الجور، فيدل عليه الكتاب(1)، و الإجماع المحقق و السنة المستفيضة (2). و يمكن أن يكون ذلك من الركون إلى الظالمين الذي هو من المعاصي الكبيرة، و في بعض الروايات النهي عن مجالستهم (3) و أما في غيره فلأنّه حينئذ من العمل بالمنكر و ترويج له، و يمكن أن يكون من التحاكم إلى الطاغوت أيضا- إن جعل غير الأهل الحكومة منصبا لنفسه، فيشمله ما دل على حرمة التحاكم إلى الطاغوت.

______________________________

ص: 70


1- سورة البقرة (3) الآية: 188 و سورة هود (11) الآية: 113 و سورة ص (38) الآية: 36.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي.

.....

______________________________

و قد يستدل على الحرمة بأنّ الترافع إلى غير الأهل من المعاونة على الإثم.

و هو يتوقف على بيان معنى الإعانة على الإثم و لو إجمالا.

«قاعدة حرمة الإعانة على الإثم» العون: المعاونة و المظاهرة و هو من المفاهيم المبينة العرفية. و مفهوم الإعانة وسيع جدا و بهذا- المفهوم الوسيع جدا تستعمل في الإعانة على البر و التقوى كما يستظهر من الروايات، ففي بعض أخبار الصدقة عن الصادق عليه السلام: «لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا» (1) لسبق رحمته تعالى على غضبه و عدم إمكان تحديد رحمته بحدّ خاص و أمّا بالنسبة إلى الإعانة على الإثم و العصيان فلا وجه أن يحدّ بحدّ معيّن، و يقتضي الأصل الحكمي و الموضوعي عدم ثبوتها، إلّا أن يدل دليل بالخصوص على تحققها و لا ريب في تحققها إن صدق الموضوع و انطبق عليه عنوان الإعانة قهرا مع العلم بالحكم و الموضوع، و كذا إذا فعل فعلا بقصد ترتب الحرام عليه و علم به و ترتب ذلك عليه بحيث يكون كالعلة التامّة المنحصرة و أما إن كان فعله من مجرد المقتضي أو عدم المانع مع عدم قصد ترتب الحرام، فمقتضى الأصل عدم الإعانة و عدم الحرمة إلّا مع الدليل.

و كيف كان مقتضى المرتكزات و الفطريات حسن المعاونة على الحسن و قبح الإعانة على القبيح، و يرشد إليه قوله تبارك و تعالى وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ (2) و الأخبار الواردة في الأولى أكثر من أن تحصى، كقول الصادق عليه السلام: «عونك الضعيف من أفضل الصدقة» (3) و قوله عليه السلام: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (4) و قوله

______________________________

ص: 71


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الصدقة حديث: 1 ج: 6.
2- سورة المائدة (5) الآية: 2.
3- الوافي المجلد التاسع صفحة: 32.
4- الوسائل باب 29: من أبواب فعل المعروف حديث: 2.

.....

______________________________

عليه السلام: «و ليعن بعضكم بعضا فإنّ أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول: إنّ معونة المسلم خير و أعظم أجرا من صيام شهر و اعتكافه في المسجد الحرام» (1). فأعانه المؤمن من حيث هي من المندوبات الشرعية سواء كان موردها مباحا أو مندوبا، و قد تجب بالعرض.

و كذا الأخبار الواردة في الثانية كثيرة جدا منها: قول الصادق عليه السلام:

«العامل بالظلم، و المعين له، و الرّاضي به شركاء ثلاثتهم» (2).

و عنه عليه السلام في الصحيح «من أعان ظالما على مظلوم لم يزل اللّه عليه ساخطا حتى ينزع عن معونته»(3) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة. ثمَّ إنّ مورد الكلام في الإعانة الراجحة أو المرجوحة: ما إذا انحصرت جهة الراجحية أو المرجوحية في مجرد الإعانة من حيث هي، لا ما إذا كان المعادن به بذاته راجحا أو مرجوحا، و الإعانة الراجحة- كسقي الماء و إطعام الطعام و نفقة واجب النفقة و غير ذلك مما هو كثير جدّا. و المرجوحة- كقبول الربا و الرشى و نحوهما مما هو كثير أيضا- و لعلّه من ذلك إعانة الظلمة. فإنّها بذاتها من العناوين المحرمة في الشريعة، و قد وردت فيها روايات كثيرة (4) لا يحتاج الفقيه في إثبات حرمتها إلى تطبيق عنوان الإعانة المبحوث عنها في المقام عليها.

و يصح أن يكون شي ء في جملة من الموارد مجمعا للعنوانين بأن يكون واجبا أو مندوبا ذاتا و انطبق عليه عنوان الإعانة على البر و التقوى أيضا، أو يكون مرجوحا ذاتا و انطبق عليه عنوان الإعانة على الإثم أيضا.

ثمَّ إنّ إعانة الشخص بالنسبة إلى فعل الغير، سواء كان من البر و التقوى أم من الإثم و العدوان يتصور على وجوه:

الأول: مجرد الرضى به، فيرضى بصدور أمر خير من شخص أو يرضى بصدور إثم منه.

الثاني: المحبة و الاشتياق إليه مضافا إلى أصل الرضى به، و لا ريب في أنّ

______________________________

ص: 72


1- الوسائل باب: 80 من أبواب جهاد النفس.
2- الوسائل باب: 80 من أبواب جهاد النفس.
3- الوسائل باب: 80 من أبواب جهاد النفس.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يكتسب به.

.....

______________________________

الرضاء و المحبة و الاشتياق بصدور الخير من الناس من الصفات الحسنة، بل من مراتب الإيمان، كما لا ريب في أنّ الرضاء بصدور الشر و العصيان من الغير و المحبة و الاشتياق إليه من الصفات الذميمة، و يظهر من جملة من الأخبار ترتب العقاب عليه (1):

منها ما تقدم من قول الصادق عليه السلام: «العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم» (2).

و منها قوله عليه السلام: «من أحب شيئا حشره اللّه معه» (3).

و قوله عليه السلام: «هل الدين الا الحب و البغض؟» (4).

إلى غير ذلك من الروايات التي ذكرناها في علم الأصول في حجية القطع و ذكرنا دفع المعارضة حرمة أو كراهة عما ينافيها، و ليس هنا مقام ذكرها و من شاء فليراجع كتابنا (تهذيب الأصول).

الثالث: إيجاد الداعي و مبادي الإرادة في الطرف لفعل الخير أو لفعل المنكر، و الأول حسن، بل مندوب و يترتب عليه الثواب. و الثاني مذموم بلا ارتياب، بل قد يحرم لعناوين خارجية.

إنّما الكلام في أنّه هل يكون من صغريات الإعانة على الإثم مطلقا أو لا كذلك أو يفصّل بين ما، إذا كان إيجاد الداعي علة تامة لصدور الحرام منه، و كان لأجل التوصل به إلى تحقق الحرام بحيث لو احتمل عدم صدور الحرام لا يكون في مقام إيجاد الداعي و صار المعان بعد ذلك مسلوب الاختيار في ارتكاب الحرام، و بين ما إذا لم يكن كذلك؟ وجوه: الأقوى هو الأخير.

الرابع: أن تتحقق إرادة غيره لإتيان الحرام، و تكون الإعانة بمنزلة الجزء

______________________________

ص: 73


1- الوسائل باب: 44 و باب: 45 من أبواب ما يكتسب به.
2- الوسائل باب: 80 من أبواب جهاد النفس.
3- ورد مضمونه في الوسائل باب 18 من أبواب الأمر و النهي حديث 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب الأمر و النهي حديث: 28 ج: 2 و في الوسائل باب: 15 من أبواب الأمر و النهي حديث 16 «هل الإيمان إلا الحب و البغض».

.....

______________________________

الأخير من العلة لتحققه خارجا مع علم المعين بترتب الحرام على فعله، و لا إشكال في كونه من الإعانة على الإثم قصد التوصل به إليه أم لا.

الخامس: الصورة المتقدمة مع جهل المعين به لكن قصد التوصل به إلى الحرام مع تحققه في الخارج أيضا، و الظاهر صدق الإعانة عليه شرعا و عرفا، أما لو قصد التوصل به إلى الحرام مع عدم تحققه فلا ريب في كونه نحوا من التجري، و أما كونه من الإعانة فمتوقف على كونها صفة قائمة بالمعين فقط و لو لم يتحقق المعان عليه أصلا أو يتوقف على تحققه، و الأول مشكل جدا لتقوم حقيقة الإعانة بالمعين و المعان، و المعان عليه و مع انتفاء أحدها لا تتحقق تلك الحقيقة.

و منه يعلم أنّه لو جهل بترتب الحرام و لم يقصد التوصل إليه أيضا ثمَّ تحقق خارجا فليس ذلك من الإعانة في شي ء.

السادس: أن يقصد المعين وجود مقدمة الحرام- مع عدم قصد نفس الحرام و عدم قصد التوصل بفعله إلى تحقق الحرام خارجا أيضا و لكن يعلم أنّ المعان قاصد للحرام فعلا و تحقق في الخارج أيضا. و الظاهر صدق الإعانة حينئذ، لأنّه مع العلم بأنّ المعان قاصد للحرام و مع ذلك قصد وجود مقدمته فهو قاصد للحرام في الجملة فتصدق الإعانة على الحرام. إلا أن يقال: إنّ العلم بالشي ء أعم من قصده، و لكنّه مشكل في مثل المقام و إن كان مسلّما في مثل تجارة التاجر و أخذ العشور منه و نحو ذلك.

و لكن يأتي في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالى أنّه قد نسب إلى المشهور جواز بيع العنب و التمر لمن يعمله خمرا، لوجود روايات كثيرة دالة عليه كما يأتي التعرض لها في محلّه و يأتي التشكيك هناك في صدق الإعانة أيضا.

السابع: هذه الصورة مع عدم تحقق الحرام خارجا، و لا إشكال في عدم كونه من الإعانة على الحرام. إنّما الكلام في أنّه هل يكون من التجري أو لا؟

فإن قلنا بأنّ العلم بشي ء ملازم لقصده أيضا فحيث إنّه علم بصدور الحرام من الغير، يكون قاصدا له في الجملة فيصدق التجري قهرا. و إن قلنا بعدم الملازمة فلا موضوع للتجري، لأنّه قصد المقدمة فقط و هي ليست محرمة و لم يقصد نفس

ص: 74

.....

______________________________

الحرام فكيف يصدق التجري؟! نعم، لو كانت المقدمة محرمة من جهة أخرى تتحقق الإعانة حينئذ.

الثامن: ما إذا قصد المعين المقدمة فقط، و لم يقصد الحرام أصلا و لا التوصل بها إليه، و علم بأنّ المعان ليس بقاصد للحرام فعلا و لكن يعلم أنّه يحصل له قصد جديد في صرف المقدمة في الحرام و تحقق ذلك منه خارجا. و الظاهر عدم الفرق بينه و بين القسم السادس.

التاسع: الصورة المتقدمة مع عدم تحقق الحرام خارجا، و حكمه حكم السابع.

العاشر: أن يتردد المعين في أنّ المعان قاصد للحرام أو لا. و ليس ذلك من الإعانة على الحرام في شي ء إلا أن يقصد بإعانته التوصل إلى الحرام و تحقق الحرام خارجا أيضا.

و الحاصل: إنّ الإعانة ليست من الموضوعات التعبدية الشرعية حتّى نحتاج في فهمها إلى الرجوع إلى الشارع و لا من الموضوعات المستنبطة حتّى نحتاج فيها إلى إعمال الرواية، بل هي من المفاهيم المتعارفة العرفية الشائعة بينهم في جميع أمورهم الاجتماعية فلا بد من المراجعة إليهم و إذا راجعناهم وجدناهم يعتبرون فيها أمورا:

الأول: العلم بتحقق المعان عليه.

الثاني: تحققه خارجا.

الثالث: القصد في الجملة و لو كان حاصلا من العلم بتحقق المعان عليه هذا إذا لم يقصد التوصل إلى الحرام. و أما معه و تحقق الحرام خارجا فالظاهر صدقها أيضا.

إن قلت: الإعانة من العناوين غير المتوقفة على القصد و العلم، فما الدليل على اعتبارهما.

قلت أولا: لا نسلّم كونها من العناوين الواقعية غير المتوقفة عليهما، بل الظاهر عدم كونها كذلك.

ص: 75

.....

______________________________

و ثانيا: إنّ البحث في الإعانة الخاصة المتعارفة بين الناس، و لا ريب في كونها كذلك.

ثمَّ إنّه قد يذكر في الفقه قاعدة الإغراء إلى القبيح و الإغراء هو تهييج الشخص على الشي ء و ترغيبه إليه، و لا خلاف فيها في الجملة و يمكن تطبيقها على القسم الثالث. كما يمكن انطباقها على قاعدة التسبيب التي يأتي التعرض لها في [مسألة 32] من (فصل يشترط في صحة الصلاة) و على كلّ حال لا ريب في حرمة الإغراء بالمعصية.

فروع (الأول): لا فرق في الحرام الذي تكون الإعانة عليه حراما بين كونه من الكبائر أو الصغائر، للعموم و الإطلاق.

(الثاني): لا فرق في العلم و القصد بين أن يكون بالنسبة إلى شخص واحد تفصيلا أو بمن هو معلوم بالإجمال فلو علم أنّ واحدا من الجماعة أراد ارتكاب حرام، و لكنّه غير معلوم تفصيلا لا يجوز إعانة كلّ فرد من أفراد الجماعة إلى الحرام المعلوم لشمول الأدلة له أيضا.

(الثالث): تقدم أنّ حرمة الإعانة متقوّمة بقصد بتحقق الحرام في الجملة فلا حرمة فيما لا قصد فيه، بل يكون من قصد العدم لو أمكن- كما في تجارة التاجر بالنسبة إلى أخذ العشور و مسافرة الناس إلى الحج أو سائر الأسفار الراجحة بالنسبة إلى ما يؤخذ منهم، إذ لا قصد لهم بذلك بل لو أمكنهم الفرار عنه لفعلوا مع أنّه لو تحقق لا أثر لمثل هذا القصد لحصوله ظلما و عدوانا.

(الرابع): لو اضطر أو أكره على الإعانة على الإثم ترتفع الحرمة كما في جميع موارد الإكراه و الاضطرار.

(الخامس): ظاهر كلمات الفقهاء اختصاص البحث عن الإعانة بما إذا كانت بين شخصين أو أزيد، فلو أوقع شخص نفسه في المهالك و المضرّات ليس ذلك من الإعانة: و إنّما تحرم من جهة أخرى، و إن كان ظاهر قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه» (1) و قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إن أكلته و مت فقد أعنت على نفسك» (2) لكون الإعانة أعم من

______________________________

ص: 76


1- الوسائل باب: 58 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 7.

.....

______________________________

ذلك، لكن الظاهر أنّه من التوسع و المجاز كما لا يخفى و كذا قوله عليه السلام:

«إذا ضاق أحدكم فليعلم أخاه و لا يعن على نفسه» (1).

(السادس): لو شك في مورد أنّه من الإعانة على الإثم أو لا، من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية مع عدم صدق الإعانة عرفا، فهو من موارد البراءة عقلا و شرعا.

(السابع): لا يبعد أن تكون الإعانة على الإثم تابعة للإثم المعان عليه فإن كان كبيرا فهي كبيرة و إلا فصغيرة.

(الثامن): هل المدار في الإثم- الذي تحرم الإعانة عليه- على الإثم بحسب تكليف المعان أو المعين أو هما معا؟ فلو كان شي ء إثما بحسب تقليد المعين و لم يكن إثما بحسب تكليف المعان أو بالعكس. هل تحرم الإعانة أو لا؟

وجوه لا يبعد أن يكون المدار على نظرهما معا، للأصل في مورد الشك.

(التاسع): لو أمكن للمعان دفع المعين عن مساعدته و لم يدفعه و ارتكب الحرام بمساعدته. فهل عليه إثمان، إثم ارتكاب الحرام و إثم لترك النهي عن المنكر مع تمكنه منه، أو ليس عليه إلا أثم ارتكاب الحرام فقط؟ وجهان: لا يبعد الأول، لتحقق الموضوع بالنسبة إلى كلّ منهما.

(العاشر): تجب التوبة عن الإعانة على الإثم كسائر المعاصي، و قد تتوقف التوبة منها على أمور أخرى غير الاستغفار كما لا يخفى مثل ما إذا حصل بإعانته سفك دم محترم أو هتك عرض أو فقدان مال تعلق حق الناس به، فلا بد من الاسترضاء مضافا إلى التوبة.

(الحادي عشر): لو علم شخص بأنّه لو لم يعن على الحرام لتحقق الحرام بإعانة غيره، و أنّه لا يكون لترك إعانته أثر أصلا، بل يكون لغوا محضا، لتحقق الحرام على كلّ حال. فهل تكون إعانته محرمة حينئذ أم لا؟ وجهان، بل قولان: الظاهر هو الأول، لحرمة الإعانة على الحرام بالنسبة إلى الجميع حرمة نفسية، فما لم يحصل الحرام خارجا لا يسقط التكليف عن الكل.

______________________________

ص: 77


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الصدقة حديث: 5.

.....

______________________________

ثمَّ إنّ موارد تطبيق القاعدة كثيرة في أبواب الفقه نتعرض لها فيما يأتي إن شاء اللّه تعالى. منها المقام فإنّه إذا علم المتخاصمان بعدم كون الشخص أهلا للحكومة و مع ذلك ترافعا لديه بقصد حكمه المحرم يكون ذلك من الإعانة على الإثم و يجري فيه جميع ما تقدم منه الأقسام المذكورة. و قد يستدل في نظائر المقام بأنّ دفع المنكر كرفعه واجب، و ربما يجعل ذلك قاعدة.

«قاعدة وجوب دفع المنكر» و لا بد من بيان موضوعه، و الأقسام المتصورة فيه، ثمَّ بيان حكمه بحسب ما هو المستفاد من الأدلة. فنقول: دفع المنكر على أقسام:

الأول: دفعه عن من لا يريده فعلا و يحتمل أن يريده فيما بعد احتمالا بعيدا، فيكون تعجيزا له عما يحتمل أن يهتم به من القبيح.

الثاني: الدفع عند بنائه على الارتكاب بحسب المتعارف من دون حصول قصد و إرادة فعلية بالنسبة إلى فعل الحرام، كما إذا بني في الحال على أن يظلم أحدا في الغد مثلا.

الثالث: دفعه عند القصد و الإرادة الفعلية على الارتكاب مع حصول تمام المقدمات، و لكن مع عدم التلبس بشي ء من المقدمات القريبة من الحرام.

الرابع: الصورة المتقدمة مع التلبس بها و الإشراف على الارتكاب.

الخامس: الشروع في الارتكاب.

و القسمان الأخيران من رفع المنكر لا دفعه، فهما خارجان عن مسألة دفع المنكر، بل الظاهر كون القسم الثالث أيضا كذلك. و على أيّ تقدير فقد استدل على وجوب الدفع عن المنكر، تارة بإطلاقات أدلة النهي عن المنكر من الآيات و الروايات.

أما الأولى كقوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (1).

______________________________

ص: 78


1- آل عمران: 104.

عنده (93)، و المال الذي يؤخذ بحكمه حرام و إن كان الآخذ محقا (94)

______________________________

و أما الثانية أخبار مستفيضة منها قوله عليه السلام: «إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض» (1).

بدعوى: أنّ المناط في وجوبه عدم وجود المنكر خارجا فهو متحقق في الدفع أيضا، فتشمله الإطلاقات.

و فيه: أنّه ليس بقطعي غايته كونه ظنيا. و اعتباره مشكل، بل ممنوع. إلا أن يقال: إنّ المستفاد من ظاهرها ذلك لا أن يكون هذا هو المناط المستنبط منها.

و أخرى: بما ورد من أنّه: «لو لا أنّ بني أميّة وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا» (2).

فيدل على ثبوت الذّم لكلّ ما لو ترك لم تتحقق المعصية من الغير.

و فيه: أنّه يمكن القول به في خصوص مورده، لكثرة أهميته.

و ثالثة: بالسيرة العقلائية حيث إنّ العقلاء المتحفظين على حفظ نظام الاجتماع يجتنبون الأشرار الذين يخاف من شرهم.

و فيه: أنّه لا كلية فيها و ربما نلتزم به في بعض الموارد. فالحق هو التفصيل بين الموارد المهمة و غيرها و ذلك موكول إلى نظر الحاكم الشرعي، و تشخيصه للموضوع.

(93) لأنّها إما إعانة على الإثم- إن كانت بقصد فصل الخصومة لديه، و إنفاذ حكمه- أو يكون ترويجا عمليا للمنكر إن لم يكن بهذا القصد. و يمكن أن تترتب عليها مفسدة أخرى، فتحرم من تلك الجهة أيضا.

(94) ظاهر إطلاقه عدم الفرق بين العين و الدين. و لكنّه (قدّس سرّه) استشكل في الأول في كتاب القضاء من الملحقات العروة.

______________________________

ص: 79


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي، حديث: 6.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 ج: 12.

.....

______________________________

ثمَّ إنّ حكم المسألة تارة يبحث عنه بحسب القواعد العامة. و أخرى بحسب الأدلة الخاصة:

أما الأول: فلا يخلو إما أن يكون الآخذ مبطلا أو محقّا. و الأول يحرم ما أخذه بلا فرق بين العين و الدين مطلقا، و لو كان بحكم الحاكم الجامع للشرائط، فكيف بغيره.

و الثاني: إما أن يكون حقه عينا أو دينا حالا يمتنع المديون عن الأداء، أو مؤجلا. أما الأول فمقتضى القاعدة عدم كون تصرفه في ماله بعد الأخذ حراما، لفرض كونه ملكا له، و إنّما فعل حراما في كيفية استيلائه عليه لا في أصل الاستيلاء، فيكون مثل ما إذا سرق ماله شخص، و أمكنه أخذه منه فدخل دار السارق بغير إذنه و أخذ ماله المسروق منه، فيكون العصيان في طريق الأخذ و كيفيته، لا في نفس الاستيلاء على المأخوذ. و كذا الثاني- إن دفع نفس المديون دينه، فالعصيان حينئذ وقع في كيفية الوصول إلى الحق، لا في نفس الاستيلاء عليه.

و أما إذا أخذه الحاكم المباشرة، أو أمر الدائن بأخذه، فأخذه فإن كان بعنوان التقاص مع تحقق الشرائط فيكون كذلك أيضا، فأصل الاستيلاء عليه حق، و طريق الاستيلاء عليه يكون باطلا. و مع عدم ثبوت شرائط التقاص لا يصح التصرف فيه، لأصالة بقائه على ملك مالكه، و عدم عروض ما يوجب زواله عنه.

و تشخيص الكلّي الذي إلى العين الخارجي يتوقف على رضى المالك، أو إذن من الشارع و المفروض عدم تحققهما إن لم نقل بسقوط رضاه عند امتناعه عن الأداء. و مثله بعينه حكم القسم الثالث، بل يكون فيه أشد، لعدم حلول الأجل بعد، فيكون الأخذ من دون رضاه ظلما- و لو بحكم العادل فكيف بالجائر. هذا كلّه بحسب القاعدة.

و أما بحسب الأدلة الخاصة فنسب إلى المشهور حرمة الأخذ- و إن كان الآخذ محقا. و استدل عليه تارة: بالإجماع و قد أشكل عليه: بأنّ المتيقن منه ما لم يكن الحق ثابتا.

و فيه: أنّ مورد الإجماع فيما إذا ثبت الحق، فلا وجه للإشكال.

ص: 80

.....

______________________________

و أخرى: بمقبولة ابن حنظلة عن الصادق عليه السلام: «عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان و إلى القضاة، أ يحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا، و إن كان حقا ثابتا له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و ما أمر اللّه أن يكفر به- الحديث» (1).

بدعوى ظهور قوله عليه السلام «يأخذ سحتا» في المال المأخوذ، لأنّ السحت في الكتاب و السنة يستعمل في الأعيان، فيكون نفس المال محرّما و إن كان الآخذ محقا- نظير الحرمة بالعناوين الثانوية على ما كان حلالا بعنوانه الأوليّ و لا يستلزم ذلك إطلاق السحت على كلّ ما كان حراما بالعرض، كالأكل في شهر رمضان للعالم مثلا، إذا السحت يطلق على عنوان ثانوي خاص- لأكل- محرم بالعنوان الثانوي. هذا إذا أريد إطلاق السحت موضوعا، و إن أريد إطلاقه بلحاظ معنى الهلاك و الاستيصال، فيصح الإطلاق حينئذ على كلّ محرم سواء كان بالعنوان الأولي أو الثانوي، و قد ورد عن الصادق عليه السلام: «إنّ السّحت أنواع كثيرة» (2).

و أشكل عليه بأنّ أصل السحت الهلاكة و الاستيصال، و منه قوله تعالى فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذٰابٍ (3) و إنّما يطلق على الأموال المحرمة و على المعصية، لكونها موجبة للهلاكة و الاستيصال، فيصح أن يطلق على كلّ حرام أنّه سحت، و في المقام يصح أن يكون باعتبار الحرام الذي ارتكبه المتخاصمان من الترافع إلى الطاغوت، فإطلاق السحت على ما يكون حقا للمدعي شرعا ليس إلا لأجل أنّ كيفية أخذه يكون سحتا و لا منشأ له غير ذلك. و احتمال انقلاب الواقع مما لا وجه له لتوهمه في حكومة العدل، فكيف بالباطل للمدعي شرعا بالعرض و المجاز!! فلا وجه لحرمته إن كان عينا خارجيا، أو دينا حالا- بناء على سقوط رضاء المديون عند امتناعه. فيبقى الإجماع الذي نقله صاحب المستند في كتابه عن والده «قدّس

______________________________

ص: 81


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
3- سورة طه: (20) الآية: 61.

.....

______________________________

سرّهما»، و في الاعتماد عليه مع مخالفته للقاعدة و سكوت المتقدمين عنه إشكال، و لذا أشكل في ملحقات العروة في صورة ثبوت الحق. خصوصا إن كان عينا، و ذكر وجوها في تصوير النهي عن التصرف في العين. و يظهر الإشكال فيه عن الكفاية و الجواهر أيضا، بل يظهر من الأخير الإشكال في الدين أيضا.

و أما رواية ابن فضال عن أبي الحسن الثاني عليه السلام في تفسير قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ (1) فكتب إليه بخطه: «الحكام القضاة» ثمَّ كتب تحته: «هو أن يعلم الرجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي، فهو غير معذور في أخذه ذلك الّذي قد حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم» (2).

فلا تعارض المقبولة، لعدم كونه في مقام الحصر، بل يبيّن إحدى مصاديق الحرمة، و لا ينافي ذلك ثبوت موارد أخرى لها كما تعرضنا لذلك في التفسير (3).

ثمَّ إنّ ظاهر المقبولة، بل صريح صدرها، عدم الفرق بين العين و الدين حالا كان أو مؤجلا.

فروع- (الأول): ظاهر الإطلاق عدم الفرق بين طواغيت المخالفين و الموافقين، و ظاهره الاختصاص بمن جعل القضاء منصبا لنفسه، فلا يشمل من حكم نادرا و أحيانا من دون أن يكون ذا منصب قضائي بين الناس فيرجع فيه حينئذ إلى القواعد العامة.

(الثاني): لو كان المتخاصمان أو أحدهما من العامة، و رجعا إلى قضاتهم، فلا تشمله المقبولة. و هل يجزي حكمهم حينئذ مطلقا أو لا؟ مقتضى روايتي علي بن مهزيار(4) و ابن السائب (5) ذلك، ففي الأولى: «قال سألته هل نأخذ في

ص: 82


1- سورة البقرة (2) الآية: 188.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 9 ج 18.
3- راجع الجزء الثالث من مواهب الرحمن في تفسير القرآن صفحة 105- 107 ط النجف الأشرف.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب آداب القاضي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب آداب القاضي حديث: 2.

إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده (95).

______________________________

أحكام المخالفين ما يأخذون منّا في أحكامهم؟ فكتب عليه السلام «يجوز لكم ذلك إن شاء اللّه إذا كان مذهبكم فيه التقيّة منهم و المداراة لهم» و في الثانية «إذا كنتم في أئمة جور فاقضوا في أحكامهم و لا تشهروا أنفسكم فتقتلوا و إن تعاملتم بأحكامنا كان خيرا لكم».

و لكنه مشكل أولا: لقصور سند الخبرين. و ثانيا: لاحتمال أن يكون المراد بهما المعاملة معهم كمعاملتهم معنا في الشفعة بالجوار و توريث العصبة و نحو ذلك.

(الثالث): إذا لم يكن قضاء في البين أصلا، بل كان من مجرد إحقاق الحق، و إبطال الباطل من غير إذن الحاكم الشرعي، كما إذا كان الدائن ممتنعا عن أداء دين المديون. و الظالم مصرّا على ظلم المظلوم فتصدّى مأمور الدولة- سواء كان من المخالفين أو من الموافقين- لرفع ظلم الظالم و أخذ دين المديون عن الدائن، بالتخويف أو بفعل ما لا يوجب الجناية. فهل تبرء ذمة الدائن أو لا؟

و هل يكون المتصدّي آثما أو لا؟ الظاهر كون المقام من موارد النهي عن المنكر، فتبرأ ذمة الدائن و لا إثم، على المتصدّي بل قد يثاب على ما فعل.

(الرابع): لو امتنع المالك عن أداء الزكاة أو الخمس بعد الوجوب عليه فتصدّى شخص بلا إذن من الحاكم الشرعي لأخذها، و صرفها في المصارف الواقعية مع تحقق جميع الشرائط، كقصد القربة من المالك و شرائط الصرف و المصرف، يكون من القسم السابق و يجري هنا ما تقدم هناك. هذا.

و لو كان المتخاصمان جاهلين بكون الحاكم فاقدا للشرائط، ففيه تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

(95) أما مع الاضطرار فلما ورد: «و ليس شي ء مما حرّم اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (1).

______________________________

ص: 83


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.

مسألة 44: يجب في المفتي و القاضي العدالة

(مسألة 44): يجب في المفتي و القاضي العدالة (96). و تثبت العدالة بشهادة عدلين و بالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة، أو الاطمئنان

______________________________

و أما في غيره فلقاعدة نفي الضرر، التي هي من القواعد الشرعية المسلمة. فما عن جمع من المنع حتّى في هذه الصورة، لإطلاق المقبولة (مردود): لإمكان دعوى الانصراف عنها أولا، و على فرض الإطلاق فهو محكوم بحديث الضرر (1) و الاضطرار (2).

و المراد بالاضطرار: العرفي منه المتحقق في مورد الانحصار.

ثمَّ إنّه لا بد من ثبوت الحق إما بالعلم أو بطريق شرعي معتبر. و مع عدم الثبوت بأحدهما لا تجوز الحكومة لديهم، و على فرضه و حكمهم فلا يجوز أخذه. و لا فرق بين أن يكون منشأ الانحصار فقد الجامع للشرائط، أو قصور يده عن الحكومة، أو تعسر الوصول إليه، أو كون المدعى بحيث لا تقبل الحكومة الشرعية و نحو ذلك من الأعذار المقبولة شرعا.

(96) أما في الأول فلما سبق، و أما في الثاني فللإجماع المستفيض نقله أولا، و لأنّ القضاوة من توابع النبوة و الإمامة و لا يرضى الشارع بتصدّي الفاسق لها ثانيا. و بما ورد من عدم الاعتماد على الفاسق بالسنة شتّى ثالثا- خصوصا الفساق من العلماء- فقد ورد فيهم على ما رواه الصدوق: «اتقوا الفاسق من العلماء» (3) و قوله عليه السلام: «إياكم و الجهال من المتعبدين، و الفجار من العلماء، فإنّهم فتنة كل مفتون» (4).

و المتيقن منه مورد الفتوى و القضاء. مع أنّه إذا لم يكن الفاسق قابلا للولاية على المجنون و الصغير، فأولى بأن لا يكون قابلا لهذا المنصب الخطير.

______________________________

ص: 84


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات ج: 17.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.
3- البحار ج: 2 باب 15 حديث: 1.
4- البحار ج: 2 باب 15 حديث: 3.

بها، و بالشياع المفيد للعلم (97).

مسألة 45: إذا مضت مدة من بلوغه، و شك بعد ذلك في أنّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا؟

(مسألة 45: إذا مضت مدة من بلوغه، و شك بعد ذلك في أنّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا؟ يجوز له البناء على الصحة في أعماله السابقة (98)، و في اللاحقة يجب عليه التصحيح (99) فعلا.

مسألة 46: يجب على العامي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم

(مسألة 46): يجب على العامي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم، أو عدم وجوبه (100)، و لا يجوز أن يقلّد غير

______________________________

(97) تقدم في [مسألة 23]، و يأتي في [مسألة 13] من فصل شرائط إمام الجماعة ما ينفع المقام فراجع. و يصح الاعتماد على مطلق الوثوق- و لو حصل من حسن الظاهر، أو قول الثقة، أو اقتداء الثقات به أو غير ذلك من طرق حصول الوثوق و الاطمئنان.

(98) لأصالة الصحة و نحوها من القواعد الثانوية الامتنانية، و قد سبق في [مسألة 41] ما ينفع المقام.

و الفرق بينهما أنّ الشك هناك في أصل تحقق التقليد و عدمه، و هنا يكون في صحته بعد العلم بأصل تحققه.

(99) لقاعدة الاشتغال بعد عدم الدليل الحاكم عليها. و مجرد مطابقة الأعمال اللاحقة للأعمال السابقة الملازمة لصحتها لا تصلح أن تكون دليلا على الصحة، لأنّ قاعدة الصحة أو الفراغ- سواء كانت أصلا أو أمارة- لا تكون حجة على إثبات اللوازم، و إثبات اللوازم بالأمارات مطلقا يحتاج إلى دليل بالخصوص، لا أن تكون كل أمارة دليلا لإثبات لوازمها، فيكون المقام مثل ما إذا صلّى و بعد الفراغ شك في أنّه تطهر لها أو لا؟ فتصح صلاته. و لكن لا يصح له الدخول في صلاة أخرى إلا بطهارة مستأنفة.

ثمَّ إنّ طريق تصحيح اللاحقة إما بالاحتياط مع العلم بخصوصياته أو بمراجعة المجتهد الجامع للشرائط.

(100) لأنّ مسألة وجوب تقليد الأعلم من المسائل الفرعية. الابتلائية

ص: 85

الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم (101)، بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه (102) فالقدر المتيقن

______________________________

و يجب على كلّ مكلّف أن يكون فيها إما مجتهدا أو محتاطا أو مقلّدا و مع انتفاء الأولين يتعيّن الثالث لا محالة، و يصح الأخذ بوجوبه من جهة الاحتياط، إذا لا ريب في كونه أحوط.

(101) للشك في حجية فتواه فلا تشمله أدلة التقليد. نعم، لو قطع المقلّد بحجية فتواه فهو متعبد بقطعه. و لو كانت فتواه في هذه المسألة موافقة لفتوى الأعلم فيجوز تقليده فيها على ما يأتي من التفصيل قريبا.

(102) إن كان مترددا في حجية رأيه في هذه المسألة، لأنّ أدلة رجوع الجاهل إلى العالم لا تشمل ما إذا كان الجاهل شاكا في اعتبار قول العالم- خصوصا في مثل هذه المسألة التي تكون بمنزلة أصل التقليد في الجملة. نعم، لو كان الجاهل شاكا في أصل الحكم. أم في جهة أخرى مع عدم الشك و التردد في اعتبار قول العالم، يصح له الرجوع إليه، بل لا وجه للتقليد إلا لدفع مثل هذه الشكوك، بخلاف ما إذا كان شاكا في أصل اعتبار قوله- بأن احتمال أن تكون المسألة من الفطريات، لا من التقليديات فلا تشمله أدلة التقليد حينئذ، لأنّ المتيقن من السيرة، و المنساق من الأدلة اللفظية غير هذه الصورة. هذا وجه الاشكال.

و لو لم يكن مترددا في اعتبار قول العالم فلا فرق حينئذ بينها و بين سائر المسائل في صحة التقليد، لإطلاق الأدلة اللفظية، و ثبوت السيرة العقلائية.

فتلخص: أنّ الفرعيات المحضة لا ريب في تحقق التقليد فيها، كما أنّه لا ريب في كون أصل التقليد فطريا لا أن يكون تقليديا.

و أما شرائط التقليد فهي برزخ بينهما، فمع زوال التردد فيها بالتقليد، و حصول الاطمئنان العادي تشملها أدلة التقليد أيضا. و أما مع عدم حصول الاطمئنان فمقتضى الأصل عدم حجية التقليد فيها.

ص: 86

للعامي تقليد الأعلم في الفرعيات (103).

مسألة 47: إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات فالأحوط تبعيض التقليد

(مسألة 47): إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات فالأحوط تبعيض التقليد و كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلا و الآخر في البعض الآخر (104).

مسألة 48: إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ

(مسألة 48): إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلّم منه، و كذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام (105).

______________________________

(103) مسألة تقليد الأعلم أيضا من المسائل الفرعية لا الأصولية الواقعة في طريق استفادة الأحكام. و يمكن أن يكون نظره «قدّس سرّه» إلى أنّها أصل و موضوع في الجملة للتقليد في سائر الفروع الفقهية، فيجري عليها حينئذ حكم أصل التقليد في أنّه ليس تقليديا، بل يكون من الفطريات فتأمل.

(104) هذه المسألة من صغريات تقليد الأعلم بعد تحقق الموضوع من المخالفة بين فتوى العالم و فتوى الأعلم في مورد التقليد، و عدم كون فتوى العالم موافقا للاحتياط، و إحراز الأعلمية. و حينئذ لا فرق بين جميع المسائل الفرعية و بعضها، لجريان الدليل فيهما. فمن أفتى بوجوب تقليده، لا بد له و أن يفتي به في المقام أيضا. و من احتاط فيه احتياطا وجوبيا، لا بد له هنا ذلك. و من قال بالعدم فكذلك. و حيث إنّ الماتن رحمه اللّه اختار الاحتياط الوجوبي في أصل المسألة كما مرّ في [مسألة 13] اختاره في المقام أيضا.

(105) وجوه-:

الأوّل: قاعدة دفع الضرر المحتمل في ترك الإعلام الشاملة للمجتهد و الناقل، سواء كان مورد الخطإ الأحكام الإلزامية أم غيرها- بناء على أنّ العوام يسندون ما حكم به مقلّدهم إلى الشارع، فيتحقق التشريع بسبب عدم الإعلام.

فإذا أفتى المجتهد باستحباب شي ء مثلا فبان له أنّه مباح، و أنّ العامي بنى على الاستحباب مسندا ذلك إلى الشارع. يكون تشريعا حينئذ بقاءا، لترك الإعلام.

ص: 87

.....

______________________________

و يحتمل فيه الضرر فيجب الإعلام.

إلا أن يقال: مع تجويزهم الخطأ عليهم لا ينسبون فتواهم إلى الشارع مطلقا، بل في صورة الإصابة فقط، و في غيرها ليس إلا من مجرد العمل بقولهم، لرجاء الإصابة، فيختص الوجه بالإلزاميات حينئذ.

و الظاهر عدم اختصاصه بخصوص الناقل أو المجتهد، بل يشمل كل من علم بذلك و لو كان غيرهما. نعم، يكون بالنسبة إليهما آكد.

الثاني: ما تقدم من الآيات و الروايات الكثيرة الدالة على وجوب إبلاغ الأحكام إلى الأنام (1) مع احتمال الأثر، بل وجوب إتمام الحجة و لو لم يحتمل الأثر، بل قطع بالعدم. و هذا الوجه أيضا لا يختص بالمجتهد أو الناقل، بل يشمل غيرهما ممن علم بالخطإ. و المنساق منها هو الإلزاميات أيضا.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ مجموع غير الإلزاميّات أيضا بحسب الاهتمام بها كالإلزاميات، فهذان الوجهان و إن لم يشملا آحاد الأحكام غير الإلزامية و لكنّهما يشملان مجموعها، لكثرة اهتمام الشارع بها كاهتمامه بالإلزاميات. إلّا أنّه خارج عن المقام، إذ لا خطأ فيه بالنسبة إلى المجموع، بل هو بالنسبة إلى البعض فقط.

الثالث: إنّ التسبيب إلى المبغوض مبغوض شرعا و عقلا من غير فرق بين الحدوث و البقاء كما سيأتي في [مسألة 32] من فصل (يشترط في صحة الصلاة) بيان قاعدة «حرمة التسبيب إلى الحرام». و هذا الوجه يعم الناقل و المفتي كما لا يخفى.

فروع (الأول): لا إشكال في وجوب الإعلام مع السؤال، سواء كان بالمقال أم بظاهر الحال، و سواء كان السائل جاهلا قاصرا أم مقصرا، و سواء احتمل ترتب الأثر أم لا. أما الأول فلآية النفر (2)و غيرها (3) و أما الثاني فلإتمام الحجة.

______________________________

ص: 88


1- تقدم في صفحة: 9.
2- سورة التوبة (9) الآية: 122.
3- و هي قوله تعالى وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ إِلّٰا رِجٰالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ النحل (16) الآية: 43.

.....

______________________________

(الثاني): يجب إبلاغ الأحكام إلى الأنام سألوا عنها أم لا، لآية النفر و غيرها (1) و هذا الوجوب كفائي و قد يصير عينيا لجهات أخرى، و لا فرق بين كون المبلغ مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا بعد أن عرف الحكم بوجه معتبر شرعا. و قد روى الفريقان عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته» (2). بلا فرق بين أن يكون ذلك بالمباشرة أو بالتسبيب، بأيّ سبب حصل.

(الثالث): إذا قام شخص بالإبلاغ يسقط الوجوب عن الباقين، كما هو شأن جميع الواجبات الكفائية و لكن يمكن أن يقال إنّ لنفس تأكيد الحجة و تعدد إبلاغها مطلوبية خاصة عند الشارع: «لئلّا يكون للناس على اللّه حجة» (3)، بل له عزّ شأنه الحجة التامة البالغة.

(الرابع): لو ترك الإعلام و عصى و عمل الجاهل مع جهله- قصورا أو تقصيرا- فإن دل دليل على صحة عمله مع الجهل- قصورا أو تقصيرا أو هما معا- يصح و لا شي ء عليه و إلّا فيتبع مقدار دلالة الدليل في خصوص الإعادة فقط أو القضاء لو ترك الإعادة.

(الخامس): لا دليل على وجوب رفع سائر الأعذار عن المكلفين من السهو و النسيان و الشك و الغفلة و نحوها مما يصير موضوعا لتكاليف أخرى، لأصالة البراءة عن الوجوب، و ظهور التسالم، و السيرة. نعم، بالنسبة إلى رفع الاضطرار فيما يحتاج إليه في حياته وجه لوجوب حفظ النفس المحترمة عن الهلاك كفاية مع تحقيق سائر الشرائط. و هناك فروع كثيرة كما في المقام مسائل أخرى تأتي الإشارة إليها في مظانها.

(السادس): لو تردد في مورد أنّه من الجهل المعذور فيه- حتى لا يجب رفعه- أو من غيره حتى يجب، فمقتضى الأصل عدم الوجوب بعد قصور الأدلة عن شموله.

______________________________

ص: 89


1- سورة الأنبياء (21) الآية: 7.
2- صحيح البخاري ج: 9 كتاب الأحكام حديث: 2 و في البحار.
3- سورة النساء (4) الآية: 165.

مسألة 49: إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها

(مسألة 49): إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة، و أنّه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته فلو فعل ذلك- و كان ما فعله مطابقا للواقع- لا تجب عليه الإعادة (106).

مسألة 50: يجب على العامي في زمان الفحص

(مسألة 50): يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن يحتاط في أعماله (107).

مسألة 51: المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف

(مسألة 51): المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في

______________________________

(106) تقدم أنّ المناط في الصحة و عدمها مطابقة العمل للواقع، فمع المطابقة يصح، سواء قصد السؤال حين العمل أو لا، و سواء بنى على الإعادة مع المخالفة أم لا، فلا دليل إذا على اعتبارهما في الصحة مع المطابقة و لعل نظره (قدّس سرّه) التشريع مع عدمه. و لكنّه مشكل أيضا، لعدم تحقق التشريع في الإتيان بالعمل رجاء، كما هو المفروض.

(107) هذا إن قلنا بوجوب تقليد الأعلم حتّى حين التفحص عنه. و لكن يمكن أن يقال: إنّ المتيقن من أدلته اللبية، و المنساق من اللفظية منها- صورة إحراز وجوده خارجا و لو بين شخصين، كما تقدم في [مسألة 38] دون مثل المقام الذي يشك في أصل وجوده، و على تقدير الوجود إنّه مردد بين الاثنين أو ثلاثة أو أكثر.

إلا أن يقال: إنّه مع إمكان الاحتياط ليس بناء العقلاء على الرجوع إلى غير الأعلم، و لا تشمله العمومات و الإطلاقات أيضا، و حينئذ يختار من شاء من المجتهدين، أو يتبعض في التقليد، أو يقلّد الجميع مع الاتحاد في الفتوى.

نعم، لا ريب في أنّ العمل بالاحتياط مبرئ للذمة قطعا و هو يحصل في المقام بالعمل بأحوط أقوال الموجودين، لأنّ الحجة للعامي لا تتعدّى عنهم و لو أراد الاحتياط المطلق كان له ذلك، و لكن لا دليل على وجوبه.

(108) لتقوّمهما بالإذن، و ينعدم الإذن بالموت عرفا بانعدام الموضوع مضافا

ص: 90

الأوقاف أو في أموال القصر ينعزل بموت المجتهد (108) بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متولّيا للوقف أو قيّما على القصر فإنّه لا تبطل توليته و قيمومته على الأظهر (109).

______________________________

إلى ظهور الإجماع على بطلان الوكالة بالموت، و تقتضيه المرتكزات فإنّهم لا يرون للمأذون و الوكيل حق التصرف بعد موت الآذان أو الموكل حتّى على فرض إمكان تصويره بقاء الإذن، فإنّ الإذن في التصرف و الوكالة متقوّم بالحياة بحسب الأنظار العرفية، و لذا يكون الوصي عنوانا مغائرا لهما عندهم.

فرع:- هل يبطلان بعروض الإغماء و النسيان مطلقا، أو لا كذلك أو يفصّل بين القليل منهما و غيره، فلا يبطلان في الأول بخلاف الأخير؟ وجوه:

عن صاحب الجواهر دعوى الإجماع على الأول. و يأتي في الوكالة إن شاء اللّه تعالى ما ينفع المقام، و كذا الجنون مطلقا أدواريا كان أو مطبقا كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(109) لا ريب في أنّه يجوز للحاكم الشرعي الجامع للشرائط جعل التولية و القيمومة للثقة الأمين في موارد الاحتياج إليهما، للسيرة، و لثبوت ولاية الحسبة له، و لأنّه المتيقن من «الحوادث الواقعة» التي أمر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف بالرجوع إليه في زمان الغيبة (1)- كما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى و العمل في موارد ولاية الحسبة يحصل بالمباشرة و بالتسبيب، بل هو الغالب فيها و من التسبيب جعل التولية و القيمومة للأمين.

ثمَّ إنّ جعلهما يتصوّر على وجوه:

الأول: أن يكون من مجرد الإخبار بأهلية الشخص للتصدّي لهما الدال ذلك على الإذن بالملازمة.

الثاني: أن يكون بجعل ولاية خاصة له من طرف الإمام عليه السلام.

______________________________

ص: 91


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.

مسألة 52: إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلّد الحيّ في هذه المسألة

(مسألة 52): إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلّد الحيّ في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد (110).

مسألة 53: إذا قلّد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها

(مسألة 53): إذا قلّد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها، أو قلّد من يكتفي بالتيمم بضربة واحدة ثمَّ مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه إعادة الأعمال

______________________________

الثالث: أن يكون ذلك بجعلها له من طرف نفسه- بأن يكون من الوكالة و الإذن فقط.

و في الكلّ ينعزل المجعول له بموت الجاعل، أما الأخير، فلما تقدم في الوكيل و المأذون، و أما الثاني فلأنّ المتيقن من اعتبار ولاية الحاكم الشرعي على مثل هذه الأمور إنّما هو زمان حياته، و هو المنساق من الأدلة اللفظية الدالة عليها أيضا فيرجع في غيره إلى أصالة عدم الولاية.

و لا يجري الأصل الموضوعي و هو بقاء الولاية لمن جعلت له لتردده بين ما هو معلوم الارتفاع قطعا و ما هو معلوم البقاء كذلك. أما الأول فلأنّه مع وجود الحاكم الشرعي الجامع للشرائط لا تكون ولاية الحسبة لعدول المؤمنين، فإذا مات الجاعل و كان هناك حاكم شرعي آخر تنطبق ولاية الحسبة عليه قهرا بل يكون هذا من القسم الأخير، لرجوعه إلى الإذن، إلا أنّه فيه بالملازمة و في الأخير بالمطابقة. و عن الإيضاح نفي الخلاف عن عدم انعزالهم. و كونه من الإجماع المعتبر مشكل، بل ممنوع. و قال في الجواهر: «فإن تمَّ إجماع فذاك، و إلا كان المتجه ما ذكرناه- أي الانعزال» و الظاهر أنّ الحاكم كذلك لو عرض له ما يوجب سقوطه عن منصبه كالفسق و الجنون و النسيان و نحو ذلك.

(110) لعدم استناد تقليده إلى حجة معتبرة، هذا حكم نفس تقليده و أما أعماله فإن كانت مطابقة للاحتياط تصح قطعا، و كذا إذا جوز المجتهد الحي صحة البقاء على تقليد الميت أو لم يجوز ذلك و لكن كانت أعماله مطابقة لرأي من يصح الاعتماد على رأيه من الأحياء، و لا وجه للصحة في غير ذلك.

ص: 92

السابقة (111). و كذا لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة

______________________________

(111) مقتضى القاعدة و إن كان عدم الإجزاء و لكن حيث إنّ تشريع التقليد مبني على التسهيل و التيسر، كما أنّ حجية آراء المجتهدين لمقلّديهم أيضا كذلك. و تشريع التقليد و حجة الرأي مجعول فيما هو معرض للتغير و التبدل و الخطإ غالبا- حتّى أنّ المقلد قد يتبدل له التقليد، و المجتهد قد يحصل له الخطأ و العدول عن فتواه. قال صاحب الجواهر في كتاب القضاء: «كما هو المشاهد من سيرة العلماء و اختلاف فتواهم في الباب الواحد، بل بدون مسافة بعيدة بينها». و ما كان كذلك يكون تشريعه و حجيته لما هو ملازم عرفا للخطإ و التبدل في الجملة فيما هو عام البلوى يستلزم عادة إسقاط الإعادة و القضاء عند ظهور الخلاف، و إلا فينافي التسهيل و الامتنان مع بناء اعتبار التقليد و الحجية عليها، و المسألة كانت ابتلائية في جميع الأعصار، و لم يشر في خبر من الأخبار إلى وجوب الإعادة أو القضاء، بل تسالم القدماء على عدمهما. و مقتضى أصالة حجية الرأي الأول هو الإجزاء أيضا.

و الإشكال عليه: بأنّه لا وجه للتمسك بها مع تبيّن الخلاف. (مردود) بأنّ تبين الخلاف إنّما يؤثر في الأعمال اللاحقة لا السابقة، مع أنّ كون ظهور الخلاف في مثل هذه الحجة الملازمة للخطإ في الجملة موجبا للإعادة و القضاء أو الدعوى.

نعم، لو حصل العلم ببطلان الأعمال السابقة، فلا إشكال في وجوبهما، و لكنّه خلاف المفروض فالمقتضي لحجية الرأي الأول موجود و المانع عنه مفقود، فلا بد من الإجزاء.

و أما ما عن العميدي و العلامة من دعوى الإجماع على عدم الإجزاء، فلا اعتبار به مع تسالم القدماء على الإجزاء. هذا إذا لم يطابق العمل الأول للاحتياط، و إلا فلا كلام في الصحة و الإجزاء، و كذا لو قلنا بشمول القواعد الثانوية الامتنانية- كقاعدتي الصحة و لا تعاد الصلاة إلا من خمس- لمثل هذه الموارد، و نتعرض لهما قريبا إن شاء اللّه تعالى.

ص: 93

ثمَّ مات و قلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة (112) نعم، فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني (113)، و أما إذا قلّد من يقول بطهارة شي ء كالغسالة- ثمَّ مات و قلّد من يقول بنجاسته، فالصّلوات و الأعمال السابقة محكومة بالصحة و إن كانت مع استعمال ذلك الشي ء. و أما نفس ذلك الشي ء إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، و كذا في الحلية و الحرمة، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير حديد مثلا فذبح حيوانا كذلك، فمات المجتهد و قلّد من يقول بحرمته فإن باعه أو أكله حكم بصحة البيع و إباحة الأكل و أما إذا كان الحيوان المذبوح موجودا، فلا يجوز بيعه، و لا أكله و هكذا (114).

______________________________

(112) لعين ما تقدم في العبادات.

(113) لسقوط فتوى الأول عن الاعتبار بالنسبة إليه بعد عدوله عنه.

(114) لأنّ نتائج العقود و الإيقاعات مترتبة على أسبابها المستجمعة للشرائط ترتب المعلول على العلة، كالملكية على البيع، و الزوجية على النكاح، و البينونة على الطلاق، و الحرية على العتاق و نحو ذلك. و بعد تحقق الأسباب تحققا صحيحا شرعيا في زمان تحققها، لا بد من ترتب الأثر لا محالة، و المفروض أنّها قد ترتبت و تحققت بحكم الشارع من دون تحديد بزمان خاص، و لا تزول إلا بما جعله الشارع مزيلا من فسخ أو إقالة أو نحوها.

و المراد بالصحة الشرعية: الصحة الظاهرية بحسب الموازين الشرعية، لا الواقعية و في علم اللّه تعالى، و تبدل الرأي أو التقليد ممن يقول بالبطلان ليس مما جعله الشارع مزيلا لها، فيكون مقتضى ما تقدم هو الصحة و الإجزاء في السبب و التسبب و المسبب. الذي هو أمر آنيّ الحصول و التحقق، و لا يعقل فيه التقيد بالزمان، فكيف بالتدرج الوجودي في سلسلة الزمان.

و أما في مثل الطهارة و النجاسة و الحلية و الحرمة للموضوعات الخارجية، فهي أحكام منحلة حسب انحلال الزمان، و المتدرجة الوجود بتدرج الآنات

ص: 94

مسألة 54: الوكيل في عمل عن الغير

(مسألة 54): الوكيل في عمل عن الغير- كإجراء عقد أو إيقاع، أو إعطاء خمس، أو زكاة، أو كفارة أو نحو ذلك- يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل لا تقليد نفسه إذا كانا، مختلفين و كذلك

______________________________

و تكثرها، فإذا زالت حجية اعتبارها في الزمن الأول- بتبين الخطإ أو الموت و العدول إلى شخص آخر، مع عدم تجويزه البقاء على تقليد الميت- لا وجه لاعتبارها في الزمان اللاحق، و يكون اعتبارها حينئذ بلا دليل، فلا محيص إلا من اتباع رأي اللاحق، هذا إذا كان الموضوع باقيا.

و أما إذا انعدم فلا مورد للبحث عنه حينئذ، و قد أشار إلى ما ذكرنا صاحب الجواهر في كتاب القضاء عند تعرضه لنقض الفتوى بالفتوى. و سيأتي في [مسألة 60] نظير المقام.

و تجري هذه المسألة في المعاملات الربوية، فإذا كانت معاملة غير ربوية بنظر شخص و قد تحققت تلك المعاملة في زمانه ثمَّ مات ذلك الشخص و قلّد العامي من يقول بحرمة تلك المعاملة لا يجب عليه ترتيب الأثر على قوله بالنسبة إلى ما مضى.

فروع- (الأول): لا فرق فيما تقدم بين ما إذا اعترف المجتهد الثاني بخطإ الأول أو لم يعترف به و كان من مجرد الفتوى على الخلاف، لجريان ما ذكرناه فيهما معا.

(الثاني): لو كان ظهور الخلاف لأجل تقصير من المجتهد الأول في موازين الفتوى، أو لأجل تقصير من العامي في التفحص عمن هو أهل الفتوى، بطلت الأعمال السابقة مطلقا عبادة كانت أو معاملة، لعدم استنادها إلى حجة معتبرة.

(الثالث): لا فرق في صورة تبين الخلاف للمجتهد بين أن يعترف المجتهد بخطإه في السابق أو لا، لأنّ نفس الفتوى بالخلاف اعتراف عملي بالخطإ في السابق، اعترف به قولا أو لم يعترف.

ص: 95

الوصيّ في مثل ما لو كان وصيّا في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون على وفق فتوى مجتهد الميت (115).

______________________________

(115) الوكيل و الوصي و الأجير و المتبرع إن عين لهم إتيان العمل على طبق تكليف الموكل و الموصي و الموجر و المتبرع عنه تعيّن لهم ذلك، و لا أثر لعملهم مع المخالفة، و كذا لو لم يعيّن ذلك، و كان إطلاق الوكالة و الوصاية و الإجارة ظاهرا في إتيان العمل على حسب تكليف الموكل و الموصي و الموجر، و كان المتعارف من التبرع ذلك أيضا.

و أما لو لم يكن تعين في البين أصلا، و لم يكن المنساق من الإطلاق و لا المتعارف من التبرع هو العمل على طبق تكليفهم، يكفي في فراغ ذمة الموكل و الموصي و الموجر و المتبرع عنه إتيان العمل على الوجه الصحيح الشرعي، و لو كانت الصحة بحسب تكليف الوكيل و الوصي و الأجير و المتبرع، و كان مخالفا لتكليف الموكل و الموصي و المستأجر و المتبرع عنه.

إن قلت: كيف تفرغ ذمتهم مع مخالفة العمل لتكليفهم.

قلت: المناط كلّه في فراغ ذمتهم حكم الشارع بصحة العمل و المفروض تحققه في المقام، و لا يبعد كون ذلك مقتضى السيرة أيضا، فإذا استأجر أحد بنّاء أو خياطا للعمل و كانت له كيفية خاصة في نظره و لكنّه لم يبيّنها للأجير و أتى الأجير العمل على نحو حكم أهل الخبرة بأنّه صحيح، يستحق الأجرة و يصح عمله لدى العقلاء و لو كان مخالفا لنظر الموجر.

ثمَّ إنّ هذه المسألة جارية في مواضع كثيرة، كما سيأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.

فروع- (الأول): لو عيّن الموجر كيفية خاصة لعمل الأجير مثلا، فخالف و أتى بالعمل مطابقا لتكليف نفسه ثمَّ أجاز الموجر، يصح العمل و يجزي عن الموجر و يستحق الأجير الأجرة، لأنّ الإجازة اللاحقة كالإذن السابق.

(الثاني): لو عيّن للنائب كيفية خاصة و خالفها و أتى بالعمل على حسب

ص: 96

مسألة 55: إذا كان البائع مقلّدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا أو العقد الفارسي

(مسألة 55): إذا كان البائع مقلّدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا أو العقد الفارسي، و المشتري مقلّدا لمن يقول بالبطلان لا يصح البيع بالنسبة إلى البائع أيضا، لأنّه متقوّم بالطرفين (116)، فاللازم أن

______________________________

تكليفه مع حكم الشارع بصحته، فهل تكون المخالفة موجبة لعدم فراغ ذمة المنوب عنه أصلا أو لعدم استحقاق النائب الأجرة فقط و تفرغ ذمة المنوب عنه كما لو أتى به المتبرع؟ وجهان: أوجههما الثاني، لفرض حكم الشارع بصحة عمله و أنّ ذمة المنوب عنه تفرغ بالعمل الصحيح الشرعي.

(الثالث): لو كان العمل صحيحا بحسب تكليف الموكل مثلا و باطلا بحسب تكليف الوكيل و شرط الموكل على الوكيل أن يأتي بالعمل حسب تكليفه يصح و يجزي لو حصل منه قصد القربة، لعموم قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم» (1).

نعم، لو كان حراما بحسب تكليف الوكيل يشكل الإتيان حينئذ.

(116) تقوّم العقود بالطرفين مما لا ريب فيه، و تلازم ما تقوّم بالطرفين صحة و فسادا في الحكم الواقعي أيضا مما لا ريب فيه، فلا يمكن أن يكون العقد الواحد بحسب الحكم الواقعي صحيحا و فاسدا معا، لكونه من اجتماع الضدين في موضوع واحد، بل لا بد و أن يكون إما صحيحا أو فاسدا. و أما بحسب الحكم الظاهري القابل للاختلاف بحسب تعدد الأشخاص فلا إشكال في صحة اتصافه بالصحة و الفساد معا، فمقتضى العمومات صحته بالنسبة إلى من يعتقد الصحة، و مقتضى الأصل الفساد و عدم ترتب الأثر بالنسبة إلى من يعتقد الفساد، فكل منهما يرتب أثر ما يعتقده، و مع التنازع يرجع إلى الحاكم الشرعي، و له نظائر كثيرة في الفقه فمن يعتقد عدالة شخص يقتدي به و من لا يعتقد عدالته لا يقتدي به. و هكذا من يعتقد طهارة ماء يتطهر به و من يعتقد نجاسته يترك التطهير به- مع أنّ الشخص في الواقع إما عادل أو لا، و الماء كذلك.

______________________________

ص: 97


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور كتاب النكاح حديث: 4.

يكون صحيحا من الطرفين، و كذا في كلّ عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه و مذهب الآخر صحته.

مسألة 56: في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعي

(مسألة 56): في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعي (117) الا إذا كان مختار المدعى عليه أعلم، بل مع وجود

______________________________

و يمكن الصحة بالنسبة إلى الطرفين أيضا، للإطلاقات و العمومات بدعوى أنّه يكفي في تحقق موضوعها صرف وجود الصحة و لو من طرف واحد خرج منها الفاسد من الطرفين و بقي الباقي.

(117) استدل عليه تارة: بالإجماع- الذي ادعاه صاحب المستند (قدّس سرّه).

و يمكن المناقشة فيه بأنّه حصل مما هو الغالب المتعارف بين المتخاصمين حيث إنّ المدعي يقدم خصمه إلى الحاكم أو يعرض دعواه لديه، فيطلب الخصم لعرض الدعوى عليه، و لا يشمل ما إذا تعدد الحاكم و اختار كل منهما واحدا.

و أخرى: بأنّ الحق للمدعي و لاحق لغيره أولا، فمن طلب منه المدعي استنقاذ حقه وجب عليه اتباعه.

و فيه: أنّه إن أريد أنّ الحق الواقعي له فهو غير معلوم، و إن أريد أنّ مجرد حق الدعوى له فهو عين مورد النزاع في المقام، لأنّ البحث في أنّ ثبوت حق الدعوى للمدعي هل يوجب تعيين ما اختاره أو لا مع أنّ المنكر له حق الجواب في الجملة؟

و ثالثة: بما ادعي من الإجماع عليه من أنّ الخصم لو رفع أمره إلى الحاكم فطلب الحاكم إحضار الخصم الآخر وجب عليه الإجابة، و لا يتم ذلك في المنكر، لأنّه لو رفع أمره إلى الحاكم لا يسمع منه إنكاره، لو ادعى تخليصه من المدعي لا يجب على الحاكم إجابته.

و فيه أولا: أنّ هذا الدليل أعمّ من المدعى. إذ لنا أن نقول: إنّ حق تعيين الحاكم للمنكر فله تعيينه للمدعي، ثمَّ إذا ذهب المدعي إلى الحاكم يجب على

ص: 98

الأعلم و إمكان الترافع إليه، الأحوط الرجوع إليه مطلقا (118).

______________________________

الحاكم إحضار الخصم، و يجب عليه الإجابة.

و ثانيا: إنّ دعوى أنّ المنكر لو رفع أمره إلى الحاكم لا يسمع منه و لو ادعى تخليصه من المدعي لا يجب على الحاكم إجابته. مجرد دعوى لا دليل عليها، و مقتضى ولاية الحسبة قبول ذلك كلّه، و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد. و مع عدم تمامية هذه الأدلة- يكون مقتضى القاعدة القرعة، و للمقام فروع كثيرة يأتي التعرض لها في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(118) نسب إلى الأشهر- كما في المسالك- اعتبار الأعلمية في القضاوة كالفتوى، و استدلوا تارة: بأنّ الظن الحاصل من قول الأعلم أقوى. و فيه: أنّ كون اعتبار الحكم من جهة الظن الحاصل منه أول الدعوى.

و أخرى: بقبح ترجيح المفضول على الفاضل. و فيه: أنّه في الخلافة العظمى لا القضاء بعد كون المفضول أيضا مجتهدا و مستجمعا لشرائط الفتوى.

و ثالثة: بما ورد في المقبولة «فإن كان كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلف فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم»، فقال عليه السلام: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما» (1).

و قريب منه رواية موسى ابن أكيل (2) و رواية داود بن الحصين (3).

و فيه: أنّ مورد تلك الروايات خصوص ما إذا اختار كل من المترافعين حاكما و اختلاف الحكمين فلا يشمل المقام.

و دعوى: أنّها في مقام بيان لزوم الترجيح مطلقا و لو في غير صورة الاختلاف، لا دليل عليها مع أنّ الترجيح بغيره من المرجحات المذكورة في المقبولة مما لم يلتزم به أحد، فيوجب الوهن من هذه الجهة أيضا.

______________________________

(1)

(2)

(3)

ص: 99


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي. حديث: 9.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي. حديث: 45.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي. حديث: 20.

.....

______________________________

و رابعة: بأصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير. و فيه: أنّها محكومة بالإطلاقات. نعم، إذا كان مدرك الحكم هو الفتوى و كان الاختلاف فيها، و قلنا بوجوب تقليد الأعلم، و كان المتخاصمان ممن وجب عليهما تقليد الأعلم، بأن لا يكونا مجتهدين، وجب الرجوع إلى الأعلم حينئذ من جهة التقليد، لا من جهة القضاوة و الحكم، فلو كان أصل الحكم معلوما و كان الرجوع لإثبات الحق بالبينة و اليمين و الجرح و التعديل و نحو ذلك من الشبهات الموضوعية فلا دليل على وجوب كون الحاكم أعلم. بل مقتضى الإطلاقات صحة الرجوع إلى مطلق المجتهد.

ثمَّ إنّ المراد بالأعلم على فرض اعتبار الأعلمية إنّما هو أعلم من في البلد لا مطلقا، كما يأتي في ذيل [مسألة 68]. و المتحصّل أنّه لا دليل يصح الاعتماد عليه على وجوب كون الحاكم أعلم، نعم هو الأحوط.

فروع- (الأول): لا إشكال في التخيير عند تساوي الحكام في العلم، سواء كان المتخاصمان من المدعي و المنكر أم من المتداعيين، و مع التشاح في ذلك يتعيّن القرعة- بناء على عدم تعيين مختار المدعي، و إلا فهو المتعين.

(الثاني): تقديم مختار المدعي إنّما هو فيما إذا كان المتنازعان من المدعي و المنكر دون ما إذا كانا من المتداعيين. و إلا فالحكم هو التخيير، و مع التشاح فالقرعة.

(الثالث): يجوز للمترافعين أن يختارا مجتهدين أو أكثر لفصل الخصومة بينهما، للعمومات و الإطلاقات، و لا ينفذ الحكم حينئذ إلا مع الاتفاق.

(الرابع): بناء على اعتبار الأعلمية في الحاكم يكون اعتبارها بنحو ما تقدم، فيعتبر في صورة المخالفة فقط. فلو كان حكم العالم موافقا لفتوى الأعلم لا تعتبر الأعلمية في الحاكم حينئذ.

(الخامس): تقدم أنّ الأعلمية إنّما تعتبر في الحاكم في مورد واحد- و هو ما إذا كانت المنازعة في الشبهة الحكمية، و كان المتنازعان ممن وجب عليهما تقليد الحاكم- فعلى هذا لو كانا مجتهدين يصح لهما الرجوع إلى الحاكم المجتهد و لو لم يكن أعلم، للعمومات و الإطلاقات.

ص: 100

مسألة 57: حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر

(مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر إلّا إذا تبيّن خطاؤه (119).

______________________________

(السادس): لو كانا مقلّدين لأعلم فترافعا إلى مجتهد غير أعلم فحكم لهما بخلاف فتوى مقلّدهما، يشكل صحة حكمه، لاعتقاد المتخاصمين ببطلان حكمه بحسب فتوى مقلّدهما. و ما يأتي إن شاء اللّه تعالى من صحة نقض الفتوى بالحكم إنّما هو فيما إذا صح الحكم، لا في مثل المقام.

(119) اعتبار الحكم بين العقلاء و عدم صحة رده و لزوم تنفيذه في الجملة من المسلّمات عندهم، و يدل عليه السيرة المعتبرة عند الجميع، بل لا اختصاص لاعتباره بخصوص ملة الإسلام. و إجماع الفقهاء في المقام إنّما حصل من مرتكزاتهم العقلائية، لا أن يكون تعبديا محضا، و يكفي عدم ثبوت الردع عن الشارع في مثل هذا الأمر العام البلوى للناس في حجية الحكم و اعتباره. مع أنّه قد ورد التقرير الأكيد كقوله عليه السلام: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا رد. و الراد علينا الراد على اللّه و هو على حد الشرك باللّه» (1). و مقتضى الإطلاقات و المرتكزات عدم اختصاص الحكم بمورد رفع الخصومة الفعلية الشخصية كما في المتخاصمين عند الحاكم، بل يعم كل ما يكون فيه معرضية التنازع و التشاجر مطلقا، كالهلال و نحوه، لظهور الإطلاق و السيرة، كما لا فرق في عدم جواز الرد بين كون الراد مجتهدا أو لا، للإطلاقات و السيرة و العمومات و يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى تمام الكلام.

ثمَّ إنّ حكم الحاكم تارة: يكون معلوم المطابقة للواقع. و لا ريب في أنّه هو المتيقن من حرمة رده، و وجوب قبوله و إنفاذه.

و أخرى: يكون معلوم المخالفة للواقع، لتقصير في موازينه. و لا ريب في سقوطه و عدم اعتباره، بل قد يجب رده و تفسيق الحاكم به. و لا وجه لتوهم شمول إطلاق الدليل له، لأنّه باطل قطعا.

______________________________

ص: 101


1- الوسائل باب: 11 من أبواب القاضي حديث: 1.

.....

______________________________

و ثالثة: لا يعلم موافقته له، و لا مخالفته و يحتمل كلّ منهما مع تمامية موازينه، و مقتضى الإطلاق و السيرة اعتباره، و عدم جواز رده، لأنّ الحكم كالفتوى مستند إلى الظواهر غالبا و هي محتملة للإصابة و الخطإ و جل الأحكام- لو لا كلّها- تكون مستندة إليها، و لو جاز رد مثل هذه الأحكام لاختل النظام.

و رابعة: يعلم بمخالفة الحكم للواقع مع قصور الحاكم لخطأ أو سهو أو نسيان أو نحو ذلك من الأعذار المقبولة، و مقتضى الأصل عدم حرمة الرد و النقض، و عدم وجوب الإنفاذ في هذا القسم، لأنّ المتيقن من الأدلة اللبية، و المنساق عرفا من الإطلاقات غيره. نعم، يحرم الرد و النقض- بناء على الموضوعية الخاصة للحكم، و هو مما لا وجه له بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله في الصحيح: «إنّما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجيته من بعض فإنّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا، فإنّما قطعت له به قطعة من النار» (1).

و الظاهر عدم مساعدة العرف أيضا بوجوب الإنفاذ و حرمة الرد في مثله.

و دعوى: صحة إضافة هذا الحكم إليهم عليهم السلام صورة فيعتبر من هذه الجهة. ممنوعة: لأنّ تلك الإضافة عند الحاكم فقط، لا عند من يعلم بالخلاف: و لا دليل على أنّ مجرد الإضافة الاعتقادية لدى الحاكم معتبرة شرعا، مع أنّه أنّ توجه إلى خطإه و غفلته لا تعتبر هذه الإضافة عنده أيضا.

و خامسة: لا يعلم بالمخالفة، بل قامت الحجة المعتبرة عليها- من إجماع أو نحوه- مع احتمال الموافقة أيضا. و يظهر من صاحب الجواهر رحمه اللّه و الماتن في الملحقات عدم جواز النقض في هذا القسم، قال في الجواهر:

«و أما القطعي النظري كإجماع استنباطي أو خبر محفوف بقرائن و تكثّر أمارات و نحو ذلك مما يمكن وجود عكسها عند الأول كما نراه بالعيان بين العلماء و خصوصا في دعوى الإجماع، فلا يبعد عدم جواز القضاء به في غير ما فرضناه، ضرورة اندراج حكم الأول في الأدلة المقتضية لنصبه فإنّ المدار في صحته

______________________________

ص: 102


1- الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم. حديث 1.

.....

______________________________

على معرفة حكمهم بالاجتهاد الصحيح الذي هو أعم من القطع النظري و الظن».

و يمكن أن يوجه أيضا بأنّ هذه الاختلافات شائعة في أنظار الفقهاء، و الحكم ورد في هذا الموضوع الشائع فلا يمكن إخراج هذا القسم منه، فإنّه من تخصيص المورد. و يشهد له مورد المقبولة أيضا، فإنّه في صورة المنازعة في الحكم الكلي الظاهر في حصول الجزم به لكلّ منهما مع تخطئة كلّ منهما صاحبه قهرا، و مع ذلك لم يحكم عليه السلام بالرد، بل حكم بإعمال المرجحات.

و الظاهر منها ما إذا حكم الأول بحكم ثمَّ حكم الثاني بغيره كما هو المفروض في المقام.

إن قلت: قد أطلق جماعة من الفقهاء جواز النقض عند ظهور الخطإ، بل جعلوا من آداب الحاكم الثاني وجوب النظر في حكم الحاكم الأول، فإن كان موافقا للحق لزم و إلا أبطله. و يظهر منهم المفروغية عن ذلك كما عن صاحب الجواهر في المسألة الثانية من القضاء بعد بيان الآداب المكروهة للقضاء.

قلت أولا: ليس هذا إجماعا حتّى يعتمد عليه.

و ثانيا: يحمل ذلك منهم: إما على علم الثاني بتقصير الأول، في موازين الحكم، أو على ما إذا استأنف الخصمان الدعوى لدى الثاني.

و لكن الحمل الأول حمل على الفرد النادر، و الثاني مشكل، لأنّه بعد وجوب التنفيذ يشكل صحة استيناف الدعوى عند الثاني و سماعه من المتخاصمين بعد تمامية الحكم لدى الأول. و لكن اختار في الجواهر جوازه مع تراضي الطرفين خصوصا مع دعواهما خطأ الأول في بعض المقدمات. و المسألة مع ذلك مشكلة، و طريق الاحتياط أنّه إن كان حاكم الأول حيا و أراد الثاني نقض حكمه مع قيام الحجة عنده على خطإه أن يعلمه بخطإه لعله يرجع عن حكمه، إذ لا إشكال في صحة رجوعه عن حكمه. و إن كان ميتا و لم يرجع إليه الخصمان فلا موضوع للرد و التنفيذ حينئذ، و إن رجعا إليه و رضيا بتجديد الدعوى عنده و كان بناؤه على جواز ذلك فهو، و إلا فيرغبهما على التراضي بحكم الميت و التصالح فيما بينهما.

ثمَّ إنّه إن كان المراد بقوله رحمه اللّه إلا إذا تبيّن خطؤه، التبين العلمي كما في القسم الثاني و الرابع فهو. و إن كان المراد الأعم منها و من القسم الخامس

ص: 103

.....

______________________________

فيكون مخالفا لما ذكره في كتاب القضاء من الملحقات [مسألة 32].

فروع- (الأول): الظاهر أنّ الرد في مورد عدم جوازه يكون من المعاصي الكبيرة لكونه استخفافا بحكم اللّه، و هو بمنزلة الرد على الإمام عليه السلام، و الرد كما يحصل بالقول يحصل بالفعل أيضا كما لا يخفى.

(الثاني): الظاهر أنّ حرمة الرد حكم تكليفي، لا أن يكون حقا للحاكم حتّى يسقط بإسقاطه، فلو رضي برده لا ترتفع الحرمة.

(الثالث): أرسل في الجواهر وجوب التنفيذ إرسال المسلّمات، و هو أخص من الرد. و يمكن أن يستدل عليه بقوله عليه السلام: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا رد» (1) فإنّ التنفيذ عبارة أخرى عرفا عن القبول.

(الرابع): الفرق بين الفتوى و الحكم: أنّ الأول إخبار عن اللّه تعالى بحكم كلّي تكليفيا كان أو وضعيا. و الحكم إنشاء إنفاذ حكم اللّه من الحاكم وضعيا كان أو تكليفيا، أو موضوع أحدهما، فهو من الإنشائيات، بخلاف الفتوى فإنّه من الإخباريات و سيأتي في كتاب القضاء فروق أخرى إن شاء اللّه تعالى.

(الخامس): لا ريب في صحة نقض الفتوى بالفتوى، بل هو عادة الفقيه الواحد فكيف بالفقهاء!! فكثيرا ما يعرض رأي يخالف رأيه السابق فينقض الفتوى الأولى. و لا ريب في نقض الفتوى بالحكم أيضا- أي بطلان حكم الكلّي في خصوص الجزئي الذي كان مورد الحكم- بلا فرق بين الأحكام التكليفية و الوضعية مطلقا، فلو ترافع شخصان في المعاملة على شي ء من المعاملات الذي لاقى عرق الجنب من الحرام مثلا عند من يرى طهارته، فحكم بالطهارة كان طاهرا، و تكون المعاملة صحيحة للمحكوم عليه. و إن كان مجتهدا يرى نجاسته أو مقلّدا لمجتهد كذلك. لإطلاق ما دل على وجوب قبول الحكم، و أنّ الرد عليه رد على الإمام عليه السلام.

كما لا ريب في عدم نقض الحكم بالفتوى حتّى من ذلك الحاكم لو تغيّر

______________________________

ص: 104


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

مسألة 58: إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثمَّ تبدل رأي المجتهد

(مسألة 58): إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثمَّ تبدل رأي المجتهد في تلك المسألة لا يجب على الناقل إعلام من سمع منه

______________________________

رأيه عن فتواه بعد حكمه، و لا عدم نقض الحكم بالحكم أيضا على تفصيل تقدم. و قال صاحب الجواهر رحمه اللّه:

«و قد بان لك من جميع ما ذكرنا أنّ الحكم ينقض و لو بالظن إذا تراضى الخصمان على تجديد الدعوى و قبول حكم الحاكم الثاني، و ينقض إذا خالف دليلا علميا لا مجال للاجتهاد فيه، أو دليلا اجتهاديا لا مجال للاجتهاد بخلافه إلا غفلة و نحوها. و لا ينقض في غير ذلك».

أقول: و قد تقدم ما يتعلق بالثاني.

(السادس): المرجع في الحكم الذي يحرم نقضه و يجب تنفيذه هو العرف، فكلّ لفظ دل عرفا على إنشاء الحكم يترتب عليه ذلك. و لو شك في أنّه من إنشاء الحكم- حتّى يترتب عليه ذلك، أو من مجرد الإخبار بالثبوت- لا يحرم نقضه، و لا يجب تنفيذه. و لا بد في ثبوت صدور الحكم من الحاكم من قيام حجة معتبرة عليه و لا يكفي مجرد الظن به.

(السابع): لو كان الحكم خطأ عند الحاكم و صدر عنه غفلة. و كان صوابا عند حاكم آخر، فمقتضى الأصل عدم حرمة رده، و عدم وجوب تنفيذه بعد ظهور دليل حرمة النقض و وجوب التنفيذ في غيره. و أما لو صدر الحكم تقية فالظاهر حرمة رده و وجوب تنفيذه، و سيأتي تفصيل هذا الفرع في محلّ آخر.

(الثامن): لو كان الحكم صوابا أو مطابقا للموازين الشرعية و لكن لم يكن الحاكم أهلا للحكومة، لا يشمله دليل حرمة النقض و وجوب التنفيذ بل يحرم تنفيذه.

(التاسع): لا فرق في الحكم الذي يحرم رده بين كون مستنده الاستفاضة أو البينة أو الإقرار أو علم الحاكم- بناء على جواز حكمه بعلمه- لإطلاقات الأدلة و عموماتها.

ص: 105

الفتوى الأولى، و إن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبيّن له خطأه في النقل فإنّه يجب عليه الإعلام (120).

مسألة 59: إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا

(مسألة 59): إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا (121) و كذا البينتان، و إذا تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاها قدم السماع (122)، و كذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع، و في

______________________________

(120) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة بفرعيها في [مسألة 48].

(121) لأصالة التساقط عند التعارض، و لكنّه فيما إذا لم يحتمل العدول و إلا يتعيّن العمل بالمتأخر مطلقا، و في غيره من صور التعارض يمكن الترجيح بالمرجحات المنصوصة(1)، بل و بغيرها مما يحصل الوثوق العرفي منها بدعوى:

أنّ الترجيح بين الطريقين المتعارضين عرفي شائع في المتعارف كشف عنه الشارع، و ليس تعبدا كالتعبديات الشرعية حتّى يختص بمورد ورود الدليل.

و كذا التخيير عند فقد المرجح متعارف كشف عنه الشارع لا أن يكون تعبديا محضا حتّى يدور مدار الدليل وجودا و عدما. و في الطريقة العقلائية في الأمور الابتلائية يكون الردع مانعا، لا أن يكون التقرير شرطا فكيف بورود التقرير أيضا كما لا يخفى على من راجع أخبار الترجيح و التخيير.

(122) بدعوى تقديم العرف السماع على النقل و على ما في الرسالة.

و تقديم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط على النقل أيضا، و لكن الظاهر أنّه لا كلية فيما ذكر، إذ ربما يكون البيان للأسماع مجملا- لضيق الوقت أو لجهات اخرى، و يكون ما في الرسالة مفصّلا. و ربما يكون بالعكس فاللازم مراعاة حصول الاطمئنان المتعارف في التقديم مطلقا خصوصا في جملة من المسائل التي لا بد للفقيه من الإجمال فيها كتبا و قولا أو في أحدهما فقط. و بالجملة حكم فروع هذه المسألة وجداني لكلّ مجتهد صار مرجعا عاما للأنام، لا أن يكون استدلاليا

______________________________

ص: 106


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي.

تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط.

مسألة 60: إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا

(مسألة 60): إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا، فإن أمكن تأخير الواقعة إلى السؤال يجب ذلك (123).

و إلا فإن أمكن الاحتياط تعيّن (124)، و إن لم يمكن يجوز الرجوع إلى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم (125)، و إن لم يكن هناك مجتهد آخر و لا رسالته يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء إذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور (126)، و إذا عمل بقول المشهور ثمَّ تبيّن له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة أو القضاء (127). و إن لم يقدر

______________________________

حتّى يدور مدار دليل كلّي ينطبق عليه.

(123) إن تعذر الاحتياط، و إلا فله العمل به كما تقدم في [مسألة 2].

(124) بشرط العلم بوجود الأعلم بين العلماء في الجملة، و العلم باختلافهم في الفتوى إجمالا، و إحراز عدم موافقة فتوى غير الأعلم للاحتياط فيصير المقام من صغريات ما تقدم في [مسألة 21] و [مسألة 38]. و أما مع انتفاء واحد من الشروط الثلاثة فلا وجه لتعيين الاحتياط، بل يقلّد من شاء من المجتهدين.

(125) لانحصار طريق إحراز صحة العمل بذلك حينئذ. فيتعيّن لا محالة و لكن مراعاة الأعلم فالأعلم إنّما هو فيما إذا أحرز الاختلاف في الفتوى في الجملة، و إلا فلا وجه لاعتباره.

(126) لتمامية مقدمات الانسداد بالنسبة إليه حينئذ، فيعمل بأقوى الظنون مع الإمكان.

(127) لقاعدة الاشتغال من غير دليل حاكم عليها حتّى مقدمات الانسداد- بناء على الحكومة- لعدم حكم العقل إلا بالاكتفاء بالامتثال الظنّي ما دام الظن باقيا. و أما بناء على الكشف فالمقام من صغريات ما مر في [مسألة 53].

ص: 107

على تعيين قول المشهور يرجع إلى أوثق الأموات، و إن لم يمكن ذلك أيضا يعمل بظنّه، و إن لم يكن له ظنّ بأحد الطرفين يبني على أحدهما (128)، و على التقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد، إن كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء (129).

مسألة 61: إذا قلّد مجتهدا ثمَّ مات فقلّد غيره

(مسألة 61): إذا قلّد مجتهدا ثمَّ مات فقلّد غيره ثمَّ مات فقلّد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه فهل يبقى على تقليد المجتهد الأول أو الثاني؟ الأظهر الثاني (130) و الأحوط مراعاة الاحتياط.

______________________________

(128) كلّ ذلك لجريان دليل الانسداد بالنسبة إليه، فيعمل بالظن الأقوى فالأقوى، و هكذا.

(129) لقاعدة الاشتغال، بناء على اعتبار الظن بالنسبة إليه بنحو الحكومة، و إلا فالمسألة من صغريات ما تقدم في [مسألة 53].

(130) قيل بلزوم البقاء على تقليد الأول مطلقا. و استدل عليه: تارة:

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 1، ص: 108

بأنّه إن بقي على تقليد الثاني يلزم في مسألة جواز البقاء بالنسبة إليه اجتماع المثلين أو الضدين، لأنّ المفروض أنّه قلده في هذه المسألة، فإن كان نظره متحدا مع الثالث فهو من اجتماع المثلين، و إلا فمن الضدين.

و فيه: أنّه يمكن فرض الاختلاف- و لو زمانا- بما يرتفع به محذور الاجتماع.

و أخرى: بأنّ الرجوع إلى الثاني قد أبطل الأول.

و فيه أولا: أنّه لا بد من فرضه في صورة الاختلاف في الفتوى في المسائل التي عمل بها. و ثانيا: تقدم في [مسألة 53] عدم الدليل على البطلان.

و قيل: بلزوم الرجوع إلى الثاني، لأنّ الرجوع إلى الأول من التقليد الابتدائي للميت، فلا يجوز إجماعا.

و فيه: أنّ المتيقن منه التقليد الابتدائي من كلّ جهة، لا مثل المقام.

ص: 108

مسألة 62: يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها

(مسألة 62): يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها (131)، و إن لم يعلم ما فيها و لم يعمل، فلو مات مجتهده يجوز له البقاء، و إن كان الأحوط مع عدم العلم، بل مع عدم العمل (132) و لو كان بعد العلم عدم البقاء و العدول إلى الحيّ، بل

______________________________

و قيل: بالتخيير بينهما، و هو حسن مع التساوي في العلم، و عدم اختلاف في الفتوى. نعم، قد ذكرنا سابقا ثبوته في صورة الاختلاف في الفتوى، و التساوي في العلم أيضا.

و عن جمع التفصيل: بأنّه إن كان رأي الثالث وجوب البقاء، تعيّن البقاء على تقليد الثاني، لأنّ الرجوع إلى تقليد الأول يكون من التقليد الابتدائي للميت، و لا يجوز إجماعا، و قد تقدم الإشكال عليه. نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى أصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير هو البقاء على تقليد الثاني، و إن كان رأيه جواز البقاء، و جواز العدول أيضا، يصح له البقاء على تقليد الثاني، و تقليد الثالث. هذا بناء على أنّ التقليد الصحيح عن المجتهد اللاحق لا ينقض ما وقع التقليد على السابق.

و أما بناء على الانتقاض، فإن قال الثالث بوجوب البقاء و عدم جواز الانتقاض يتعيّن الرجوع إلى الأول، لعدم موضوع للبقاء بالنسبة إلى الثاني، لوقوعه لغوا، و عدم كونه من التقليد الصحيح. و إن قال بالجواز يجوز البقاء على تقليد الأول، و يجوز التقليد عن الثالث أيضا.

(131) قد تقدم في [مسألة 8] ما يتعلق بهذه المسألة، و أنّه لا ربط بالتزام و أخذ الرسالة و نحوها بالتقليد، لكونه عبارة عن مطابقة العمل لرأي من يصح الاعتماد على رأيه، و كلّ ما صدق عليه البقاء عرفا، بحيث لم يكن من تقليد الميت ابتداء، يصح البقاء فيه، لشمول ما تقدم من الأدلة له.

(132) لاحتمال كونه من تقليد الميت ابتداء، فيشمله الإجماع على المنع. و لكن يمكن أن يقال: إنّ المتيقن من الإجماع الدال على المنع عن تقليد الميت ابتداء ما إذا كان إحداث أصل التقليد مطلقا عن الميت في مقابل الحي،

ص: 109

الأحوط استحبابا على وجه عدم البقاء مطلقا و لو كان بعد العلم و العمل (133).

مسألة 63: في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخيّر المقلّد

(مسألة 63): في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخيّر المقلّد بين العمل بها و بين الرجوع إلى غيره الأعلم فالأعلم (134).

مسألة 64: الاحتياط المذكور في الرسالة، إما استحبابي

(مسألة 64): الاحتياط المذكور في الرسالة، إما استحبابي- و هو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوى- و إما وجوبي- و هو ما لم يكن معه فتوى (135)- و يسمى بالاحتياط المطلق، و فيه يتخيّر المقلّد بين العمل به و الرجوع إلى مجتهد آخر (136). و أما القسم الأول فلا يجب

______________________________

فلا يشمل مثل المقام. و مقتضى السيرة و الاستصحاب هو البقاء مطلقا، إلا مع الدليل على الخلاف.

(133) هذا موافق للاحتياط- من جهة احتمال شمول الإجماع الدال على المنع عن تقليد الميت لهذه الصورة أيضا، و مخالف له من جهة أخرى، لاحتمال وجوب البقاء إن كان الميت أعلم، و لكن الاحتمال الأول ضعيف لا وجه له، إذ الظاهر من الكلمات غير هذه الصورة.

(134) أما جواز العمل بالاحتياط مع التمكن من أخذ فتوى الغير، فلما ثبت في محلّه من صحة الامتثال الإجمالي و لو مع التمكن من الامتثال التفصيلي.

و أما الرجوع إلى غير الأعلم، فلأنّ المفروض أنّه لا فتوى للأعلم فيصح تقليد العالم حينئذ، و هذا التخيير عقلائي لما تقدم في [مسألة 1]، و أما مراعاة الأعلم فالأعلم فمبني على وجوب تقليد الأعلم، مع تحقق ما تقدم من الشروط المذكورة في [مسألة 12].

(135) يمكن أن تكون القرينة على الاستحباب أو الوجوب غير ما ذكر كما لا يخفى.

(136) لعين ما تقدم في [مسألة 63].

ص: 110

العمل به (137). و لا يجوز الرجوع إلى الغير (138). بل يتخيّر بين العمل بمقتضى الفتوى و بين العمل به (139).

مسألة 65: في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد أيّهما شاء

(مسألة 65): في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد أيّهما شاء (140). كما يجوز له التبعيض حتّى في أحكام العمل الواحد،

______________________________

(137) لأنّ المفروض أنّه مستحب. و كلّ مستحب يجوز تركه.

(138) إن كان أعلم من الغير، و أما مع التساوي فيجوز، للعمومات و الإطلاقات.

(139) هذا التخيير عقلائي كما سبق في [مسألة 1].

(140) مع اتحادهما في الفتوى يصح تقليدهما معا، و تقليد أحدهما المعيّن و تقليد أحدهما لا بعينه، كما يصح التبعيض في التقليد، كلّ ذلك لتحقق الاستناد إلى الحجة المعتبرة، فتشمله الأدلة.

و أما في صورة الاختلاف في الفتوى، فلا ريب في جواز تقليد أحدهما المعيّن، و يجوز التخيير و التبعيض أيضا حتّى في العمل الواحد.

و لكن أشكل عليه تارة: بعدم الدليل عليه، لسقوط الإطلاقات لأجل الاختلاف، و المتيقن عن الأدلة اللبية صورة الاتحاد لا الاختلاف.

و فيه: أنّ الإطلاقات تسقط عن الحجية التعيينية، لا أصل الحجية في الجملة التي يصح معها التبعيض و التخيير فلا وجه للسقوط كما مر و مقتضى السيرة، و إطلاق معاقد الإجماعات ذلك أيضا. إلا أن يدعى الإجماع على المنع عن التخيير، و التبعيض و هو ممنوع لعدم أثر له في الكلمات.

و أخرى: بأنّ التبعيض إن كان في العمل الواحد يوجب بطلانه، لأنّه إن ترك جلسة الاستراحة، و التثليث في التسبيحات- مثلا- تبطل الصلاة بنظر كل واحد منهما.

و فيه: أنّه لم يقلّد كلّ واحد منهما في الفتوى بالبطلان، بل قلّدهما في الفتوى بالصحة، فلو لم تتحقق الصحة و تحقق البطلان يلزم الخلف، لتحقق ما

ص: 111

حتّى إنّه لو كان- مثلا- فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة، و استحباب التثليث في التسبيحات الأربع، و فتوى الآخر بالعكس، يجوز أن يقلّد الأول في استحباب التثليث، و الثاني في استحباب الجلسة.

مسألة 66: لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي

(مسألة 66): لا يخفى أنّ تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي، إذ لا بد فيه من الاطلاع التام، و مع ذلك قد تتعارض الاحتياط، فلا بد من الترجيح، و قد لا يلتفت إلى إشكال المسألة حتّى يحتاط، و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط- مثلا- الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضّي به، بل يجب ذلك بناء على كون احتياط الترك استحبابا و الأحوط الجمع بين التوضّي به و التيمم، و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت،

______________________________

لم يكن مورد التقليد أصلا، و عدم تحقق ما كان موردا له.

إن قلت: وحدة العمل مع انطباق البطلان عليه بنظرهما يقتضي بطلانه لا محالة.

قلت أولا: تعدد الأجزاء وجودا يوجب تعدد مورد التقليد قهرا، فيكون العمل الواحد كالعملين حينئذ.

و ثانيا: لا وجه لانطباق البطلان عليه، لأنّه نظير المعلول بلا علة، لفرض أنّه لم يقلّد أحدا في مورد البطلان، بل إنّما تحقق التقليد في مورد الصحة فقط فلا مقتضى للحكم بالبطلان أصلا، لأنّ القصد تعلق بالتقليد في مورد الصحة فقط، و البطلان لم يتعلق به القصد أصلا، فالمقام نظير ما إذا قلّد في صلاته- مثلا- مجتهدا يحكم بصحتها، و كان هناك مجتهد آخر يحكم ببطلانها، و لا نظن بأحد يحتمل البطلان.

ص: 112

و يلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت، فالأحوط ترك هذا الاحتياط أو يلزم تركه، و كذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط لكن إذا لم يكن معه إلا هذا فالأحوط التيمم به، و إن كان عنده الطّين- مثلا- فالأحوط الجمع، و هكذا (141).

مسألة 67: محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية

(مسألة 67: محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية (142) فلا يجري في أصول الدّين، و في مسائل أصول الفقه، و لا في

______________________________

(141) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة، و أما تفصيل موارد هذه الاحتياطات المعارضة بغيرها، يأتي في كتاب الطهارة و الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

(142) كل ما كان له أثر شرعي، و لم يكن المكلّف مجتهدا و لا محتاطا، يصح التقليد فيه، سواء كان من الأحكام الفرعية أو من الموضوعات أو غيرهما خصوصا إذا انحصر احتجاج العامي بالتقليد فقط فلا بد في خروج ما خرج من دليل يدل عليه.

و قد ادعي الإجماع على عدم جوازه في أصول الدين و المتيقن منه ما إذا لم يحصل منه اليقين، فإذا حصل اليقين في أصول الدين و لو من قول الوالدين يكفي فكيف بما إذا حصل من قول العالم. و قد ذكرنا بعض ما يتعلق بالمقام في مباحث الأصول في خاتمة حجية الظن فراجع (1).

و أما الموضوعات العرفية كإطلاق الماء و إضافته- مثلا- فلعدم الأثر الشرعي للتقليد فيها، لأنّها بعد إحرازها يترتب عليها آثارها الشرعية و غيرها قهرا. و طريق إحرازها أما العلم أو البينة، أو خبر الموثوق به أو نحوها مما تثبت بها الموضوعات الخارجية، و ليس متوقفا على البحث و النظر في الأدلة حتّى يحتاج إلى تقليد المجتهد فيها، فقول المجتهد و الثقة العامي فيها على حد سواء- في كونه من طرق إحراز الموضوع و العلم به. و لو فرض لها أثر شرعي، و عجز العامي عن

______________________________

ص: 113


1- المجلد الثاني من تهذيب الأصول صفحة: 132 الطبعة الثانية- بيروت.

مبادي الاستنباط- من النحو و الصرف و نحوهما- و لا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية، و لا في الموضوعات الصّرفة، فلو شك المقلّد في مائع أنّه خمر أو خل- مثلا- و قال المجتهد: إنّه خمر، لا يجوز له تقليده نعم، من حيث إنّه مخبر عادل يقبل قوله، كما في إخبار العامي العادل و هكذا، و أما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة و الصوم و نحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية.

______________________________

دركه، يصح له تقليد فيها حينئذ.

و أما المسائل الأصولية، فلخروجها عن محلّ ابتلاء العامي، و لو فرض كونها موردا لابتلائه و كان لها أثر شرعي بالنسبة إليه، فلا ريب في صحة التقليد فيها أيضا.

و كذا الموضوعات المستنبطة و كذا النحو و الصرف و غير ذلك. مما تكون لها آثار شرعية ابتلائية عجز العامي عن الاحتجاج بها و ذلك كلّه، للإطلاقات و العمومات و السيرة، و قد ذكرنا ما يتعلق بالمقام في مباحث القراءة و الأذكار في الصلاة فراجع.

و حاصل الكلام: أنّ كلّ ما كان إدراكه لأجل استفادة الأحكام الكلية فلا وجه للتقليد فيه، و لاحظ للعامي بالنسبة إليه أصلا. و كلّ ما كان له أثر شرعي خارجي يصح التقليد فيه، بل قد يجب مع الانحصار سواء كان من الموضوعات الخارجية أو المستنبطة أو المسائل الأصولية أو غيرها، فالبحث عن صحة التقليد و عدمها في الموارد المذكورة صغروي.

ثمَّ إنّه يجب أن يكون المجتهد مجتهدا في المسائل الأصولية أيضا، و لا يكفي اجتهاده في خصوص المسائل الفرعية فقط، للسيرة و ظهور التسالم، و لأنّ النتيجة تابعة لأخس المقدمات، فمن لم يكن مجتهدا في المسائل الأصولية فهو مقلّد لا يترتب عليه آثار الاجتهاد نعم، مجرد مطابقة الرأي لرأي مجتهد آخر لا يعد من التقليد قطعا- كما يكون في الأحكام الفرعية أيضا كذلك.

ص: 114

مسألة 68: لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد

(مسألة 68): لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد، و أما الولاية على الأيتام و المجانين و الأوقاف التي لا متولّي لها، و الوصايا التي لا وصيّ لها و نحو ذلك، فلا يعتبر فيها الأعلمية (143). نعم، الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد، أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه.

______________________________

(143) لظهور الإجماع، و السيرة العملية بين المجتهدين من تصديهم لتلك الأمور في جميع الأعصار و الأمصار مع وجود أعلم منهم، و لسيرة المتشرعة بالرجوع إلى المجتهدين فيها مع ذلك أيضا.

ثمَّ إنّ ولاية الفقيه الجامع للشرائط في مثل هذه الأمور الدينية من مرتكزات المتشرعة، بل من فطريات أهل كلّ مذهب و ملّة الرجوع فيها إلى علماء مذهبهم، و أنّ للعلماء نحو ولاية في مثل هذه الأمور، فلا يرجعون إليهم لمجرد السؤال عن حكمها فقط، بل يرونهم أولى بالتصرف فيها، و في مثل هذا الأمر الارتكازي للمتشرعة، لا يحتاج إلى ورود التعبد من الشارع، بل يكفي مجرد عدم الردع في هذه الأمور العامة الابتلاء في جميع الأعصار و الأزمان، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بأصالة عدم الولاية، لأنّها ثابتة بنظر العرف. و ما ورد من الترغيب في الرجوع إلى الفقهاء (1) ورد في مورد هذا النظر العرفي، فيؤكده و يثبّته، فأصل ولاية الفقيه في الجملة مما لا ينبغي أن يبحث عنه.

و الذي ينبغي البحث عنه إنّما هو في سعة الولاية- و عدم اختصاصها بمورد- إلا ما خرج بالدليل، أو أنّها تختص بموارد خاصة.

و الحق أنّ هذا البحث يدور مدار سعة بسط اليد و عدمها، فالمتشرعة يرون للفقيه المبسوط اليد من الولاية ما لا يرونه لغيره. فكلّ ما زيد في بسط اليد تزداد سعة الولاية و مقتضى فطرة الأنام أنّ الفقيه الجامع للشرائط بمنزلة الإمام عليه السلام إلا ما اختص المعصوم به و ذلك يقتضي سعة الولاية إلا ما خرج بالدليل- كما

______________________________

ص: 115


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صفات القاضي.

.....

______________________________

يقتضيها إطلاق قوله عليه السلام: «فإنّهم حجتي عليكم» (1) و إطلاق قوله عليه السلام في محمد بن عثمان: «كتابه كتابي»، و إطلاق قول الصادق عليه السلام لجملة من أصحابه: «أمناء أبي على حلال اللّه و حرامه» (2) و غيرها من الأخبار فإنّها في مقام تقرير عمله فيما يحتاج إليه الناس لا في مقام تقرير مجرد قوله فقط، و تقرير العمل فيما يحتاج إليه الناس ليس إلا الولاية فيما يحتاجون إليه من الولاية و غيرها، هذا مع أنّه بعد سد الرجوع إلى أبواب حكام الجور و قضاتهم و الأخذ منهم و عدم الميل إليهم بنحو شديد أكيد مع عموم الابتلاء للاحتياج إلى ولاية الفقيه الجامع للشرائط فهل يتصور أن يهمل الشارع هذه الجهة بالنسبة إلى أمته و يذرهم حيارى؟!! فالتشكيك في ولاية الفقيه فيما تبسط يده بالنسبة إليها.

مما لا ينبغي. لقد أجاد صاحب الجواهر (قدّس سرّه) حيث قال في كتاب الزكاة:

«قلت: إطلاق أدلة حكومته خصوصا رواية النصب التي وردت عن صاحب الأمر- عجل اللّه تعالى فرجه الشريف و روحي له الفداء- يصيّره من أولي الأمر الذين أوجب اللّه علينا طاعتهم. نعم، من المعلوم اختصاصه في كلّ ماله في الشرع مدخلية حكما أو موضوعا. و دعوى: اختصاص ولايته بالأحكام الشرعية.

(يدفعها) معلومية توليته لكثير من الأمور التي لا ترجع إلى الأحكام، كحفظه لمال الأطفال، و المجانين و الغائبين و غير ذلك مما هو محرر في محلّه. و يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء، فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى الإطلاق الذي ذكرناه المؤيد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشد من مسيسها في الأحكام الشرعية».

هذا، و لكن الجزم بإطلاق الولاية مع ذلك مشكل. نعم، لا ريب فيما دل عليه الدليل بالخصوص، و يأتي بقية البحث في محلّه إن شاء اللّه تعالى و كل مورد تمَّ الدليل على ولايته فيه بالخصوص في نظره تثبت ولايته فيه. و تقدم في [مسألة 56] بعض ما ينفع المقام.

______________________________

ص: 116


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صفات القاضي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صفات القاضي حديث: 2.

مسألة 69: إذا تبدل رأي المجتهد. هل يجب عليه إعلام المقلّدين أم لا؟

(مسألة 69): إذا تبدل رأي المجتهد. هل يجب عليه إعلام المقلّدين أم لا؟ فيه تفصيل، فإن كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط، فالظاهر عدم الوجوب، و إن كانت مخالفة فالأحوط الأعلام، بل لا يخلو عن قوة (144).

مسألة 70: لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية

(مسألة 70): لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية (145). و أما في الشبهات

______________________________

(144) تقدم التعرض لهذه المسألة في ذيل [مسألة 48] فراجع.

(145) لما هو المعروف في وجه الفرق بين الشبهات الحكمية و الموضوعية أنّ في الأولى لا بد من الفحص في الأدلة ثمَّ إجراء الأصل فيها، بخلاف الثانية فإنّ الأصل يجري فيها بلا فحص، و العامي عاجز عن الفحص في الأدلة، فليس له إجراء الأصل في الشبهات الحكمية.

و أما الشبهات الموضوعية فحيث لا يعتبر الفحص فيها يصح له ذلك بلا محذور.

و فيه أولا: إنّه ليس جميع الشبهات الموضوعية كذلك، بل منها ما يعتبر فيه الفحص و الاحتياط، كما عليه الماتن (قدس سره) في جملة كثيرة من المسائل التي نشير إليها في محالها إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: أنّ الفحص في الأدلة مما يقبل النيابة، فينوب المجتهد عن العامي في الفحص في الأدلة و يفتي لمقلديه بإجراء الأصل الحكمي فيما تفحص فيه، فلا فرق فيهما من هذه الجهة بعد تجوز المجتهد له ذلك. نعم، قبل الفحص لا موضوع لجريان الأصل لا بالنسبة إلى المجتهد و لا بالنسبة إلى العامي، لاشتراط صحة جريانه بالفحص في الأدلة.

فرع: لو أجرى العامي الأصل في الشبهات الحكمية فصادق عدم الدليل على الخلاف، لا شي ء عليه إلا التجري، و لو كان هناك دليل على الخلاف وجب عليه العمل بمفاده، و يجب عليه المراجعة إلى المجتهد في ذلك.

ص: 117

الموضوعية فيجوز بعد أن قلد مجتهده في حجيتها- مثلا- إذا شك في أنّ عرق الجنب من الحرام نجس أم لا؟ ليس له إجراء أصل الطهارة.

لكن في أنّ هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا يجوز له إجراؤها بعد أن قلد المجتهد في جواز الإجراء.

مسألة 71: المجتهد غير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده

(مسألة 71): المجتهد غير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده (146). و إن كان موثوقا به في فتواه، و لكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه (147). و كذا لا ينفذ حكمه و لا تصرفاته في الأمور العامة، و لا ولاية له في الأوقاف و الوصايا و أموال القصر و الغيب (148).

______________________________

(146) لما تقدم في [مسألة 22] من اعتبار العدالة في مرجع التقليد و لا بد من إحراز الشرط، فلا يجوز تقليد المجهول الحال.

(147) لعموم ما دل على حجية الظواهر و سائر الحجج، و عدم تقييدها بكون من قامت لديه عدلا.

(148) كلّ ذلك لاعتبار العدالة في من يتصدّى لهذه الأمور و الظاهر من تسالمهم على أنّ العدالة في المجتهد المتصدّي لها معتبرة من باب الصفة الخاصة، لا من باب الطريقية، لحصول الوثوق و الاطمئنان للعمل بالوظيفة المعتبرة شرعا. و لكن قال صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في كتاب الصلاة عند البحث عن عدالة إمام الجماعة.

«فإطلاقهم العدالة فيه- أي في المفتي- يراد منه بالنسبة للمستفتي باعتبار عدم وثوقه بما يخبره به من ظنه الجامع للشرائط، و إلا فلو فرض اطلاعه عليه جاز له الأخذ به و إن كان فاسقا».

فيظهر منه (قدّس سرّه) أنّ العدالة معتبرة في المفتي من جهة الطريقية لا الموضوعية، و لكنّه رحمه اللّه صرّح بعد ذلك بأنّها معتبرة في إمام الجماعة، و في منصب الحكومة بنحو الموضوعية فراجع.

ص: 118

مسألة 72: الظنّ بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل

(مسألة 72): الظنّ بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل (149). إلا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها أو لفظ الناقل أو من ألفاظه في رسالته، و الحاصل إنّ الظن ليس حجة إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل.

______________________________

فرع: لو كان عادلا عند الناس و فاسقا عند نفسه: هل يجوز له التصدّي لهذه الأمور، مع كون تصديه لها مطابقا للموازين الشرعية أو لا يجوز؟ وجهان، بل قولان: قال في الجواهر في البحث المزبور:

«الظاهر عدم اعتبار عدالته فيما بينه و بين ربه في صحة نية إمامته إذا كان موثوقا به عند من ائتم به- إلى أن قال- بل لعلّ الأمر كذلك في المفتي أيضا، فيصح له الإفتاء الجامع للشرائط مع علمه بفسق نفسه».

هذا في غير الحكومة. و أما فيها فظاهرهم اعتبار العدالة فيها بنحو الموضوعية و الصفة الخاصة، و يأتي بقية الكلام في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(149) لأصالة عدم الحجية إلا مع الدليل عليها، و ما ذكره (قدّس سرّه) من موارد الدليل و اللّه العالم بحقائق الأحكام.

و الحمد للّه أولا و آخرا و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 119

كتاب الطهارة

اشارة

كتاب الطهارة

______________________________

ينبغي تقديم أمور:

الأول: الطهارة و النظافة و النزاهة و نحوها و إن كانت مفاهيم متعددة، و لكنّها متحدة المعنى- لغة و شرعا و عرفا- كما أنّ النجاسة و القذارة و ما شابههما: من المفاهيم المتعددة مفهوما، و لكنّها متحدة المعنى و تكون في مقابل الطهارة و النظافة لغة و عرفا و شرعا.

و الطهارة و ما يقابلها، من الأمور المتعارفة في جميع الأزمان و في كلّ الأديان، و الاختلاف إنّما هو في المصاديق فقط، فربما يكون شي ء طاهرا عند قوم و قذرا عند آخرين، و ذلك لا ينافي معهودية أصلهما لدى العقلاء كافة في الجملة، و لم يرد من الشارع جعل و تأسيس بالنسبة إلى أصل الطهارة و النجاسة.

نعم، كشف عن طهارة أمور لم يتنبّه لها الناس و عن نجاسة أشياء غفل عنها العامة.

الثاني: لا ريب في أنّ لهما مراتب متفاوتة جدا- من الحدثية و الخبثية، و المعنوية و الظاهرية- و لكل منها درجات مختلفة شدة و ضعفا و ما كان كذلك فالتحديد الحقيقي له- بحيث يشمل تمام مراتبه و درجاته- مشكل، و لذا اختلفت كلمات الفقهاء (قدست أسرارهم) في تحديدهما.

و لعلّ الأولى أن يقال: إنّ الطهارة نظافة خاصة لها دخل في صحة مثل الصلاة، و النجاسة قذارة مخصوصة تمنع عن صحة مثلها.

الثالث: الظاهر كونهما أمرين وجوديين متضادين كالبياض و السواد لا أن يكون أحدهما وجوديّا و الآخر عدميّا، لإباء المرتكزات عنه، فإنّهم يرون النظافة و القذارة وجوديين، كما لا يخفى على من راجع إليهم.

ص: 120

.....

______________________________

الرابع: الظاهر صحة كونهما مستقلّين بالجعل و الاعتبار عند العرف، كسائر الاعتبارات الدائرة فيما بينهم المستقلّة بالجعل، كما يصح أن يكونا منتزعين عن الأحكام الشرعية المجعولة في موردهما، و مع إمكان الأول يكون الثاني من التكلّف المستغنى عنه على ما فصلناه في جعل الأحكام الوضعية في علم الأصول (1)

الخامس: مقتضى الفطرة مطلوبية الطهارة، لنفسها، لا أن تكون مطلوبيتها لأجل المقدمة لأمور أخرى، كمبغوضية القذارة كذلك، و لم يردع عنها الشارع، بل ورد منه ما يصلح لتقريرها، ففي القرآن الكريم إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (2) و المتطهر هو الآخذ بالطهارة بجميع مراتبها الانبساطية كما ذكرنا في التفسير (3) و قوله تعالى وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ (4).

و في الرواية: «إنّ اللّه يبغض الرجل القاذورة» [1].

و لكن المطلوبية في الأولى و المبغوضية في الأخيرة لا تتجاوز الاستحباب و الكراهة، و يصح اتصافهما بالوجوب و الحرمة بالعناوين الخارجية.

و يأتي تفصيل هذه الأمور في الموارد المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ ما هو المعروف بين الفقهاء (قدست أسرارهم): من أنّ الطهارة اسم للوضوء و الغسل و التيمم مطلقا، أو من حيث الاستباحة للصلاة إنّما يكون بحسب المقصود الأهم الذي يقع عنه البحث في كتاب الطهارة، لا من جهة تخصيص معنى الطهارة بما ذكروه، و إلا فقد تعرض جميعهم للطهارة الخبيثة أيضا.

______________________________

[1] مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس في غير الصلاة حديث: 5. و في الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس حديث: 6 (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله) «بئس العبد القاذورة».

______________________________

ص: 121


1- راجع المجلد الثاني من كتاب تهذيب الأصول صفحة: 239 الطبعة الثانية بيروت.
2- سورة البقرة (2) الآية: 222.
3- راجع المجلد الثالث من مواهب الرحمن في تفسير القرآن صفحة: 378 طبعة النجف الأشرف.
4- سورة المدثر (74) الآية: 5.

.....

______________________________

و يمكن أن يكون مرادهم أنّها اسم للوضوء و الغسل و التيمم مع إزالة الخبث، و لم يذكروا هذا القيد لشدة وضوحه.

و الظاهر أنّ من قيدها منهم بالاستباحة أراد به الغالب الأهم، و إلا فوضوء الجنب و الحائض و الأغسال المندوبة- زمانية كانت أو مكانية- طهارة في الجملة و لو ببعض مراتبها الضعيفة التي لا توجب إباحة الصلاة، فيرجع النزاع لفظيا، فمن أطلق الطهارة عليها- أي: ببعض المراتب الضعيفة التي لا تبيح معه الصلاة، و من نفاها عنها أي بما توجب إباحة الصلاة، فلا ثمرة عملية- بل و لا علمية- في هذا البحث.

ص: 122

فصل في المياه

اشارة

فصل في المياه

الماء إما مطلق أو مضاف

اشارة

الماء إما مطلق أو مضاف (1)، كالمعتصر من الأجسام أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء.

و المطلق أقسام: الجاري، و النابع غير الجاري، و البئر، و المطر، و الكر، و القليل (2). و كلّ واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة (فصل في المياه)

______________________________

(1) الماء المطلق من المفاهيم الواضحة العرفية التي يعرفها كلّ أحد- و المضاف إما أن تكون الإضافة داخلة في حقيقته، كالمعتصر من الأجسام كماء الرمان و العنب و نحوهما، فإنّها أنواع من المائعات تخالف حقيقة الماء تخالفا نوعيا، كمخالفة بعضها مع بعض كذلك، و يكون إطلاق الماء عليها بالعناية و المجاز.

و إما أن تكون الإضافة خارجة عن حقيقته، كالماء المخلوط بشي ء أخرجه عن إطلاقه.

و الجامع المقسم بين القسمين- من المضاف و المطلق- هو المسمى بالماء، الأعم من الحقيقي و المجازي، و يصح أن يكون الجامع مجرد ما كان فيه السيلان و الميعان. و لكنّه مشكل، إذ لا يطلق على الدهن المائع، و الحديد المذاب- مثلا- لفظ الماء و لو بالمجاز كإطلاق ماء الرمان- مثلا- و يكون موارد استعمال الماء عرفا أخص من مطلق السيلان و الميعان كما لا يخفى.

(2) لا ريب في أنّ تكثير قسمة الموضوعات في الفقه إنّما يصح بلحاظ اختلاف حكم الأقسام، و مع عدم الاختلاف لا وجه له- سواء كانت القسمة

ص: 123

طاهر مطهّر من الحدث و الخبث (3).

______________________________

سداسية كما في المتن أم أقل، كما عن جميع- إذ لا يختلف الحكم بحسب هذه الأقسام مطلقا، و إنّما يختلف بحسب الاعتصام و عدمه.

فالحق أن يقال: الماء المطلق: إما معتصم أو لا، و الأول: له أقسام، و الثاني: منحصر في القليل، و الأمر سهل، لأنّ ذلك من المناقشات اللفظية التي لا ثمرة فيها.

(3) بضرورة من المذهب، بل الدين. و يدل عليه قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً(1). وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (2).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» (3)، و قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن فرقد: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، و قد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء و الأرض، و جعل لكم الماء طهورا، فانظروا كيف تكونون» [1].

و غيرهما من الأخبار التي بلغت حد التواتر و تأتي الإشارة إلى بعضها في المسائل الآتية.

و المراد بالطهور إما (المطهّر) بصيغة اسم الفاعل، أو ما يتطهر به بصيغة اسم الآلة، كالفطور لما يفطر به، فيدل كلّ ما فيه لفظ الطهور- من الآيات و الروايات- على المطهرية بالدلالة اللفظية لصريحة، و على الطاهرية بالملازمة العقلائية، لأنّ ما يكون مطهرا للأحداث و الأخباث يكون طاهرا في نفسه لدى

______________________________

[1] الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 4 و قريب منه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله كما في كنز العمال ج: 9 حديث: 3561 باب التخلي و الاستنجاء و إزالة النجاسة ط.

الهند.

______________________________

ص: 124


1- الفرقان (25) الآية: 48.
2- الأنفال (8) الآية: 11.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

.....

______________________________

العقلاء، و لا يكون قذرا.

و إما أن يكون المراد به المبالغة- أي الطاهر بذاته، و المطهّر، لغيره- فيدل بالدلالة اللفظية عليهما. و الظاهر منها عرفا إما المعنى الأول، أو الأخير. قال العلامة الطباطبائي:

«المشهور بين المفسرين و أصحاب الحديث و الفقهاء و أئمة اللغة أنّه بمعنى المطهّر، أو الطاهر المطهّر»، و عن الزهري: «الطهور في اللغة هو الطاهر المطهّر» و عن ابن فارس: «الطهور هو الطاهر في نفسه المطهّر لغيره».

فما قيل (1): من أنّ المراد بالطهور هو الطاهر، لأنّ المفعول الذي للمبالغة لا يكون متعديا، فيكون مثل قوله تعالى وَ سَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً (2)، و قول الشاعر: «عذاب الثنايا ريقهنّ طهور» و على فرض أن يكون للمبالغة، فالمراد منها المبالغة في نفس الطاهرية، لأنّ لها مراتب كثيرة، لا الطاهرية.

مردود أولا: بما تقدم من المشهور بين اللغويين و المفسرين.

و ثانيا: بأنّ مراد الشارع معلوم من القرائن الخارجية قطعا، و هو الطاهر المطهّر، سواء كان المستفاد من اللغة ذلك أيضا أم لا، و العرف الخاص مقدم على اللغة بلا إشكال.

و ثالثا: أنّ الطهور في الآية الكريمة، و قول الشاعر بمعنى الطاهر المطهّر أيضا، فإنّ الشراب الذي يسقيه الرب تعالى طاهر و مطهّر لنفوسهم عن النواقص الدنيوية، كما قال تعالى وَ نَزَعْنٰا مٰا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (3) و ريق المحبوبة طاهر و مطهّر لآلام فراق الحبيب.

و لقد أحسن جمع من الفقهاء حيث لم يتعرضوا لهذا البحث أصلا و تركوه على وضوحه خصوصا في مثل هذه الأعصار التي يعد مثل هذه المباحث من تضييع العمر. هذا.

______________________________

ص: 125


1- نسب ذلك إلى أبي حنيفة و أصحاب الرأي.
2- سورة الإنسان (76) الآية: 21.
3- الأعراف (7) الآية: 43.
مسألة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر

(مسألة 1): الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر (4) لكنّه غير مطهّر من الحدث (5) و لا من الخبث (6). و لو في حال

______________________________

ثمَّ إنّ قوله عليه السلام في صحيح ابن فرقد المتقدم: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض» فيه إجمال من جهات، و لا بد من إرجاع علمه إلى أهله.

(4) للأصل و الاستصحاب. هذا إذا كان أصله طاهرا، و إلا فهو بحكم أصله.

(5) على المشهور، بل عن الشيخ في التهذيب و الاستبصار، و عن العلامة في المنتهى، و الشهيد في الذكرى، و المحقق في الشرائع: دعوى الإجماع عليه، و عن السرائر: «بغير خلاف بين المحصلين».

و استدل عليه بالأدلة الثلاثة، فمن الكتاب قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1).

و من السنة بجملة من الأخبار: منها رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يكون معه اللبن أ يتوضأ منها للصلاة؟ قال عليه السلام: «لا إنّما هو الماء و الصعيد» (2).

و من الإجماع بما تقدم نقله.

و لكن عن الصدوق (قدّس سرّه) جوازه بماء الورد، تمسكا برواية يونس عن أبي الحسن عليه السلام قال: «قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك» (3).

و فيه أولا: معارضته بغيره مما هو أكثر و أصرح في انحصار ما يرفع به الحدث في خصوص الماء و الصعيد.

______________________________

ص: 126


1- النساء: (4) الآية: 43.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.

.....

______________________________

و ثانيا: بما عن الذكرى: «إنّ قول الصدوق (قدّس سرّه) يدفعه سبق الإجماع و تأخره»، و عن الشيخ رحمه اللّه في التهذيب: «بأنّ رواية يونس شاذة أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهرها».

و ثالثا: يحتمل في ماء الورد، مطلق الإضافة إلى الورد بأن يلقى في الماء أورادا للتطيب بها، لا أنّ المراد ماء الورد المعروف. كما في ماء النبيذ الذي وصفه الصادق عليه السلام للكلبي النسابة (1) و عن صاحب الجواهر (قدّس سرّه) يحتمل الورد- بكسر الواو- أي ما يورد منه الدواب. و بعده مما لا يخفى.

و رابعا: يمكن حمله على التقية (2).

و نسب إلى ابن أبي عقيل جواز رفع الحدث و الخبث بمطلق المضاف عند الاضطرار، و فقد الماء، و في الجواهر: «لم يعثر لابن أبي عقيل على مستند و لعلّه للرواية المتقدمة تنزيلا لها على الاضطرار». و فيه ما لا يخفى. ثمَّ ذكر رواية عبد اللّه بن مغيرة (3) ورده- ثمَّ قال: «و هذه الإجماعات كما هي حجة على الصدوق كذلك إطلاقها حجة على ابن أبي عقيل».

أقول: بعد ما استقر المذهب قديما و حديثا على خلافه، لا ينبغي التعرض لأكثر من ذلك.

(6) على المشهور، بل المجمع عليه، و يدل عليه أمور:

الأول: الأخبار الكثيرة الآمرة بغسل الثوب و البدن و الإناء و سائر المتنجسات بالماء (4) و في بعضها: «لا يجزي من البول إلا الماء» (5). و في فضل الكلب «و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء» (6)، و في الرجل الذي أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب آخر قال: «يصلي فيه فإذا وجد الماء غسله» (7). و في رواية علي بن

______________________________

ص: 127


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المضاف حديث: 3 و 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المضاف حديث: 3 و 1.
3- المغني لابن قدامة ج: 1 صفحة: 11 ط: بيروت.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب النجاسات.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
6- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 2.
7- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 1.

.....

______________________________

جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: «سألته عن رجل عريان، و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم، أو كله دم يصلي فيه، أو يصلي عريانا، قال عليه السلام:

«إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا» (1) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتفرقة في الموارد المختلفة. و يتم الاستدلال بها في سائر النجاسات بعدم القول بالفصل، بل يستفاد من مجموع الروايات أنّها في مقام بيان قاعدة كلية بالنسبة إلى الطهارة الخبيثة، و لا نحتاج حينئذ إلى عدم القول بالفصل.

الثاني: أصالة عدم جعل المطهرية لغير الماء، و لو كان لظهر و بان في مثل هذا الأمر العام البلوى.

الثالث: استصحاب بقاء أثر النجاسة إلى أن يتحقق المزيل الشرعي.

الرابع: قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الأمور المشروطة بالطهارة.

الخامس: استنكار المتشرعة من أهل المذهب ذلك في كل عصر، بحيث يعلم اتصال ذلك إلى عصر المعصومين عليهم السلام و تلقي ذلك منهم.

السادس: ما مر من صحيح ابن فرقد الوارد في مقام الامتنان، الظاهر في حصر المطهرية في الماء، فراجع (2).

السابع: ظهور الإجماع على تنجس كل مائع بملاقاة النجاسة، و أن ما يبقى منه في المحل بعد انفصال الغسالة نجس، خرج الماء من ذلك بالإجماع هذا.

و عن المفيد و السيد (قدس سرهما) جواز رفع الخبث بالمضاف مطلقا مستندا تارة: إلى أن الغرض من الطهارة إزالة العين، و هو حاصل بغير الماء من المائعات.

و يرد: بأنّ الأخبار الكثيرة تفيد إزالة النجاسة بأن تكون بخصوص الماء (3) مع أنّ العرف يأبى عن صدق الإزالة في بعض المائعات، كالدبس و الدهن و نحوهما، مضافا إلى أنّ الاكتفاء في الطهارة بمجرد إزالة العين مقطوع بخلافه

______________________________

ص: 128


1- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- صفحة: 124.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 1 و 6 و باب: 19 من أبواب النجاسة و غيرهما.

.....

______________________________

من مذاق الأئمة عليهم السلام و مناسب لمذاق العامة، كما لا يخفى على من له أدنى تأمل.

و أخرى: بما ادعاه السيد (قدس سره) من الإجماع. و يرد: بأنّه موهون جدا.

و ثالثة: برواية غياث عن الصادق عليه السلام عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق»(1)، و ما روي «أنّه لا يغسل بالريق إلا الدم» (2).

و يرده: أنّهما مهجورتان لدى الأصحاب مضافا إلى قصور سند الأخير و إمكان أن يراد من الغسل إزالة العين ثمَّ التطهير بالماء، كما هو عادة بعض العوام حتى في هذه الأيام.

و رابعة: بإطلاقات الأدلة المشتملة على الغسل و التطهير الحاصل بكل مائع كقوله تعالى وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ (3)، و الأخبار المشتملة على هذا العنوان(4).

و يرد: بأنّها مقيدة بما هو أكثر منها المشتملة على الغسل بالماء صريحا، فلا وجه للتمسك بتلك الإطلاقات، و لا يدعى الانصراف إلى الغسل بالماء حتى يشكل بأنّه بدوي لا يعتنى به، بل يكون مجموع تلك الأخبار من باب الإطلاق و التقييد، كما هو واضح لمن راجعها.

و خامسة: برواية حكم بن حكيم، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له: «أبول فلا أصيب الماء، و قد أصاب يدي شي ء من البول، فأمسحه بالحائط و بالتراب ثمَّ تعرق يدي فأمسح به وجهي، أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟

قال: لا بأس به» (5).

و فيه: مضافا إلى قصور السند بحكم بن حكيم، أولا: إنّ ظاهر قول

______________________________

ص: 129


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المضاف حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المضاف حديث: 2 و 3.
3- سورة المدثر (74) الآية: 4.
4- و هي كثيرة منها باب: 1 حديث: 1 و باب: 7 حديث 2 من أبواب النجاسات- الوسائل.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسة حديث: 6.

الاضطرار (7)، و إن لاقى نجسا تنجس (8)، و إن كان كثيرا (9). بل و إن

______________________________

السائل «فلا أصيب الماء» مفروغية انحصار المطهر في الماء مطلقا، و ظاهر الذيل مفروغية بقاء نجاسة اليد و إنّما مسحها بالحائط و التراب للجفاف و عدم السراية، فهو على خلاف المطلوب أدل.

و ثانيا: إنّ جواب الإمام عليه السلام موافق للقاعدة عند الكل، لأنّ مسح اليد- التي تكون بعض مواضعها نجسا مع الرطوبة- بالوجه، أو الجسد أو إصابتها الثوب، لا يستلزم حصول العلم بسراية النجاسة من اليد إلى الممسوح، لاستصحاب طهارته إلى أن يعلم بالنجاسة، و هو غير حاصل، و سيأتي إن شاء اللّه ما يتعلق به في [مسألة 4] من فصل كيفية تنجس المتنجسات.

و ثالثا: بأنّ نجاسة البول لا تزال بالتراب باتفاق الكل حتى المفيد و السيد، فلا بد من حملها على التقية.

و سادسة: بما أرسله المفيد (قدس سره) من أنّ ذلك مروي عن الأئمة عليهم السلام.

و فيه: أنّه إن أريد بهذه المرسلة، ما تقدم من الروايات فقد تقدمت المناقشة فيها، و إن أريد غيرها، فهو مرسل لا اعتبار به في مقابل الروايات الدالة على الغسل بالماء.

ثمَّ إنّه قد يعد المحدث الكاشاني (قدس سره) أيضا ممن يقول بجواز إزالة الخبث بالمضاف. و لكنه في غير محله لأنّه رحمه اللّه قائل بعدم انفعال شي ء بملاقاة المتنجس، بل النجس عدا الأجسام التي ورد الأمر بغسلها بالخصوص، كما سيأتي نقل كلامه رحمه اللّه في [مسألة 11] من فصل كيفية تنجس المتنجسات.

(7) إشارة إلى رد ابن أبي عقيل حيث قال بصحة إزالة الحدث و الخبث بالمضاف عند الاضطرار، و قد سبق ما فيه.

(8) إجماعا، بل الظاهر أنّ انفعال الماء بالقذارات في الجملة من المرتكزات إجمالا، فيكفي عدم وصول الردع عنه، فلا نحتاج إلى دليل عليه

ص: 130

.....

______________________________

بالخصوص كيف و يدل عليه جملة من الروايات منها رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «إنّ عليا عليه السلام سئل عن قدر طبخت، و إذا في القدر فأرة قال يهراق مرقها و يغسل اللحم» (1) و رواية زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن عليه السلام: «عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير و رمق كثير؟ فقال: يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمة. أو الكلاب، و اللحم اغسله و كله قلت: فإن قطر فيها الدم؟ قال الدم تأكله النار إن شاء اللّه. قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم؟ قال: فقال: فسد. قلت: أبيعه من اليهودي و النصاري و أبين لهم؟ قال: نعم فإنّهم يستحلون شربه الحديث» (2) و صحيحة زرارة. عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله، و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» (3)، و ما دل على الاجتناب عن سؤر الكلب الشامل بإطلاقه للمضاف و كل مائع (4). إلى غير ذلك من الأخبار.

(9) لا يخفى أنّ انفعال الماء المضاف الكثير بملاقاة النجس خصوصا بعض مراتب الكثرة منه- التي لم يكن منها اسم في الأزمنة القديمة- إن كان لأجل المرتكزات، فالمتيقن منها غيره قطعا، و من الممكن أن تكون سراية النجاسة كسراية بعض الألوان و الروائح في المضاف، فلو القي شيئا أحمر- مثلا- أو ما فيه ريح في بعض أطراف الكثير من المضاف لا يتغير لون تمام المضاف و لا ريحه كذلك، بل إنّما يتغير خصوص الطرف الذي القي فيه.

و إن كان لأجل الإجماع، فالمتيقن منه ليس إلا ذلك، و لا وجه لشمول إطلاق معقده لمطلق الكثير، لأنّه من التمسك بإطلاق كلمات المجمعين في فرد غير مأنوس بأذهانهم الشريفة، بل بأذهان المتشرعة، إذا المأنوس في الأذهان هو

______________________________

ص: 131


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 3.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار.

.....

______________________________

مثل القدر و الحب و الطشت و الغدير في الجملة و المركن و الخابية (و هي الجرة الكبيرة، كما وردت في بعض الأخبار) (1) لا مثل أنابيب النفط التي تبلغ طولها فراسخ متعددة.

و إن كان لأجل الأخبار، فليس المذكور فيها إلا القدر و الحبّ و نحوهما.

إن قلت: إنّ ذكرها من باب المثال. (قلت) نعم ذلك من باب المثال للأواني و الظروف المتعارفة مطلقا، لا لغيرها.

و إن كان لأجل قاعدة المقتضي و المانع بدعوى أنّ ملاقاة النجس للمضاف مقتضية للانفعال مطلقا إلا مع الدليل على الخلاف.

ففيه: أنّه على فرض اعتبارها إنّما تجري فيما إذا أحرز المقتضي مفصلا و في بعض مراتب الكثرة نشك في أنّ ملاقاة النجس مقتض لانفعال الجميع أم لا، فقاعدة الطهارة في غير المتيقن الانفعال تجري بلا دليل حاكم عليها.

و دعوى: أنّه يلزم اختلاف حكم المائع الواحد طهارة و نجاسة (غير صحيحة) لأنّه إن كانت الوحدة بمثل القدر و الحب و نحوهما، فلا يصح الاختلاف، و أما إن كانت بمثل الحوض الذي تسع ألف كر- مثلا- أو أكثر فلا نسلم أنّ مثل هذه الوحدة لا يصح فيها الاختلاف. هذا.

مع أنّ سراية النجاسة في مثل الدبس و الدهن المائع و نحوهما عن موضع الملاقاة إلى غيره مشكل، لقوة احتمال أن تكون الدسومة و اللزوجية و نحوهما حافظة للنجاسة في موضع الملاقاة فقط، و مانعة عن سرايتها إلى غيره، فالسطح الملاصق بالنجس أو المتنجس ينفعل بالملاقاة و يحفظ أثر النجاسة في نفسه فقط، فلا يصل إلى ما عداه. و يكفي الشك في ذلك لجريان قاعدة الطهارة في البقية.

و بالجملة: كل ما كان ماء أو كان فيه الماء لا ريب في تحقق منشإ السراية، و في غيره نشك في أصل السراية.

إن قلت: إنّ مورد صحيحة زرارة المتقدمة وقوع الفأرة في السمن، قال

______________________________

ص: 132


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 5.

.....

______________________________

عليه السلام: «إن كان ذائبا فلا تأكله» و قريب منه غيرها (1) (قلت) أولا: لا يخفى على كل أحد أنّ الفأرة إذا وقعت في مائع تتحرك فيه كثيرا إلى أن تخرج منه أو تموت فيه، و هي حيوان خبيث حتى سميت في الأخبار بالفويسقة (2) و ورد النهي عن أكل ما تشمه (3) فيستقذر نوع النفوس عن تناول ما ماتت فيه الفارة، فيمكن أن يحمل النهي عن أكل ما عدا موضع الملاقاة على الاستقذار و التنزه.

و ثانيا: نقول بالنجاسة في خصوص الفأرة الواقعة في السمن و الزيت الذائبين للتعبد بالنص دون سائر النجاسات التي لا نص فيها مع الشك في السراية، كما نقول بالتعفير في الولوغ دون سائر النجاسات للنص (4).

إن قلت: ظاهر الإجماعات هو السراية. (قلت): المتيقن منها هو الماء المضاف، و ما كانت فيه رطوبة مائية. و أما كل مائع مطلقا فشمولها له مشكل، بل ممنوع.

و ما يقال: بناء على هذا لا وجه لنجاسة موضع الملاقاة أيضا. (مردود) فإنّ مقتضى الإطلاقات و العمومات للنجاسة، و إنما الشك في السراية إلى غيره فتدفع بالأصل.

إن قلت: لا وجه على هذا لقوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة:

«إن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي و إن كان ذائبا فلا تأكله»(5) قلت: إنّ الفرق تحقق الاستقذار عن الجميع في الجملة مع الذوبان دون الجمود، و على فرض التعبد بقوله عليه السلام، نقول بالنجاسة في خصوص مورد الدليل فقط كما تقدم.

و أما ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) «المغروس في الأذهان، أنّ الذوبان و الميعان علة لنجاسة الكل» (6). من مجرد الادعاء و إثبات الكلية له يحتاج

______________________________

ص: 133


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المساكن (كتاب الصلاة).
3- الوسائل باب: 36 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.
6- كتاب الطهارة صفحة: 56 مصباح الفقيه.

.....

______________________________

إلى دليل، و هو مفقود، و سيأتي في [مسألة 8] من فصل كيفية تنجس المتنجسات ما ينفع المقام.

(قاعدة الانفعال) لقد أرسل إرسال المسلّمات: أنّ ملاقاة النجس توجب النجاسة مع السراية، و تساوي سطحي الملاقي (بالكسر) و الملاقي (بالفتح) و عدم القوة و الدفع، و عدم الاعتصام. و عبّر عن ذلك: ب «قاعدة الانفعال» و هي أعم من «قاعدة نجاسة الماء القليل» التي يأتي التعرض لها، فتجري أدلة المقام في تلك القاعدة أيضا و هي في الجملة صحيحة عند المتعارف و المتشرعة، فإنّهم بفطرتهم يستقذرون ملاقي القذر، و ظاهر الفقهاء الإجماع عليها أيضا.

و تدل عليها روايات كثيرة واردة في الأبواب المتفرقة، منها: رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليهما السلام: «إنّه سأله عن رجل رعف، و هو يتوضأ فتقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه؟ قال: لا» (1).

و نحوها رواية سعيد الأعرج (2) و في صحيحة الفضل عن العباس قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس به، حتّى انتهيت إلى الكلب فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء» (3).

و في رواية عيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء، فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذه قال:

يغسل ذكره و فخذه» الحديث (4).

و كذا رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الفراش

______________________________

ص: 134


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المطلق.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المطلق.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث 1.

كان مقدار ألف كر (10)، فإنّه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة، و لو بمقدار رأس ابرة في أحد أطرافه، فينجس كلّه (11) نعم، إذا كان جاريا من العالي إلى السافل، و لاقى سافله النجاسة، لا ينجس العالي

______________________________

يصيبه الاحتلام كيف يصنع به؟ قال: اغسله و إن لم تفعله فلا تنام عليه حتّى ييبس، فإن نمت عليه و أنت رطب الجسد فاغسل ما أصاب من جسدك» (1).

و صحيحة زرارة المتقدمة، إلى غير ذلك من الروايات. و ذكر صاحب الجواهر في كتابه عند البحث عن نجاسة الماء القليل: «كما أنّه يستفاد قاعدة أخرى من ملاحظة أخبار النجاسة أنّها تنجس كلما تلاقيه خرج المعتصم و العالي غير الملاقي فبقي الباقي» و قال (قدّس سرّه) في موضع آخر: «و يمكن الاستدلال عليه أيضا بالقاعدة المستفادة من استقراء أخبار النجاسات فإنّها قاضية بنجاسة كلّ ملاقاة فيه مع الرطوبة»، فتثبت القاعدة أصلا و عكسا، و هي كلّ ملاق للنجس يتنجس به، و كلّ نجس ينجس ملاقيه.

ثمَّ إنّه يعتبر في مورد جريان هذه القاعدة أمران: الأول إحراز الانفعال.

و الثاني تحقق السراية. و مع الشك فيهما أو في أحدهما لا مجرى لها أصلا.

كما أنّ الظاهر من الأخبار الدالة عليها، و المتيقن من الإجماع اختصاص جريانها بالشبهات الموضوعية، فلا مجرى لها في الشبهة الحكمية كما لا مجرى لها في المياه المعتصمة و سيأتي ما يتعلق بها في المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

(10) المذكور في الأدلة المتقدمة لفظ القدر و الخابية و نحوهما، و قد تقدمت المناقشة في شمول مثلها لمطلق الكثرة.

(11) المناط في الانفعال، صدق الوحدة العرفية، و العلم بسراية النجاسة. و مع الشك فيهما، فالمرجع قاعدة الطهارة، و استصحابها، و لو كان ماء الورد و نحوه- مثلا- في أنابيب ضيقة طوله عشرون مترا- مثلا- أو أزيد، و كان

______________________________

(1)

ص: 135


1- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 9.

منه (12)، كما إذا صب الجلاب من إبريق على يد كافر، فلا ينجس ما في الإبريق، و إن كان متصلا بما في يده.

مسألة 2: الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه

(مسألة 2): الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه (13) نعم لو مزج معه غيره و صعد، كماء الورد يصير مضافا.

______________________________

ثابتا غير مار و لا متحرك، فلاقى أحد طرفيها النجاسة ففي كون الطرف الآخر موضوعا واحدا مع الطرف الملاقي للنجاسة إشكال فيكون حينئذ مثل البدن المتعرق الذي لاقى بعض أجزائه النجاسة، كما سيأتي في فصل كيفية تنجس المتنجسات [مسألة 4]. و لو فرض الشك في الوحدة، فالمرجع حينئذ الطهارة.

(12) لأنّ كيفية الانفعال و السراية موكولة إلى الأنظار العرفية، و مقتضى مرتكزاتهم أنّ الدفع و القوة تنافي الانفعال و السراية، و تضاده، سواء كان من العالي إلى السافل، أم من السافل إلى العالي، كالفوارة، أم من اليمين إلى اليسار، أم بالعكس، فمحل الدفع و القوة لا ينفعل بملاقاة ما بعده للنجاسة، فليس المدار على مطلق العلو و السفل حتّى مع وقوف الماء و عدم جريانه، كما إذا كان الماء واقفا في أنبوب عمودي- مثلا- و لاقى أسفله النجاسة، فإنّه ينجس حينئذ، لعدم الدفع و القوة.

ثمَّ إنّه قد استدل على عدم انفعال العالي بملاقاة السافل للنجاسة بالإجماع، و انصراف الأخبار- الدالة(1) على النجاسة بالملاقاة- عن ذلك.

و يمكن أن يكون الإجماع حاصلا عن المرتكزات أيضا، و كذا دعوى انصراف الأخبار بأنّها منزلة عليها، فيكون مرجع الجميع إلى ما ذكرناه أولا.

(13) لأنّه ماء عرفا، و مع الشك فيه، فمقتضى الأصل بقاء المائية. هذا إذا شك في الانقلاب بالتصعيد، و أما لو علم بصيرورته حقيقة أخرى فلا يترتب عليه أحكام الماء.

______________________________

ص: 136


1- تقدم في صفحة: 127.
مسألة 3: المضاف المصعد مضاف

(مسألة 3): المضاف المصعد، مضاف (14).

مسألة 4: المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد

(مسألة 4): المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد، لاستحالته بخارا ثمَّ ماء (15).

______________________________

(14) مع صدق أصله عليه يكون منه قهرا، و كذا مع الشك لأصالة بقائه على ما كان. و مع صدق شي ء آخر عليه عرفا، يكون من ذلك الشي ء الآخر.

(15) لا ريب في صدق الاستحالة عرفا عند صيرورة المائع بخارا، و هي من المطهرات، بلا فرق بين بخار النجس أو المتنجس، كما يأتي في الرابع من المطهرات [مسألة 3 و 7]. و لا وجه لجريان استصحاب النجاسة لتعدد الموضوع عرفا. و لا فرق في البخار بين ما إذا حصل من حرارة النار، أو الشمس، أو حرارة أخرى.

(قاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الاسم) و هي: من القواعد المعتبرة الفقهية، بل المتعارفة في المحاورات، تعرض لها صاحب الجواهر (قدّس سرّه) (1) فقال: «إنّها المعروف في ألسنة الفقهاء في سائر الأبواب». و مدركها الاستقراء، و السيرة، و الإجماع بل الضرورة.

و يمكن أن يستدل عليها بالأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة (2)التي تأتي الإشارة إليها في محالها إن شاء اللّه تعالى، مثل قوله عليه السلام: «إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به» (3). و بإطلاق أدلة موضوع الثاني بعد زوال اسم

______________________________

ص: 137


1- تعرض لها:- عند قول المحقق رحمه اللّه: «و تطهر النار كلّ ما أحالته رمادا».
2- الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات و باب: 27 من الأشربة المحرمة و باب: 23 من الأشربة المباحة.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.
مسألة 5: إذا شك في مائع أنّه مضاف أو مطلق

(مسألة 5): إذا شك في مائع أنّه مضاف أو مطلق، فإن علم حالته السابقة أخذ بها (16). و إلا فلا يحكم عليه بالإطلاق، و لا

______________________________

موضوع الأول، فتكون القاعدة مقدمة على الاستصحاب، لعدم جريانه مع انتفاء الموضوع.

و المرجع في انتفاء الاسم هو العرف، دون الدقة العقلية، كما هو المناط في جميع المسائل الفقهية. و لو شك في تغير الاسم و عدمه، فمقتضى الأصل بقاؤه، و يتبعه الاسم و الحكم قهرا.

ثمَّ إنّها أعم من الاستحالة، لجريان هذه القاعدة في مورد الانقلاب و الاستهلاك، مع أنّه لا استحالة فيهما. و سيأتي بقية الكلام فيها في الموارد المناسبة لها.

(16) لاستصحاب تلك الحالة إطلاقا كانت أو إضافة. و مع الجهل بها، أو كونها موردا لتوارد الحالتين- الذي هو أيضا من الجهل بالحالة السابقة- لا يجري الاستصحاب في ذلك المائع، و إنّما يجري في مورد استعماله، فالمرجع أصالة بقاء الحدث أو الخبث، إن استعمل لرفع أحدهما. هذا كلّه في الشبهة الموضوعية.

و أما في الشبهة المفهومية- بأن كان الشك في أصل صدق المطلق أو المضاف عليه، و تردد الصدق العرفي بين أحدهما- فلا يجري الاستصحاب الموضوعي، لعدم اليقين السابق فيه أيضا بالنسبة إلى هذا الموجود بالفعل، لتردده بين ما هو باق قطعا، أو زائل كذلك فيكون المرجع أصالة بقاء الحدث و الخبث.

و أما الاستصحاب الحكمي- بأن علم أنّه كان سابقا مطلقا، فالأصل بقاء جواز التطهير به، أو علم أنّه كان مضافا، فالأصل عدمه- فهو من الاستصحاب التعليقي الذي في أصل اعتباره كلام محرر في الأصول، فمع اعتباره، كما أثبتناه (1)يجري، و إلا فلا مجرى له أيضا، و سيأتي في حكم العصير العنبي ما

______________________________

ص: 138


1- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 48، الطبعة الثانية- بيروت.

بالإضافة (17). لكن لا يرفع الحدث و الخبث (18). و ينجس بملاقاة النجاسة إن كان قليلا (19). و إن كان بقدر الكر لا ينجس، لاحتمال كونه مطلقا، و الأصل الطهارة.

مسألة 6: المضاف النجس يطهر بالتصعيد

(مسألة 6): المضاف النجس يطهر بالتصعيد كما مر-

______________________________

يتضح به الحال.

ثمَّ إنّ التردد تارة: يكون في نفس الموضوع الخارجي، كما إذا تردد ما في الإناء أنّه ماء مطلق أو ماء ورد مسلوب الرائحة- مثلا- و يلزمه التردد في صدق المفهوم عليه أيضا من حيث الصدق، لا من جهة نفس المفهومية من حيث هي.

و أخرى: في نفس المفهوم من حيث هو مع قطع النظر عن المصداق الخارجي، كما إذا شك في أنّ ما يحصل من بعض التفاعلات الصناعية الحادثة في هذه الأعصار، ماء أو حقيقة أخرى، و يلزمه التردد في الموضوع الخارجي أيضا.

و لباب القول: أنّ التردد تارة: يسري من الموضوع المردد إلى صدق المفهوم عليه، و أخرى يسري من المفهوم المردد إلى ما في الخارج، و في كلّ منهما لا يجري الاستصحاب، لعدم إحراز الموضوع. و لا يجوز التمسك بالعام، أما في المفهوم المردد، فلإجماله، و أما في الموضوع المردد، فلأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا بد و أن يرجع إلى دليل أو أصل آخر.

(17) لأنّ الحكم عليه بأحدهما يحتاج إلى دليل أو أصل معتبر و كلّ منهما مفقود.

(18) لأصالة بقائهما، ما لم يستند رفعهما إلى وجه معتبر، و المفروض عدمه.

(19) للأدلة الدالة على انفعال القليل بملاقاة النجس، و سيأتي في مسألة 2 من الفصل الآتي ما ينفع المقام.

ص: 139

و بالاستهلاك في الكر أو الجاري (20).

مسألة 7: إذا ألقي المضاف النجس في الكر

(مسألة 7): إذا ألقي المضاف النجس في الكر فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة تنجس إن صار مضافا قبل الاستهلاك (21)، و إن حصل الاستهلاك و الإضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه لكنّه مشكل.

______________________________

(20) الاستهلاك: عبارة عن تفرق الأجزاء بحيث لا يبقى وجود للمستهلك، و إنّما الوجود للمستهلك فيه بحسب الأنظار العرفية، و إن كان للمستهلك وجود أيضا بحسب الدقة العقلية، و لكنّه ليس مناط الأحكام الشرعية، فلا يجري استصحاب وجود المستهلك بعد الاستهلاك، لانعدام وجوده عرفا، كما لا يجري في مورد الاستحالة، لتبدل حقيقة المستحال إليه، و يأتي في [مسألة 7] من (الرابع من المطهّرات) ما ينفع المقام.

و حيث إنّ الوجود للمستهلك فيه عرفا، فيشمله حكمه قهرا. فإذا استهلك المضاف النجس في الكر أو الجاري لا يصدق وجود المضاف عرفا، بل يصدق الكر و الجاري، فيجري عليه حكمهما، و لا اختصاص لذلك باستهلاك المضاف، بل لو استهلك عين النجس- مثل الدم و البول- في الكر و الجاري يصير طاهرا، ما دام مستهلكا، كما لا اختصاص للاستهلاك بتطهير النجس، بل لو استهلك التراب و نحوه مما يحرم أكله في الطحين و نحوه لا بأس بأكله بعد الاستهلاك.

ثمَّ إنّ ذكر الكر و الجاري من باب المثال لمطلق المعتصم، كالمطر و القليل الذي له مادة، فالمناط كلّه على استهلاك النجس، أو المضاف المتنجس في المعتصم.

(21) الأقسام خمسة: الأول: استهلاك النجس في المعتصم، و لا إشكال في زوال النجاسة منه، كما تقدم.

ص: 140

.....

______________________________

الثاني: إضافة المطلق قبل الاستهلاك، و لا ريب في بقاء النجاسة، للأصل. و لا وجه لاستصحاب الطهارة، لتغير الموضوع بالإضافة.

إن قلت: فرض الإضافة قبل الاستهلاك- كما في المتن- غير ممكن، لأنّ الإضافة معلولة الاستهلاك، و تقدمها عليه يكون من تقدم المعلول على العلة، و هو باطل بالضرورة.

قلت: للإضافة و الاستهلاك مراتب متفاوتة جدا، و لا إشكال في صحة تقدم أول مرتبة الإضافة على بعض مراتب الاستهلاك.

الثالث: بقاء المضاف النجس على إضافته، و المطلق المعتصم على إطلاقه. و لكلّ منهما حكمه، لتعدد الموضوع كما سيأتي في [مسألة 13].

الرابع: انقلاب المضاف النجس إلى المطلق، و مقتضى الأصل. و إن كان بقاؤه على النجاسة- بعد عدم انعدام الموضوع في الانقلاب، و اختصاص ما دل على مطهرية الانقلاب بمورد خاص دل عليه الدليل بالخصوص كما سيأتي لكنّه يطهر بالاتصال بالمعتصم، لأنّه حينئذ كالماء القليل المتنجس المتصل بالمعتصم.

الخامس: حصول استهلاك المضاف، و إضافة المطلق معا. و يمكن القول بالطهارة، لصدق استهلاك النجس في المعتصم في الجملة، و هذا المقدار من الصدق يكفي في الطهارة. و لكنّه مشكل، لأنّ المتفاهم من الأدلة اعتبار بقاء الاعتصام بعد الاستهلاك عرفا في مطهرية النجس المستهلك فيه.

ثمَّ إنّه قد أشكل بامتناع حصول الإضافة و الاستهلاك معا، إذا الإضافة معلولة للاستهلاك، و لا بد من تقدم العلة على المعلول، فلا يحصلان معا.

و يرد أولا: بما مرّ في القسم الثاني. و ثانيا: بأنّ تقدم العلة على المعلول رتبي، و هو لا ينافي المعية الزمانية، و التقدم الرتبي في المقام حاصل بلا إشكال.

ثمَّ إنّ المعروف بين الفقهاء (قدّست أسرارهم) انحصار تطهير المضاف بالتصعيد، أو باستهلاكه في الماء المعتصم و إن تغير بوصف المضاف و لكن نسب إلى الشيخ رحمه اللّه اعتبار عدم تغير الماء المعتصم بوصف المضاف و فيه: ما

ص: 141

.....

______________________________

يأتي في [مسألة 9] من أنّ المناط في انفعال المعتصم تغيره بوصف النجس، دون المتنجس. و لا أثر لتغيره بوصف المتنجس أصلا، ما لم يوجب إضافته.

كما أنّ ما نسب إلى العلامة رحمه اللّه من طهارة المضاف النجس بمجرد الاتصال إلى المعتصم لا وجه له، إلا إطلاق مثل قوله عليه السلام: «الماء يطهّر و لا يطهّر» (1)، أو الاستدلال بقوله عليه السلام: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» (2)، أو بقول أبي جعفر عليه السلام- مشيرا إلى غدير الماء-: «لا يصيب شيئا إلا طهره» (3).

و فيه:- مضافا إلى إرسال بعض هذه الروايات، و ضعف سند بعضها- أنّها ليست في مقام بيان كيفية التطهير، بل إنّما سيقت لبيان كون الماء مطهّرا في الجملة، كما قال في الجواهر: «الروايات خالية عن كيفية تطهير المضاف فلم يبق لنا إلا إدخاله تحت القواعد الممهدة» ثمَّ وجه كلام العلامة- قدّس سرّه- إلى أن قال: «و يكاد الناظر المتأمل يقطع بأنّ هذا مراده، فإنّ ما ذكره في غاية الاستبعاد، بل لا يصلح أن يصدر من أطفال الشيعة فضلا عن أن يصدر عن آية اللّه المؤيد بتأييده».

هذا، و يمكن أن يقال: إنّ المضاف أقسام كثيرة حتّى يطلق في كلمات الفقهاء على كلّ مائع- مثل الدبس و ماء الرمان و نحوهما. و يجوز أن يكون مراد العلامة بالمضاف أول مرتبة من الإضافة- الحاصلة للماء المطلق- الصادقة بأدنى الملابسة، كما إذا القي في قدح الماء قليل من السكر- مثلا- بحيث لم يصدق عليه عنوان (الشربة) المتعارف، و لا الماء المطلق من كلّ جهة. فإنّ لطهارته بالاتصال بالمعتصم وجه حينئذ فيكون إطلاق المضاف عليه كإطلاق النبيذ على الماء المطلق في بعض الأخبار (4). و مع ذلك فيه تأمل.

______________________________

ص: 142


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 13 و 6.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
3- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
4- تقدم في صفحة 127.
مسألة 8: إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين

(مسألة 8): إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين، ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر حتّى يصفو، و يصير الطين إلى الأصل، ثمَّ يتوضأ على الأحوط، و في ضيق الوقت يتيمم، لصدق الوجدان مع السعة، دون الضيق (22).

مسألة 9: الماء المطلق بأقسامه- حتّى الجاري منه- ينجس إذا تغيّر بالنجاسة

(مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه- حتّى الجاري منه- ينجس إذا تغيّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة (23)، من، الطعم،

______________________________

(22) مقتضى هذا التعليل: الفتوى بوجوب الصبر و التوضي في السعة، فلا وجه للاحتياط، و سيأتي منه الفتوى به في [مسألة 3] من فصل أحكام التيمم فراجع.

(23) بضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها، و في النبوي المعروف: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته» (1).

و لا وجه للمناقشة فيه لضعف السند بعد اعتبار الفقهاء بنقله، بل في الذخيرة: «به عمل الأمة و ورود أخبار صحاح بمضمونه».

و الظاهر أنّ عدم اعتناء الرواة من الخاصة لضبطه لاستغنائهم عنه بالمستفيضة التي نقولها عن الأئمة عليهم السلام. و لعل هذا هو السر في عدم نقل جملة من النبويات من طرق الخاصة.

و أما الأخبار الصحاح فهي صحيحة حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم، فلا تتوضأ منه و لا تشرب» (2).

و عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام قال: «ماء البئر

______________________________

(1)

(2)

ص: 143


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

و الرائحة، و اللون بشرط أن يكون بملاقاة النجاسة (24)، فلا يتنجس إذا

______________________________

واسع لا يفسده شي ء، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح و يطيب طعمه، لأنّ له مادة» (1).

و عن أبي خالد القماط أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «في الماء يمر به الرجل. و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة. فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه، فلا تشرب و لا تتوضأ منه و إن لم يتغيّر ريحه و طعمه فاشرب و توضأ (2)».

و هناك روايات أخرى، كموثقة سماعة،(3) و رواية عبد اللّه بن سنان(4)، و رواية أبي بصير (5) و غيرها.

و تقتضيه المرتكزات أيضا، لأنّهم يتنفرون بطبعهم عن مثل هذا الماء، و يستقذرونه و لا يستعملونه في رفع الأخباث فكيف بالأحداث.

و ما عن صاحب المدارك: من الاقتصار على الريح و الطعم، دون اللون.

غير صحيح أولا: لورود أخبار تدل على الثلاثة صريحا كالنبوي المتقدم، و رواية شهاب بن عبد ربه (6) و رواية علاء بن فضيل (7)، و ما عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «في الماء الجاري يمر بالجيف و العذرة و الدم يتوضأ منه و يشرب ما لم يتغير أوصافه: طعمه و لونه و ريحه» (8).

و ثانيا: إنّ ذكر الريح و الطعم يغني عن ذكر اللون للتلازم العادي غالبا بينهما.

ثمَّ إنّ شروط انفعال المعتصم ثلاثة، ذكرها في المتن.

(24) هذا هو الشرط الأول: و يدل عليه: ظهور الأدلة المتقدمة، و إجماع

______________________________

ص: 144


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.
7- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.
8- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

كان بالمجاورة، كما إذا وقعت ميتة قريبا من الماء، فصار جائفا (25).

و أن يكون التغير بأوصاف النجاسة، دون أوصاف المتنجس (26)، فلو وقع فيه دبس نجس فصار أحمر أو أصفر لا ينجس (27) إلا إذا صيّره مضافا (28). نعم، لا يعتبر أن يكون بوقوع عين النجس فيه، بل لو وقع فيه متنجس حامل لأوصاف النجس فغيّره بوصف النجس تنجس أيضا (29). و أن يكون التغير حسيا (30)، فالتقديري لا يضر، فلو كان

______________________________

إعلام الملة بل يمكن دعوى كون الروايات نصا في ذلك. فإنّ لفظ «يبال فيها»، أو «فيه جيفة»، أو «فيه ميتة»، أو «فيه فأرة» نص في تغيير الماء بملاقاة النجاسة.

و يأتي في [مسألة 11] ما ينفع المقام.

(25) لأصالة الطهارة و ظهور الأدلة السابقة، فظهور الإجماع في أن يكون التغير بالملاقاة.

(26) هذا هو الشرط الثاني، و يدل عليه الإجماع، و ظهور الأدلة فيه.

(27) لأصالة الطهارة بعد ظهور الأدلة في التغيير بوصف النجس، فلا وجه لما نسب إلى الشيخ (قدّس سرّه) من كفاية التغيير بوصف المتنجس، لكونه مخالفا للأصل، و ظاهر الأدلة، و للإجماع.

(28) فيصير حينئذ من صغريات ما مر في [مسألة 7]، و يجري هنا جميع ما تقدم في تلك المسألة.

(29) لوقوع النجس فيه، و صدق التغير بوصف النجس، فيشمله إطلاق الأدلة المتقدمة لا محالة، إذ المنساق منها مطلق التغير أعم مما كان بلا واسطة أو معها.

إن قلت: إنّ ظاهر قوله عليه السلام: «فيه ميتة»، أو فارة و نحوهما، هو التغير بلا واسطة. قلت: لا ظهور فيه و على فرض الانصراف إليه فهو بدوي لا اعتبار به.

و ما قيل: بناء على ذلك يجب القول بالنجاسة، فيما إذا تغير أحد أوصافه بمجاورة النجس.

ص: 145

.....

______________________________

مدفوع بأنّه لو لا الإجماع على عدم الانفعال حينئذ، و ظهور الأدلة في عدم النجاسة لقلنا بها في التغيير بالمجاورة أيضا.

و استدل أيضا: بأنّ المتنجس الحامل للنجاسة إذا امتزج مع الكثير و غيّره بوصف النجس. لا يخلو حكم مثل هذا الماء عن أحد أقسام ثلاثة: إما أن يطهر المتنجس، و هو خلاف ما دل على اشتراط زوال التغيير في الطهارة.

أو يكون الماء طاهرا، و يبقى المتنجس على النجاسة، و هو خلاف ما دل على أنّ الماء الواحد لا يختلف حكمه من حيث الطهارة و النجاسة، إلا إذا كان معتصما و غير مخلوط بالنجاسة، كحوض يكون أكثر من الكر و صب في بعض أطرافه بول أو دم- مثلا- و لم يتغير وصف تمام الماء، و المفروض في المقام خلافه.

أو يحكم بانفعال الماء، و هو المطلوب و يتم الحكم في غير الممتزج بعدم القول بالفصل.

(30) هذا هو الشرط الثالث، لأنّ التغيير و التغير من المفاهيم المبينة العرفية، و المنساق منهما عرفا ما إذا أدرك بالوجدان أو بإحدى الحواس الظاهرية، يقال تغير حالي أو تغير الطعام أو اللحم- مثلا- و الجامع تحقق المغايرة من حالة إلى حالة أخرى عرفا. و هذا هو المراد بالتغيير و التغير و الواردين في الأدلة السابقة، لتنزلها على العرفيات، الا مع وجود الدليل على الخلاف. و على هذا فهو مختص بالفعلي الخارجي و لا يشمل التقديري مطلقا، لعدم مساعدة العرف عليه، و عدم دليل شرعي على شموله، بل مقتضى استصحاب الطهارة بقاؤها إلى أن يتحقق التغيير خارجا.

ثمَّ إنّ التغيير التقديري، إما لعدم المقتضي في النجس، أو في الماء أو لوجود المانع كذلك.

و كلّ منهما إما ذاتي، أو عرضي. و لا دليل على اعتباره في جميع ذلك.

و نسب إلى العلامة رحمه اللّه كفاية التقديري مطلقا. و العرف أقوى شاهد على خلافه كما نسب إلى البيان و جامع المقاصد و إلى جمع آخرين و في الحدائق النسبة إلى المتأخرين من غير خلاف معروف، كفايته إن كان لوجود المانع.

ص: 146

لون الماء أحمر أو أصفر فوقع فيه مقدار من الدم كان يغيّره لو لم يكن كذلك لم ينجس، و كذا إذا صبّ فيه بول كثير لا لون فيه بحيث لو كان له لون غيّره، و كذا لو كان جائفا فوقعت فيه ميتة كانت تغيّره لو لم يكن جائفا، و هكذا. ففي هذه الصورة ما لم يخرج عن صدق الإطلاق محكوم بالطهارة على الأقوى (31).

مسألة 10: لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة

(مسألة 10): لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة، مثل الحرارة، و البرودة، و الرقة، و الغلظة، و الخفة، و الثقل، لم ينجس ما لم يصر مضافا (32).

مسألة 11: لا يعتبر في تنجسه أن يكون التغير بوصف النجس بعينه

(مسألة 11): لا يعتبر في تنجسه أن يكون التغير بوصف النجس بعينه، فلو حدث فيه طعم أو لون أو ريح غير ما بالنجس، كما لو اصفر الماء- مثلا- بوقوع الدم تنجس. و كذا لو حدثت فيه بوقوع البول أو العذرة، رائحة أخرى غير رائحتهما، فالمناط تغير أحد

______________________________

و فيه: أنّ ثبوت كلّ شي ء و تحققه يتوقف على وجود المقتضي، و فقد المانع، و مع عدم الأول أو وجود الثاني، لا تحقق له واقعا. نعم، لو فرض حكم العرف بتحقق التغير، و أنّ وجود المانع كالعدم، تحقق الانفعال حينئذ، كما لو ألقي مقدار كثير من البول- مثلا- في كر من الماء في شدة برد الشتاء، فإنّ العرف يحكم بالتغير و يستقذر مثل هذا الماء. و لعله إلى ذلك ترجع كلمات الفقهاء القائلين بكفاية التغير التقديري مع وجود المانع، فلا نزاع في البين.

(31) لأصالة الطهارة، و كذا يحكم بطهارته لو خرج عن الإطلاق باستهلاك النجس فيه في حالة الإطلاق، فخرج عنه بعد الاستهلاك. نعم، إن خرج عنه قبل الاستهلاك تنجس حينئذ، لصدق التغير بالنجس.

(32) لظواهر النصوص الحاصرة لها في خصوص الأوصاف الثلاثة المعروفة، مضافا إلى دعوى الإجماع عن جمع.

ص: 147

الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة و إن كان من غير سنخ وصف النجس (33).

مسألة 12: لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العارضي

(مسألة 12): لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العارضي (34)، فلو كان الماء أحمر أو أسود لعارض، فوقع فيه البول حتّى صار أبيض تنجس (35)، و كذا إذا زال طعمه العرضي، أو ريحه العرضي.

مسألة 13: لو تغيّر طرف من الحوض

(مسألة 13): لو تغيّر طرف من الحوض- مثلا- تنجس فإن كان الباقي أقل من الكر، تنجس الجميع و إن كان بقدر الكر بقي على الطهارة (36). و إذا زال تغيّر ذلك البعض طهر الجميع و لو لم يحصل

______________________________

(33) بشرط صحة انتساب حصول الوصف إلى النجاسة عرفا و لو كان وصفا لها بعد اختلاطها بالماء، إذ ربّ شي ء يكون لونه- في حد نفسه- لونا مخصوصا و لكن بعد الخلط بالماء أو بمائع آخر يصير لونا آخر و كذا في الطعم و الرائحة.

فكلما أضيف الوصف إلى النجس عرفا يتحقق التنجس شرعا، لإطلاق مثل قوله عليه السلام: «إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب» (1) و قوله عليه السلام: «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» (2)، فإنّ مقتضى إطلاقهما كفاية الاستناد سواء كان إلى الوصف الذي كان للنجس قبل الخلط بالماء، أم بعده، إذا كان تغيير وصفه بعد الخلط بالماء متعارفا.

فرع:- لو تغيّر الماء بغير وصف النجس و شك في انتسابه إلى النجاسة، فمقتضى الأصل الطهارة.

(34) لإطلاق الأدلة المتقدمة مع صدق التغير بالنجاسة عرفا، و أما مع الشك فيه، فالمرجع أصالة الطهارة، كما تقدم.

(35) لتحقق التغير، فيشمله إطلاق الدليل قهرا.

(36) أما النجاسة في الصورة الأولى، فلأجل الملاقاة مع المتنجس و أما

______________________________

ص: 148


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

الامتزاج على الأقوى (37).

______________________________

البقاء على الطهارة في الأخيرة، فلفرض اعتصامه بالكريه، و كذا في الجاري و غيره من المياه المعتصمة.

(37) كما نسب إلى المشهور، بل قيل: إنّ القول بالامتزاج لم يعرف من أحد قبل المحقق (قدّس سرّه) في المعتبر، و لم يشر إليه في شرائعه الذي هو أهم كتبه. و لا ريب أنّ مسألة انفعال المياه و تطهيرها كانت من أهم المسائل الابتلائية للناس في الأعصار القديمة خصوصا في الحجاز- التي قلّت المياه فيها- فلو كان الامتزاج معتبرا في الطهارة، لأشير إليه في خبر من الأخبار. و كان على الإمام عليه السلام بيانه في هذه المسألة العامة البلوى مع أنّهم بينوا مسائل نادرة قلّما تتفق في العمر إلا مرة. و لم يذكره فقهاؤنا المتقدمون رحمهم اللّه مع كثرة اهتمامهم بنقل الفروع النادرة فكيف بابتلائه، و إنّما حدثت الشبهة من عصر الفاضلين فقط، و تعرضها لها في بعض كتبهما و تبعهما بعض المتأخرين. مع أنّه لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه إلا استصحاب بقاء النجاسة. إلى أن يحصل الامتزاج فيقطع حينئذ بارتفاعها.

و فيه أولا: أنّه محكوم بالإطلاقات المتقدمة، مثل قوله عليه السلام:

«جعل لكم الماء طهورا» (1). و كذا قوله عليه السلام: «الماء يطهّر و لا يطهّر» (2) و قول أبي الحسن الرضا عليه السلام في صحيح ابن بزيع- الذي ورد في مقام بيان قاعدة كلية لتطهير المياه- «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الريح و يطيب الطعم، لأنّ له مادة» (3).

و المتفاهم من قوله عليه السلام: «واسع لا يفسده شي ء» هو السعة الحكمية- أي لا ينفعل بشي ء مطلقا، و دافع للنجاسة و رافع لها «الا أن يتغير» كما أنّ المتفاهم من قوله عليه السلام: «لأنّ له مادة» التعليل لبيان هذا الحكم

______________________________

ص: 149


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.

.....

______________________________

يعني أنّ علة كونه دافعا للنجاسة و رافعا لها، إنّما هي المادة فقط، و حيث إنّ المادة عبارة أخرى عن وجود جهة الاعتصام، فيكون مفاده أنّ كلّما كانت فيه جهة الاعتصام- بئرا كان أو جاريا أو كرّا أو مطرا- يكون دافعا للنجاسة و رافعا لها، و مقتضى إطلاقه الشمول لما إذا حصل الامتزاج أولا، و يقتضيه إطلاق خبر الكاهلي: «كلّ شي ء يراه المطر فقد طهر» (1) و إطلاق قوله عليه السلام: «ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا»(2) الظاهر في كفاية التطهير بمجرد الاتصال مع المعتصم.

إن قلت: أما الأخير فمجمل، و خبر الكاهلي مرسل. مع أنّ قوله عليه السلام: «يراه المطر» ظاهر في صدق الرؤية لجميع الأجزاء، و لا يحصل ذلك إلّا بالامتزاج، و أما صحيح ابن بزيع فيحتمل أن يكون قوله عليه السلام: «لأنّ له مادة» علة للنزح- يعني ينزح حتّى يخرج الماء، و يمتزج بماء البئر، لأنّ له مادة- و حينئذ يكون دليلا على اعتبار الامتزاج، لا أن يكون دليلا على عدمه، مع أنّ الشيخ البهائي رحمه اللّه حكم بإجماله، فلا وجه للاستدلال به.

قلت: لا وجه لإجمال قوله عليه السلام: «ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا»، بل يؤخذ بإطلاقه ما لم يدل دليل على خلافه، لأنّه حكم ابتلائي امتناني، فيؤخذ بإطلاقه من كلّ جهة إلّا فيما ثبت خلافه. و المرسل الكاهلي منجبر بالعمل و تسالم الأصحاب عليه، و المراد بالرؤية، الرؤية العرفية مطلقا، فكلّما صدقت الرؤية عرفا يطهر جميع الماء مطلقا، لا أن يكون شرط طهارة كلّ جزء رؤية المطر لذلك الجزء، و الا انعدمت فائدة هذا الحكم الامتناني العام البلوى إلا في موارد نادرة، و هو مخالف لسهولة الشريعة خصوصا في الطهارة التي يسّرها الشارع و سهلها بكلّ وجه أمكنه. فالرؤية معتبرة بنحو صرف الوجود، لا بنحو الوجود المنبسط على جميع الأجزاء حتّى يقال: إنّه يصدق عدم الرؤية بالنسبة إلى بعض الأجزاء أيضا، كما أنّ انفعال القليل بملاقاة النجس يكون بنحو

______________________________

ص: 150


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

.....

______________________________

صرف الوجود أيضا، لا بنحو السريان و الانبساط، فلتكن الطهارة أيضا كذلك، بل لا بدّ أن يكون الأمر فيه أسهل و أيسر، كما مرّ.

و أما صحيح ابن بزيع (1) فلا ريب أنّ النزح من حيث هو لا موضوعية فيه بوجه، بل هو طريق لتحقق الاتصال بالمعتصم سواء رجعت العلة إليه أم إلى ما قلناه، و لا يختلف المعنى، كما لا يخفى. و أما أنّ النزح موجب لامتزاج ما يخرج من المادة مع ماء البئر، فلا وجه له، لأنّه يكون الماء في الآبار غالبا بنحو الرشح و النذير، لا بنحو الجريان. مع أنّه لو كان بنحو الجريان، فلا يمتزج الا مع سطح الماء الذي يكون في قعر البئر، لا مع جميع سطوحه. هذا.

مع أنّ القائل بالامتزاج، إن أراد امتزاج الكلّ في الكلّ، فهو محال، لما ثبت في محلّه من امتناع تداخل الأجسام. و إن أراد البعض المخصوص، فهو من الترجيح بلا مرجح مع أنّ من اعتبر الامتزاج لا يقول به في الحياض الصغار من الحمام و لا دليل يعتمد عليه للتخصيص و إن أراد الامتزاج في الجملة، فهو حاصل تكوينا، لأنّ الماء سيال بالطبع، و اتصال الأجزاء فيه بعضها ببعض في الجملة، لأجل الرطوبة المسرية تكوينية كما هو معلوم.

و ثانيا: أنّ استصحاب النجاسة في المقام لا وجه له، لأنّها متقومة بالتغير و قد زال، و لا أقل من الشك في ذلك، فيكون من الاستصحاب في الفرد المردد.

و دعوى: أنّ التغيير علة لحدوث النجاسة فقط، لا لبقائها، مردودة: في مثل المورد المتصل بالمعتصم، فالمرجع قاعدة الطهارة، لا الاستصحاب.

ثمَّ إنّ الماء الواحد إن كان في سطح واحد لا يختلف حكمه من حيث الطهارة و النجاسة. و قد جعلوها قاعدة و أرسلت عندهم إرسال المسلمات، و استدلوا بها على كفاية مجرد الاتصال في جملة من الموارد.

و دليل اعتبار القاعدة أولا: ظهور الإجماع.

______________________________

ص: 151


1- تقدم في صفحة: 149.
مسألة 14: إذا وقع النجس في الماء فلم يتغيّر

(مسألة 14): إذا وقع النجس في الماء فلم يتغيّر، ثمَّ تغيّر بعد مدة، فإن علم استناده إلى ذلك النجس تنجس، و إلا فلا (38).

مسألة 15: إذا وقعت الميتة خارج الماء، و وقع جزء منها في الماء

(مسألة 15): إذا وقعت الميتة خارج الماء، و وقع جزء منها في الماء، و تغيّر بسبب المجموع من الداخل و الخارج، تنجس (39)

______________________________

و ثانيا: إنّ الاختلاف إن كان بلا جهة فهو باطل، و إن كان لاختلاف الموضوع، فهو خلف. و قد استدل بها كاشف اللثام في المقام على كفاية مجرد الاتصال، و عدم اعتبار الامتزاج.

و أشكل عليه: بمنع وحدة الماء بل الماء الذي تغير و زوال تغيره متمايز مع الماء المعتصم، و لا تتحقق الوحدة إلا مع الامتزاج.

و فيه: أنّه ليس المراد بالوحدة الدقيقة العقلية. مع أنّها لا تحصل في صورة الامتزاج أيضا، بل الوحدة الاتصالية المتعارفة، و لا ريب في تحققها في المقام.

نعم، لو حكم العرف بالتعدد، كما في صورة بقاء التغير، أو شك فيه و في الوحدة لا مجرى حينئذ لهذه القاعدة.

ثمَّ إنّ من يقول بالاختلاف لا بد و أن يقول بصحة ترتيب آثار الطهارة على الماء الممزوج بالماء المتنجس من التوضي و الاغتسال به، و لا أظن أحدا يقول به، فهذا النزاع على فرض صحته ليست له ثمرة عملية، و يأتي في ماء الحمام بعض ما يناسب المقام فراجع.

(38) أما الأول: فلإطلاقات الأدلة و عموماتها- الشاملة لما إذا تحقق التغير بعد وقوع النجاسة بلا فصل، أو معه- إذا ثبت استناد التغير إلى النجاسة.

و أما الثاني: فللأصل سواء علم بعدم الاستناد أم شك فيه، فتجري أصالة الطهارة بلا إشكال. و أما جريان الأصل الموضوعي فيأتي حكمه في [مسألة 16].

(39) لإطلاق الأدلة و عموماتها الشامل لذلك. نعم، لو كان ما وقع يسيرا جدّا بحيث يشك في شمول الأدلة له، فالمرجع أصالة الطهارة.

ص: 152

بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء (40).

مسألة 16: إذا شك في التغير و عدمه

(مسألة 16): إذا شك في التغير و عدمه، أو في كونه للمجاورة أو بالملاقاة، أو كونه بالنجاسة، أو بطاهر لم يحكم بالنجاسة (41).

______________________________

(40) فيكون طاهرا حينئذ، للأصل- بعد ظهور الأدلة في اشتراط كون التغير بوقوع النجاسة في الماء و تغيره بها. و يدل عليه ظهور الإجماع.

إن قلت: مقتضى المرتكزات التنفر عنه، لانفعال الماء في هذه الصورة أيضا.

قلت: لا اعتبار بمرتكزاتهم في مقابل الأدلة الظاهرة، بل الناصة(1) في اعتبار وقوع النجس فيه، و تغيره به.

(41) للأصل الموضوعي في الأول، و هو أصالة عدم التغير، و الأصل الحكمي، و قاعدة الطهارة. و أما الأخيران، فلا ريب في صحة جريان الأصل الحكمي، و قاعدة الطهارة فيهما. و أما جريان الأصل الموضوعي فيهما، فهو من موارد جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي. فإن فرض وجود الأثر الشرعي لكلّ واحد من الأصلين. يسقطان بالمعارضة، و إلا فيجري ماله الأثر و يترتب عليه أثره بلا معارضة.

و الظاهر تحقق الأثر الشرعي لكلّ واحد من الأصلين فيهما، ففي الصورة الأولى مقتضى أصالة عدم كون التغير بالملاقاة جواز التوضي منه، بل وجوبه مع الانحصار و مقتضى أصالة عدم كونه بالمجاورة وجوب الاجتناب عنه. هذا إذا لم نقل بكفاية نفس الأثر الوضعي الشرعي في جريان الأصول، و الا فالأمر أوضح، فتترتب على أصالة عدم كون التغير بالملاقاة الطهارة، و على أصالة عدم كونه بالمجاورة النجاسة. و في الصورة الثانية، مقتضى أصالة عدم كونه بالنجاسة هو الطهارة، و جواز التوضي- مثلا- بل وجوبه. و مقتضى أصالة عدم كونه بالطاهر النجاسة، و وجوب الاجتناب. هذا و لكن يكفي للحكم بالطهارة في الصورتين استصحاب الطهارة، و قاعدتها.

______________________________

ص: 153


1- تقدمت الروايات في صفحة: 143- 144.

.....

______________________________

«قاعدة الطهارة» من القواعد المعتبرة التي دلت عليها النصوص و الإجماع- قاعدة الطهارة- و هي أيضا مطابقة لمرتكزات العقلاء، إذ أنّهم لا يستقذرون كلّ ما يشكون في قذارته، أو في ملاقاته للقذر، و لا يجتنبون عنه.

و النصوص: هي رواية حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه عن عليّ عليهم السلام قال: «ما أبالي، أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم» (1).

و قول الصادق عليه السلام في موثق عمار:

«كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر، فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك» (2).

و قوله عليه السلام:

«الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر» (3) إلى غير ذلك من الروايات، و هي شاملة لجميع الشبهات الموضوعية مطلقا بل و الشبهات الحكمية أيضا» لعموم قوله عليه السلام: «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر».

فإنّ لفظ- شي ء- من الأمور العامة الشاملة للكليات التي هي متعلقات الأحكام و للموضوعات الخارجية.

و المراد من العلم كلّ ما يكون حجة معتبرة شرعا و لو كان إخبار صاحب اليد، بل و لو كانت قاعدة الانفعال مع إحراز الانفعال و تحقق السراية، كما تقدم، أو أصلا موضوعيا يدل على النجاسة. و أما مع الشك فيها، فتجري قاعدة الطهارة بلا مزاحم.

ثمَّ إنّ مورد القاعدة الشك في الطهارة و النجاسة بعد إحراز أصل جريانها، و أما لو شك في مورد أنّه هل تجري القاعدة أو لا؟ فيشكل الجريان، لأنّ التمسك بدليلها حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و لا بد من ذكر أمور تتعلق بالقاعدة:

______________________________

ص: 154


1- الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 5، و هناك روايات أخرى أوردها صاحب الوسائل في باب: 13 من أبواب النواقض، و باب: 16 من النجاسات.
مسألة 17: إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر أحمر فاحمر بالمجموع

(مسألة 17): إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر أحمر فاحمر بالمجموع، لم يحكم بالنجاسة (42).

مسألة 18: الماء المتغيّر إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري

(مسألة 18): الماء المتغيّر إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري، لم يطهر (43) نعم الجاري و النابع إذا زال تغيره بنفسه

______________________________

الأول: لا يجب الفحص في الشبهات الموضوعية التي تجري فيها القاعدة، لأنّها المتيقن من دعوى إجماعهم على عدم وجوبه في الشبهات الموضوعية، مع أنّ أصل تشريع القاعدة لدفع الوسواس، و التسهيل على الناس، و الفحص ينافي ذلك كلّه.

الثاني: لا فرق في مجراها بين جميع موارد الشك من أي منشإ كان، و في أي مورد يكون، سواء كان في بلاد المسلمين، أم بلاد الكفار أو الأشياء المجلوبة من بلادهم.

الثالث: لا فرق في مجراها بين أن يكون مورد ابتلاء المكلف، أو لا، لإطلاق الأدلة الشامل لهما، و يأتي جملة ما يتعلق بالقاعدة في محالها إن شاء اللّه تعالى.

(42) لأصالة الطهارة. لكنّه فيما إذا لم يكن الدم كافيا لتغير الماء مستقلا، و إلا فمقتضى الإطلاقات و العمومات الحكم بالنجاسة، لصدق تغير الماء بوقوع النجس فيه، و لو كان الأحمر كافيا مستقلا و لم يكن للدم أثر قابل عرفا، فهو طاهر، للأصل، و كذا لو كان كلّ منهما جزء العلة فاحمر بالمجموع بحيث لو كان أحدهما منفردا لما أثر، و لو كان كلّ واحد منهما كافيا مستقلا في التأثير تنجس، لصحة استناد التغير إلى النجس عرفا و إن كان ذلك غير صحيح دقة، لامتناع اجتماع علتين مستقلتين عرضيتين على معلول واحد.

(43) على المشهور، و لم ينقل الخلاف إلا عن يحيى بن سعيد في الجامع و تردد العلامة في النهاية. و في المنتهى، نقل الخلاف عن الشافعي و أحمد و لم ينسبه إلى أحد من أصحابنا. و كيف كان فقد استدل للمشهور بأمور:

الأول: العمومات و الإطلاقات الدالة على نجاسة الماء بالتغير، بدعوى

ص: 155

.....

______________________________

أنّ التغير علة محدثة للنجاسة، لا أن تدور النجاسة مداره حدوثا و بقاء، كما في سببية ملاقاة الطاهر للنجس. فإنّه ينجس الملاقي بمجرد الملاقاة آنا ما، و لو انقطعت الملاقاة، و كما في سببية حدوث الحدث لبقاء الحالة الحدثية إلا أن يحصل الرافع، و له نظائر كثيرة في الفقه.

و دعوى أنّه يستفاد من الأدلة كون التغيير علة للنجاسة حدوثا و بقاء، تحتاج إلى الإثبات.

و ما اشتهر من أنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية لا كلية فيه في الأحكام الشرعية، و على فرض الكلية تكفي العلية حدوثا فقط.

الثاني: استصحاب بقاء النجاسة- بأنّ الموضوع الماء، و هو باق في حالتي التغير و الزوال. و ليس عنوان التغيير من حيث هو، حتّى يستشكل فيه بتبدل الموضوع. و العرف أصدق شاهد في المقام.

الثالث: صحيحة ابن بزيع المتقدمة: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغير ريحه أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح و يطيب طعمه لأنّ له مادة»(1).

بدعوى: كون كلمة (حتّى) للانتهاء، لا التعليل يعني: ينزح إلى أن يذهب الريح و يطيب الطعم من تدافع المادة عليه. و فيه: إنّه من مجرد الاحتمال، لا الظهور الذي يدور عليه الاستدلال.

و استدل لابن سعيد تارة: بأصالة الطهارة.

و فيه: ما ثبت في الأصول من أنّه لا اعتبار بالأصل الحكمي مع جريان الأصل الموضوعي- الذي هو في المقام استصحاب النجاسة- كما مر.

و أخرى: بأنّ ظواهر الأدلة إناطة النجاسة بالتغير حدوثا و بقاء.

و فيه: أنّ ذلك خلاف ظواهرها فإنّ المنساق منها عرفا حدوث النجاسة بالتغير. و أما زوالها بزوال التغير- حتى من قبل نفسه- فهي ساكتة عنه، و لا بد من إقامة دليل آخر عليه.

______________________________

ص: 156


1- تقدم في صفحة: 149.

طهر، لاتصاله بالمادة و كذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكر، كما مرّ (44).

______________________________

و ثالثة: بالخبر المعروف عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» (1).

خرج عن إطلاقه حالة التغيير فقط، و بقي الباقي تحت الإطلاق.

و فيه: مضافا إلى ضعفه، و هجر الأصحاب عن إطلاقه، أنّ المتفاهم منه عرفا ما إذا لم يتغير أصلا، لا ما إذا تغيّر ثمَّ زال تغيره.

و رابعة: بما تقدم من صحيح ابن بزيع (2) بناء على كون (حتّى) تعليلية، فيكون زوال التغيير علة للطهارة مطلقا.

و فيه:- أنّ صحة كون (حتّى) للتعليل، مما لا ينكر. و لكن العلة تحتمل أن يكون ذهاب التغيير بالنزح، أو ذهابه للاتصال بالمادة أو ذهابه مطلقا و لو بنفسه، و المتفاهم من الصحيح عرفا أحد الأوليين، دون الأخير. و لا فرق في هذه الجهة بين كون مدخول حتّى علة غائية لما قبلها، أو فاعلية.

(44) تقدم في [مسألة 13]، و تأتي الإشارة إلى بعض ما يتعلق بالمقام في [مسألة 8] من الفصل اللاحق.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 1، ص: 157

______________________________

ص: 157


1- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
2- راجع صفحة: 143.

فصل في الماء الجاري

اشارة

(فصل) الماء الجاري- و هو النابع السائل على وجه الأرض فوقها أو تحتها كالقنوات (1). لا ينجس بملاقاة النجس (2) ما لم يتغير، سواء كان كرا «فصل في الماء الجاري»

______________________________

(1) الماء الجاري و المطر و البئر من المفاهيم المبينة المتعارفة في جميع الأمكنة و الأزمنة، و ليست من الموضوعات المستنبطة حتّى يتبع فيها نظر الفقيه، بل المدار على الصدق العرفي. و المتفاهم من الماء الجاري عرفا في مقابل غيره، ما كان له استعداد و اقتضاء النبع و السيلان اقتضاء تكوينيا فلا يطلق على كلّ ما كان سائلا و جاريا، إذ لا ريب في كونهما أعم من الماء الجاري الذي يبحث عنه في المقام.

فما عن بعض الفقهاء من أنّه مطلق الجاري. فإن أراد به الجريان عن اقتضاء تكويني، فهو موافق للعرف و المشهور. و إن أراد به مطلق الجريان و لو من دون اقتضاء كذلك، فهو مخالف للوجدان.

فرعان- (الأول): لا ريب في صدق الجاري على المياه التي لها مادة أرضية، كما لا ريب في صدق المادة عليها، و كذا يصدق الجاري على الشطوط و الأنهار الجارية من ذوبان الثلوج و الأمطار، و يظهر من المستند صدق المادة عليها أيضا. و لكنّه مشكل.

(الثاني): الجريان أعم من أن يكون بالذات أو بالآلات الحادثة في هذه الأعصار- بحيث لم ينقطع عمود الماء المتصل بالمنبع- فمياه الأنابيب المتفرعة

ص: 158

.....

______________________________

عن الماكنة المنصوبة على النهر جارية حقيقة ما دام اشتغال الماكنة و بعد وقوفها تكون معتصما، لأجل الكريّة إن تحققت.

(2) إجماعا، بل بضرورة الفقه في هذه الأعصار و ما قاربها، و عن الجواهر: «يمكن للمتأمل المتروي في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع على عدم اشتراط الكرّيّة، و خالف في ذلك العلامة في بعض كتبه و في بعضها وافق المشهور، كما قيل. و لم أعثر على موافق له في هذه الدعوى ممن تأخر عنه سوى الشهيد الثاني رحمه اللّه، و ما لعله يظهر من المقداد مع أنّ المنقول عن الأول أنّه رجع عنه، و الذي استقر عليه رأيه أخيرا الطهارة، و عبارة الثاني غير صريحة»، و عن الشهيد (قدّس سرّه) في الروضة: «و جعله العلامة و جماعة كغيره في انفعاله بمجرد الملاقاة و الدليل النقلي يعضده».

و استدل على المشهور تارة: بما مر من الإجماع.

و أخرى: بأنّ اعتصامه بالمادة مانع عن تنجسه بمجرد الملاقاة بمقتضى المرتكزات التي وردت الأدلة (1) على طبقها غالبا.

و ثالثة: بما يقال: إنّ المستفاد من الأدلة كون الأصل في المياه مطلقا عدم الانفعال بملاقاة النجاسة إلا ما ثبت انفعاله بها بدليل مخصوص، و أيد هذا الأصل بقاعدة الطهارة و سهولة الشريعة المقدسة. و لا تجري أدلة انفعال القليل في المقام لاختصاصها بالراكد، بل جملة منها تختص بالظروف كما يأتي نقلها، و سيأتي في [مسألة 7] من فصل الماء الراكد ما ينفع المقام.

و رابعة: بقول أبي الحسن عليه السلام فيما مر في صحيح ابن بزيع:

«لأنّ له مادة» (2)، فإنّ المتفاهم منه عرفا علية المادة للاعتصام مطلقا. و لا إشكال في كون التعليل أقوى مما دل على انفعال القليل، فيقدم عليه على فرض شموله للمقام، و لو سلّم التساوي فالمرجع عمومات الطهارة، لأجل أنّ بينهما عموما من وجه.

______________________________

ص: 159


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق و في مستدرك الوسائل باب: 4 حديث: 6 و باب: 3 حديث: 1.
2- تقدم في صفحة: 143.

.....

______________________________

13 و قد يستدل أيضا بقول الإمام علي عليه السلام: «الماء الجاري لا ينجسه شي ء» (1)، و بقول الصادق عليه السلام في رواية ابن أبي يعفور: «ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا»(2) إذ المنساق منه عرفا اعتصام ماء النهر، فنزل عليه السلام ماء الحمام عليه أيضا، و كذا قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن سرحان: «ماء الحمام بمنزلة الجاري» (3)، فإنّ أجلى صفة الجاري التي تسبق إلى الأذهان هو الاعتصام، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كونه بقدر الكر أو أقل. نعم، يعتبر في الحمام كرّيّته بدليل خارجي و ذلك لا يستلزم اعتبار الكرّيّة في الجاري أيضا، فلا وجه لإشكال شيخنا الأنصاري رحمه اللّه بأنّه على خلاف المطلوب أدلّ.

و استدل العلامة رحمه اللّه تارة: بما دل على انفعال ماء القليل بمجرد الملاقاة.

و فيه: أنّها مقيدة بما مر من أدلة عدم انفعال الجاري بمجرد الملاقاة الموافق للمرتكزات. و أخرى: بمفهوم قوله عليه السلام: «إذا كان الماء قد كرّ لم ينجسه شي ء» (4) الدال على نجاسة الأقل منه بمجرد الملاقاة.

و فيه:- ما تقدم في سابقة. و لقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال:

«المسألة من الواضحات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها».

تنبيهات- الأول: إن كان نظر العلامة رحمه اللّه إلى اعتبار الكرية في مجموع ماء المادة مع ما خرج منها، كما هو الظاهر من قوله رحمه اللّه فالنزاع بينه و بين المشهور يكون في بعض الأفراد النادرة، لأنّ في المياه الجارية يكون الماء في عروق الأرض المتصلة بالخارج أزيد من الكرّ، كما تشهد به التجربة، و اعترف به بعض أهل الفن الخبير بذلك، بل قيل: إنّه لا يمكن الجريان غالبا إلا بعد كثرة الماء في باطن الأرض. نعم، قد يجري من مثل النزيز و نحوه، فالظاهر عدم صدق

______________________________

ص: 160


1- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب الماء المطلق حديث: 1 و 7.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب الماء المطلق حديث: 1 و 7.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

أو أقل و سواء كان بالفوران. أم بنحو الرشح (3)، و مثله كلّ نابع و إن

______________________________

ذي المادة عليه. و إن أراد رحمه اللّه اعتبار الكرّيّة في خصوص ما خرج من المادة مع قطع النظر عما في باطن الأرض مع فرض اتصال الجميع، فللنزاع وجه. لكنّه بلا دليل قطعا.

الثاني: يمكن فرض صحة قول العلامة رحمه اللّه بنحو يتفق عليه الكل و هو أن يقال: إنّ الماء الجاري تارة: يجري عن مادة مستمرة لتكوين الماء بحيث لا تتخلل الفترة أصلا. و أخرى: عن استحالة الأبخرة الأرضية إلى الماء فيجري الماء و تحصل الفترة حتّى تستحيل الأبخرة إلى الماء ثانيا و هكذا، و يمكن منع شمول كلمات المشهور لما إذا كانت الفترات معتدا بها، بل يشكل صدق المادة له أيضا في حال الفترة إلا بنحو المجاز و سيأتي في نقل المحامل لقول الشهيد رحمه اللّه ما ينفع المقام في [مسألة 4].

الثالث: تقدم ما عن الشهيد رحمه اللّه من نسبة قول العلامة إلى جماعة أيضا و تقدم عن صاحب الجواهر قوله: «و لم أعثر على موافق إلا الشهيد». و لعل المراد بالجماعة في قول الشهيد من ذكر أسماءهم صاحب الجواهر أيضا. و لكن استظهر أنّ عباراتهم لا تظهر منها المخالفة للمشهور فراجع.

(3) لصدق المادة عليه عرفا، و شمول إطلاق التعليل فيما تقدم من صحيح ابن بزيع (1) أيضا. و الظاهر أنّ المراد بالنبع في الكلمات ما هو الأعم من الرشح، بل يكون لغة كذلك، لأنّه بمعنى الظهور و الخروج الشامل للرشح و نحوه.

ثمَّ إنّ الرشح تارة: يكون بنحو لا ينقطع، بل يخرج متعاقبا بحيث لا يتخلل العدم، و أخرى: يكون بخلاف ذلك. و مقتضى إطلاق المادة شمولها للقسمين. إلا إذا كانت الفترة معتدّا بها، فيشكل الصدق الحقيقي حينئذ، كما مر و لعلّ ما نقله صاحب الحدائق عن والده (قدس سرهما) من عدم تطهّر

______________________________

ص: 161


1- تقدم في صفحة: 143.

كان واقفا (4).

مسألة 1: الجاري على الأرض من غير مادة نابعة أو راشحة إذا لم يكن كرّا ينجس بالملاقاة

(مسألة 1): الجاري على الأرض من غير مادة نابعة أو راشحة إذا لم يكن كرّا ينجس بالملاقاة (5). نعم إذا كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه بملاقاة الأسفل للنجاسة، و إن كان قليلا (6).

مسألة 2: إذا شك في أنّ له مادة أم لا

(مسألة 2): إذا شك في أنّ له مادة أم لا، و كان قليلا، ينجس بالملاقاة (7).

______________________________

بعض الآبار التي في بعض البلاد بالنزح، في خصوص هذا القسم، و لا بد من التأمل.

(4) لما يستفاد من التعليل- الوارد في صحيح ابن بزيع «لأنّ له مادة»- أنّ وجود المادة مساوق للاعتصام.

(5) لما يأتي من قاعدة انفعال الماء القليل، و المراد من الجاري في الأدلة ذو المادة، دون مطلق الجريان بأي نحو كان.

(6) لما تقدم في (مسألة 1) من الفصل السابق، و مر أنّ المدار على القوة و الدفع مطلقا بلا فرق بين العالي و غيره.

(7) تارة: يعلم بالحالة السابقة مادة كانت أو عدمها، فلا بد من العمل بها، لجريان الأصل حينئذ بلا محذور.

و أخرى: تكون الحالة السابقة مجهولة، و استدل على الانفعال فيها:

أولا- بالعمومات الدالة على انفعال القليل. و ثانيا- بما سيأتي من قاعدة الانفعال. و ثالثا- بقاعدة المقتضي و المانع.

و الكل باطل: إذ الأولان من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و الأخير لا اعتبار بها، كما ثبت في الأصول (1)، بل ادعي الإجماع على عدم اعتبارها.

______________________________

ص: 162


1- راجع تهذيب الأصول المجلد الثاني صفحة: 226 الطبعة الثانية- بيروت.

.....

______________________________

و استدل أيضا: باستصحاب عدم المادة بالعدم السابق الأزلي المعلوم أزلا، لا العدم النعتي- حتّى لا يجري الاستصحاب، لفرض عدم العلم به.

و أشكل على جريان الأصل في الأعدام الأزلية مطلقا: أولا: بأنّه خلاف الأذهان العرفية المنزلة عليها الأدلة و الأصول في الفقه، و لذا لم يكن رسم منها في كلمات المتقدمين.

و فيه: أنّ المناط شمول أدلة الاستصحاب له سواء ذكر في كلمات المتقدمين أم لا، و سواء وافق العرف أم لا.

و ثانيا: أنّ المقصود عدم المادة للماء الخاص الموجود خارجا، و عدم المادة بالعدم المحمولي الأزلي إنّما هو العدم الكلي المطلق غير المقيد بقيد، و لا المحدود بحد أبدا، فيكون استصحابه لإثبات عدم المادة للماء الخاص الموجود خارجا مثبتا.

و فيه أولا: أنّ العدم المطلق و ذات العدم من حيث هو بمنزلة الكلي الطبيعي، فيكون عين الأعدام الخاصة، لا أن يكون غيرها حتّى يكون مثبتا، كما في استصحاب الكلي الطبيعي في الوجوديات، فإنّها عين الأفراد، و لا وجه لتوهم الإثبات فيها.

و ثانيا: أنّ المستصحب ليس هو ذات عدم المادة من حيث الإطلاق بل الحصة الخاصة منه. و الإضافة إلى الخاص مأخوذة في ذات الحصة، و إلا فلا تكون حصة، بل يكون مطلقا، و كما أنّ العدم المطلق محمولي أزلي. فكذا الحصص الخاصة منه، و حينئذ فلا إشكال في أنّ استصحاب مثل هذا العدم لا يكون مثبتا بالنسبة إلى عدم المادة للماء الخاص الموجود خارجا، بل يكون عينه.

و ثالثا: أنّ العدم المحمولي السابق مقدم رتبة على العدم النعتي- الذي هو بديل الوجود، و هو المقصود بالبحث- فكيف يثبت العدم النعتي بالعدم السابق عليه رتبة.

و فيه: إن كان المراد أنّ الأصل حينئذ يكون مثبتا، فهو عين الإشكال

ص: 163

مسألة 3: يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة

(مسألة 3): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة (8) فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر، فإن كان دون الكر ينجس (9) نعم، إذا لاقى محلّ الرشح للنجاسة لا ينجس (10).

مسألة 4: يعتبر في المادة الدوام

(مسألة 4): يعتبر في المادة الدوام (11)، فلو اجتمع الماء من

______________________________

الثاني، و قد تقدم جوابه و إن كان المراد مجرد المغايرة بين العدمين، فلا محذور فيه، إذ لا ميز في الأعدام من حيث العدم و قد حررنا تمام الكلام في علم الأصول و سيأتي في [مسألة 7] بعض ما يتعلق بالمقام، و قد اختلف فيها نظر الماتن مع المقام فراجع و تأمل.

(8) للارتكاز العرفي المنزل عليه الدليل.

(9) لما يأتي من قاعدة انفعال الماء القليل.

(10) للاتصال بالمادة.

(11) مادة المياه الجارية من الأمور التكوينية الطبيعية التي يعرفها أهل الخبرة بها، و الفقيه إن كان منهم فيعتبر قوله. و الا فلا بد له من الرجوع إليهم أيضا، و ليست المادة من الموضوعات المستنبطة حتّى يعتبر فيها نظر الفقيه و رأيه. و المراد بها عندهم- المادة الاستعدادية الاقتضائية التكوينية في باطن الأرض الجاري منها الماء متدرجا، و هي تختلف باختلاف الأمكنة و الفصول و العوارض- هذا معنى مادة الماء إذا أطلق لفظها، و يقابلها عرفا ما لم يكن كذلك.

و ما عن الشهيد (قدّس سرّه) في الدروس من أنّه «يشترط فيه دوام النبع» فإن رجع إلى ما ذكره، كما هو الظاهر فهو، و إلا فيكون مجملا، و قال صاحب الجواهر: «ليته اتضح لنا ما يريده بهذه العبارة».

و قد حمل على محامل، منها: أنّ المراد بها العيون التي تنبع في الشتاء و تجف في الصيف، و سيأتي حكمها في [مسألة 7] من هذا الفصل. و فيه: أنّه لا ينبغي أن ينسب إلى مثل الشهيد من أنّه يقول بعدم المادة لها في زمان النبع.

ص: 164

المطر أو غيره تحت الأرض و يترشح إذا حفرت، لا يلحقه حكم الجاري (12).

مسألة 5: لو انقطع الاتصال بالمادة

(مسألة 5): لو انقطع الاتصال بالمادة، كما لو اجتمع الطين

______________________________

و منها: ما عن المحقق الثاني: «من أنّها ما تقف آنا و تنبه آنا آخر».

و فيه: أنّه كسابقه إن كان الآن الذي يقف فيه الماء معتدا به عرفا. و إن كان بمنزلة العدم، فيرجع إلى الأمر العرفي.

و منها: ما عن صاحب الجواهر: «من أنّ المراد بدوام النبع الاتصال بالمادة فيعصم ما دام الاتصال و يخرج عنه مع الانفصال». و فيه: أنّه من الواضحات و لا يحتاج إلى البيان.

و منها: أن يكون المراد به أن ينبع الماء حتّى يبلغ حدّا معينا ثمَّ يقف و لا ينبع ثانيا إلا بإخراج بعض الماء. و الظاهر صدق المادة عليه لغة و عرفا و يصح انطباق قول الشهيد عليه.

و منها: أن ينبع الماء إلى أن يبلغ حدّا معينا ثمَّ يقف و لا يخرج إلا بحفر جديد، و لا إشكال في صدق المادة عليه حين خروج الماء. و أما بعد الوقوف فيشكل ذلك، فيلحقه حكم القليل إن كان أقل من الكر ما دام واقفا.

و منها: دوام النبع مستمرا و عدم الوقوف أصلا حين ملاقاة النجس. و هذا الاحتمال صحيح، إلا أنّ كونه مرادا له رحمه اللّه غير معلوم.

(12) هذا الإطلاق مشكل فيما إذا صدق عليه (ذو المادة) عرفا و عند أهل الخبرة، و لو لم يصدق ذلك و كان بمقدار الكر، فهو بحكم الجاري في الاعتصام.

فرع: قد ظهر مما سبق حكم الثمد- أي الماء المجتمع من المطر تحت الأرض- فإنّه قد يطلق عليه ذو المادة عرفا، و قد لا يطلق، و قد يشك فيه. و في الأول يكون جاريا. و في الأخير لا ينفعل بملاقاة النجاسة إن كان بمقدار الكر، و الا فينفعل على الأحوط.

(13) لاعتبار الاتصال بالمادة في اعتصام الجاري، و إلا فهو راكد.

ص: 165

فمنع من النبع كان حكمه حكم الراكد (13)، فإن أزيل الطين لحقه حكم الجاري (14)، و إن لم يخرج من المادة شي ء فاللازم مجرد الاتصال (15).

مسألة 6: الراكد المتصل بالجاري كالجاري

(مسألة 6): الراكد المتصل بالجاري كالجاري، فالحوض المتصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه، و كذا أطراف النهر و إن كان ماؤها واقفا (16).

مسألة 7: العيون التي تنبع في الشتاء- مثلا- و تنقطع في الصيف

(مسألة 7): العيون التي تنبع في الشتاء- مثلا- و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها (17).

مسألة 8: إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر

(مسألة 8): إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر، فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقاة و إن كان قليلا (18) و الطرف الآخر

______________________________

(14) لتحقق الاتصال حينئذ.

(15) لإطلاق قول أبي الحسن الرضا عليه السلام في الصحيح المتقدم:

«لأنّ له مادة»(1).

(16) كل ذلك لصدق: «أنّ له مادة»، فيشمله حكم الجاري مضافا إلى اعتصام مثل هذه المياه بالكرّية أيضا، لكونها كرّا غالبا.

(17) لشهادة العرف، و الاعتبار، و إطلاق قوله عليه السلام: «لأنّ له مادة»، و صحة إطلاق الجاري، كما في سائر الأخبار، و قد تقدم في [مسألة 4] نقل قول الشهيد (قدّس سرّه) و ما يتعلق به.

(18) للاعتصام بالمادة، و عدم اشتراط الكرّيّة فيما يتصل بها. قال صاحب الجواهر: «بل ربما قيل و كذا بناء على الاشتراط، لأنّ جهة المادة في الجاري أعلى سطحها من المتنجس و إن كانت أسفل حسا و السافل لا ينجس العالي. و فيه: منع ظاهر، لكون المعتبر، العلو و السفل الحسيين. فتأمل» و لعل

______________________________

ص: 166


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق.

حكمه حكم الراكد (19) إن تغير تمام قطر ذلك البعض المتغير. و إلا فالمتنجس هو المقدار المتغير فقط لاتصال ما عداه بالمادة.

______________________________

وجه التأمل: أنّه إذا كانت جهة المادة بحيث يتحقق بها الدفع و القوة عرفا. فلا يشترط الكرية- حتّى بناء على اعتباره- لمكان الدفع. و أما إن لم يتحقق ذلك بها، فيشترط بناء على الاشتراط، حسيين كانا أولا.

(19) فينفعل بالملاقاة إن كان قليلا، لعموم أدلة انفعال القليل، و لا ينفعل إلا بالتغيّر إن كان كرّا.

و ما عن صاحب الجواهر رحمه اللّه من عدم الانفعال بالملاقاة في صورة القلة أيضا، للاتصال بالمادة. مخدوش لعدم صدق الاتصال عرفا عليه من جهة حيلولة المتغير بينه و بين المادة، و لا فرق في نظر العرف بين هذه الحيلولة و حيلولة شي ء آخر.

ص: 167

فصل في الماء الراكد

اشارة

(فصل) الراكد بلا مادة إن كان دون الكر ينجس بالملاقاة (1). من غير

______________________________

(1) بلا ريب و لا إشكال فيه، بل هو من البديهات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها، و ربما يجعل ذلك قاعدة.

«قاعدة نجاسة الماء القليل بالملاقاة» استدل على هذه القاعدة تارة: بالإجماع محصّلا و منقولا، نصّا و ظاهرا، مطلقا في لسان بعض، و مع استثناء ابن عقيل في لسان آخرين و قد وقعت حكاية الإجماع للأساطين من علمائنا. و في محكي مفتاح الكرامة «ما يبلغ ثلاثين إجماعا صريحا من القدماء و المتأخرين». و أخرى: بالنصوص- التي نسب إلى المجلسي و صاحب المعالم و البهبهاني دعوى تواترها- و في الرياض: «جمع بعض الأصحاب منها مأتي حديث» و عن العلامة الطباطبائي: أنّها ثلاثمائة حديث، و كذا عن شيخنا الأنصاري في طهارته و قد أنهاها صاحب الحدائق إلى ستة و ثلاثين حديثا.

و مجموع الروايات الواردة في المقام خمسة أقسام: و في إحداها غنى و كفاية لمن لم يكن بناؤه على التشكيك في الواضحات.

القسم الأول: ما دل على أنّ ما نقص عن الكر ينفعل بالنجاسة، فتكون الدلالة بمفهوم الشرط- الذي هو حجة معتبرة عند أبناء المحاورة، كما ثبت في

ص: 168

.....

______________________________

الأصول- (1)و هي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب؟ قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» (2).

و صحيحة إسماعيل بن جابر: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: كر» (3).

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شي ء تفسخ، أو لم يتفسخ، إلّا أن يجي ء له ريح تغلب على ريح الماء» (4).

و رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» (5).

إلى غير ذلك من الروايات الواردة.

و المناقشة فيها: بأنّ قوله عليه السلام: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» لا عموم في المفهوم، لأنّ نقيض السلب الكليّ هو الإيجاب الجزئي، كما هو واضح.

مردودة أولا: بأنّ المراد من الشي ء في المنطوق النجاسات و المتنجسات لا أن يكون بمعنى الشيئية العامة التي تشمل كلّ شي ء، فيكون المفهوم إذا لم يكن قدر كر تنجسه النجاسات و المتنجسات.

و ثانيا: أنّه يكفي إثبات الإيجاب الجزئي في مقابل السلب الكلّي- الذي قال به ابن أبي عقيل.

القسم الثاني:- ما دل على النهي عن الوضوء و الشرب من الإناء بوقوع قطرة من دم، كصحيحة ابن جعفر عن أخيه عليه السلام- في حديث- قال:

«و سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ فتقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه؟

______________________________

ص: 169


1- راجع المجلد الأول من كتاب تهذيب الأصول صفحة: 107 ط- بيروت.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

.....

______________________________

قال عليه السلام لا» (1). أو شرب طير على منقاره دم- كما في رواية عمار بن موسى الساباطي- «فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه و لا تشربه» (2)- أو خمر- كما في رواية زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام: «عن قطرة خمر أو نبيذ قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير؟. قال: يهرق المرق، أو يطعمه أهل الذمة، أو الكلب، و اللحم اغسله و كله» (3). و المنساق من النهي في نظائر المقام حرمة الشرب، و بطلان الوضوء، و لا يستفاد من ذلك في عرف المتشرعة إلا النجاسة و القذارة.

القسم الثالث: ما دل على إهراق ماء الإناء بإدخال اليد القذارة فيه من البول أو المنيّ، كصحيحة محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام «عن الرجل: يدخل يده في الإناء و هي قذرة؟ قال: يكفي الإناء» (4).

و مثلها رواية أبي بصير عنهم عليهم السلام قال: «إذا دخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها، فلا بأس. إلا أن يكون أصابها قذر بول أو خباثة، فإن أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء» (5).

و كذا رواية سماعة و غيرها من الروايات (6). و في بعضها الإهراق و التيمم، كما في رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو؟ و حضرت الصلاة و ليس يقدر على ماء غيرهما، قال عليه السلام: يهريقهما جميعا و يتيمم» (7).

و المنساق منها عرفا النجاسة و احتمال أن يكون المراد مطلق الاستقذار العرفي، خلاف الظاهر.

القسم الرابع:- ما دل على الأمر بغسل الأواني التي يشرب منها نجس العين، أو وقعت فيها الميتة- الظاهرة عرفا في النجاسة- كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الكلب يشرب من الإناء

______________________________

ص: 170


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.
7- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.

.....

______________________________

قال عليه السلام: اغسل الإناء (1)، أو اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء» كما في صحيحة حريز (2).

أو قوله عليه السلام: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة» (3).

و غيرها من الأخبار.

القسم الخامس: ما دل على النهي عن الاغتسال بماء لاقاه نجس العين، كرواية حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: «سألته- أو سأله غيري- عن الحمام. قال عليه السلام: و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم» (4).

و في صحيحة ابن أبي يعفور قال عليه السلام: «و إياك أن تغتسل من غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت، فهو شرّهم فإنّ اللّه- تبارك و تعالى- لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و إنّ الناصب لنا- أهل البيت- لأنجس منه» (5).

و هناك أخبار أخر مذكورة، و من شاء فليراجع محالها قال صاحب الحدائق- و نعم ما قال:

«فهو: دليل على أنّ ذلك مذهب أهل البيت عليهم السلام فإنّ مذهبهم إنّما يعلم بنقل شيعتهم عنهم. كما أنّ مذهب أبي حنيفة و أتباعه إنّما يعلم بنقل أتباعهم و تلامذتهم، فما خالف ذلك مما صح وروده عنهم يتحتم حمله على التقية»، و قال في الجواهر:

«يستفاد منها بعد التأمل في أسئلتها قاعدة أخرى: و هي نجاسة القليل بالملاقاة للنجس أو المتنجس، كما لا يخفى على من لاحظها بالتأمل».

و أما أدلة عدم انفعال الماء القليل فقد استدل ابن عقيل و من تبعه لعدم

______________________________

ص: 171


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف.

.....

______________________________

انفعال القليل بأمور:

الأول: استصحاب طهارة الماء، و قاعدتها ما لم يتغير و يرده:- بأنّه لا وجه للأصل أو القاعدة مع ما تقدم من الأدلة.

الثاني: أنّه لو نجس بالملاقاة لما صح إزالة الخبث بالقليل، لأنّ كلّ جزء من أجزاء الماء وصل إلى المحل، ينجس بالملاقاة فيخرج القليل عن الطهور مطلقا، و هو باطل. و يرده: مضافا إلى أنّه لا مانع عقلا و شرعا من أن يحمل الماء النجاسة عن المحل، فينجس الماء و يطهر المحل أنّ ذلك خرج بالدليل القطعي، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: اعتبار الكرّيّة مثارا للوسواس. و يرد: بأنّه قاطع له، لا أن يكون مثيرا له، كما ترى. و لعل من إحدى حكم اعتبار الكرّيّة: إزالة الوسواس.

الرابع: أنّ اختلاف أخبار الكر كاشف عن عدم اعتبار الكرية بنحو اللزوم، فتحمل على الاستحباب، كما هو دأب الأصحاب في الأخبار المختلفة في كلّ باب و يرد: بأنّه ليس كلّ اختلاف خبر يصح فيه الحمل على الندب، و ليس ذلك دأب الأصحاب أيضا، و إلا لقلّ الوجوب في الفقه، لكثرة اختلاف الروايات في كلّ باب، كما لا يخفى. و إنّما الحمل عليه فيما إذا دلت عليه القرائن الخارجية، و الداخلية.

الخامس: بالمستفيضة من الأخبار- التي هي عمدة أدلتهم- و هي على طوائف ثلاث: الأولى- الإطلاقات الدالة على طهارة الماء كتابا و سنة. كقوله تعالى:

وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً (1).

و قول الصادق عليه السلام: «الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر»(2).

الشامل للشبهة الموضوعية و الحكمية، و النبوي المعروف: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» (3).

______________________________

ص: 172


1- الفرقان (25) الآية: 48.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

.....

______________________________

بدعوى: عدم انفعال القليل بمجرد الملاقاة مع النجس. و فيه: أنّه لا بد من تقييد هذه الإطلاقات بالمعتصم، لما تقدم من الأخبار الدالة على انفعال القليل بمجرد الملاقاة مع النجس. و تقييد المطلق مما لا ريب فيه عند الكل، و جرت عليه سيرة العلماء مطلقا خصوصا مع وجود القرينة عليه كما في المقام.

الثانية- ما يشتمل من الأخبار على الغدير، و الحياض، و الماء الذي يمر به الشخص في الطرق عند المسافرة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام- و أنا حاضر- عن غدير أتوه و فيه جيفة؟ فقال: إن كان الماء قاهرا و لا توجد منه الريح فتوضأ»(1).

و صحيحة صفوان الجمال، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحياض التي ما بين مكة و المدينة تردها السباع، و تلغ فيها الكلاب، و تشرب منها الحمير، و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منها؟ قال: و كم قدر الماء؟ قلت:

إلى نصف الساق. و إلى الركبة فقال: توضأ منه» (2).

و رواية عثمان بن زياد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «أكون في السفر فأتي الماء النقيع و يدي قذرة فأغمسها في الماء؟ قال: لا بأس» (3).

و كذا موثقة أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فتكون فيه العذرة و يبول فيه الصبي و تبول فيه الدابة و تروث؟ فقال: إن عرض في قلبك منه شي ء فقل هكذا- يعني أفرج الماء بيدك- ثمَّ توضأ، فإنّ الدين ليس بضيق».

و فيه: أنّ مورد هذه الأخبار الماء الذي يكون ضعف الكر غالبا، خصوصا في الأزمنة القديمة التي كانت الغدران و الحياض و نحوها مخازن مياههم السنوية.

الثالثة- صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر. هل يتوضأ من ذلك الماء؟

______________________________

ص: 173


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 13.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 16.

.....

______________________________

قال: لا بأس» (1).

بدعوى: أنّه وقعت قطرات الماء من شعر الخنزير في الدلو، فيتنجس لذلك. فلا بد إما من حمل الدلو على كونه بمقدار الكر، و هو خلاف الظاهر، أو كون القليل غير منفعل بملاقاة النجس و هو المطلوب.

و فيه أولا: أنّه لا يعلم ملاقاة الحبل للماء و مقتضى الأصل عدمها.

و ثانيا: لو فرض الملاقاة لا يعلم أنّه يحمل الماء بقدر يتقاطر منه.

و ثالثا: أنّه على فرض التقاطر لا يعلم بوقوع القطرات في الدلو، إذ من الممكن النزول من عروة الدلو إلى أطرافه الخارجية فلا وجه للاستدلال بها أبدا.

و قد يستدل بروايات أخرى:

منها: رواية أبي مريم الأنصاري، قال: «كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في حائط له فحضرت الصلاة، فنزح دلوا للوضوء من ركي له، فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فأكفأ رأسه و توضأ بالباقي» (2).

و منها: رواية حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«قلت له: رواية من ماء سقطت فيها فأرة، أو جرذ، أو صعوة ميتة، قال: إذا تفسخ فيها، فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبّها، و إن كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة إذا أخرجتها طرية، و كذلك الجرة، و حب الماء و القربة، و أشباه ذلك من أوعية الماء- و قال- قال أبو جعفر عليه السلام: إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شي ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ، إلا أن يجي ء ريح تغلب على ريح الماء» (3).

و منها: رواية أبي بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحب في مكان قذر، ثمَّ يدخله الحب. قال:

يصب من الماء ثلاثة أكف ثمَّ يدلك الكوز» (4).

______________________________

ص: 174


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 17.

.....

______________________________

و فيه: أنّها- مضافا إلى قصور سندها، و دلالتها، و موافقتها للعامة، و إعراض الأصحاب عنه، بل الإجماع على خلافها- لا تصلح لمعارضة ما ذكرناه من الأخبار الكثيرة الدالة على الانفعال المعمول بها لدى الأصحاب، الموافقة للأصل و المخالفة للعامة. و قد اعترف جمع بما ذكرناه منهم صاحبا الجواهر و الحدائق.

تنبيه:- لا ريب في أنّ هذه المسألة (عدم انفعال الماء القليل) من أهم المسائل الابتلائية خصوصا في الأعصار القديمة و خصوصا في أرض الحجاز، و تناسب التسهيل و التيسير من كلّ جهة، و الفطرة متوجهة إلى السهل و اليسير و بناء أئمة الدين عليهم السلام على إظهار الأحكام السهلة ترغيبا للناس إلى الشريعة السمحة السهلة بكل وجه أمكنهم و مع ثبوت عدم الانفعال في هذه المسألة لا يبقى موضوع لأخبار الكر، سؤالا و جوابا، و لا لأخبار البئر كذلك، و لو كان عدم انفعال الماء القليل من حكم اللّه الواقعي، لاعتنى أئمة الدين بالطهارة قولا و عملا و تقريرا- أشد الاعتناء- لشدة عموم الابتلاء، و لشاع هذا الحكم لا أقل بين الرواة، و أصحاب الأئمة عليهم السلام لجريان العادة على شيوع مثل هذه الأحكام، إذ ليست هذه المسألة أقل ابتلاء من طهارة غسالة الاستنجاء، بل هذه أصل و تلك من فروعها، فكيف ظهرت طهارة غسالة الاستنجاء على الجميع، و خفيت هذه المسألة على الفقهاء و الأساطين في طول الأزمان و السنين؟ حتّى ظهر ابن أبي عقيل في ابتداء الغيبة الكبرى، و تفرد بفتوى عدم الانفعال، ثمَّ خفيت الفتوى و استمر الفقهاء على ما كان أسلافهم عليه في ممر القرون و السنين، حتّى ظهر من الأخباريين الأمين (رحمه اللّه). و ليست المسألة من الدقائق الفكرية، بل استظهارية مما بين أيدي الكل من الأدلة. و العرف في مثل ذلك لا ينسبون الكلّ إلى الخطإ، بل من تفرد في مقابلهم بالفتوى.

إن قيل: في الأخبار التي تمسك بها ابن أبي عقيل غنى و كفاية، فهي أخبار تسهيلية لا بد من الأخذ بها.

فإنّه يقال: نعم، لو لا قصور سند جملة منها، و وهنها بالمعارضة و الإعراض، و موافقة العامة. و الظاهر أنّ تطويل البحث بأكثر من ذلك مما لا

ص: 175

.....

______________________________

يليق، و من أراده فعليه مراجعة مثل الجواهر و الحدائق.

ثمَّ إنه نسب إلى المحدث الكاشاني و المحقق الخراساني (قدّس سرّهما): التفصيل بين النجس و المتنجس بانفعال الماء القليل بملاقاة الأول، دون الثاني. و هو إن كان لأجل أنّ المتنجس لا ينجس، فيأتي ما فيه إن شاء اللّه تعالى في [مسألة 11] من فصل كيفية تنجس المتنجسات. و إن كان لدعوى أنّه لا عموم في مفهوم قوله عليه السلام «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» (1). لأنّ الشرط فيه تعليق العموم من حيث هو عام لا من حيث الأفراد مطلقا، فيكون مفهومه حينئذ موجبة جزئية. و المتيقن منها أعيان النجاسات.

ففيه: أنّه غير مسلّم في مثل هذه التراكيب التي سيقت لبيان القواعد الكلية بالنسبة إلى تمام الأفراد، و على فرضه، فالقرينة الخارجية في المقام- و هي الإجماع- دلت على أنّه بالنسبة إلى جميع أفراد النجاسة و المتنجسات مطلقا.

و إن كان لعموم ما دل على طهارة الماء و قاعدة الطهارة. فلا وجه له مع الأدلة الخاصة.

و إن كان لأجل أنّه لم يذكر في أدلة الانفعال إلا النجاسات دون المتنجسات، كما تقدم.

ففيه أولا: أنّ ذكرها لأجل أنّها الأصل، و المتنجسات من فروعها.

و ثانيا: قد وردت أخبار مطلقة تدل بإطلاقها على حكم المتنجسات أيضا، منها: صحيح شهاب، عن الصادق عليه السلام: «في الرجل الجنب يسهو، فيغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها؟ قال: إنّه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي ء» (2).

و منها: صحيح البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام «عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة؟ قال: يكفي الإناء» (3).

و نحوهما رواية أبي بصير (4)، فإنّ إطلاقها يشمل النجس و المتنجس، و يأتي التفصيل في محلّه.

______________________________

ص: 176


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
2- الوسائل باب: من أبواب الماء المطلق حديث: 3.
3- الوسائل باب: من أبواب الماء المطلق حديث: 7.
4- الوسائل باب: من أبواب الماء المطلق حديث: 11.

فرق بين النجاسات- حتّى برأس إبرة من الدم الذي لا يدركه الطرف (2)، سواء كان مجتمعا أم متفرقا مع اتصالها بالسواقي (3)، فلو

______________________________

(2) للإطلاق الشامل للجميع. و حكي عن استبصار الشيخ طهارة الماء القليل الذي لاقاه ما لا يدركه الطرف، من الدم، كرأس الإبرة- مثلا- لصحيح ابن جعفر، عن أخيه عليه السلام «عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه، و لم يستبن ذلك في الماء. هل يصلح الوضوء منه؟ فقال عليه السلام: «إن لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس، و إن كان شيئا بيّنا فلا تتوضأ منه»(1)و فيه: أنّ مقتضى الأصل طهارة الماء، و جواز الوضوء منه ما لم يعلم الخلاف، إلا إذا سقط الأصل، للعلم الإجمالي، بأن كان الإناء بمائه و ظهره مورد الابتلاء مع العلم بإصابة الدم للإناء، و عدم الإصابة للأرض، و عدم الاستحالة إلى الهواء- مثلا- مع أنّ إطلاق الصحيح معرض عنه عند الأصحاب، فلا وجه للعمل بإطلاقه.

و ما عن بعض من أنّه لا دليل على نجاسة ذرات الدم التي لا يدركها الطرف، لعدم صدق كونها دما عرفا. فيكون تخصصا لا تخصيصا.

ففيه: أنّه كذلك مع تحقق الاستحالة. و أما مع عدمها فلا ريب في الصدق فتشملها الأدلة.

ثمَّ إنّه حكي عن الشيخ (رحمه اللّه) في مبسوطه الجزم بعدم انفعال الماء بما: «لا يمكن التحرز منه. مثل رأس الإبرة من الدم و غيره، فإنّه معفو عنه، لأنّه لا يمكن التحرز عنه». و هو أيضا خلاف إطلاقات الأدلة، إلا أن يكون نظره (رحمه اللّه) كما هو الظاهر إلى اضطرار استعمال النجس، فيرفع حكمه و يكون معفوا عنه حينئذ. و يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى في فصل ما يعفى عنه في الصلاة.

(3) لإطلاق الأدلة الشامل للصورتين، مع أنّ الاتصال يساوق الوحدة

______________________________

(1)

ص: 177


1- الوسائل باب: من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

كان هناك حفر متعددة فيها الماء و اتصلت بالسواقي، و لم يكن المجموع كرّا إذا لاقى النجس واحدة منها تنجس الجميع، و إن كان بقدر الكر لا ينجس، و إن كان متفرقا على الوجه المذكور. فلو كان ما في كلّ حفرة دون الكر، و كان المجموع كرّا، و لاقى واحدة منها النجس لم تنجس، لاتصالها بالبقية.

مسألة 1: لا فرق في تنجس القليل

(مسألة 1): لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون واردا على النجاسة أو مورودا (4).

مسألة 2: الكر بحسب الوزن

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مأتي رطل بالعراقي (5).

______________________________

و الاجتماع في الجملة أيضا.

و حكي عن صاحب المعالم اعتبار الاجتماع فإن كان مراده من الاجتماع مجرد الاتصال العرفي، فليس مخالفا للمشهور. و إن كان مراده الاجتماع في محلّ واحد، فلا دليل على اعتباره إلا دعوى انصراف الأدلة إليه حينئذ، و لا ريب في كونه بدويا غير معتبر. و إن كان مراده تساوي السطوح، فيأتي ما يتعلق به في [مسألة 5] إن شاء اللّه تعالى.

(4) إشارة إلى خلاف السيد و الحلي حيث ذهبا إلى طهارة القليل الوارد على النجاسة، مستدلين: بأنّه لو صار نجسا بالملاقاة لم يمكن التطهير بالقليل. و هو في الحقيقة قول بطهارة الماء المستعمل في غسل الأخباث مطلقا، و ليس تفصيلا في المقام. و يأتي في فصل الماء المستعمل ما يتعلق به.

(5) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الإطلاقات. و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة، و القرائن المعتبرة. و ثالثة: بحسب الإجماعات، و رابعة:

بحسب الأصل العملي.

أما الأولى:- فمقتضى الإطلاقات الدالة على طهورية الماء كونه طاهرا و مطهّرا، و التقييد بالأقل- وزنا و مساحة- معلوم. و بالأكثر مشكوك، و هو منفصل لا يضر بإطلاق المطلق. فيرجع في غير معلوم التقييد إلى المطلقات.

ص: 178

.....

______________________________

و فيه: ما تقدم من أنّه لا يصح التمسك بالمطلقات، لعدم كونها واردة في مقام البيان من كلّ جهة، و إنّما في مقام إثبات الطهورية للماء في الجملة و لو بنحو الإجمال، فلا بد في سائر الجهات من الرجوع إلى الأدلة الخاصة.

و أما الثانية: فإنّه ليس في تعيين الكر بحسب الوزن، سوى روايتين إحداهما مرسلة ابن أبي عمير- المتلقى بالقبول عند الأصحاب- عن الصادق عليه السلام قال: «الكر من الماء الذي لا ينجسه شي ء ألف و مائتا رطل» (1).

و الثانية صحيحة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و الكر ستمائة رطل» (2).

و المشهور أنّ المراد بالأول: الرطل العراقي- الذي هو مائة و ثلاثون درهما. و بالثاني المكي- الذي هو مائتان و ستون درهما- و أما الرطل المدني فإنّه- مائة و خمسة و تسعون درهما- فيكون العراقي ثلثي المدني، و نصف المكي.

و أيدوا ما استظهروه بوجوه:

منها: أنّه من الجمع العرفي بين الخبرين بعد شيوع الرطل العراقي في الحجاز، لكثرة الروابط التجارية بين البلدين.

و منها: أنّ ابن أبي عمير و مشايخه من العراق. و محمد بن مسلم من الطائف- الذي هو قريب من مكة. و هذا نحو قرينة صارفة للإطلاق إلى عرف الراوي.

و منها: دعوى الإجماع- على أنّه لا يمكن حمل الصحيح على المدني أو العراقي.

مع أنّه حينئذ معارض بخبر ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (3) الدال على انفعال ألف رطل من الماء وقع فيه أوقية من البول.

و منها: أنّ حمل المرسل على العراقي متعيّن، إذ لو حمل على المكي أو المدني لاستلزم التخالف بين فتوى المشهور هنا، و فتواهم بأنّ الماء البالغ ثلاثا و أربعين شبرا كر لظهور التخالف بين الوزن و المساحة على هذا.

______________________________

ص: 179


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 16.

.....

______________________________

و منها: أنّ رواية «ستمائة رطل» قد رواها ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام، و لا وجه لتعارض روايتين عن رأو واحد، و عن مروي عنه كذلك، فالمفاد واحد، و لكنّه عليه السلام أجاب تارة بما يوافق بلد الراوي، و أخرى بما يوافق بلد المروي عنه، و لا ريب في كفاية مجموع هذه الأمور من حيث المجموع. لحصول الظن الاجتهادي- الذي عليه المدار في الاستنباط.

و أما الثالثة: فقد ظهر مما تقدم أنّ حمل الصحيح على المدني أو العراقي مخالف للإجماع- الذي عده الصدوق رحمه اللّه في أماليه من دين الإمامية- كما أنّ حمل المرسل على المكي أو المدني، مستلزم للتخالف بين فتوى المشهور بالوزن و المساحة.

و أما الرابعة: فإنّ مقتضى الأصل بقاء نجاسة ما يغسل في الماء الراكد، إلا إذا بلغ ألفا و مائتي رطل، فحينئذ يقطع بارتفاعها، إذ لا خلاف من أحد فيه، و يأتي في [مسألة 7] ما ينفع المقام، و تقدم في [مسألة 2] من الفصل السابق بعض الكلام.

ثمَّ إنّه قد يؤيد حمل صحيح ابن مسلم على العراقي: أنّه يوافق الأصل، و بعض أخبار المساحة، و ما ورد في الكر من قوله عليه السلام: «نحو حبي هذا» (1)، و خبر القلّتين (2) و نحو ذلك.

و فيه: أنّ مقتضى الأصل بقاء نجاسة الثوب المغسول فيه، و لا وجه للموافقة مع ما يكون معارضا بأقوى منه، أو ما هو مجمل في نفسه، كخبري الحب و القلّتين.

ثمَّ إنّ ما ورد في تحديد الكر من الأخبار طوائف ثلاث:- الأولى: التحديد الوزني، و قد تقدم.

الثانية: التحديد بالمساحة، كما يأتي.

الثالثة: التحديد الإجمالي، و هو مختلف أيضا.

______________________________

ص: 180


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 7 و 8.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 7 و 8.

.....

______________________________

فتارة: حدّ بقوله عليه السلام: «إذا كان الماء أكثر من راوية» (1).

و أخرى: بقوله عليه السلام «إذا كان الماء قاهرا و لا توجد منه الريح» (2).

و ثالثة: بقوله عليه السلام (أن يكون الماء كثيرا، قدر كرّ» (3).

و رابعة: «حوضا كبيرا يستقى منه» (4).

و خامسة: بما تقدم من قوله عليه السلام: «نحو حبي هذا، و أشار إلى حبّ من تلك الحباب التي في المدينة».

و سادسة: بقوله عليه السلام «إذا كان الماء قدر قلّتين لم ينجسه شي ء».

و الكل: إن قبل الحمل على صحيحي ابن مسلم، و ابن أبي عمير فليحمل عليهما. و إلا فليحمل على التقية أو يطرح، لوهنها بإعراض المشهور.

تنبيه: تقدم أنّ كلّ رطل عراقي مائة و ثلاثون درهما و الرطل المدني مائة و خمسة و تسعون درهما فيكون العراقي ثلثا المدني و قال في الجواهر: «فما في التحرير في زكاة الغلات أنّه- أي العراقي- مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع غفلة و مثله ما في المنتهي مع أنّه في المقام مائة و ثلاثون درهما كما في زكاة الفطرة في التحرير» و الرطل المكي مائتان و ستون درهما ضعف العراقي.

و الدرهم يساوي نصف مثقال شرعي و خمسه، فيكون كلّ عشرة دراهم، سبعة مثاقيل شرعية، و خمسة مثاقيل و ربع بالمثقال الصيرفي، إذ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي. فالرطل العراقي واحد و تسعون مثقالا شرعيا و ثمانية و ستون و ربع مثقال صيرفي، فيكون الكر (مائة ألف و تسعة آلاف و مأتي مثقالا شرعيا، و واحدا و ثمانين ألفا و تسعمأة مثقال صيرفيا) و بحسب الكيلو ثلاث مائة و أربع و ثمانين كيلو إلا عشرين مثقالا، لأنّ كلّ كيلو (213) مثقال صيرفي و ثمان حمصات.

______________________________

ص: 181


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.

و بالمساحة ثلاثة و أربعون شبرا إلا ثمن شبر (6)، فبالمن الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا- أي: الصيرفي- يصير أربعة و ستين منا إلا عشرين مثقالا.

مسألة 3: الكر بحقة الإسلامبول

(مسألة 3): الكر بحقة الإسلامبول- و هي مائتان و ثمانون مثقالا- مائتا حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة.

______________________________

(6) على المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، لموثق أبي بصير المروي في الكافي، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:

عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء» (1).

و أشكل عليه تارة: بقصور السند، لأنّ فيه- أحمد بن محمد بن يحيى- (على نسخة التهذيب). و الظاهر كونه من سهو القلم، كما عن صاحب الجواهر. و الموجود في الكافي (أحمد بن محمد) من دون زيادة- ابن يحيى- و هو أحمد بن محمد بن عيسى- الثقة- خصوصا لرواية محمد بن يحيى العطار عنه، و على فرض أن يكون أحمد بن محمد بن يحيى، ففي المستند «إنّه من المشايخ و هم في غنى عن التوثيق».

و لأنّ فيه عثمان بن عيسى و هو واقفي.

و فيه: ما عن الشيخ في العدة: «أنّه نقل الإجماع على العمل بروايته» و قريب منه ما عن الكشي، و الظاهر كونه ثقة مع وقفه.

و لأنّ أبا بصير مشترك بين الثقة و الضعيف.

و فيه أولا: ما عن الوحيد في حاشيته على المدارك: أنّ أبا بصير مشترك بين ثلاثة و كلّهم ثقات.

و ثانيا: أنّ المراد به في المقام (ليث المرادي)، لرواية ابن مسكان عنه،

______________________________

ص: 182


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

.....

______________________________

و هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فلا قصور في السند، مضافا إلى الانجبار بالشهرة، بل الإجماع المنقول لو كان قصور فيه.

و أخرى: بقصور الدلالة لعدم اشتماله على الأبعاد الثلاثة.

و فيه أولا: أنّه إن عرض هذا الحديث على المتعارف من الناس يتبادر إلى أذهانهم اشتماله على الأبعاد الثلاثة، لأنّ مثل هذا الإطلاق شائع في المتعارف في بيان الأبعاد الثلاثة عرفا، و له نظائر كثيرة مذكورة في المطولات. مع أنّه يصح أنّ يراد بقوله عليه السلام: «إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف» مطلق سعة الماء الشامل للعمق و العرض معا، كما قرره في مصباح الفقيه و يكون قوله عليه السلام (في مثله) بيانا للطول حينئذ قهرا. مع أنّ ظروف المياه و محالها يكون العمق فيها أكثر من الطول و العرض غالبا خصوصا في الأزمنة القديمة، مضافا إلى ما في الجواهر حيث قال: «و يشهد له ما عثرت عليه في نسخة مقروءة على المجلسي الكبير مصححة، «في ثلاثة أشبار و نصف في عمقه». مع أنّه قد ذكر العمق بالخصوص في رواية الثوري عن الصادق عليه السلام: «إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شي ء قلت: و كم الكر قال: ثلاثة أشبار و نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها» (1). و لم يذكر الطول، بل لم يذكر تمام الأبعاد الثلاثة في أخبار المقام لما تقدم نعم، روي في الاستبصار خبر الثوري بزيادة: «قال ثلاثة أشبار و نصف طولها .. إلخ».

هذا، و نوقش في الثوري بالضعف.

و فيه: أنّ السراد ينقل عنه و هو ممن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه، كما في المستند مع أنّ الشهرة تجبره، فهذه كلّها قرائن على اشتمال موثق أبي بصير على الجهات الثلاث.

و ثالثة: بأنّه لا ريب في شموله للمستدير، بل عن «الوحيد البهبهاني رحمه اللّه ظهوره فيه، و المعهود من الكر- الذي هو مكيال معروف- الاستدارة أيضا، كما في الجواهر، و المستدير إذا كانت مساحة كل واحدة من جهاته ثلاثة أشبار

______________________________

ص: 183


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.

.....

______________________________

و نصف. يصير مكسر المجموع ثلاثة و ثلاثين شبرا و خمسة أثمان الشبر و نصف ثمنه، لما ثبت في محلّه أنّ مساحة المدور تنقص عن المربع، بسبع و نصف سبع، فيكون أنقص من ثلاث و أربعين شبرا بكثير فلا يصح أن يكون مدركا للمشهور.

و فيه: أنّ المراد من ذكر الأشبار النتيجة الحاصلة من ضربها، لا نفس الأشبار من حيث هي، و لما كان فهم نتيجة الضرب متعسرا على العامة في تلك الأعصار، ذكر الأشبار. و إلا فتحديد شي ء واحد بمساحة واحدة مع العلم باختلاف الاشكال بحسب تلك المساحة لا يناسب التحديد الحقيقي.

و رابعة: بأنّه قد وزن الماء بألف و مأتي رطل بالعراقي، و لم يطابق هذه المساحة. فكانت تسع أكثر منه.

و فيه: أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل اختلاف المياه خفة و ثقلا، و ربما يأتي بعض الكلام فيه.

و خامسة: بأنّ دليل المشهور معارض بروايات أخرى تكون مدركا الأقوال أخر.

و منها: صحيح إسماعيل بن جابر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال عليه السلام ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» (1).

فيكون مكسرة ستة و ثلاثين شبرا مكعبا و قد اختاره صاحب المدارك.

و فيه: أنّه يمكن حمله على ما لا ينافي المشهور- كما عن مصباح الفقيه- من أنّه لا تنافي بين هذه الصحيحة و بين ما عليه المشهور، بل هي في الحقيقة راجعة إليه، لأنّ الذراع أطول من شبرين بمقدار يسير، كما أنّ القدمين أيضا كذلك. و لو كان اختلاف فهو كالاختلاف بين الأشبار بعضها مع بعض. و مع عدم إمكان الحمل فإن أمكن حمله على ما إذا بلغ الحد بالأرطال، كما عن الشيخ رحمه اللّه و المحدث الأسترآبادي، فهو: و الا فأسقطه عن الاعتبار إعراض

______________________________

ص: 184


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

.....

______________________________

المشهور عنه، و في محكي المنتهى: «أنّه لم يقل أحد بهذا المقدار».

و منها: ما عن إسماعيل بن جابر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ فقال: كر فقلت: و ما الكر؟ فقال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» (1).

و عن المجالس روى من أنّ «الكر ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا» (2).

فيكون مجموع الكر سبعة و عشرين شبرا مكعبا كما عن القميين، و جماعة من المتأخرين كالعلامة في المختلف، و المحقق الثاني في حواشيه، و المجلسي في البحار، و الشهيد الثاني في الروض و الروضة و المحقق الأردبيلي و غيرهم.

و نوقش في الأول: بأنّه نقل في الكافي عن ابن سنان، و في التهذيب و الاستبصار عن محمد بن سنان فإن كان ما في الكافي عبد اللّه بن سنان فموثق و إن كان محمد بن سنان، ففيه بحث.

و ترد المناقشة من أصلها: بأنّ محمد بن سنان أيضا ثبتت وثاقته، كما عن الوحيد رحمه اللّه فلا تصح المناقشة من جهة السند فيه.

و لكن يمكن تقييده بدليل المشهور، لأنّ التعارض من باب تعارض المطلق و المقيد- كما في الجواهر- و مع عدم إمكان ذلك، فهجر المشهور عنه أسقطه.

ثمَّ إنّه قد نقل عن ابن الجنيد أنّه ما بلغ تكسيره مائة شبر مكعب، و لا دليل عليه و عن الراوندي أنّه ما بلغ أبعاده عشرة أشبار و نصف بجعل كلمة (في) المذكورة في خبر أبي بصير بمعنى (مع).

و فيه: أنّه خلاف الظاهر، و إن كان قد يتحد مع المشهور، كما في الجواهر.

و عن ابن طاوس جواز العمل بكلّ ما روي، لاختلاف الأخبار. و قيل:

إنّ مرجعه إلى اختيار قول القميين، و حمل الزائد على الندب. و قد تقدم ما في مختار القميين، فراجع.

______________________________

ص: 185


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.

.....

______________________________

و إن كان مراده التخيير مطلقا، فهو مخدوش بإعراض الأصحاب عن جملة من أخبار المقام. هذا.

و لكن الإنصاف أنّ عمدة الإشكال على صحيح ابن جابر أمران:

الأول- وهنه بالهجر.

الثاني: إمكان إرجاعه إلى قول المشهور أو تقييده بدليل المشهور، كما تقدم عن الجواهر من أنّهما من المطلق و المقيد. و لكنّهما مخدوشان.

أما الأول فلأنّ الظاهر، بل المعلوم أنّ بناء المشهور في هذه المسألة على تغليب جانب الاحتياط في مقابل العامة فلا يكون مثل هذا الإعراض موهنا.

و أما الأخير فالاختلاف بين نتيجة من مكسر ضربهما، واضح لا ريب فيه و كونه مع دليل المشهور من المطلق و المقيد بعيد، بل هما متباينان عرفا. فالسند تام و الدلالة ظاهرة، فالفتوى به صحيحة، بل لا يبعد القول بموثقة الآخر الذي اعتمد عليه القميون، و حمل صحيحه على الندب، كما هو عادة الفقهاء في الجمع بين مثل هذه الأخبار.

تنبيهات- الأول: حاصل ما عليه المشهور أن نضرب ثلاثة و نصف من الطول في ثلاثة العمق فيصير عشرة أشبار و نصف، ثمَّ نضرب النصف من العمق في الثلاثة و النصف من الطول فيصير شبرا و ثلاثة أرباع شبر فيكون المجموع اثني عشر شبرا و ربع، ثمَّ نضرب الاثني عشر و الربع في ثلاثة العرض، فيكون المجموع ستة و ثلاثين شبرا و ثلاثة أرباع الشبر إلا ثمن الشبر، ثمَّ نضرب النصف من العرض، فيكون ستة أشبار إلا ثمن شبر فيصير المجموع ثلاثة و أربعين شبرا إلا ثمن الشبر.

و أما السبعة و العشرون فيضرب ثلاثة العرض في ثلاثة العمق فيكون تسعة، و يضرب التسعة في ثلاثة الطول فيكون سبعة و عشرين.

و أما الستة و الثلاثون فيضرب أربعة أشبار العمق في ثلاثة العرض فيصير اثني عشر و يضرب الاثنا عشر في ثلاثة العرض يصير ستة و ثلاثين.

الثاني: لا ريب في اختلاف المياه، خفة و ثقلا في مياه الشرب، فكيف بماء البحر مع غيره، كما لا ريب في اختلاف الأشبار اختلافا كثيرا و الظاهر اختلاف الوزن مع المساحة أيضا، فحكي عن الأمين الأسترآبادي أنّه وزن ماء

ص: 186

مسألة 4: إذا كان الماء أقل من الكر

(مسألة 4): إذا كان الماء أقل من الكر و لو بنصف مثقال يجري عليه حكم القليل (7).

______________________________

المدينة فساوى ستة و ثلاثين شبرا تقريبا، و عن مرآة العقول للمجلسي رحمه اللّه:

أنّ وزنه يوافق ثلاثة و ثلاثين شبرا تقريبا، و عن مرآة العقول للمجلسي رحمه اللّه:

أنّ وزنه يوافق ثلاثة و ثلاثين شبرا تقريبا، و عن بعض الأعاظم أنّه وزن ماء النجف الأشرف فكان وزنه يوافق ثمانية و عشرين شبرا تقريبا، و عن بعض أنّه يساوي سبعة و عشرين شبرا إلى غير ذلك مما قيل في المقام.

و المعروف بين الفقهاء (قدّس اللّه أسرارهم) في الجواب أنّ الكر يتحقق بالأقل و إنّما يكون الأكثر مطلقا كاشفا عن تحققه كما هو الحال في كلّ حدين يكون أحدهما أخص مطلقا من الآخر، بخلاف ما إذا كان بينهما التساوي من كلّ جهة، فيصح كون كلّ منهما حدا حقيقية مطلقا. و كذا لو كان بينهما عموم من وجه، فإنّ مادة الاجتماع هو الحد فقط، دون كلّ واحدة من مادتي الافتراق. و أما إذا كان أحدهما أخص من الآخر مطلقا، فيمتنع أن يكون الأخص حدّا حقيقيا أيضا بعد كون الأعم حدا كذلك، بل لا بد و أن يكون كاشفا عن الحد الحقيقي. قال في مصباح الفقيه: «و الحاصل أنّ تخلف الأرطال عن الأشبار بأن تكون الأرطال أعم وجودا غير ضائر بعد ما عرفت من أنّ الأشبار طريقي تقريبي- إلى أن قال- فكلّ ما ورد من التحديد لمثل هذه الأمور بمثل الأشبار و القلّتين و الحب، فإنّما هي كواشف عن تحقق الموضوع الواقعي عند حصول هذه الأشياء، لا أنّها حد حقيقي للموضوع النفس الأمري»، و قال صاحب الجواهر: «بعبارة أخرى: هنا كران وزني و مساحي، فلا ينافي نقصان أحدهما عن الآخر، إذ ما نقص في الوزن و بلغ في المساحة كر مساحي لا وزني، و بالعكس، فإنّ كرّ أحدهما غير الآخر». و لو رد وجه اختلاف الأخبار في هذه المسألة العامة البلوى إلى المعصوم عليه السلام، لكان أولى من هذه الأجوبة.

(الثالث): المدار على أخف الأفراد من المياه، و أقصر الأشبار المتعارفة، لتحقق الموضوع فيهما، فيشملهما إطلاق الأدلة. و تعين غيرهما يحتاج إلى دليل، و هو مفقود. و اللّه العالم بحقائق الأحكام و هو الهادي إلى الصواب.

(7) لظهور الأدلة في أنّ التحديد حقيقي، لا تقريبي. و المراد بالحقيقي

ص: 187

مسألة 5: إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل

(مسألة 5): إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل، كالعكس (8). نعم، لو كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي (9) بملاقاة السافل، من غير فرق بين العلو التسنيمي و التسريحي.

مسألة 6: إذا جمد بعض ماء الحوض

(مسألة 6): إذا جمد بعض ماء الحوض، و الباقي لا يبلغ كرّا ينجس بالملاقاة و لا يعصمه ما جمد (10)، بل إذا ذاب شيئا فشيئا، ينجس أيضا. و كذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقل من الكر، فإنّه ينجس بالملاقاة و لا يعتصم بما بقي من الثلج (11).

______________________________

في المقام، الحقيقي العرفي في مقابل المسامحي العرفي، لا الدقي العقلي، إذ ليس المدار عليه بلا كلام.

(8) لإطلاق أدلة انفعال القليل الشامل لجميع ذلك، و تقتضيه المرتكزات في جميع القذارات. و لا فرق بين أقسام عدم تساوي السطوح مطلقا بعد تحقق القلة، و صدق الوحدة، و عدم الجريان و الدفع و القوة.

(9) لإباء الارتكاز العرفي عن انفعال العالي في صورة الجريان بملاقاة السافل للنجاسة. و أدلة الانفعال منزلة على غيرها، مضافا إلى دعوى الإجماع عن جمع على عدم الانفعال حينئذ. هذا إذا كان العلو تسنيميا أو تسريحيا ملحقا به. و أما في غيره فإن شملته أدلة انفعال القليل عرفا فينفعل، و إن كان بحيث لم تشمله، أو شك فيه، فالمرجع قاعدة الطهارة.

(10) أما انفعال ما لا يبلغ كرا، فلأدلة انفعال القليل، و قد تقدم. و أما عدم الاعتصام بما جمد، فلأنّه ليس بماء عرفا، بل ماء منجمد أو ثلج، و لا يترتب عليه حكم من أحكام الماء الشرعية و العرفية ما دام منجمدا فما عن العلامة في المنتهى: «من إلحاق الجامد بالمائع»، و ما عن الشهيد في الحواشي:

«من أنّه الأقوى» فيه ما لا يخفى.

(11) كلّ ذلك لما دل على انفعال الماء القليل.

ص: 188

مسألة 7: الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة

(مسألة 7): الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الأحوط (12)، و إن كان الأقوى عدم تنجسه

______________________________

(12) مستند الانفعال تارة: قاعدة المقتضي و المانع بدعوى: أنّ الملاقاة مقتضية للانفعال، و الاعتصام مانع، و مع تحقق المقتضي وجدانا و الشك في المانع يدفع المانع بالأصل فيؤثر المقتضي أثره.

و يرد أولا: بأنّه لا دليل على تلك القاعدة من عقل أو نقل و تسميتها بالقاعدة من باب المسامحة، إذا كيف يصح إطلاق القاعدة عليها بعد فرض عدم الدليل على أصل اعتبارها، فإنّ من أحرز المقتضي لشي ء و شك في وجود المانع عن تأثيره، لا دليل من عقل أو نقل و لا بناء من العقلاء على الحكم بوجود المقتضى (بالفتح) بمجرد إحراز المقتضي، و جريان أصالة عدم المانع لا يوجب ترتب المقتضى على المقتضي (بالكسر) لأنّها مثبتة. نعم، لو كان إحراز المقتضي بنحو يلازم العلم العادي بتحقق المقتضى، يحكم بثبوته حينئذ للعلم بوجوده. و كذا من يقول بأنّ مثبتات الاستصحاب حجة، له أن يحكم أيضا.

ثانيا: من أين أحرز أنّ الكرّيّة مانعة، إذ لنا أن نقول أنّها شرط للاعتصام، كما أنّ القلة شرط للانفعال، فلا صغرى لها في المقام على فرض صحتها.

و أخرى: بعموم أدلة الانفعال.

و يرد: بأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و المشهور عدم صحته.

و ثالثة: بما عن بعض مشايخنا (قدّس سرّه) من أنّ إناطة الرخصة تكليفا أو وضعا على أمر وجودي، تدل بالالتزام العرفي على إحراز ذلك الأمر و مع الشك فيه لا وجه لتلك الرخصة، فإذا أنيط الاعتصام على الكرّيّة و نحوها، فلا بد من إحرازها. و الا فلا موضوع لتحققه.

و فيه: أنّه تصور حسن ثبوتا. و لكن لم يقم دليل على كليته إثباتا.

و رابعة: بأصالة عدم تحقق الكرّيّة بالعدم الأزلي، كما تقدم في أصالة عدم المادة في [مسألة 2] من الماء الجاري. و تقدم ما يتعلق بها.

ص: 189

بالملاقاة: نعم، لا يجري عليه حكم الكر، فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكرّ عليه (13)، و لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه (14). و إن

______________________________

و أما عن بعض من أنّ الكرّيّة من عوارض الماهية، فلا يجري الأصل فيها بنحو العدم الأزلي.

ففيه: أنّ مقتضى التفاهم عند المتعارف أنّها من لوازم الوجود، دون الماهية.

و خامسة: بأصالة عدم تحقق الكر في المحل المخصوص بالعدم النعتي.

و فيه أولا: أنّه مبني على العلم بالحالة السابقة. و ثانيا: أنّه لا يخلو عن الإثبات.

ثمَّ إنّه قد تقدم من الماتن رحمه اللّه الفتوى بالتنجس في نظير المقام في [مسألة 2] من الفصل السابق. و الحق أنّ الفتوى بالطهارة أو النجاسة مشكلة فلا يترك الاحتياط بالاجتناب.

(13) للشك في الكرّيّة فلا تجري أحكامها حينئذ، بل يجري استصحاب بقاء النجاسة فيما ألقي عليه بلا مزاحم كما يجري استصحاب الطهارة في مشكوك الكرّيّة، فيكون الماء الواحد محكوما بحكمين ظاهرا، للأصلين، إلا أن يقال:

إنّه غير معهود عند المتشرعة- مع دعوى الإجماع على أنّ الماء الواحد لا يتعدد حكمه ظاهرا من حيث الطهارة و النجاسة. و حينئذ فيتعارض الأصلان و يسقطان و يرجع إلى قاعدة الطهارة.

و يمكن الخدشة فيها بأنّ المتشرعة لا يقدمون على استعمال مثل هذا الماء في التطهير فكيف تجري القاعدة فيما يكون مخالفا لمرتكزات المتشرعة؟!! و بذلك يشكل استصحاب الطهارة في الماء المشكوك الكرّيّة أيضا بعد اتحاده عرفا مع الماء المتنجس، لأنّ المتشرعة لا يقدمون على استعمال مثل هذا الماء في التطهير، و هذا بمنزلة أمارة حاكمة على قاعدة الطهارة و استصحابها، فيجري استصحاب النجاسة بلا معارض.

(14) لاستصحاب النجاسة و لا ينفعها استصحاب طهارة الماء المغسول

ص: 190

علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة (15).

مسألة 8: الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة

(مسألة 8): الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق من الملاقاة و الكرية. إن جهل تاريخهما أو علم تاريخ الكرية حكم بطهارته (16) و إن كان الأحوط التجنب، و إن علم تاريخ

______________________________

فيه، لصحة التفكيك في لوازم الأحكام الظاهرية إذا اقتضاه الأصل، كما في المقام و غيره. و سيأتي في [مسألة 53] من فصل شرائط الوضوء نظيره.

(15) لاستصحاب الطهارة بعد اتحاد الموضوع عرفا، إذ الكثرة و القلة من الحالات المتبادلة على موضوع واحد. لا من المقوّمات حتّى يتعدد الموضوع بهما، فلا يجري الاستصحاب، لتبدل الموضوع حينئذ.

(16) هذه المسألة من موارد توارد الحالتين سواء كانت الحالتان الكر المسبوق بالقلة، كما تعرض له أولا.

أو القليل المسبوق بالكريه، كما تعرض له ثانيا. و أقسامه أربعة:

الأول: العلم بزمان حدوث كلّ واحد منهما. و لوضوح حكمه لم يتعرضوا له.

الثاني: الجهل بزمان حدوث كلّ واحد منهما. و المشهور جريان أصالة العدم بالنسبة إليهما. فيسقطان بالتعارض، لأنّ أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة تقتضي الطهارة. و أصالة عدم الكرّيّة إلى زمان الملاقاة تقتضي النجاسة، فيرجع حينئذ إلى استصحاب الطهارة إن كانت الحالة السابقة هي الطهارة، و إلى قاعدتها إن لم يعلم الحالة السابقة. و إن كانت الحالة السابقة هي النجاسة، فإن القي عليه الكر دفعة أو صار كرا بالاتصال بماء الأنابيب- مثلا- فهو طاهر قطعا، لأنّ الملاقاة إن كانت قبل حصول الكرّيّة فلم يكن لها أثر، و قد زالت النجاسة بعروض الكرّيّة. و إن كانت بعده فلا أثر لها، و إن صار كرّا بالتدريج بغير الاتصال بالمعتصم، فهو نجس مع قطع النظر عن ملاقاة النجس أيضا، لأنّ كلّ ما يلقى عليه من الماء ينفعل بملاقاته. هذا بناء على المشهور من جريان الأصل و سقوطه بالتعارض، و كذا بناء على عدم مجرى له في نظائر المقام أصلا، لأنّ مورد

ص: 191

.....

______________________________

الاستصحاب ما إذا كان الشك ممحضا في بقاء المستصحب و امتداده إلى زمان اليقين فقط و لم يكن الشك متعلقا بجهة أخرى. و في المقام ليس الشك ممحضا في البقاء فقط، بل إنّما يكون متعلقا بالتقدم و التأخر بين الحادثين، فلا يجري الاستصحاب ذاتا، فيكون المرجع التفصيل الذي تقدم في قول المشهور، فلا ثمرة من هذه الجهة بين جريان الأصل و سقوطه بالمعارضة و بين عدم جريانه، إذ المرجع على كلّ منهما أصالة الطهارة أو قاعدتها. هذا.

و لكن الشأن في جريان استصحاب الطهارة و قاعدتها في مثل المقام بحسب أنظار المتشرعة، و مع الشك في الجريان لا يصح التمسك بإطلاق دليلهما. مع أنّ في جريان أصالة عدم الملاقاة و ترتب الطهارة عليها إشكالا، لاعتبار سبق الكرّيّة على الملاقاة أو مقارنتها وجودا، و أصالة عدم الملاقاة لا تثبت شيئا منهما، و يأتي في [مسألة 10] ما ينفع المقام. فتجري أصالة عدم الكرّيّة إلى زمان الملاقاة بلا معارض، و لذلك و لما تقدم- في الثالثة من المسألة السابقة- اختار بعض مشايخنا رحمهم اللّه (1)النجاسة في صورة الجهل بالتاريخين. و الجزم بالطهارة، كما عن الماتن رحمه اللّه مشكل.

الثالث: ما إذا علم بتاريخ الكرّيّة، و شك في زمان الملاقاة. و مقتضى أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة، هو الطهارة و هي تكون أثرا شرعيا مترتبا عليها، لأنّه أعم من أن يكون وضعيا أو تكليفيا. و يصح التمسك باستصحاب الطهارة أو قاعدتها أيضا.

الرابع: ما إذا علم تاريخ الملاقاة و شك في زمان حدوث الكرّيّة، و مقتضى استصحاب بقاء القلة الحكم بالنجاسة. و لا وجه لجريان استصحاب عدم الملاقاة للعلم بزمان حصولها، فيجري استصحاب القلة بلا معارض. هذا.

و قد يقال بالنجاسة في جميع الأقسام الثلاثة، لأنّ الملاقاة معلومة وجدانا و الشك إنّما هو في المانع، و يدفع بالأصل، فيكون المقام من الموضوعات المركبة المحرزة بعض أجزائها بالوجدان و بعضها الآخر بالأصل.

______________________________

(1)

ص: 192


1- المحقق النائيني (قدّس سرّه).

الملاقاة حكم بنجاسته. و أما القليل المسبوق بالكريه الملاقي لها فإن جهل التاريخان، أو علم تاريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة (17) مع الاحتياط المذكور (18). و إن علم تاريخ القلة حكم بنجاسته (19).

مسألة 9: إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم أنّها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها

(مسألة 9): إذا وجد نجاسة في الكر و لم يعلم أنّها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها، يحكم بطهارته. إلا إذا علم تاريخ الوقوع (20).

مسألة 10: إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد

(مسألة 10): إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد حكم بطهارته (21) و إن كان الأحوط الاجتناب.

______________________________

و فيه: أنّها ليست من القواعد الكلية المعتبرة السارية في جميع أبواب الفقه بحيث يصح لنا انطباقها على كلّ ما شئنا و أردنا، بل لا بد في مورد جريانها من عمل الأصحاب بها، أو دلالة دليل آخر عليها.

(17) لاستصحاب الطهارة أو قاعدتها في الصورة الأولى. و تقدم ما يتعلق بها، و باستصحاب بقاء الكرّيّة إلى زمان الملاقاة في الصورة الثانية.

(18) ظهر مما تقدم: أنّ الاحتياط المذكور وجوبي في الموردين في صورة الجهل بالتاريخين.

(19) لأصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلة، فوقعت الملاقاة فيه و تنجس و لكنّه متوقف على اعتبار الأصل المثبت، و هو غير معتبر حتّى عند الماتن. فيكون الحكم بلا دليل، و المرجع قاعدة الطهارة.

(20) هذه المسألة مثال لسابقتها، إذا لا فرق بينهما إلا من حيث الكلية و الجزئية.

(21) لو حدثت الكرّيّة و الملاقاة معا. فمقتضى استصحاب الطهارة و قاعدتها، عدم الانفعال، و ثبوت الطهارة. فلو لم يكن دليل حاكم عليهما يكفي كلّ منهما، لعدم اعتبار سبق الكرّيّة على الملاقاة. و لكن المنساق من قوله عليه السلام: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء» (1) هو سبق الكرية على

______________________________

ص: 193


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

.....

______________________________

الملاقاة، كما في جميع القضايا الشرطية التي يستفاد منها تقدم المقدم على التالي خارجا خصوصا في العرفيات. نعم، لو كان الشرط علة تامة مستقلة لحصول التالي، يكفي فيها التقدم الرتبي فقط، و إن تقارنا خارجا. و ليس المقام كذلك.

لأنّ الكرّيّة معلولة لشي ء، و الملاقاة معلولة شي ء آخر.

إن قلت: نعم، و لكن الكرّيّة موضوع للحكم بعدم الانفعال، و يكفي في تقدم الموضوع على الحكم التقدم الرتبي، و لا يعتبر التقدم الخارجي.

قلت: ليس البحث في ذلك، و إنّما الكلام في أنّه يستفاد من ظاهر الدليل اعتبار التقدم، و لا ربط لأحدهما بالآخر.

و دعوى: أنّه يصدق عرفا أنّ الكر الخارجي لاقى النجس، كما يصدق أنّ النجس لاقاه.

غير صحيحة: لأنّه لا ريب في صدق الملاقاة و تحققها و هو أعم من اعتبار سبق الكرّيّة على الملاقاة و البحث في أنّ المنساق من ظاهر الدليل اعتبار سبق الكرّيّة عليها و لا ربط له بالعلم بصدق الملاقاة في الجملة.

إن قلت: إنّ ظاهر الجملة الشرطية يدل على سبق الكرّيّة على الملاقاة، و مفهومها يدل على الانفعال مع عدم سبق الكرّيّة. و صورة المقارنة خارجة عنهما، فيرجع فيها إلى البراءة.

قلت: هذه مغالطة، لأنّه إذا دلت الجملة الشرطية على اعتبار سبق الكرّيّة في العاصمية، تدل على أنّه لا أثر للمقارنة في الاعتصام بالدلالة المفهومية إذ السبق خلاف المقارنة لغة و عرفا.

و توهم: أنّه لا ريب في كفاية حدوث المانع للمانعية و لو حدث مع حدوث المقتضي، فينزل عليه الحديث أيضا. و الانسباق المذكور من باب الغالب، لا الكلية من كلّ جهة.

مردود: بأنّ كفاية حدوث المانع للمانعية و لو حدث مع حدوث المقتضي، مسلّم. و لكن حمل الشرطية على الغالب، مشكل، و لذا اخترنا النجاسة في هذه الصورة كما في التعليقة.

فرع-: لو حدثت القلة و الملاقاة في آن واحد، فمقتضى استصحاب الطهارة و قاعدتها و إن كان هو الطهارة، إلّا أنّ مقتضى ما استظهرناه من سبق

ص: 194

مسألة 11: إذا كان هناك ماءان أحدهما كر و الآخر قليل

(مسألة 11): إذا كان هناك ماءان أحدهما كر و الآخر قليل و لم يعلم أنّ أيّهما كر، فوقعت نجاسة في أحدهما- معينا أو غير معين- لم يحكم بالنجاسة (22). و إن كان الأحوط في صورة التعيين

______________________________

الكرّيّة على الملاقاة في الاعتصام من قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء»(1) هو الانفعال.

(22) هذه المسألة من صغريات ما تقدم في [مسألة 2] من فصل الماء الجاري و [مسألة 7] من فصل الماء الراكد، و لا فرق بينهما و بين المقام فيما إذا وقعت النجاسة في المعيّن، للعلم بالملاقاة تفصيلا، و الشك في الاعتصام و كذا لو وقعت في غير المعيّن، و قلنا بأنّ العلم الإجمالي بملاقاة النجاسة للقليل أو الكر، محدث للتكليف بالنسبة إلى كلّ واحد من الطرفين، و ذلك. لأنّ العلم الإجمالي بالملاقاة حينئذ يصير كالعلم التفصيلي بها بالنسبة إلى كلّ واحد من الطرفين مع الشك في كريتهما، فتجري هنا جميع الأدلة المتقدمة في المسألتين لأنّ من شرط تأثيره أن يكون محدثا للتكليف على كلّ تقدير، فلا أثر لهذا العلم الإجمالي، لاحتمال وقوع النجاسة في الكر، فيكون بلا أثر حينئذ. و يكون ملاقاة القليل للنجاسة من الشبهة البدوية المحضة فتجري فيه أصالة الطهارة بلا محذور، و على هذا فلا ربط لهذه المسألة بما تقدم من المسألتين، لأنّ موردهما صورة العلم بالملاقاة و الشك في الاعتصام، و في المقام ليس علم تفصيلي بها، كما هو المفروض، و العلم الإجمالي لا أثر له.

ثمَّ إنّ العلم الإجماليّ مطلقا إذا لم يكن موجبا لحدوث تكليف فعلي مسبوق بالعدم في جميع أطرافه، لا أثر لذلك العلم الإجمالي و يكون كالشك البدوي- حتّى جعل ذلك قاعدة في تنجيز العلم الإجمالي- لأنّ العلم الإجمالي إذا لم يوجب حدوث تكليف فعلي على جميع التقادير، لا يصلح للبيانية و الداعوية فتجري أدلة البراءة العقلية و الشرعية بلا مانع في البين.

______________________________

ص: 195


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

الاجتناب (23).

مسألة 12: إذا كان ماءان أحدهما المعيّن نجس

(مسألة 12): إذا كان ماءان أحدهما المعيّن نجس فوقعت

______________________________

و على هذا فلو كان جميع أطرافه أو بعضها محكوما بحكم تفصيلي مثل الحكم المعلوم بالإجمال ثمَّ عرض العلم الإجمالي فلا أثر له، كما يأتي في [مسألة 12]، و كذا لو لم يكن عروضه موجبا لحدوث حكم أصلا في جميع الأطراف أو في بعضها لا أثر له أيضا، كما في هذه المسألة بلا فرق في ذلك بين كونه علة تامة للتنجيز أو مقتضيا له. و للعلم التفصيلي بالتكليف في مورد العلم الإجمالي صور كثيرة تعرضنا لها في تهذيب الأصول، و من شاء فليراجعه (1).

هذا كلّه مع الجهل بالحالة السابقة، و كذا مع العلم بها، سواء كانت هي الكرّيّة أم القلة، فلا أثر للعلم الإجمالي، لما تقدم من القاعدة.

و لا يجري استصحاب الكرّيّة- في الطرفين- في الأول، للعلم بعروض القلة في البين، كما لا يجري استصحاب القلة- في الطرفين- في الثاني، للعلم بعروض الكرّيّة إجمالا.

و قد اختار بعض سادة مشايخنا قدّس اللّه سرّه [1] وجوب الاجتناب فيما إذا كانت الحالة السابقة القلة. و فيما يأتي في فصل الماء المستعمل [مسألة 6] احتاط وجوبا في ملاقي الشبهة المحصورة إن كانت الأطراف مستصحب النجاسة، و سكت رحمه اللّه في بعض المسائل التي تكون نظيرهما.

و فيه: أنّ الأصول الموضوعية لا وجه للرجوع إليها بعد سقوطها بالتعارض و منه يظهر ما عن شيخنا الأنصاري في مكاسبه عند اشتباه الميتة بالمذكّى من الرجوع إلى أصالة عدم التذكية في كلّ منهما، فراجع.

(23) إن كان المراد بالاحتياط مجرد حسنه حتّى في الشبهات البدوية، فلا فرق فيه بين صورة التعيين و غيرهما. و إن كان المراد به في خصوص المقام، لأجل

______________________________

[1] هو المرحوم صاحب (وسيلة النجاة) السيد الأصفهاني (قدّس سرّه).

______________________________

ص: 196


1- المجلد الثاني صفحة: 44 الطبعة الثانية- بيروت.

نجاسة لم يعلم بوقوعها في النجس أو الطاهر، لم يحكم بنجاسة الطاهر (24).

مسألة 13: إذا كان كر لم يعلم أنّه مطلق أو مضاف

(مسألة 13): إذا كان كر لم يعلم أنّه مطلق أو مضاف، فوقعت فيه نجاسة، لم يحكم بنجاسته (25). و إذا كان كران أحدهما مطلق و الآخر مضاف، و علم وقوع النجاسة في أحدهما و لم يعلم على التعيين، يحكم بطهارتهما (26).

مسألة 14: القليل النجس المتمم كرا

(مسألة 14): القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس، نجس على الأقوى (27).

______________________________

إمكان المناقشة في أدلة وجوب الاجتناب مع العلم بالملاقاة و الشك في الاعتصام، فيختص بصورة التعيين، لعدم أثر للعلم الإجمالي بوقوعها في غير المعيّن، و يكون العلم الإجمالي حينئذ كالعدم، فيكون من الشبهة البدوية المحضة.

(24) لعدم أثر لوقوع النجاسة في النجس، فليس العلم الإجمالي منجزا لما تقدم، فيرجع إلى استصحاب الطهارة في الآخر بلا محذور. نعم، لو فرض وجود أثر شرعي فيه أيضا، لتنجز العلم الإجمالي حينئذ في الطرفين.

(25) لأصالة الطهارة بعد المناقشة فيما استدل به على النجاسة في المسألة السابعة. فإنّ هذه المسألة أيضا من صغرياتها، إذ لا فرق في الشك في الانفعال بين أن يكون منشؤه إضافة الماء أو عدم الكرّيّة، و قد تقدم ما يصلح للاحتياط، فراجع.

(26) لأصالة الطهارة بعد سقوط العلم الإجمالي عن الأثر، لما تقدم من القاعدة.

(27) على المشهور. بل استقر المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها

ص: 197

.....

______________________________

عليه. و يدل عليه مضافا إلى استصحاب النجاسة (1)- ما تقدم من أدلة انفعال ماء القليل، و مقتضى إطلاقها الشمول لما إذا كان المتمّم (بالفتح) طاهرا، و المتمّم (بالكسر) نجسا، أو كان بالعكس، أو كان المتمم (بالفتح) طاهرا، و المتمم (بالكسر) نجسا، أو كان بالعكس، أو كانا نجسين، خرج منها ما إذا كانا طاهرين، فيكون حينئذ كرّا معتصما بالاتفاق، و بقي الباقي مشمولا لأدلة انفعال القليل.

و مما يدل على المشهور، موثق ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث قال: «و إياك أن تغتسل من غسالة الحمام. ففيها تجتمع غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب- لنا أهل البيت- فهو شرهم» (2).

فإنّ مجمع الغسالة من الحمام يزيد على كر، بل أكرار من الماء، مع أنّه عليه السلام، حكم بالاجتناب و يشهد للانفعال مرتكزات المتشرعة أيضا.

إن قلت: البلوغ إلى حدّ الكرّيّة يكون مانعا عن الانفعال، فلا يصح أن يكون مقتضيا له، كما إذا كان المتمّم (بالكسر) طاهرا و المتمّم (بالفتح) نجسا، فإنّه من قبيل اقتضاء الشي ء الواحد للضدين.

قلت: الكر الذي يكون معتصما و مانعا عن الانفعال ما إذا كان حدوثه لجميع أجزائه و جزئياته من الماء الطاهر، دون مثل المقام، فليس فيه الا اقتضاء الانفعال فقط، دون الاعتصام.

و نسب إلى المرتضى في المسائل الرسية القول بالطهارة، و تبعه في ذلك ابن إدريس و جماعة، و هم بين مصرّح بعدم الفرق بين إتمامه بطاهر أو نجس، و بين مقيد له بالطاهر و بين مطلق يتناول بظاهره الأمرين و نسبه المحقق الثاني إلى أكثر المحققين، و في مصباح الفقيه: «إنّ المسألة استظهارية من الأدلة، لا أن تكون تحقيقية حتّى تنسب إليهم»

______________________________

ص: 198


1- و قد سبق في صفحة 190 عند استصحاب الطهارة ما يمكن الإيراد على هذا الاستصحاب مع جوابه.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب المضاف حديث: 5.

.....

______________________________

و استدل لهم أولا: بأصالة الطهارة، و عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خلق اللّه الماء طهورا»(1).

و يرد الأصل و العموم بما تقدم من أدلة انفعال القليل.

و ثانيا: بالنبوي الذي ادعى في السرائر أنّه المجمع عليه بين المخالف و المؤالف: «إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا» (2).

و يرد: بقصور السند و قد أنكره جمع، منهم المحقق في المعتبر. فقال رحمه اللّه: «ما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المؤالف و المخالف فيما لا يوجد إلا نادرا فلا وجه للاعتماد عليه» أذن الرواية ساقطة. مع أنّه قاصر دلالة أيضا، إذ المراد بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لم يحمل خبثا» دفع الخباثة بعد بلوغ الكرّيّة. فإنّ كثرته حينئذ تعصمه عن الاستقذار و الانفعال، لا أن يكون المراد رفع القذارة المتحققة قبل البلوغ إلى الكرّيّة فإنّه مستبعد عن الأذهان العرفية خصوصا إن كان الإتمام بالنجس.

و ثالثا: بالإجماع. و يرد: بما عن المحقق رحمه اللّه في المعتبر: «بأنا لم نقف على هذا في شي ء من كتب الأصحاب»، و بما عن الشهيد في الذكرى:

«أنّه لا إجماع لخلاف ابن جنيد و الشيخ في الخلاف».

و رابعا: بأنّه إذا كان بلوغ الماء قدر كر موجبا لاستهلاك النجاسة، فيستوي في ذلك بلوغه قبل وقوع النجاسة فيه أو بعده. و يرد: بأنّه قياس مع أنّه مع الفارق، كما لا يخفى.

و خامسا: بالإجماع على طهارة الماء الذي صار كرا و وجدت فيه نجاسة و لم يعلم وقوعها قبل الكرية أو بعد ذلك، و ما ذلك إلّا لتساوي الحالتين. و يرد:

بعدم الاعتبار بدعوى الإجماع فيه، بل يجري فيه استصحاب طهارة الماء و عدم الملاقاة للنجاسة إلى زمان تحقق الكرّيّة، فراجع ما تقدم في [مسألة 8 و 9].

هذا كلّه بحسب مفاد الأدلة، و أما الأصل العملي فلا إشكال في صحة

______________________________

(1)

(2)

ص: 199


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.
2- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام المياه حديث: 6.

.....

______________________________

استصحاب النجاسة، و ترتب آثاره عليه- من عدم جواز استعماله فيما يعتبر فيه الطهارة، و من تنجس ملاقيه- فلا يبقى حينئذ موضوع لاستصحاب طهارة الماء المتمّم به إن كان طاهرا، كما لا يبقى موضوع لجريان قاعدة الطهارة فيه أيضا مضافا إلى ما تقدم من أنّ الماء الواحد في سطح واحد لا يختلف حكمه من حيث الطهارة و النجاسة، مع أنّه لا يجري استصحاب طهارة الماء و قاعدتها و لو مع قطع النظر عن حكومة استصحاب النجاسة عليهما، إذ يعتبر في جريانها ترتب أثر عملي عليه، و مع اختلاط الماء الطاهر بالنجس و عدم تميزه منه خارجا، لا يصح استعماله في التطهير- حدثا و خبثا- و يتنجس ملاقيه، لاختلاطه بالنجس و عدم تميزه منه. فليس لاستصحاب الطهارة و قاعدتها أثر عملي حتّى يصح جريانهما في المقام. فلا ينبغي إطالة الكلام أكثر من ذلك، و قد ظهر مما ذكرنا المسائل الآتية:

فروع- (الأول): القليل النجس المتمّم كرّا بالاتصال بالمعتصم، كر طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث، لطهارته بمجرد الاتصال، و لا يحتاج إلى الامتزاج، كما تقدم في [مسألة 13] من فصل المياه، و صيرورته كرا، فتشمله أدلة الكر و يترتب عليه أحكامها.

(الثاني): لو كان قليلا و شك في طهارته و نجاسته، و تمّم بماء طاهر. فإن كانت الحالة السابقة النجاسة، فهي عين المسألة السابقة، و إلا فهو طاهر، للأصل، و كر وجدانا، و يترتب عليه جميع أحكامه.

(الثالث): لا فرق في جميع ما تقدم بين ما إذا كانت الحالة السابقة القلة ثمَّ عرضت الكرّيّة، أو كانت بالعكس.

ص: 200

فصل في ماء المطر

اشارة

(فصل) ماء المطر حال تقاطره من السماء، كالجاري (1) فلا ينجس ما لم يتغيّر و إن كان قليلا (2)، سواء جرى من الميزاب أو على وجه الأرض أم لا (3). بل و إن كان قطرات بشرط صدق المطر عليه (4). و إذا اجتمع فصل في ماء المطر

______________________________

(1) في الاعتصام- حتّى من العلامة- رحمه اللّه فإنّ ظاهره أنّه لا يقول باعتبار الكرّيّة في المطر، كما قال في الجاري (1). و أما ما نسب إلى المعالم على ما حكي عنه، من انفعال المطر بورود المتنجس عليه بخلاف الجاري، فقد قال في الجواهر: «بل يمكن دعوى حصول القطع للفقيه بمساواة الغيث الجاري إذا لاحظ مجموع أخبار المقام بعد استقامة الفهم».

(2) مطهرية المطر ثابتة كتابا و سنة و إجماعا على ما سيأتي و إنّما الخلاف في بعض الخصوصيات التي تأتي الإشارة إليها.

(3) على المشهور، فاكتفوا في اعتصامه بمجرد صدق المطر عرفا من دون اعتبار الجريان على الأرض أو من الميزاب، لإطلاق الأدلة:

منها: صحيح ابن سالم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام: «عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب؟ فقال عليه السلام: لا بأس به ما

______________________________

ص: 201


1- تقدم في صفحة: 160.

.....

______________________________

أصابه من الماء أكثر منه» (1).

و قوله: «أكثر منه» ليس لاعتبار اشتراط الكثرة في مطهرية المطر مطلقا، بل لبيان أنّ للمورد خصوصية لا تقبل الطهارة إلّا بذلك، لأنّ قابلية المحل للطهارة شرط عقليّ في طهارته سواء كانت بالماء أم بغيره، و سواء كان الماء مطرا أم غيره، و ذلك لأنّ السطح الذي يبال عليه و يكون عين البول موجودا فيه، كما هو الظاهر من الحديث، لا يطهر إلا باستهلاك البول في المطر، و ذلك يستلزم أن يكون المطر أكثر قهرا، بل و كذا لو لم تكن العين موجودة و نفذ البول في السطح و يبس، فإنّ و كوف المطر يستلزم أن يكون المطر أكثر قهرا من البول، و إلا لو كف البول أيضا حين يبال عليه.

و يستفاد منه أنّ كلّ متنجس يطهر بمجرد وصول المطر إليه إلا إذا نفذت فيه النجاسة بحيث يتوقف طهره على كثرة المطر، أو كانت عين النجس موجودة فيه على ما يأتي من التفصيل.

و منها: مرسل الكاهلي- المنجبر- عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«يسيل عليّ من ماء المطر أرى فيه التغير و أرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليّ، و ينتضح عليّ منه و البيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال: ما بذا بأس لا تغسله كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» (2).

و المراد بقوله: أرى فيه آثار القذر- أي آثار الوساخة، و ليس المراد به النجاسة، لأنّه حينئذ نجس نصا و إجماعا، هذا على نسخة الكافي. و أما على ما ضبطه الفيض رحمه اللّه في الوافي (3)، فلا يرد الإشكال أصلا، فإنّه ضبطه:

«يسيل على الماء المطر أرى فيه التغير .. إلخ» قال الفيض: «إنّ المطر يسيل على الماء المتغيّر بالقذر، فتثيب من الماء القطرات، فينضح عليّ» و على هذا لا إشكال إلا أنّ الكلام في اعتبار نسخة الوافي مع أنّه رحمه اللّه لم يذكر مدركا لها.

______________________________

ص: 202


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
3- الوافي جزء: 4 صفحة: 9.

.....

______________________________

إن قلت: إنّ قوله عليه السلام: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر».

أعم من الاعتصام، إذ من الممكن أن يكون مثل الماء القليل الذي يستعمل في غسل الأخباث فيطهر المحل مع أنّه متنجس، كما يأتي تفصيله.

قلت: لا وجه لهذا الاحتمال، لأنّ مورد السؤال أنّ المطر وصل إلى النجس ثمَّ و كف إلى الثوب، فقال عليه السلام: «لا تغسل الثوب» فلا ريب في ظهورها في عدم انفعال المطر بوصوله إلى النجس ثمَّ وقوعه على الثوب.

و منها: صحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام: «في ميزابين سأل أحدهما بول، و الآخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل، لم يضره ذلك» (1).

و قريب منه خبر محمد بن مروان عنه عليه السلام: «لو أنّ ميزابين سالا أحدهما ميزاب بول، و الآخر ميزاب ماء فاختلطا ثمَّ أصابك، ما كان به بأس» (2).

و المراد بميزاب البول، خصوص البول الذي يصلح لأن يستهلك في ماء المطر، دون غيره.

و منها: خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر عليّ القطرة. قال: ليس به بأس» (3).

فتلخص مما تقدم: أنّه متى ما صدق المطر عرفا تترتب عليه أحكامه بخلاف ما إذا لم يصدق، أو شك في الصدق و عدمه.

و نسب إلى ابن حمزة: اعتبار الجريان في اعتصام المطر، و إلى الشيخ و ابن سعيد جريانه من الميزاب. و يمكن أن يكون ذكر الميزاب من باب المثال، فرجع إلى الأول، إذ لا فرق بين الجريان منه و من غيره، قال في الحدائق في الفرع الثاني:

«إذا وقع على أرض متنجسة و نحوها و استوعب موضع النجاسة و أزال العين

______________________________

ص: 203


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.

.....

______________________________

إن كانت، فعلى المشهور لا ريب في حصول التطهير به، و على اعتبار الجريان، فالظاهر أنّه لا يناط هنا بحصوله، لأنّ الشيخ القائل بذلك صرح، كما نقل عنه، بالاكتفاء في تطهير الأرض بالماء القليل».

و على أي تقدير فإن كان مرادهم من الجريان ما يساوي صدق المطر عرفا، فلم يتحقق خلاف منهم مع المشهور و إن كان مرادهم غير ذلك، فلا دليل لهم عليه، مع أنّ العبارة المحكية عن ابن حمزة لا ظهور لها في الخلاف، فإنّه قال على ما حكي عنه: «و حكم الماء الجاري من المشعب من ماء المطر كذلك أي كالجاري»، و المشعب، كما في مجمع البحرين (الطريق). و ظاهر عبارته أنّ ما يجري من المشعب حال اتصاله بماء المطر، يكون كالجاري، لاعتصامه بالمطر حينئذ، و هو مسلّم عند الجميع، و لا ربط له باعتبار الجريان في أصل اعتصام ماء المطر من حيث هو.

و استدل لهم بأخبار: منها- رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثمَّ يصيب المطر.

أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به» (1).

و فيه: أنّ ظاهرها بيان الأمر العرفي- و هو أنّ ماء المطر الذي أصاب محل البول و غسل الجنابة يستقذر طبعا عن أن يؤخذ منه و يتوضأ به- و دفع هذا الاستقذار، إما بأن يكون غزيرا حتّى يجري الماء عن محل اجتمع فيه، أو يكون الأخذ منه حين جريان المطر من السماء. و الصحيحة لا تكون متكفلة لبيان شي ء أزيد من ذلك، و لا ربط لها ببيان اشتراط الجريان على الأرض في أصل اعتصام ماء المطر.

و منها أيضا: عن ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: إذا جرى به (فيه) المطر فلا بأس» (2).

______________________________

ص: 204


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 9 و 3.

.....

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 1، ص: 205

______________________________

و فيه: أنّه لا ربط له بالمقام أيضا لأنّ ظاهره، بل صريح وجود عين النجاسة في محل نزول المطر، و لا ريب في أنّ طهارة ما أصاب منها الثوب تدور مدار فعلية جريان المطر فيها، فالمراد بالجريان أي فعلية نزول المطر من السماء، لا الجريان على الأرض.

و منها: ما رواه الحميري- أيضا- عن ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:

«سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر، فيكف فيصيب الثياب أ يصلّى فيها قبل أن تغتسل؟ قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس» (1).

و فيه: أنّ العادة تقتضي أن يكون الوكوف من الكنيف مما فيه من النجاسات المخلوطة بماء المطر حين نزوله، فقال عليه السلام: «إذا جرى من ماء المطر و لم يكن مما في الكنيف فلا بأس»، فلا ربط لهذه الأخبار باعتبار الجريان على الأرض في اعتصام ماء المطر مطلقا، مع ضعف الأخيرين سندا.

ثمَّ إنّ اعتبار الجريان من الإحالة على المجهول، لأنّه مختلف اختلافا فاحشا بحسب مراتب الجريان شدة و ضعفا بحسب الأرض التي يجري عليها المطر من حيث الصلابة و غيرها، و بحسب الأزمنة، لأنّ جريانه في الشتاء يكون أسرع منه في الصيف بحسب رطوبة القضاء و يبوسته إلى غير ذلك مما يختلف به الجريان، و لذا التجأ المحقق الأردبيلي رحمه اللّه إلى اعتبار الجريان التقديري، و هو واضح. و الظاهر أنّ أنظارهم الشريفة كانت متوجهة إلى اعتبار صدق المطر يصدق عليها المطر عرفا، و لا يجري عليها حكم المطر عند المشهور أيضا، و لذا نسب إلى المشهور اعتبار الكثرة و القوة لإخراج القطرات اليسيرة. فيكون النزاع حينئذ صغرويا لا وجه للبحث فيه.

مع أنّه لو دلت الأدلة على اعتبار الجريان على الأرض في اعتصام المطر، لا ينفك الجريان على الأراضي الصلبة في الأوقات المعتدلة عن صدق المطر عرفا، فهما متلازمان خارجا. فاعتبار الجريان طريق للصدق العرفي. لا أنّ

______________________________

ص: 205


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 9 و 3.

في مكان و غسل فيه النجس، طهر و إن كان قليلا (5). لكن ما دام

______________________________

تكون فيه موضوعية خاصة، و إلا لكان اعتبار الجريان منافيا لما تقدم في صحيح ابن سالم من كفاية الأكثرية، و هي أعم من الجريان قطعا.

و مما يدل على المشهور أيضا صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام- في حديث- سأله: «عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه.

هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلّي فيه و لا بأس» (1). فإنّه صريح في أنّ ماء المطر المنصب فيه الخمر لا ينفعل حين جريانه و إنّما قيدناه بالجريان، لوروده في صدره الذي تقدم نقله (2) و خبر محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام: «في طين المطر أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم أنّه قد نجسه شي ء بعد المطر» (3).

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّ المطر- الذي هو من المياه المعتصمة- من الموضوعات العرفية كالعين و الجاري و النهر، فالقطرات القليلة التي تنزل من السماء لا تكون من المطر العرفي الذي نزلت عليه الأدلة، فما نسب الشهيد الثاني إلى بعض معاصريه (4)من الاكتفاء في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه، و لم يستبعده ظاهر الخدشة لعدم صدق المطر عليه عرفا، إن كان أصل النزول قطرة أو قطرات يسيرة. و أما إن كان النزول بحيث يصدق عليه المطر عرفا و وصلت قطرة أو قطرات منه إلى المتنجس، يكون مطهرا حينئذ، كما يأتي في [مسألة 14] و لا يبعد أن يكون نظر معاصر الشهيد إليه، فلا نزاع في البين حينئذ.

(4) و الظاهر أنّ المراد بما نسب إلى المشهور من اعتبار الكثرة و القوة ذلك أيضا، و قد تقدم إمكان إرجاع الجريان الذي قال به جمع إليه أيضا.

(5) لإطلاق أدلة اعتصامه، بلا فرق في ذلك بين كونه واردا على النجس أو

______________________________

ص: 206


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.
2- تقدم في صفحة 204.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
4- هو السيد حسن بن السيد جعفر كما في حاشية الحدائق.

يتقاطر عليه من السماء (6).

______________________________

كان بالعكس، لأنّ من فرّق بينهما بالانفعال في الثاني، دون الأول، إنّما فرق بينهما في القليل دون المعتصم، كما تقدم في [مسألة 1] من الفصل السابق، و يأتي في الماء المستعمل في رفع الأخباث. نعم، نسب إلى المعالم- على ما حكي عنه- انفعال المطر بورود المتنجس عليه، و لعله لأجل الجمود على بعض الأدلة، مثل قوله عليه السلام: «فتصيبه السماء» (1). و يرده: ظهور الإطلاق، و الاتفاق بعدم الفرق بينهما.

(6) على المشهور بين المحققين من الفقهاء، لأنّ ظاهر الأدلة أنّ حيثية نزول المطر من السماء و نبع الماء في الماء الجاري و الكرّيّة في الكر، كلّ ذلك حيثية تعليلية للاعتصام يدور مدارها وجودا و عدما، و قد ثبت في محلّه: أنّ تعليق الحكم على شي ء يقتضي فعلية ذلك الشي ء و عليته الا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل كذلك، بل الظاهر الاتفاق على الفعلية و العلية أيضا، فلا يكفي مجرد صدق أنّ الماء نازل من السماء أو نابع من الأرض، أو كر في اعتصامه، ما لم تنطبق تلك العناوين عليه فعلا.

و يظهر عن صاحب الجواهر: اعتصام الماء المجتمع من المطر في الأرض حين نزوله و إن لم يتقاطر على ذلك الماء بالخصوص، بشرط كونه معرضا لتقاطر المطر عليه، و بشرط نزول المطر فعلا على غيره، تمسكا بظواهر الأدلة الواردة في ماء المطر، فإنّها كما تشمل النازل من السماء حين النزول، كذلك تشمل المجتمع منه في موضع و إن لم يتقاطر عليه المطر بشرط نزوله فعلا فيما عداه.

و فيه: أنّه لا شك في شمول أدلة القليل لذلك. و الشك في شمول أدلة ماء المطر المعتصم له، يكفي في عدم الشمول، لأنّ التمسك بها حينئذ يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كيف و قد استظهرنا عدم الشمول. نعم، يصدق ماء المطر في الجملة عليه و لكن ليس كلّ ماء مطر معتصما، بل ما كان حين

______________________________

ص: 207


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
مسألة 1: الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر

(مسألة 1): الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر و نفذ في جميعه، طهر و لا يحتاج إلى العصر أو التعدد (7)، و إذا وصل

______________________________

النزول من السماء فقط و لا يجري استصحاب الاعتصام، لتغاير الموضوع عرفا، فيجري استصحاب نجاسة المتنجس الذي وقع فيه بلا معارض.

ثمَّ إنّ في مقابل ما استظهره صاحب الجواهر- ما نسب إلى العلامة الطباطبائي رحمه اللّه- من أنّ الماء المجتمع من المطر في موضع يكون من الماء المحقون، و لا يكون ماء المطر و إن نزل عليه المطر فعلا، لاختصاص أدلّته بخصوص ما نزل منه من السماء، لا ما اجتمع منه في الأرض: نعم، يكون معتصما ما دام يجري عليه المطر.

و فيه: أنّ مقتضى ظواهر الأدلة المنزلة على المتفاهمات العرفية، صدق ماء المطر عليه أيضا، خصوصا حين التقاطر، فالحق ما ذكره الماتن (قدّس سرّه).

فروع- (الأول): ما شك في كونه مطرا، لا يجري عليه حكمه.

(الثاني): لا فرق في المطر بعد صدقه عليه بين كونه من السحب المتعارفة أو من غير المتعارفة.

(الثالث): لو دخلت غمامة في بيت من البيوت المبنية على رؤوس الجبال العالية، و مطرت، فالظاهر عدم صدق المطر المعهود عليه، و لا أقل من الشك، فلا يجري عليه حكمه، كما أنّه لو استحيلت الغمامة إلى الماء ببعض الأسباب الحديثة، فإن كان ذلك بحيث يصدق عليه المطر المعهود عرفا يجري عليه حكمه. و إلا فلا، و كذا مع الشك.

(7) لما يأتي في [مسألة 16] من فصل المطهرات عدم اعتبار العصر و التعدد في الغسل بالماء المعتصم مطلقا. و عمدة الدليل: إطلاق أدلة مطهرية الماء المعتصم و اعتصامه ما لم يتغير، و سياق تلك الأدلة آبية عن التخصيص و التقييد بالعصر، و التعدد، و كيف يصلح للتقييد قوله عليه السلام في مرسل

ص: 208

إلى بعض دون بعض طهر ما وصل إليه (8). هذا إذا لم يكن فيه عين

______________________________

الكاهلي المنجبر: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» (1).

و قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء» (2).

و قوله عليه السلام: «كلّ ما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فإذا تغيّر الماء، و تغيّر الطعم، فلا توضأ منه و لا تشرب» (3).

و قوله عليه السلام: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري» (4) إلى غير ذلك. و المرتكز في الأذهان أنّ العصر و التعدد لانفصال الماء المنفعل، و لا انفصال للماء المعتصم الا بالتغير، فلا يشمل إطلاق دليل العصر و التعدد الماء المعتصم أصلا، و على فرض الشمول، فلا وجه للمعارضة بالعموم من وجه و التساقط في مورد الاجتماع ثمَّ الرجوع إلى استصحاب النجاسة، إذ ليس حكم كلّ متعارضين بالعموم من وجه هو التساقط مطلقا، بل قد يتعيّن تقديم أحدهما على الآخر لخصوصية يقتضيها المقام، فإنّه إن قيد دليل مطهرية المطر بالعصر و التعدد لم تبق خصوصية للمطر، لاشتراكه مع الماء القليل حينئذ، مع أنّ ظاهر الأدلة ثبوت الخصوصية له في مقابل القليل، بخلاف ما إذا قيد بما دل على العصر و التعدد بخصوص القليل، فإنّه ليس في ذلك ارتكاب خلاف ظاهر في البين، كما لا يخفى مع أنّ مورد بعض أخبار المطر هو البول (5) و هي ظاهرة، بل صريحة في عدم اعتبار التعدد فيه: و ما اشتمل منها على الوكوف، ظاهر في عبور المطر على النجس، و مع ذلك حكم عليه السلام بأنّه: «لا بأس به» (6).

(8) لوجود المقتضى و فقد المانع، بخلاف ما لم يصل إليه، إذا لا مقتضى لطهارته أصلا.

______________________________

ص: 209


1- تقدم في صفحة 202.
2- تقدم في صفحة 169.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
5- كما في الوسائل حديث 1 و 3 و 4 و 7 باب 6 من أبواب الماء المطلق.
6- كما في الوسائل حديث 1 و 3 و 4 و 7 باب 6 من أبواب الماء المطلق.

النجاسة، و إلا فلا يطهر. إلّا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها (9).

مسألة 2: الإناء المملوء بماء نجس

(مسألة 2): الإناء المملوء بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما- إذا تقاطر عليه، طهر ماؤه و إناؤه (10) بالمقدار الذي فيه ماء،

______________________________

(9) لأنّ زوال عين النجاسة شرط عقلي لحصول الطهارة، فلا تعقل الطهارة مع بقاء عين النجاسة، و لا ريب في حصولها فيما إذا تقاطر بعد زوال العين أيضا، إنّما الكلام فيما إذا زالت العين بالتقاطر، و لم يتقاطر بعد الزوال. و يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الإطلاقات حصول الطهارة في هذه الصورة أيضا، خصوصا مرسل الكاهلي، و صحيح ابن سالم المتقدمين، و كذا الكلام فيما إذا زالت العين بملاقاة الكر للجاري، و انقطعت الملاقاة بعد الزوال فورا.

(10) للإجماعات المستفيضة المعتضدة بالمرتكزات: من أنّ المطر كالجاري، و قد تقدم أنّ مجرد الاتصال به يكفي في التطهير، و عن الشهيد الثاني في الروضة دعوى الإجماع عليه في المقام بالخصوص، و يصح التمسك بالإطلاقات (1) أيضا.

و دعوى: عدم صدق رؤية المطر إلا بالنسبة إلى السطح الظاهر الملاقي للمطر، دون باقي السطوح.

مدفوعة: بالصدق عرفا- الذي هو المناط في تقاطر المطر، و ملاقاة الكر أو النجاسة- فيصح عند المتعارف أن يقال: إنّ الإناء و الحب- مثلا- تقاطر عليه المطر، و لاقى الكر أو النجاسة، مع الوحدة العرفية للماء و اتصال أجزائه بعضها ببعض. هذا مع أنّ مرسل الكاهلي على نسخة الوافي (2) مورده تقاطر المطر على الماء القذر، كما تقدم.

إن قلت: فعلى هذا يطهر المضاف المتنجس بتقاطر المطر عليه أيضا،

______________________________

ص: 210


1- تقدم في صفحة: 201.
2- مر في صفحة: 202.

و كذا ظهره و أطرافه إن وصل إليه المطر حال التقاطر، و لا يعتبر فيه الامتزاج (11)، بل و لا وصوله إلى تمام سطحه الظاهر (12) و إن كان

______________________________

لإطلاق قوله عليه السلام: «كلّ شي ء يراه المطر فقد طهر» (1).

و نحوه من سائر الإطلاقات.

قلت: نعم، لو لا ظهور تسالم الأصحاب على انحصار تطهير المضاف بالاستحالة، أو الاستهلاك و قد تقدم قول العلامة و الإشكال فيه، فراجع. هذا حكم طهارة الماء.

و أما الإناء المشتمل على الماء المتصل بتقاطر المطر عليه، فيكون طهره، لاتصاله بما يتقاطر عليه المطر، فكأنّه متصل بالجاري. و أما طهارة ظهره و أطرافه مما يصيبه المطر، فلعموم قوله عليه السلام: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» (2).

(11) تقدم وجهه في [مسألة 13] من فصل المياه، فإنّ المقام من إحدى صغرياته.

و دعوى: أنّ انفصال القطرات بعضها عن بعض يوجب انفعال كلّ قطرة بعد وصولها إلى المتنجس، و قبل وصول القطرة الأخرى و هكذا فلا يطهر الا بالامتزاج.

مدفوعة أولا: بأنّه إن صحت الدعوى، لا يطهر حتّى مع الامتزاج، فكيف بعدمه، بل لا يمكن التطهير بالمطر على هذا مطلقا حتّى في غير الماء المتنجس.

و ثانيا: أنّ مقتضى الأدلة أنّ المطر مطهّر بهذا النحو- الذي ينزل من السماء بحسب المتعارف، و هو انفصال قطراته بعضها عن بعض- و قد نزّل الشارع ذلك منزلة الجاري، و ليس مطر آخر تكون قطراته متصلة عمودا إلى السماء حتّى يكون مورد الأدلة.

(12) لصدق رؤية المطر مع الوصول إلى بعض سطحه أيضا، فيشمله

______________________________

ص: 211


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

الأحوط ذلك.

مسألة 3: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها

(مسألة 3): الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها (13) بشرط أن يكون من السماء، و لو بإعانة الريح (14). و أما لو وصل إليها بعد الوقوع على محلّ آخر، كما إذا ترشح بعد الوقوع على مكان فوصل مكانا آخر، لا يطهر (15). نعم، لو جرى على وجه الأرض، فوصل

______________________________

إطلاق الأدلة، لأنّ المطر بمنزلة الجاري و الكر. و منشأ الاحتياط، احتمال اعتبار وصوله إلى تمام السطح. و لكنّه منفي بظهور الإطلاق.

(13) لإطلاقات أدلة اعتصام المطر، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، و يدل عليه مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام في طين المطر: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام. الا أن يعلم أنّه قد نجسه شي ء بعد المطر» (1).

فإنّ إطلاقه يشمل ما إذا كانت الأرض متنجسة قبل نزول المطر، و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا، فتمطر السماء فيقطر عليّ قطرة. قال: ليس به بأس» (2).

و قريب منهما غيرهما.

(14) لشمول الإطلاقات له أيضا، مع غلبه وجود الرياح مع الأمطار عادة.

هذا إذا كانت الريح متعارفة. و أما إذا كانت خلاف المتعارف و وصل بها المطر إلى المحل، يشكل الحكم بطهارته، و كذا لو وصل المطر إلى المحل بواسطة المراوح و نحوها.

(15) لأنّ تحقق عنوان المطهرية للمطر متقوّم بنزوله من السماء، و بعد وقوعه على مكان يسقط عنه هذا العنوان، و يصير من الماء القليل الذي ينفعل بملاقاة النجس إذا وصل إلى مكان آخر متنجس، نعم، لو كان المطر غزيرا جدا

______________________________

ص: 212


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.

إلى مكان مسقف بالجريان إليه، طهر (16).

مسألة 4: الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر

(مسألة 4): الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر و كذا إذا كان تحت السقف و كانت هناك ثقبة ينزل منها على الحوض بل و كذا لو أطارته الريح حالة تقاطره فوقع في الحوض و كذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه (17).

مسألة 5: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا

(مسألة 5): إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا، بل و كذا إذا وقع على ورق الشجر ثمَّ وقع على الأرض (18). نعم، لو لاقى في الهواء شيئا، كورق الشجر أو نحوه حال نزوله، لا يضر إذا لم يقع عليه ثمَّ منه على الأرض، فمجرد المرور على الشي ء لا يضر (19).

مسألة 6: إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها على شي ء آخر

(مسألة 6): إذا تقاطر على عين النجس فترشح منها على شي ء آخر، لم ينجس إذا لم يكن معه عين النجاسة، و لم يكن متغيّرا (20).

مسألة 7: إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر

(مسألة 7): إذا كان السطح نجسا فوقع عليه المطر و نفذ و تقاطر من السقف، لا تكون تلك القطرات نجسة و إن كانت عين النجاسة

______________________________

بحيث يكون الوصول إلى مكان آخر من جريان ماء المطر عليه عرفا، يطهر حينئذ.

(16) لأنّ الماء الجاري و إن كان قليلا، لكنّه متصل بالمعتصم الذي هو المطر، فيكون كالقليل الذي يتصل بالجاري، أو الكر. و لكن لا بد من تقييد ذلك بحين جريان المطر إن لم يكن المجتمع منه كرّا بنفسه.

(17) كلّ ذلك لإطلاق أدلة اعتصام المطر حين جريانه، و لا بد من تقييد الريح بما سبق من كونها متعارفة.

(18) لما تقدم من ظهور الأدلة: في أنّ المطرية للمطر إنّما تكون إذا نزل على المتنجس بلا واسطة شي ء. و الا فهو قليل ينفعل بالملاقاة.

(19) للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(20) لأنّه معتصم، كالكر و الجاري حين النزول من السماء.

ص: 213

موجودة على السطح و وقع عليها، لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء (21)، و أما إذا انقطع ثمَّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس، فيكون نجسا (22)، و كذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس.

مسألة 8: إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا

(مسألة 8): إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا، إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء، سواء كان السطح أيضا نجسا أم طاهرا (23).

مسألة 9: التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه

(مسألة 9): التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل إلى أعماقه حتّى صار طينا (24).

مسألة 10: الحصير النجس يطهر بالمطر

(مسألة 10): الحصير النجس يطهر بالمطر، و كذا الفراش

______________________________

(21) لأنّه حينئذ كالماء الجاري أو الكر الذي لاقى النجس و لم يتغيّر.

(22) لأنّه حينئذ ماء قليل لاقى النجس فينجس، و يظهر منه حكم الماء الجاري من الميزاب، فإنّه- حين الجريان- كالكر و الجاري، لا ينفعل بالملاقاة، و بعد الانقطاع قليل ينفعل بها.

(23) أما على الثاني فواضح، و أما على الأول فلما تقدم من أنّه كالكر الذي لاقى النجس و لم يتغيّر.

(24) لإطلاق الأدلة، و قول أبي الحسن عليه السلام في طين المطر: «إنّه لا بأس أن يصيب الثوب ثلاثة أيام. الا أن يعلم أنّه قد نجسه شي ء بعد المطر، فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفا لم تغسله» (1) و التقييد بالثلاثة، مبني على تقديم القرائن الظاهرية الدالة على النجاسة على الأصل، و ليس فيه تعبد خاص. و الا فلو دلت القرائن على بقاء الطهارة إلى عشرة أيام أو أكثر، يعمل بها، مضافا إلى الأصل.

______________________________

ص: 214


1- الوسائل باب: 75 من أبواب النجاسات.

المفروش على الأرض (25)، و إذا كانت الأرض التي تحتها أيضا نجسة، تطهر إذا وصل إليها. نعم، إذا كان الحصير منفصلا عن الأرض، يشكل طهارتها (26) بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها، نظير ما مر من الإشكال فيما وقع على ورق الشجر و تقاطر منه على الأرض.

مسألة 11: الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه

(مسألة 11): الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه (27). نعم، إذا كان نجسا بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير (28) لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة إلى التعدد.

______________________________

(25) لظهور الاتفاق، و إطلاق مرسل الكاهلي (1) و غيره، و كذا طهارة الأرض التي تحتها إذا جرى عليها المطر و لو من الحصير أو الفراش فيطهر بالجريان المتصل بماء المطر المعتصم.

(26) هذه المسألة متحدة مع ما تقدم منه رحمه اللّه في المسألة الخامسة، و قد جزم فيها بالعدم، و ما جزم به من عدم الطهارة فيما إذا وقع على ورق الشجر ثمَّ تقاطر منه على الأرض، صحيح.

و أما في المقام فيمكن الإشكال إن كان الحصير أو الفراش ملتصقا و لو ببعض أطرافهما على الأرض، بل الظاهر صدق جريان ماء المطر على الأرض حينئذ. نعم، لو كانا منفصلين عنها بالمرة يكون كورق الشجر حينئذ، و من ذلك، يظهر الحكم في بعض النباتات التي تكون ملتصقة بالأرض، فتكون كالحصير و الفراش.

(27) لإطلاق الأدلة، و ظهور الاتفاق.

(28) و قد قوى رحمه اللّه عدمها في [مسألة 12] من فصل المطهرات، و يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

ص: 215


1- تقدم في صفحة: 202.

فصل في ماء الحمام

(فصل) في ماء الحمام بمنزلة الجاري (1) بشرط اتصاله بالخزانة. فالحياض الصغار فيه إذا اتصلت بالخزانة، لا تنجس بالملاقاة إذا كان ما في (فصل- في ماء الحمام)

______________________________

(1) المراد بماء الحمام- الذي هو مورد بحث الفقهاء (قدّس اللّه أسرارهم) ما في حياضه الصغار، كما في الجواهر و المستند، و نسبه في الأول إلى ظاهر الفقهاء، و يظهر في الحدائق ذلك أيضا. و يقتضيه الفقه الرضوي: «إنّ ماء الحمام سبيله سبيل الجاري، إذا كان له مادة» (1).

و في خبر بكر بن حبيب: «ماء الحمام لا بأس به، إذا كان له مادة» (2).

و أما الحياض الكبار التي تشتمل على كر من الماء، بل أكثر، أو الأنابيب المتصلة بالمنابع و المخازن، فلا ينبغي أن تجعل مورد البحث، لما تقدم من اعتصام الكر و الجاري مطلقا نصا و إجماعا. كما أنّ الظاهر من الأخبار أنّ المراد من الحمام، الحمامات العامة التي أعدت لدخول الناس فيها مطلقا، لا كلّ ما يسمّى حماما. و قد نقل عن بعض المؤرخين: أنّهم كانوا يسمون كلّ محل مستور وضع فيه ماء للاغتسال، و لتنظيف البدن حماما، و بهذا المعنى قيل: إنّ

______________________________

ص: 216


1- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام المياه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.

.....

______________________________

في بعض البلاد، كان ثلاثة آلاف حمام أو أكثر حتّى الحمامات الحادثة في هذه الأعصار في غالب البيوت، فإن كان الحكم مخالفا للقاعدة ففي شمول الأخبار لهذه الحمامات الشخصية إشكال.

ثمَّ إنّ البحث في ماء الحمام تارة: بحسب الأخبار العامة الواردة في المياه. و أخرى: بحسب الأخبار الخاصة الواردة في خصوص الحمام.

أما الأول: فإما أن يكون في الحمام حوض واحد، أو يكون متعددا فعلى الأول إن كان كرّا، يجري عليه جميع ما تقدم من أحكام الكر و إن كان قليلا يجري عليه أحكامه.

و على الثاني فإن لم تكن الحياض متصلة بعضها مع بعض، و كان كلّ واحد كرّا، أو قليلا، أو بالاختلاف يكون لكل واحد حكمه. هذا إذا لم يكن القليل متصلا بالماء الجاري من الأنبوب، و إلا فهو معتصم ما دام الاتصال. و إن كانت متصلة بعضها مع بعض، فإن كان المجموع كرّا، لا ينفعل. و إن كان قليلا ينفعل- كما تقدم ذلك في أول فصل الراكد. نعم، لو كان متصلا بما يجري من الأنبوب، فهو معتصم ما دام الجريان، و لا فرق في ذلك بين تساويها في الكبر و الصغر، أو اختلافها في ذلك. و من ذلك يعلم حكم الحمامات المعدة في البيوت، فلا ينفعل ماؤها بملاقاة النجس مع الاتصال بالأنبوب ما دام يجري منه و مع عدم الاتصال ينفعل بالملاقاة، إلا إذا كان كرّا.

هذا كلّه بحسب الأدلة العامة.

و أما الأخبار الخاصة في الحمام:

فمنها: صحيح ابن سرحان: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الجاري» (1).

و في خبر ابن أبي يعفور عنه عليه السلام أيضا: «قلت: أخبرني عن ماء الحمام، يغتسل منه الجنب، و الصبي، و اليهودي، و النصراني، و المجوسي؟

______________________________

ص: 217


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

.....

______________________________

فقال عليه السلام: إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا»(1).

و عن أبي الحسن الأول عليه السلام: «ماء الحمام لا ينجسه شي ء» (2).

و قد تقدم خبرا فقه الرضوي و بكر بن حبيب (3)، فإن كان المراد بالحمام في هذه الأخبار مطلق ما أعد للاغتسال، و التنظيف بوضع مقدار من الماء فيه ليصرف فيهما، و كان لفظ الحمام الوارد فيها ظاهرا في ذلك ظهورا عرفيا يعتمد عليه، كانت هذه الأخبار مخصصة لما دل على انفعال القليل، فيكون المحصّل من مجموع الأخبار حينئذ: أنّ الماء القليل ينفعل بملاقاة النجس الا ماء الحمام، فإنّه لا ينفعل بالملاقاة- و إن كان قليلا، و اختاره جمع من الفقهاء. قال في المستند:

«إن بلغت مادته كرّا، فلا ينفعل على المشهور، بل بلا خلاف يحضرني الآن، و الأخبار الآتية تدل عليه. و إلا فكذلك أيضا، سواء بلغ مجموع المادة و الحوض كرّا، أم لا، و سواء تساوى سطحاهما الظاهران، أم اختلفا بالانحدار، أو غيره على الأقوى، وفاقا لظاهر الشيخ في النهاية، و الحليّ في المعتبر، و النافع، و الشرائع. و مال إليه طائفة من المتأخرين، و نسبه بعضهم إلى الأكثر، للأصل، و الاستصحاب، و مجموعات طهارة الماء».

و نسب ذلك إلى المحقق السبزواري و المحدث الكاشاني، و اختاره صاحب الجواهر أيضا. هذا كلّه إذا أحرز الإطلاق من كلّ جهة في أخبار الحمام، و أما إذا أحرز عدمه، أو شك فيه، فعمومات أدلة انفعال القليل محكمة، لعدم جواز الاستناد إلى أخبار الحمام حينئذ، كما لا يخفى فلا بد و أن يستفاد حكم ماء الحمام من الأخبار العامة الواردة لبيان أحكام المياه.

و الحق عدم صحة استفادة الإطلاق منها، بل ظهورها فيما إذا كان ماء الحمام كرّا، بل أضعافه، لأنّ جميعها منزلة على الحمامات العامة الموجودة في الخارج- التي يردها الناس للاغتسال، و التنظيف، و التي جعل في الشرع لها

______________________________

ص: 218


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
3- تقدم في صفحة: 216.

.....

______________________________

آداب لبيتها الأول، و الثاني، و الثالث (1)، بل الرابع (2) و العادة قاضية باستحالة كون ماء مثل هذه الحمامات أقل من أكرار الماء، خصوصا في الشتاء- الذي تزدحم فيه الناس إلى الحمامات. و كون ماء حمام عام يرده الناس لقضاء حوائجهم، أقل من الكر، من مجرد الفرض العقلي من دون أن يكون له وجود خارجي، بل لو لا الإجماع على عدم اعتبار ما زاد عن الكر في اعتصام المادة، لأشكل استفادة كونها كرّا من هذه الأخبار، كما صرح به في مصباح الفقيه، لكون المادة في الحمامات التي يردها الناس أضعاف الكر، و قيّم الحمام يراقب، و يتحفظ على أن لا يقل الماء عن المقدار الاحتياطي، فكيف بالمقدار الذي يكون معرضا للاستعمال.

و بالجملة: إذا عرضنا الأخبار الواردة في ماء الحمام على العرف و على أهل الخبرة بالحمامات العامة- قديما و حديثا- يحكمون بأنّها لا تدل على عدم انفعال الماء القليل بشي ء من الدلالات، و لا ربط لها بالقليل أصلا حتّى تكون مخصصة لأدلة انفعاله، فتكون الأخبار الواردة في ماء الحمام موافقة للقاعدة حينئذ، و في مقام بيان تعميم المادة بأنّها إما تكوينية كمادة البئر، و الجاري، أو جعلية، كمادة الحمام المشتملة على الكر، و أضعافه من الماء. فالقول بعدم اعتبار الكرّيّة في المادة، و لا في مجموع ما فيها و ما في الحياض الصغار، لا وجه له، لعدم استفادته من هذه الأخبار.

نعم، حيث وقع الشك في الأذهان: أنّ ما في الحياض الصغار من الحمام تتوارد عليه النجاسات، فسألوا الإمام عليه السلام عن ذلك، و أزال عليه السلام شكهم بتنزيل ماء الحمام منزلة الجاري تارة، و تشبيهه بماء النهر أخرى، و تعليقه بالمادة ثالثة. فيكون المتفاهم من المجموع: أنّه كما أنّ وجود المادة التكوينية في الجاري و النهر ترفع النجاسة و القذارة، فكذا المادة الجعلية في الحمام فيما ورد في ماء الحمام.

______________________________

ص: 219


1- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب آداب الحمام حديث: 5.

.....

______________________________

و ينبغي التنبيه على أمور: الأول: نسب إلى المشهور، كما في الحدائق، أو الأكثر- كما في المسالك- اعتبار كون المادة كرّا: فإن كان ذلك منهم، لأجل التنبيه إلى ما هو موجود في الخارج، لا للاعتبار الشرعي، فلا ريب فيه، كما تقدم. و إن كان لاعتباره شرعا، و عدم كفاية بلوغ مجموع ما في المادة و المجرى و الحوض الصغير كرّا، فلا دليل لهم على ذلك مع أنّه مخالف لقولهم في سائر المواضع- من كفاية مجرد الاتصال في الحفر المتعددة، سواء تساوت سطوحها، أو اختلفت مع صدق الوحدة، و الاتصال عرفا. و من ذلك يظهر أنّه لا وجه لعد قول ما عن جمع: من كفاية كون مجموع ما في المادة و المجرى و الحوض الصغير كرّا، في مقابل ما نسب إلى المشهور، لاعترافهم بالكفاية في الحفر المتعددة المتصلة بعضها مع بعض، و لا خصوصية للمقام يخالفها عند المشهور، كما أنّ قول من فصّل: بين ما إذا تساوت سطوح المجموع، و بين ما إذا اختلفت، فيكفي بلوغ المجموع كرّا في الأول، بخلاف الثاني، لا وجه له أيضا، و لا يعد في مقابل المشهور كما تقدم و يأتي.

الثاني: نسب إلى جمع التفصيل: بين تساوي السطوح في المياه التي تكون في محال مختلفة- و منها ماء الحمام- فيكفي في الاعتصام بلوغ المجموع كرّا، و بين اختلافها، فلا يكفي ذلك، بل لا بد في اعتصام ماء كلّ محلّ من بلوغه بنفسه إلى حد الكرّيّة.

و فيه: أنّ المراد بالاختلاف، إن كان تباين كلّ ماء عن الآخر، بحيث لم يكن بينهما اتصال أبدا، و يكون كلّ ماء أجنبيا عن الآخر، فهو حق لا إشكال فيه.

و أما إن كان المراد، الاختلاف في الجملة مع الاتصال في الماء في الجملة أيضا، بحيث يكفي ذلك في الوحدة الاتصالية العرفية في المياه التي تكون في المحال المختلفة، فيشمله الإطلاق و العموم الدال على اعتصام الكر، لأنّ الماء حينئذ ماء واحد عرفا. و المفروض أنّه كرّ، فيشمله دليل اعتصام الكرّ قهرا، فيكون مرجع اختلاف السطوح المانع عن الوحدة العرفية إلى عدم اتصال المياه

ص: 220

.....

______________________________

بعضها مع بعض اتصالا عرفيا. فيكون النزاع صغرويا، فمن يقول بالاعتصام- أي في صورة الاتصال. و من يقول بعدمه- أي في صورة عدم الاتصال- و قد تقدم في المسائل السابقة بعض ما يتعلق بالمقام فراجع.

الثالث: نسب إلى بعض التفصيل بين الرفع و الدفع- باعتبار كرّيّة المادة وحدها في الأول، دون الأخير.

و فيه: إنّ ظاهر الكلمات في المقام أنّ البحث إنّما هو في الدفع، دون الرفع، فلا وجه للتفصيل.

فتلخص مما تقدم: أنّ المناط في الاعتصام، كفاية بلوغ المجموع كرّا، مع صدق الوحدة عرفا، كما ظهر أنّ عد هذه الأقوال مباينة بعضها مع بعض، لا وجه له، الا القول: بأنّ أدلة ماء الحمام مخصّصة لأدلة انفعال الماء القليل، مع قول المشهور، فإنّهما متباينان.

الرابع: اختلفوا في تقوّي السافل بالعالي، و عكسه، و عدمهما. فنسب إلى العلامة رحمه اللّه في التذكرة، الأول، و نسب إليه في القواعد عدم تقوّي السافل بالعالي، و عن جامع المقاصد و المتأخرين، التقوّي من الطرفين مطلقا.

و الظاهر أنّ هذا النزاع صغرويّ، لأنّ ماء العالي و السافل إن كان متصلا عرفا، و كان المجموع كرّا. فمقتضى الإطلاق و العموم الاعتصام، و عدم الانفعال، و إن كان منفصلا، فهما ماءان لا ربط لأحدهما بالآخر، و لا ينفعهما كرّيّة المجموع. و إن شك في ذلك، فمع العلم بالحالة السابقة يعمل بها، و مع الشك فيها تقدم حكمه في [مسألة 7] من فصل الراكد بلا مادة فيرجع النزاع في التقوّي و عدمه إلى تحقق الوحدة الاتصالية و عدمها.

فروع- (الأول): لو كان ماءان سافل و عال، و لم يكن كلّ واحد منهما كرّا، بل كان المجموع كرّا، و كان الاتصال بأنبوب يجري من العالي إلى السافل، لا يبعد صدق الاتصال- ما دام الجريان- فيعتصم كلّ منهما بالآخر.

و لكنّه مشكل، و يأتي في [مسألة 3] من الفصل الآتي ما ينفع المقام.

(الثاني): قد يوضع على فوهة الأنبوب حاجز فيه ثقوب و يسمّى ب (الدوش)- المتعارف في هذه الأعصار إن جرى الماء من ثقوبه متصلا، فهو

ص: 221

الخزانة وحده أو مع ما في الحياض بقدر الكر (2) من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة أو عدمه، و إذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة (3) بشرط كونها كرا و إن كانت أعلى و كان الاتصال بمثل (المزمّلة). و يجري هذا الحكم في غير الحمام أيضا، فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكر أو أزيد، و كان تحته حوض صغير نجس، و اتصل بالمنبع بمثل المزملة، يطهر، و كذا لو غسل فيه شي ء نجس يطهر مع الاتصال المذكور (4).

______________________________

من ماء المعتصم مع الاتصال بما كان كرّا من الماء، و إن تقاطر منها، و لم يكن عمود الماء متصلا، فهو في الحكم القليل لتحقق الفصل بين القطرات، و انقطاع عمود الماء. نعم، لو جعل الشخص رأسه- مثلا- تحت الدوش قبل حصول التقطير في مائه، و قبل انقطاع عمود الماء، يكون من المعتصم حينئذ فيطهر كلما جرى على بدنه- مثلا- بالملاقاة بعد زوال العين.

(الثالث): لو شك في اعتصام ماء الحمام، فمع العلم بالحالة السابقة، يعمل بها، و مع عدم العلم بها، فقد تقدم حكمه في [مسألة 7] من فصل الراكد بلا مادة.

(2) لإطلاق دليل اعتصام الكرّ، الشامل لكلّ واحد منهما، كما يشمل صورة تساوي السطوح و عدمه أيضا، مع تحقق الاتصال بينهما عرفا.

(3) لصدق أنّ له مادة عاصمة، فيشمله صحيح ابن بزيع (1) كما يشمله إطلاق نصوص الحمام (2) التي وردت لتعميم المادة العاصمة إلى الجعلية أيضا، كشمولها للتكوينية- من الجاري و البئر.

(4) كلّ ذلك لكون الحكم موافقا للقاعدة، فتشمل جميع الموارد التي يصح انطباقها عليها.

______________________________

ص: 222


1- تقدم في صفحة: 149.
2- مر في صفحة: 218.

فصل في ماء البئر

اشارة

(فصل) ماء البئر النابع بمنزلة الجاري (1)، لا ينجس إلّا بالتغير، سواء (فصل في ماء البئر)

______________________________

(1) البئر من المفاهيم المبيّنة العرفية، فيرجع إلى العرف في تشخيصها و مع الشك، فإن كان ماؤها بقدر الكرّ لا ينفعل- حتّى بناء على القول بانفعال البئر- لفرض الشك في صدق البئر فلا يصح التمسك بأدلة انفعال البئر لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و مقتضى إطلاق أدلة اعتصام الكر اعتصامه.

و أما إن كان قليلا، فينفعل على القولين، و إن شك في أنّه بقدر الكرّ أو لا، فقد تقدم حكمه في [مسألة 7] من فصل الراكد بلا مادة.

هذا إذا لم يكن لها مادة عرفا، و أما إن كان لها مادة، فيعتصم بناء على عدم الانفعال، و يمكن القول باعتصامه حتّى بناء عليه أيضا، لعدم شمول أدلة البئر لها، لما مرّ من كونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و يشملها إطلاق قوله عليه السلام في صحيح ابن بزيع: «لأنّ لها مادة» (1) بلا محذور، و هذا التعليل و إن ورد في مورد البئر، لكن المورد لا يكون مخصّصا، فيصح الأخذ بإطلاقه، و إن شك في أنّ له مادة أولا، فقد تقدم حكمه في [مسألة 2] من

______________________________

ص: 223


1- تقدم في صفحة: 149.

كان بقدر الكر أم أقل (2). و إذا تغير ثمَّ زال تغيره من قبل نفسه طهر (3)

______________________________

فصل الماء الجاري فراجع. و لا فرق فيما قلناه بين كون وجوب النزح- على القول به- شرطيّا أو تعبديا.

ثمَّ إنّ الأقوال في ماء البئر خمسة:

الأول: انفعالها مطلقا و جريان حكم القليل عليها، نسب ذلك إلى المشهور بين القدماء، و يأتي دليله و المناقشة فيه.

الثاني: عدم الانفعال مطلقا، و يجب النزح تعبّدا، نسب ذلك إلى الشيخ رحمه اللّه في التهذيب، و العلامة في المنتهى، كما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه القول بالنجاسة أيضا.

و يرد هذا القول: بأنّ استفادة الوجوب التعبدي من أخبار النزح- المختلفة غاية الاختلاف- بعيدة عن الأذهان العرفية المنزلة عليها الأدلة الشرعية.

الثالث: التفصيل بين الكر و القليل، فيعتصم في الأول دون الأخير، نسب ذلك إلى الحسن بن محمد البصروي، و استدل له بموثق عمار (1).

و فيه: أنّ ذلك لا يختص بالبئر، بل هو حكم مطلق الماء كما تقدم.

الرابع: بلوغ الذراعين في كلّ من أطرافه فلا ينفعل، و عدمه، فينفعل، نسب ذلك إلى الجعفي، و لم نعثر له على دليل، كما في الحدائق، و يمكن أن يكون ذلك لاختلافه في الكرّيّة فيرجع إلى الثالث.

الخامس: عدم الانفعال مطلقا، و استحباب النزح و عليه عامة المتأخرين، و نسب إلى العماني و ابن الجهم، و الغضائري أيضا. هذا و الكلّ متفقون على الانفعال بالتغيير، بلا خلاف فيه من أحد من المتقدمين و المتأخرين.

(2) لجملة من الأخبار- التي فيها الصحيح و الموثق و غيرهما- التي استقر عمل الفقهاء عليه منذ أربعمائة عام.

______________________________

ص: 224


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 15.

.....

______________________________

منها: صحيح ابن بزيع المروي عن الرضا عليه السلام بطرق عديدة، و الدال بوجوه من الدلالة: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء، إلا أن يتغيّر ريحه، أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح، و يطيب طعمه، لأنّ له مادة» (1) الظاهر ظهورا عرفيا في اعتصام ماء البئر، بحيث لو ألقي على متعارف الناس لا يتبادر إلى أذهانهم إلا الاعتصام.

و منها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألته عن بئر ماء وقع فيها زبيل من عذرة رطبة، أو يابسة، أو زبيل من سرقين، أ يصلح الوضوء منها؟ قال: لا بأس»(2).

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها، و يصلّي و هو لا يعلم، أ يعيد الصلاة، و يغسل ثوبه؟ فقال: لا يعيد الصلاة، و لا يغسل ثوبه» (3).

و مثلها صحيحته الأخرى.

و منها: موثقة أبي أسامة و ابن عيثم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«إذا وقع في البئر الطير و الدجاجة و الفأرة فانزح منها سبع دلاء. قلنا: فما تقول في صلاتنا، و وضوئنا، و ما أصاب ثيابنا؟ فقال: لا بأس به» (4).

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في البئر يقع فيها الميتة؟ فقال: إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا» (5).

و قد يؤيد الطهارة بوجوه أخرى مذكورة في المفصّلات.

و دعوى: أنّه لا إشكال في دلالة الأخبار على الطهارة إلا أنّ إعراض المشهور عنها أسقطها عن الاعتبار.

مردودة بأنّ الإعراض المسقط منحصر بما إذا لم يستند إلى الاجتهاد، و إعمال النظر في الدلالة، و ظاهرهم في المقام ذلك، فلا اعتبار بمثل هذه الشهرة

______________________________

ص: 225


1- ، الوسائل باب: 16 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.
2- ، الوسائل باب: 16 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
3- ، الوسائل باب: 16 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

.....

______________________________

وهنا و تقوية أصلا.

إن قلت: نعم، و لكن في خبر ابن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة أو رطبة، فقال: لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» (1).

و عن الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كان الماء في الركي كرّا لم ينجسه شي ء» (2).

و بهما يقيد إطلاق ما دل على عدم الانفعال.

قلت: مضافا إلى قصور سند الأول بعمرو بن سعيد، و معارضته كالثاني بصحيح ابن جعفر، فإنّ التعليل في صحيح ابن بزيع حاكم عليهما، مع إمكان حملهما على الغالب.

و استدل على الانفعال تارة: بالإجماعات المنقولة.

و فيه أولا: أنّه يظهر من العلامة في المنتهى، المناقشة في النسبة إلى الأكثر، فكيف بالإجماع، مع إطباق المتأخرين على الخلاف، و وجود المخالف من القدماء.

و ثانيا: أنّ الإجماعات مستندة إلى الاستظهار من الأخبار الدالة على الانفعال، و لا اعتبار بالإجماع المدركي، كما ثبت في محله.

و ثالثا: أنّ اعتبار الإجماع إنّما هو لأجل الاستكشاف عن رأي المعصوم عليه السلام، و نقطع بأنّه لا رأي له عليه السلام غير ما في أيدينا من الأخبار، فلا يكون الإجماع كاشفا و لا يكون معتبرا.

و رابعا: بأنّه معارض بالأخبار الصحيحة المتقدمة عليها من وجوه.

و أخرى: بالأخبار المستفيضة الدالة على النزح (3).

______________________________

ص: 226


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 15.
2- الوسائل باب 9: من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
3- الوسائل أبواب: 15- 22 من أبواب الماء المطلق.

.....

______________________________

و فيه أولا: أنّها موافقة للعامة، فلا بد من طرحها.

و ثانيا: أنّها معارضة بما مر من الصحاح (1) الدالة على الطهارة، فلا وجه للاستناد إليها مع قطع النظر عنها.

و ثالثا: أنّ النزح أعم من النجاسة، و يمكن أن يكون لأجل دفع القذارة، و تنفر الطبع، كما أنّ الطهارة قد تستعمل في ذلك أيضا، فقد ورد أنّ «النورة طهور» (2)، و أنّ «السواك مطهرة» (3).

و رابعا: أنّ الاختلاف الكثير في مقادير النزح، أمارة الاستحباب على ما هو سيرة الأصحاب في غير باب.

و خامسا: بقصور الدلالة فيما استدلوا به على النجاسة، فراجع المطولات، فإنّ فيها كفاية عن تعرضنا. و المظنون أنّه حيث كان أهم المياه في الحجاز، ماء البئر في الأزمنة القديمة و اشتهر انفعالها عند العامة، و أئمة الدين عليهم السلام رأوا أنّهم لو أطلقوا القول بالطهارة فيها، مع استعمال شيعتهم ماءها، و اجتناب العامة عنها، لكان موجبا للتفرقة بينهم زائدا على التفرقة المذهبية، فبينوا لهم ما يظهر منه الانفعال مع موافقة الانفعال للاستقذار الحاصل للنفس، و لعدم تجنب العامة عن شيعتهم، و قد جرى جمع من الفقهاء على ذلك أيضا، جزاهم اللّه خيرا.

ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ وجوب نزح المقادير المقررة شرطيّ لا نفسيّ، سواء قيل بوجوبه أم استحبابه، فيكون إرشادا إلى رفع الاستقذار مطلقا و حيث إنّه قد استقر المذهب على الطهارة مع قلة الابتلاء بماء البئر في هذه الأعصار، يكون تطويل البحث بأكثر من ذلك من صرف الوقت فيما لا ينبغي.

(3) كما هو شأن جميع المياه المعتصمة، و يدل عليه صحيح ابن بزيع المشتمل على قوله عليه السلام: «لأنّ له مادة»(4).

______________________________

ص: 227


1- تقدم في صفحة: 224- 225.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب آداب الحمام حديث: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب السواك حديث: 11 و غيره.
4- تقدم في صفحة: 225.

لأنّ له مادة، و نزح المقدّرات في صورة عدم التغير مستحب، و أما إذا لم يكن له مادة نابعة، فيعتبر في عدم تنجسه الكرية، و إن سمي بئرا كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر و لا نبع لها (4).

مسألة 1: ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير فطهره بزواله

(مسألة 1): ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير فطهره بزواله، و لو من قبل نفسه فضلا عن نزول المطر عليه أو نزحه حتّى يزول (5). و لا يعتبر خروج ماء من المادة في ذلك (6).

مسألة 2: الماء الراكد النجس كرا كان أو قليلا يطهر بالاتصال

(مسألة 2): الماء الراكد النجس كرا كان أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر أو بالجاري أو النابع غير الجاري و إن لم يحصل الامتزاج على الأقوى، و كذا بنزول المطر (7).

______________________________

و قد ذكره الماتن رحمه اللّه أيضا، و قد ظهر مما تقدم وجه استحباب النزح فراجع.

(4) لأدلة انفعال الماء القليل، و تقدم في أول هذا الفصل ما يتعلق بالمقام.

(5) إذ لا موضوعية للنزح، و نزول المطر بالخصوص، بل يكون الأول طريقا لزوال التغير، و المفروض حصوله بنفسه، و الثاني للاتصال بالماء المعتصم، و المفروض حصوله أيضا، لأنّ له مادة.

(6) لإطلاق التعليل، و كفاية مجرد الاتصال بعد زوال التغير.

(7) إما كفاية مجرد الاتصال بالمعتصم، كرّا كان أو جاريا، أو نابعا أو مطرا، فلإطلاق التعليل في الصحيح: «لأنّ له مادة» (1).

و إطلاق قوله عليه السلام: «الماء يطهّر و لا يطهّر» (2).

و أوضح أفراده المعتصم، و قوله عليه السلام: «كلّ شي ء يراه ماء المطر

______________________________

ص: 228


1- تقدم في صفحة: 225.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
مسألة 3: لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير

(مسألة 3): لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير فيطهر بمجرده، و إن كان الكر المطهّر- مثلا- أعلى و النجس أسفل (8) و على هذا: فإذا ألقى الكر لا يلزم نزول جميعه فلو اتصل ثمَّ انقطع كفى (9). نعم، إذا كان الكر الطاهر أسفل، و الماء النجس يجري عليه

______________________________

فقد طهر»(1).

و قوله عليه السلام مشيرا إلى غدير ماء: «ما أصاب هذا شيئا إلا طهره» (2).

المحمول على المعتصم، و قوله عليه السلام: «ماء الحمام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا» (3).

و قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء» (4).

فيستفاد من إطلاق مجموعها قاعدة كلية و هي: «أنّ كلّ ماء معتصم يطهّر غيره بالاتصال معه عرفا، و لو بواسطة ماء آخر» لصدق الاتصال بالمعتصم و لو كان بالواسطة كما تقدم في [مسألة 6] من فصل الماء الجاري، و [مسألة 3] من ماء المطر في قوله: «نعم، لو جرى على وجه الأرض ..» و في ماء الحمام هذا و أما عدم اعتبار الامتزاج فقد تقدم في [مسألة 13] من فصل المياه.

(8) لإطلاق الدليل الشامل للجميع مع أنّ الظاهر أنّ هذه الصورة إجماعية، و حق التعبير أن يقال: و إن كان الكر المطهر مساويا للماء النجس أو القي الماء النجس في الكر الطاهر.

(9) لتحقق الاتصال بالمعتصم عرفا.

______________________________

ص: 229


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال (10).

______________________________

(10) للشك في أنّ هذا النحو من الاتصال موجب لطهارة الفوقاني، فلا يصح حينئذ التمسك بالإطلاقات، فتستصحب النجاسة بلا دليل حاكم عليها، بل يحكم العرف فيه بدفع النجاسة من الفوق إلى الأسفل لا حصول الطهارة من الأسفل للفوق، لوجود الدفع في البين، و لذا لو انعكس و كان الماء العالي قليلا طاهرا، و جرى على الأسفل النجس، لا ينفعل العالي بمثل هذا الاتصال، لمكان الدفع، فليس كلّ اتصال مع المعتصم موجبا للطهارة بل ما صدق عليه الاتصال عرفا، و ما لم يحكم به العرف، أو شك فيه، يرجع إلى الاستصحاب، و مع عدم العلم بالحالة السابقة، فقد تقدم حكمه.

تنبيه: يظهر عن جمع من الفقهاء، منهم المحقق و الشهيد الثاني و العلامة رحمه اللّه في تطهير الماء النجس بخصوص الكر، اعتبار علو الكر و كون إلقائه دفعة. قال المحقق رحمه اللّه في الشرائع: «و يطهر بإلقاء الكر عليه دفعة»، و عن الروضة و التذكرة التعبير: بوقوعه عليه دفعة و نحو ذلك من التعبيرات- التي لا أثر لها في النصوص في هذا الأمر العام البلوى و لم يذكروا ذلك دليلا يصح الاستناد عليه في المقابل الإطلاقات و العمومات بل قال في الجواهر في مقام بيان عدم اعتبار علو الكر المطهر: «فلا أظن أحدا ينازع في الطهارة مع مساواة المطهر، بل عن الروض الاتفاق على حصول الطهارة بذلك، و كذا لو القي الماء القليل المتنجس في الكر».

و الحاصل: أنّ الإلقاء و الوقوع و نحو ذلك من التعبيرات، إن كان لأجل دلالة دليل عليها بالخصوص، فلم يدعيها أحد، و إن كان لأجل حصول الامتزاج بذلك، و هو معتبر، فقد تقدم عدم اعتباره. و إن كان لأجل أنّ طريق تطهير المياه في الأزمنة القديمة كان هكذا، فكانوا يعملون كرا في الخارج و يملأونه من الطاهر ثمَّ يلقونه على الماء المتنجس، فجرت عادة الفقهاء على التعبير بما كان يقع في الخارج، فهو حق. و لكنه لا يصير مدركا للحكم الشرعي.

و أما اعتبار الدفعة، فعن جمع اعتبارها، و في الحدائق: «الظاهر أنّه

ص: 230

مسألة 4: الكوز المملو من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر

(مسألة 4): الكوز المملو من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر، و لا يلزم صب مائه و غسله (11).

______________________________

المشهور». و ظاهر جمع، و صريح آخرين عدم الاعتبار.

و استدلوا لاعتبارها.

تارة: بما أرسله المحقق رحمه اللّه من قوله: «لورود النص في الدفعة».

و يرد: بما عن المدارك: «من أنا لم نعثر عليه في كتب الحديث، و لا نقله ناقل في كتب الاستدلال».

و ما في الجواهر من انجباره بالشهرة، مخدوش بعدم ثبوت الشهرة الجابرة، مضافا إلى أنّ الانجبار بها فيما إذا ورد نص مرسل في الكتب، لا فيما إذا كان الورود من مجرد الدعوى، و فرق بينهما، كما لا يخفى.

و أخرى: بأنّ بالدفعة يحصل الامتزاج، دون غيرها. و فيه: ما تقدم من عدم دليل على اعتباره، مع أنّه أعم من المدعى، كما هو واضح.

و ثالثة بأنّها المتيقن من حصول الطهارة.

و فيه: أنّه لا وجه للأخذ بالمتيقن، مع وجود الإطلاق. نعم، لو كان المراد بالدفعة في مقابل الدفعات المتخلل بينها العدم، فلا ريب في اعتبارها حينئذ، و يمكن أن يكون نظر من اعتبرها إلى ذلك أيضا، كما يمكن أن يكون نظر من يظهر منه اعتبار الإلقاء إلى ذلك، أو إلى حصول الامتزاج، فيكون النزاع لفظيا.

و بالجملة إنّ المسألة كانت ابتلائية في الأزمنة القديمة، و لم يشر في الأدلة لا سؤالا من الناس، و لا ابتداء من المعصوم عليه السلام إلى علوّ المطهّر الدال على الإلقاء عرفا، و لا إلى الامتزاج، و لا إلى الدفعة مع شدة الحاجة إلى البيان و لم يتعرض المتقدمون من الفقهاء لبيان ذلك مع شدة الحاجة إليه فيحصل من ذلك الظن القوي بعدم اعتبار شي ء من ذلك، و لا يقصر هذا الظن من سائر الظنون الاجتهادية التي يعتمد المجتهدون عليها في استنباطاتهم.

(11) للاتصال بالماء المعتصم، فيطهر بذلك الماء و ظرفه، و لا يعتبر في

ص: 231

مسألة 5: الماء المتغيّر إذا القي عليه الكر

(مسألة 5): الماء المتغيّر إذا القي عليه الكر، فزال تغيره به، يطهر، و لا حاجة إلى إلقاء كر آخر بعد زواله (12). لكن بشرط أن يبقى الكر الملقى على حاله من اتصال أجزائه و عدم تغيره، فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس، أو تفرق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقيا على حاله، تنجس، و لم يكف في التطهير (13). و الأولى إزالة التغيير أولا، ثمَّ إلقاء الكر أو وصله به.

مسألة 6: تثبت نجاسة الماء كغيره

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره، بالعلم (14) و بالبينة (15).

______________________________

طهارة الظرف، التعدد المعتبر في تطهير الأواني، لأنّ التعدد معتبر فيها إن كان التطهير بالقليل، دون المعتصم، كما سيأتي في فصل المطهّرات.

(12) لتحقق الاتصال بالمعتصم، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها الدالة على كفاية مجرد الاتصال، و إن زال به التغيير.

(13) لتنجس مقدار المتغير من الكر، و يتنجس الباقي أيضا بالاتصال لكونه قليلا ملاقيا للمتنجس.

(14) لكونه حجة فطرية، كما أثبتناه في بحث حجية القطع في علم الأصول (1).

(15) لكونها من الحجة العقلائية، و لا بأس بالتعرض لحجية البينة هنا إجمالا:

(قاعدة اعتبار البينة) و فيها جهات من البحث:

الأولى: لا ريب و لا إشكال في حجية شهادة العدلين- المصطلح عليها بالبينة- الا أنّ حجيتها هل تكون تعبدية محضة أو أنّها من الحجج العقلائية- حتّى يكفي في اعتبارها عدم ثبوت الردع عنها؟ الظاهر هو الأخير، لما تقدم من أنّه

______________________________

(1)

ص: 232


1- راجع المجلد الثاني من تهذيب الأصول صفحة: 11 الطبعة الثانية- بيروت.

.....

______________________________

قد ارتكز في أذهان العقلاء من كلّ مذهب و ملة من الركون إلى شهادة شاهدين عدلين من مذهبهم. نعم، قد يكون العادل في مذهب غير عادل في مذهب آخر و لا ينافي ذلك التسالم على أصل الكبرى- في الجملة- فتكون شهادة العدلين من العلم العادي النوعي المتعارف لديهم، و إن لم يكن من العلم الوجداني فلا يشملها ما دل على النهي عن اتباع غير العلم، لأنّ العلم في الكتاب و السنة أعم من العلم العادي الاطمئناني، فهي متبعة لديهم مطلقا الا إذا حددها الشارع بحدود و قيود، كما سيأتي تفصيل ذلك في كتاب القضاء و الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

و يشهد لما قلناه أنا لم نظفر بخبر يدل على السؤال عن حجية أصل البينة، بل و لم نظفر من المعصوم عليه السلام لحجيتها من غير سؤال، مع كونها ابتلائية من كلّ جهة.

نعم، جميع ما ورد فيها من الآيات و الروايات، وردت لبيان إقامتها، و الأخذ بها، فأرسل في الكتاب و السنة أصل اعتبارها إرسال المسلّمات.

فراجع.

و يعضد ما قلناه أيضا السيرة العملية من الفقهاء في جميع أبواب الفقه، على العمل بها، و الاعتماد عليها مطلقا إلا ما خرج بالدليل. و عن صاحب الجواهر رحمه اللّه: «ينبغي القطع به بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي، و ظاهر عبارة الكاتب و الشيخ و لا ريب في ضعفه» فإنّ الظاهر أنّ السيرة و الإجماع، و دعوى القطع حصلت عما ارتكز في نفوسهم الشريفة من اعتبار العلم العادي مطلقا، لا لدليل تعبدي.

ثمَّ إنّه وردت في الكتاب الكريم جملة من الآيات الكريمة يستفاد منها اعتبار شهادة العدلين، و كونها من العلم العادي النوعي- الذي يعتبر عند العقلاء- كقوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ (1).

و قوله تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (2).

______________________________

ص: 233


1- سورة البقرة (2) الآية: 282.
2- سورة الطلاق (65) الآية: 2.

.....

______________________________

و قوله تعالى اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ (1).

إلى غير ذلك مما ورد من الآيات الكريمة حول شهادة العدلين- تحملا و أداء- الدالة على المفروغية عن أصل اعتبارها عرفا مطلقا، و في قوله تعالى في مدح النبي صلّى اللّه عليه و آله يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ (2) أيضا نحو دلالة على اعتبارها.

كما يستفاد اعتبارها مطلقا من جملة من الأخبار أيضا، كقول الصادق عليه السلام في معتبرة مسعدة بن صدقة: «كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته، و هو سرقة .. إلى أن قال عليه السلام: أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذه حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة» (3).

و قد عمل به المشهور، و تلوح منه قرائن صحة الصدور، كما لا يخفى.

و يستفاد منه أنّه عليه السلام في مقام بيان إعطاء الضابطة في الموضوعات المشتبهة و أنّ البينة في عرض الاستبانة التي هي عبارة عن العلم، فكأنّه قال عليه السلام: حتى يحصل لك العلم الوجداني، أو العلم العادي النوعي الذي منه البينة.

المقيد بما دل على اعتبار التعدد في البينة.

و عنه عليه السلام أيضا لابنه إسماعيل في صحيح حريز: «إذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم»(4).

المقيد بما دل على اعتبار التعدد في البينة.

و عنه عليه السلام أيضا: «كل شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة»(5).

______________________________

ص: 234


1- سورة المائدة (5) الآية: 106.
2- سورة التوبة (9) الآية: 61.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتب به حديث: 4 ج: 4.
4- الوسائل باب 6 من أبواب أحكام الوديعة حديث 1 ج: 13.
5- الوسائل باب: 61 من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 2 ج: 17.

.....

______________________________

و قد وردت في الشهادة على الهلال أخبار مستفيضة (1) ظاهرة فيما قلناه فإنّ سنخ هذه التعبيرات تدل على المفروغية عن اعتبار البينة مطلقا فتوهم اختصاص اعتبارها بالموارد الخاصة، مما لا وجه له، لأنّ جميع ما ذكر من الموارد الخاصة في الآيات و الروايات من باب المثال لا الاختصاص.

الثانية: هل يشترط في اعتبارها حصول الاطمئنان الشخصي بمفادها أو يكفي النوعي. أو لا يعتبر شي ء؟ مقتضى المرتكزات، و أنّها من العلم العادي، هو الوسط، و الإطلاقات منزلة عليه أيضا. هذا إذا لم يكن اطمينان معتبر على الخلاف. و الا فيشكل اعتبارها، و إن كان هو مقتضى الإطلاق لو لا دعوى الانصراف. و قال في الجواهر: «لا فرق في ثبوت النجاسة بالبينة بين حصول الظن منها، و عدمه، كما في كل مقام تقبل فيه» و ظاهره الشخصي، دون النوعي.

الثالثة: قد اشتهر أنّ مثبتات الأمارات معتبرة، و منها البينة، لكونها طريقا إلى ثبوت الواقع، و كلّما ثبت الشي ء بواقعة يترتب عليه جميع لوازمه و آثاره مطلقا.

و لكن الكلام في تعميم الاعتبار بالنسبة إلى جميع اللوازم و الملزومات مطلقا، أو أنّه تابع لمقدار دلالتها عليها بالدلالة العرفية المعتبرة. و الحق هو الأخير لما فصلناه في الأصول (2). فإطلاق القول بأنّ مثبتات الأمارات معتبرة بقول مطلق يكون بلا دليل.

الرابعة: الضابط في الشهادة العلم بالمشهود به، كتابا لقوله تعالى وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (3).

و كذا قوله تعالى إِلّٰا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (4).

______________________________

ص: 235


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان ج: 7.
2- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 25 ط 2 بيروت.
3- سورة الإسراء (17) الآية: 36.
4- سورة الزخرف (23) الآية: 86.

.....

______________________________

و سنة لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» (1).

و قوله الصادق عليه السلام: «لا تشهدن بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفك» (2).

بل و يدل عليه مفهوم الشهادة أيضا لأنّه من المشهود و هو يساوق العلم و الظاهر أنّ العلم معتبر في الشهادة من حيث الطريقية إلى الواقع لا أن تكون له موضوعية خاصة فيها لأنّ جميع الحجج إنّما تعتبر من حيث الطريقية و الاعتبار من جهة الموضوعية يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

ثمَّ إنّ العلم المعتبر فيها يحتمل أن يكون بمعنى العلم المنطقي الذي لا يحتمل فيه الخلاف و يكون مقابلا للاطمئنان و الظن و يحتمل أن يراد به العلم المصطلح عليه في الكتاب و السنة- أي الاطمئنان الذي يعتمد عليه الناس في أمور معاشهم و معادهم- و مقتضى الجمود على ما تقدم من النظر إلى الشمس و الكف- و إن كان هو الأول و هو المشهور و ادعي عليه الإجماع و تقتضيه مادة الشهادة- الا أنّ ظاهر صحيح ابن وهب جواز الشهادة معتمدا على الاستصحاب و هو: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يكون في داره، ثمَّ يغيب عنها ثلاثين سنة و يدع فيها عياله، ثمَّ يأتينا هلاكه و نحن لا ندري ما أحدث في داره و لا ندري ما أحدث له من الولد إلا أنا لا نعلم أنّه أحدث في داره شيئا و لا حدث له ولد، و لا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتّى يشهد شاهدا عدل أنّ هذه الدار دار فلان مات و تركها ميراثا بين فلان و فلان أو نشهد على هذا؟ قال: نعم» (3).

و خبر حفص بن غياث- الدال على جواز الشهادة مستندا إلى اليد- قال له رجل: «إذا رأيت شيئا في يد رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له قال عليه السلام:

نعم، قال الرجل: أشهد أنّه في يده و لا أشهد أنّه له فلعله لغيره، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام أ فيحل الشراء منه؟!! قال: نعم، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك، ثمَّ تقول

______________________________

ص: 236


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الشهادات حديث: 3 ج: 18.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الشهادات حديث: 1 ج: 18.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب الشهادات حديث: 2 ج: 18.

و بالعدل الواحد على إشكال (16) لا يترك فيه الاحتياط. و بقول ذي اليد

______________________________

بعد الملك هو لي و تحلف عليه، و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(1).

و لكن لا بد من رفع اليد عن ظاهرهما للمعارضة و الهجر و إمكان الحمل على صورة حصول العلم. مع أنّ صحيح وهب ينافي ذيله: «كلّ ما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به».

و بصحيحه الآخر: «اشهد بما هو علمك» (2) و يأتي التفصيل في القضاء و الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

الخامسة: قد تقدم اعتبارها في تمام الموضوعات مطلقا إلا ما دل الدليل على الخلاف، و هي مقدمة على جميع الأصول و القواعد الجارية في الموضوعات مطلقا، كالاستصحاب، و أصالة الطهارة، و التذكية و الصحة و الحقيقة و عدم الحجية و غير ذلك من الأصول، و كقاعدة الفراغ و التجاوز و الحلية و الحيلولة، و يد المسلم و سوقه و غير ذلك من القواعد الموضوعية.

و الوجه في ذلك كلّه تسالم الأصحاب،- بل العقلاء- على أنّ اعتبار القواعد و الأصول الموضوعية من قبيل اللااقتضاء بالنسبة إلى الحجج المعتبرة في الموضوعات، و لا معنى لمعارضة اللااقتضاء مع ما فيه الاقتضاء، و يأتي في كتاب القضاء تتمة الكلام، و الفروع المتعلقة (3)بالمقام إن شاء اللّه تعالى.

(16) نسب إلى المشهور عدم اعتباره في الموضوعات إلا ما خرج بالدليل، لأصالة عدم الحجية و الاعتبار. و عن بعض اعتباره فيها كاعتباره في الأحكام إلا ما خرج بالدليل، لأنّه من موجبات حصول العلم العادي و الاطمئنان

______________________________

ص: 237


1- الوسائل باب: 25 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 2 ج: 18.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الشهادات حديث: 1 ج: 18.
3- كما و سيأتي في صفحة: 253 فروع تتعلق بالقاعدة.

.....

______________________________

لدى الأنام، و لأنّه إذا اعتبر في الأحكام، يعتبر في الموضوعات بلا كلام، و لورود النص على اعتباره في موارد متفرقة يبعد الاختصاص بها و يقرب كونها من باب المثال، كالاعتماد على أذان الثقة، و عزل الوكيل بوصول خبر العزل به، و ثبوت الوصية به، و غير ذلك من الموارد الكثيرة (1).

إن قلت: بين خبر الثقة و العدل الواحد عموم من وجه، إذ يمكن أن يكون ثقة، و لم يكن عدلا، و يمكن العكس، كما إذا كان بحيث يعرض له الاشتباه و النسيان، فما دل على اعتبار خبر الثقة لا يشمل خبر العدل الواحد.

قلت: مورد البحث ما إذا لم يكن في البين عنوان خارجي يمنع القبول، كما أنّ الحكم في البينة أيضا كذلك.

إن قلت: قد تقدم قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر مسعدة بن صدقة: «الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (2).

فحصر عليه السلام الحجة على الموضوعات بالعلم و البينة، و ما ورد في الجبن- في الخبر المتقدم- «كلّ شي ء حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه الميتة» (3).

قلت أولا: إنّ الحصر ليس حقيقيا قطعا، لأنّ قول ذي اليد و سوق المسلم حجة.

و ثانيا: المراد بالاستبانة في خبر ابن صدقة، ما يصح ركون النفس إليه، و يحصل الاطمئنان منه- أي العلم العادي الذي هو المراد من العلم و الاستبانة في الكتاب و السنة- و المفروض أنّ قول الثقة و العدل الواحد من موجباته.

إن قلت: فعلى هذا لا وجه لاعتبار البينة في الفقه مطلقا، لكفاية شهادة

______________________________

(3)

ص: 238


1- تقدم بعضها في صفحة 36: و قد ورد في الوسائل باب 11 من أبواب بيع الحيوان حديث:2و باب: 38 مما يكتسب به حديث: 2 ج: 12
2- . 12.تقدم في صفحة: 234.
3- تقدم في صفحة: 234.

و إن لم يكن عادلا (17). و لا تثبت بالظن المطلق على الأقوى (18).

______________________________

العدل الواحد، فيكون ضم العدل الآخر- أو أربعة عدول في الموارد المختصة من اللغو.

قلت: اعتبار شهادة العدل الواحد لا يستلزم سقوط اعتبار البينة، لدليل خاص يدل عليه بالخصوص في موارد خاصة، كما أنّ اعتبار البينة لا يستلزم سقوط اعتبار ما لا يثبت إلا بأربعة رجال، كالزنى و اللواط و المساحقة.

و يمكن جعل النزاع لفظيا، فمن يقول بعدم الاعتبار- أي فيما إذا لم يحصل الاطمئنان النوعي العادي. و من يقول به- أي فيما حصل ذلك: فما ذهب إليه جمع من اعتباره في النجاسة، لأجل حصول الاطمئنان النوعي من قوله، لا لأجل دليل ورد فيه بالخصوص.

و الحاصل مما تقدم أنّ الاطمئنان العادي العقلائي، حجة عقلائية، و لم يردع عنه الشارع و ما اشتمل من الكتاب و السنة على النهي عن اتباع غير العلم و نحوه من التعبيرات، يراد به غير الاطمئنان العادي العقلائي و قد صرّح بذلك جمع من الفقهاء، منهم صاحب الجواهر في مواضع من كتابه، فراجع.

(17) المراد باليد هنا، و في قاعدة اليد، الاستيلاء العرفي العادي، لا الجارحة الخاصة. و مدرك الاعتبار السيرة العقلائية، و اتفاق الفقهاء، كما في الحدائق، و ورود روايات مختلفة في الأبواب المتفرقة (1). قال في الجواهر:

«و للسيرة القاطعة، و لاستقراء موارد قبول إخبار ذي اليد بما هو أعظم من ذلك من الحل و الحرمة و غيرهما».

و في مصباح الفقيه التمسك بالقاعدة المعروفة: «من ملك شيئا ملك الإقرار به»، و قال:

______________________________

ص: 239


1- منها رواية حفص المتقدمة صفحة 246 و منها ما سواه في الوسائل باب: 8 من أبواب ميراث الزوج حديث: 3. و باب: 25 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى. و باب: 5 من أبواب بيع الحيوان و ستجي ء إن شاء اللّه تعالى عند ذكر قاعدة اليد روايات أخرى.

.....

______________________________

«إذ الظاهر أنّ المراد بهذه القاعدة: أنّ من كان مستوليا على شي ء، و متصرفا فيه، قوله نافذ بالنسبة إليه».

و يدل عليه ما ورد في الدهن المتنجس: من أنّه «ينبه لمن اشتراه ليستصبح به»(1).

فإنّه ظاهر في اعتبار قول ذي اليد، و كذا ذيل صحيح ابن عمار: «قلت:

فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه أنّه يشربه على الثلث، و لا يستحله على النصف يخبر أنّ عنده بختج [1] على الثلث قد ذهب ثلثاه، و بقي ثلثه يشرب منه قال عليه السلام: نعم» (2).

و لكن يظهر من صدر الحديث، عدم الشرب مع الاتهام فيستفاد من مجموع الصدر و الذيل: اعتبار قول ذي اليد إن لم يكن متّهما. فما عن شرح المفاتيح، و شارح الدروس: من عدم اعتبار قول ذي اليد في خصوص النجاسة، تمسكا بقوله عليه السلام: «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (3). و أنّه ليس قول ذي اليد من العلم. ضعيف في الغاية، لأنّ المراد بالعلم مطلق ما هو معتبر شرعا، أمارة كان أو أصلا.

و الظاهر أنّ اعتبار قول ذي اليد، من باب إفادته الاطمئنان العادي النوعي، فيعتبر من هذه الجهة. فيشكل الاعتبار إن لم يكن نوعا كذلك و يمكن أن يستفاد ذلك مما تقدم في صحيح ابن عمار صدرا و ذيلا. و بذلك يمكن أن يجمع بين قول المشهور القائلين باعتباره، و قول من يذهب إلى عدم الاعتبار.

ثمَّ إنّه لا يعتبر في اعتبار قول ذي اليد: الإيمان، و العدالة، لإطلاق الأدلة، و تصريح الأصحاب، بل ظاهر سيرة العقلاء العمل بقوله و لو كان كافرا، و يقتضيه إطلاق تعبيرات الفقهاء أيضا. فتأمل.

______________________________

[1] معرّب بخته أي: العصير المطبوخ.

______________________________

ص: 240


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4 ج: 17.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 4.

.....

______________________________

فرعان- (الأول): عن بعض الفقهاء (قدّس اللّه سرهم): التعبير بالمالك، و عن بعضهم بذي اليد، و عن ثالث الجمع بينهما. و قال في الجواهر:

«يقوى في النظر عموم القبول لكلّ مستول على عين شرعا لملك، أو وكالة، أو إجارة، أو أمانة، أو ولاية و نحوها، بل قد يدور في الذهن قبول الغاصب الذي هو كالمتملك عرفا».

الثاني: لو كان ذو اليد صبيا، فهل يقبل قوله في النجاسة؟ لا يبعد ذلك، لجريان السيرة على الاجتناب عنها مع إخباره، و يأتي في فصل طرق ثبوت النجاسة في [مسألة 10] و ما بعدها ما يرتبط بالمقام.

(18) لأصالة عدم الاعتبار ما لم يكن دليل عليه، و لأنّه لو بني على اعتبار الظن بالنجاسة، لاختل النظام و تعطّل سوق الأنام.

و عن ظاهر النهاية، و صريح الحلبي: ثبوتها به، لابتناء غالب الأحكام على الظنون و فيه: أنّها ظنون دلت على اعتبارها أدلة مخصوصة.

و لامتناع ترجيح المرجوح على الراجح و فيه: أنّه من إحدى مقدمات دليل الانسداد، و لا ينفع ما لم تنضم إليه سائر المقدمات.

و لما في بعض الأخبار(1) من الأمر بغسل الثوب المأخوذ من يد الكافر.

و فيه: أنّه معارض بما يدل (2) على جواز الصلاة فيما يعمله الكافر. و لأنّ السجاد عليه السلام حين أراد به الصلاة كان يلقي الفراء، لأنّ أهل العراق يستحلون الميتة بالدباغ (3).

و فيه: أنّه أعم من النجاسة مع أنّ في لبسه لها دليلا على عدم النجاسة.

فلا اعتبار بمثل هذا الظن، لأصالة عدم الحجية في كلّ ما شك في حجيته التي هي من الأصول المعتبرة المجمع عليها لدى الفقهاء، بل المتفق عليها عند العقلاء- لأنّ الحجية، ما يصح أن يحتج به، و لا يكون ذلك إلا مع ثبوت

______________________________

ص: 241


1- الوسائل: 14 من أبواب النجاسات و باب: 50 حديث: 1 منها.
2- الوسائل باب: 73 من أبواب النجاسات.
3- الوسائل باب: 61 من أبواب النجاسات حديث: 2.
مسألة 7: إذا أخبر ذو اليد بنجاسة

(مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسة، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة (19)، و إذا تعارضت البينتان تساقطتا (20) إذا

______________________________

الحجة، و الجزم بها و مع الشك فيها لا يصح ذلك، فيكفي الشك في الحجية في عدم الحجية، و قد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة كما فصلناه في الأصول(1).

(19) لأنّ عمدة الدليل على اعتبار قول ذي اليد: السيرة، و الإجماع، و المتيقن منهما، ما إذا لم تكن أمارة أقوى على الخلاف، و البينة أقوى من اليد.

نعم، إن شهدت البينة بأصالة الطهارة، تقدم اليد عليها كتقدم كل أمارة على الأصل، لأنّ البينة أقوى الأمارات بعد الإقرار إذا كان المشهود به علميا، كالشمس، و كما ينظر إلى الكف. و أما إذا كان أصلا أو أمارة ظنية، فتقدم الأمارة عليها و إن استندت إلى الأصل مطلقا، يدا كانت الأمارة أو غيرها. و أما إذا استندت إلى الأمارة، كأن شهدت البينة بقول ذي اليد- مثلا- فلا وجه لتقديمها على اليد مطلقا، بل لا بد من إعمال المرجحات الموجبة لحصول العلم بإحداهما، فيؤخذ بها و تترك الأخرى.

(20) لقبح الترجيح بلا مرجح، و عدم إمكان الأخذ بهما، فلا بد من التساقط. و لكن سيأتي إن شاء اللّه تعالى في كتاب القضاء، ظهور الأخبار الواردة في تعارض البينات في عدم التساقط، و لزوم إعمال المرجح. إلا أن يقال: إنّها مختصة بخصوص مورد التخاصم عند الحاكم. و إن كان في إحديهما ترجيح، يمكن القول بالأخذ بها، لبناء العقلاء على الأخذ بذي المزية عند التعارض.

ثمَّ إنّ الحكم بالتساقط مبنيّ على اختصاص التخيير بخصوص تعارض الأخبار، لورود التخيير في الأخبار (2)العلاجية بعد فقد المرجح و أما إن قلنا أنّ التخيير بعد فقد المرجح، موافق للسيرة العقلائية عند تعارض الحجج، مع عدم وجود المزية، و قد ورد التخيير في الأخبار (3) العلاجية موافقا لها، فيثبت في

______________________________

ص: 242


1- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 62 ط 2 بيروت.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي.

كانت بينة الطهارة مستندة إلى العلم (21)، و إن كانت مستندة إلى الأصل، تقدم بينة النجاسة (22).

مسألة 8: إذا شهد اثنان بأحد الأمرين، و شهد أربعة بالآخر

(مسألة 8): إذا شهد اثنان بأحد الأمرين، و شهد أربعة بالآخر، يمكن- بل لا يبعد- تساقط الاثنين بالاثنين، و بقاء الآخرين (23).

______________________________

المقام أيضا. و لكن ظاهر الفقهاء (قدّس اللّه سرّهم) عدم تخيير الحاكم في تعارض البينتين، فإن كان إجماع، يقبل في مورده. و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(21) لأنّ المناط في التعارض، و التساقط: كون المتعارضين في عرض واحد- بأن كانا إما مستندين إلى العلم، أو العلمي. و إن اختلفا- بأن كان أحدهما مستندا إلى الأصل، و الآخر إلى العلم أو العلمي- يقدم الآخر على ما استند إلى الأصل مطلقا، و لا تعارض حينئذ في البين.

(22) هذا من باب المثال. و إلا فلو كانت بينة النجاسة مستندة إلى الأصل، تقدم بينة الطهارة عليها.

فروع- (الأول): لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة، للأصل و الإطلاق. إلا إذا دعت ضرورة إليه، و يأتي في [مسألة 4] من فصل طريق ثبوت النجاسة ما ينفع المقام.

(الثاني): لا يشترط في اعتبار البينة قيامها عند الحاكم الشرعي، بل كلّ من قامت لديه بينة الطهارة أو النجاسة، له أن يعمل بها، بل قد يجب.

(الثالث): لو كانت البينة وسواسيا ففي اعتبار شهادتها في النجاسة إشكال.

(الرابع): لو قامت البينة على أحدهما، و علم بخطإ مستندها، لا اعتبار بها.

(الخامس): لو كانا عدلين عند شخص، و فاسقين عند آخر فللأول ترتيب الأثر، بخلاف الآخر.

(23) إن كان بقاؤهما لأجل عدم صدق التعارض بالنسبة إليهما، فهو خلاف

ص: 243

مسألة 9: الكرية تثبت بالعلم و بالبينة

(مسألة 9): الكرية تثبت بالعلم و بالبينة (24)، و في ثبوتها بقول صاحب اليد وجه، و إن كان لا يخلو عن إشكال (25). كما أنّ في إخبار العدل الواحد، أيضا إشكالا (26).

مسألة 10: يحرم شرب الماء النجس إلا في الضرورة

(مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس إلا في الضرورة (27) و يجوز سقيه للحيوانات (28)، بل و للأطفال أيضا (29). و يجوز بيعه مع الإعلام (30).

______________________________

المتعارف. و إن كان لأجل الترجيح بالأكثرية، كما يأتي في كتاب القضاء، فهو مبنيّ على التعدي عن مورد التخاصم و فصل الخصومة إلى جميع موارد قيام البينة، و لا دليل عليه إلا دعوى: أنّ الترجيح مطلقا موافق للسيرة العقلائية، و قد ورد الدليل على طبقها.

(24) لما تقدم من عموم اعتبارها مطلقا، إلا ما خرج بالدليل.

(25) إن كان ذو اليد من أهل الخبرة و الاطلاع بالكرّيّة، فالظاهر قبول قوله فيها، لجريان دليل اعتباره حينئذ. و إن لم يكن كذلك، فمقتضى الأصل عدم الاعتبار بعد الشك في شمول دليل اعتباره لهذه الصورة.

(26) ما لم يفد الاطمئنان النوعي، كما تقدم تفصيله.

(27) بضرورة من المذهب، بل الدين في كلّ من المستثنى و المستثنى منه.

(28) للأصل: نعم، يكره لما عن أبي بصير: «عن البهيمة، البقرة و غيرها، تسقى و تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه. أ يكره ذلك؟ قال عليه السلام: نعم، يكره ذلك»(1).

(29) مناهي الشريعة المقدسة على أقسام:

الأول: ما علم أنّ أصل تحققه مبغوض مطلقا، سواء كان بنحو المباشرة أم

______________________________

ص: 244


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5 و 4.

.....

______________________________

التسبيب كالمتعلقة بالدماء و الأعراض، و الأموال، و كلّ ما يضر، و شرب المسكر و نحو ذلك، و لا ريب في حرمة التسبب بها إلى غير المكلّف، صبيا كان أو مجنونا.

الثاني: ما يختص بخصوص المكلّفين، كترك الصلاة- مثلا- و لا ريب في اختصاصها بخصوصهم، و عدم حرمة التسبب بالنسبة إلى غير المكلّفين.

الثالث: ما يشك في أنّها من أيّهما، و مقتضى الأصل عدم حرمة التسبب فيها، فيلحق بالثاني. هذا بحسب القاعدة.

و نسب إلى المحقق الأردبيلي (قدّس سرّه): أنّ الناس مكلّفون بإجراء أحكام المكلّفين على الأطفال فإن تمَّ إجماعا، و حرم التسبب إلى أكل الحرام بالنسبة إلى المكلفين، حرم بالنسبة إلى الأطفال أيضا. و لكن البحث في كلّ من الصغرى و الكبرى، و يأتي- إن شاء اللّه تعالى- في [مسألة 32] و ما بعدها من فصل في صحة الصلاة، ما ينفع المقام.

(30) لجواز بيع كلّ ما فيه غرض عقلائي غير منهيّ عنه شرعا. أما وجوب الإعلام، فلقول الصادق عليه السلام في الزيت: «فلا تبعه إلا لمن تبيّن له، فيبتاع للسراج. و أما الأكل فلا» (1).

و قوله عليه السلام في الزيت أيضا: «و أعلمهم إذا بعته» (2).

و قوله عليه السلام فيه أيضا: «و ينبه لمن اشتراه ليستصبح به» (3).

و يستفاد منه التعميم، بعد القطع بعدم خصوصية المورد و هل يكون وجوب الإعلام نفسيا، أو شرطيا لصحة المعاملة، أو إرشاديا محضا، لئلا يستعمله فيما يعتبر فيه الطهارة؟ وجوه، أقواها الأخير. و يأتي التعرض لها في كتاب البيع، إن شاء اللّه تعالى و حينئذ فلو علم المشتري بالنجاسة، يسقط وجوبه. و أما الاستدلال على وجوب الإعلام: بأنّ في تركه تسبيبا للوقوع في الحرام فسيجي ء، في بيان قاعدة حرمة التسبيب إلى الحرام في [مسألة 32] من (فصل يشترط في صحة الصلاة) ما ينفع المقام، إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

ص: 245


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به.

فصل الماء المستعمل في الوضوء

اشارة

(فصل) الماء المستعمل في الوضوء طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث (1)، و كذا المستعمل في الأغسال المندوبة (2). و أما المستعمل (فصل الماء المستعمل في الوضوء)

______________________________

(1) أما الأول، فبضرورة المذهب. و أما الثاني، فللأصل و الإجماع المحصل و المنقول، و العمومات، و الأخبار الخاصة كقول الصادق عليه السلام:

«و أما الماء الذي يتوضأ الرجل به، فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به» (1).

و سئل علي عليه السلام: «أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة من المسلمين أحب إليك، أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال عليه السلام: لا، بل من فضل وضوء جماعة من المسلمين فإنّ أحبّ دينكم إلى اللّه الحنفية السمحة السهلة»(2)

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الوضوء الرافع و غيره، و لا ما يستعمل في الغسل، أو المضمضة أو الاستنشاق بشرط صدق الماء، و لا بين الرجل و المرأة.

و نسب إلى الشهيد في الذكرى، و المفيد: استحباب التنزه، و لا دليل لهما

______________________________

ص: 246


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المضاف حديث: 3. و الركو: زق يتخذ للخمر و الخل و المخمرة: أي المغطى.

في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن، لا إشكال في طهارته (3) و رفعه للخبث (4). و الأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضا. و إن كان

______________________________

على الاستحباب الشرعي: إلا أن يريدا مطلق الرجحان العرفي خصوصا بالنسبة إلى غير المبالي بالطهارة و النجاسة، و من لا يتجنب عن مطلق القذارة، فإنّ ذلك يوجب التنفر عن استعمال ما استعمله و لو في الوضوء.

(2) للأصل، و إطلاق ما دل على أنّ الماء طاهر و مطهّر، و ظهور الإجماع، كما في الحدائق.

(3) للأصل، و الإجماع بقسميه، و عمومات طهارة الماء. و يكفي في كونه رافعا للخبث، عمومات مطهرية الماء مضافا إلى دعوى الإجماع، كما عن غير واحد.

(4) على الأشهر، بل المشهور بين المتأخرين، للأصل، و العمومات و الإطلاقات- من الكتاب و السنة- و لأنّه كان مورد الابتلاء في الجنابة و الحيض، و النفاس، و الاستحاضة، و غسل الميت، كما هو ظاهر تعبير الأصحاب في الحدث الأكبر، فلو وجب الاجتناب لشاع و بان في مثل هذا الأمر العام البلوى. و لصحيح ابن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: «عن الرجل يصب الماء في ساقية أو مستنقع، أ يغتسل منه للجنابة، أو يتوضأ للصلاة إذا كان لا يجد غيره؟ .. إلى أن قال عليه السلام:- و إن كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه فإنّ ذلك يجزيه» (1)

فإنّه ظاهر في جواز الاغتسال مما يرجع فيه.

إن قلت: يختص ذلك بحال الضرورة، كما يستفاد من الصحيح.

قلت أولا: بناء على المانعية، لا فرق بين الضرورة و غيرها. و ثانيا:

______________________________

ص: 247


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.

.....

______________________________

الظاهر أنّ المراد بقوله عليه السلام: «لا يكفيه لغسله ..» عدم الكفاية على ما هو المتعارف من الصب على الأعضاء، و ذهاب الغسالة هدرا، لا ما إذا اجتمعت الغسالة و اغتسل منها أيضا، فإنّ الصحيحة كالصريحة في كفاية الماء حينئذ، صدرا و ذيلا، فيكون قوله عليه السلام: «يجزيه» دليلا على جواز الاغتسال بغسالة غسل الجنابة.

و استدل أيضا بصحيح ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره: أغتسل من مائه؟ قال: نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه، و جئت فغسلت رجلي و ما غسلتهما إلا بما لزق بهما من التراب» (1).

و فيه: إنّ الاغتسال في الحمام و من مائه، أعم من أن يكون بغسالة غسل الجنابة، كما هو أوضح من أن يخفى. و قد استدل أيضا بأخبار أخرى ظاهرة الخدشة من شاء العثور عليها، فليراجع الحدائق و غيره من المطولات.

و نسب إلى جمع منهم الصدوقان و ابن حمزة و البراج (قدّس اللّه سرّهم):

المنع عن استعماله في رفع الحدث، لقاعدة الاشتغال.

و فيه: أنّها محكومة بالعمومات، مع أنّ الشك في أصل الشرطية، فالمرجع البراءة. و بجملة من الأخبار:

منها: خبر ابن سنان، عن الصادق عليه السلام: «لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل، فقال عليه السلام: الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه، و أما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف، فلا بأس أن يأخذ غيره و يتوضأ به» (2).

و نوقش فيه أولا: بضعف السند لأحمد بن هلال. و يمكن دفعه: بأنّ المناط الوثوق بالصدور. و قد ذكر شيخنا الأنصاري رحمه اللّه قرائن تدل عليه، و لذا اعتمد الوحيد البهبهاني رحمه اللّه عليه.

______________________________

ص: 248


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 13.

.....

______________________________

و ثانيا: أنّه منزل على الغالب من اشتمال بدن الجنب على النجاسة خصوصا بالنسبة إلى نوع الناس في الأزمنة القديمة. و يؤيد ذلك إطلاق قوله عليه السلام في صدر الحديث: «لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل».

فإنّه يدل على أنّ المستعمل من حيث إنّه مستعمل لا يكون مانعا عن رفع الحدث به. نعم، حيث إنّ الثوب و بدن الجنب يشتملان على النجاسة غالبا، لا يجوز أن يستعمل الماء المستعمل فيهما في رفع الحدث. و لذا قال في مصباح الفقيه:

«بل الإنصاف أنّي أجد هذه الرواية في حد ذاتها على خلاف مطلوبهم أدل».

و يظهر ذلك من صاحب الجواهر أيضا.

و ثالثا: أنّها موافقة للعامة مع إعراض كثير من المتأخرين، و جملة من القدماء عنها، كما في الجواهر.

و منها: صحيح ابن مسكان، قال: «حدثني، صاحب لي ثقة أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل و ليس معه إناء و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء، كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، و كفا من خلفه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، ثمَّ يغتسل» (1).

و فيه أولا: أنّه إرشاد إلى الاهتمام بترك ما يوجب استقذار الناس من الماء في المحل الذي تشتد حاجتهم إليه، فلا ربط له بالمقام.

و ثانيا: أنّ ما تقدم من غلبة اشتمال بدن الجنب يمنع عن استفادة الإطلاق منه.

و ثالثا: بيان هذا الحكم العام البلوى بمثل هذه الإشعارات، ليس من شأن الإمام عليه السلام.

______________________________

ص: 249


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

.....

______________________________

ثمَّ إنّ قوله عليه السلام: «ينضح بكف ..» يحتمل وجوها:

الأول: الاقتصار في الغسل على أقل ما يمكن، لأنّ الماء محل احتياج الناس، فيغتسل بأربعة أكف، و يقتصر بمثل التدهين، كف لقدام البدن، و كف لخلفه، و كف لليمين، و كف لليسار.

الثاني: رش الأرض لتجتمع أجزاؤها فلا ينحدر ما ينفصل من البدن إلى الماء. و لا يخفى أنه خلاف المحسوس.

الثالث: بلّ الجسد قبل الاغتسال، ليسهل الاغتسال، و يتعجل به قبل أن ينحدر ما ينفصل منه و يعود إلى الماء.

الرابع: بلّ الأرض ليسرع عود الماء إلى محله، و لا ينقص من الماء شيئا معتنى به، فيكون على خلاف مطلوبهم أدل.

و منها: الأخبار الدالة على النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام (1).

و فيه: مضافا إلى الاستقذار النوعي، أنّ الظاهر، بل المقطوع به نجاستها و في الجواهر: «مع تضمن كثير منها التعليل بغسالة اليهودي، و النصراني و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت- و هو شرّهم- و ولد الزنا، و الجنب عن الحرام. مع أنّ في بعضها، ضعفا، و لذلك قال في المنتهى: أنّه لم يصل إلينا غير حديثين ضعيفين .. إلى أن قال-: بل في بعضها إشعار بالكراهة، كما في خبر علي بن جعفر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام، فلا يلومنّ إلّا نفسه. فقلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ أهل المدينة يقولون: إنّ فيه شفاء من العين، فقال:

كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام، و الزاني، و الناصب- الذي هو شرهما، و كلّ من خلق اللّه- ثمَّ يكون فيه شفاء من العين!!» (2).

و منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن ماء الحمام، فقال: ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيهم (فيه)

______________________________

ص: 250


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

.....

______________________________

جنب، أو يكثر أهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا» (1).

و فيه أولا: أنّ المراد من ماء الحمام إما ما في الحياض الكبار، أو ما في الصغار، أن الغسالة الجارية على أرض الحمام. و الأول لا ربط له بالمقام لأنّ المراد بالغسالة الماء القليل، و ما في الحياض الكبار أضعاف الكر. و الثاني أيضا كذلك، لاتصالها بالكبار، مع أنّه لم يعهد الاغتسال في الحياض الصغار، بل يغتسل حولها. و الثالث مما لا يقدم عليه ذو شعور أبدا، مع أنّه لو كان المراد ذلك لزم على الإمام عليه السلام الإرشاد إلى الاغتسال مما في الحياض، لا تقريره في الجملة.

و ثانيا: لم يقل أحد بحرمة الاغتسال أو كراهته في الحمام من ماء آخر فلا بد من صرف النهي عن ظاهره.

و ثالثا: لم يقل أحد بعدم الاغتسال من ماء الحمام فيما إذا كثر أهله، و لم يعلم أنّ فيه جنبا أم لا، كما يدل عليه ذيل الحديث.

و رابعا: يعارضه خبر الواسطي قال: «سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام لا أعرف اليهودي من النصراني، و لا الجنب من غير الجنب، قال: تغتسل منه، و لا تغتسل من ماء آخر، فإنّه طهور» (2).

فلا بد من حمل الصحيحة على ما هو الغالب من اشتمال بدن الجنب على النجاسة بعد العلم بأصل وجوده في الجملة. و استعماله الماء الذي يستعمله غيره، و حمل خبر الواسطي على غير ذلك.

فتلخّص: أنّ ما استدل به على المنع، مخدوش. فالأصل و الإطلاق و العموم، محكم.

و يؤيد الجواز ما عن ابن عباس: «اغتسل بعض أزواج النبي صلّى اللّه عليه و آله في جفنة فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يتوضأ منها، فقالت: يا رسول اللّه إنّي كنت جنبا. فقال: إنّ الماء لا يجنب» (3).

______________________________

ص: 251


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.
3- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 2.

الأحوط مع وجود غيره التجنب عنه (5). و أما المستعمل في الاستنجاء-

______________________________

و يؤيده أيضا سهولة الشريعة المقدسة.

(5) لأنّ الاحتياط هو المعلوم مما استدل به على المنع من أخبار الباب و خروجا عن خلاف من خالف من الأصحاب. و مع الانحصار، الأحوط الجمع بين التطهير به و التيمم. و يتعلق بذلك المسائل الآتية:

فروع- (الأول): لو اغترف من إناء و اغتسل في الخارج، لا يكون ماء الإناء من الغسالة.

(الثاني): الظاهر شمول الحكم منعا و كراهة- لمطلق الحدث الأكبر و ذكر الجنابة في الأخبار من باب المثال، لتعبير الفقهاء بغسالة الحدث الأكبر، كما اعترف به في الجواهر. و قد تقدم في خبر ابن سنان قوله «و أشباهه» بناء على عطفه على الماء الذي يغتسل به من الجنابة. و يظهر من صاحب الحدائق رحمه اللّه التردد فيه.

(الثالث): لو وقع الماء من عضو على عضو آخر، مثل الرأس و الجسد لا يكون من المستعمل، لكونه عبارة عما انفصل عن البدن، لا ما انتقل من محل إلى محل آخر.

(الرابع): المراد من الغسل، الغسل الصحيح الذي يكون رافعا للحدث.

فلو اغتسل مع فقد شرط أو وجود مانع، فلا تشمله الأدلة.

(الخامس): لو اجتمعت أحداث من الأكبر على المرأة، و اغتسلت غسلا واحدا لها، لا يبعد اشتداد الكراهة في استعمال هذه الغسالة، و تأكد المنع على القول به.

(السادس): الظاهر كون الحكم من الوضعيات، فلا يدور مدار التكليف.

فلو اغتسل الصبيّ الجنب، يجري على غسالته الحكم، بناء على صحة غسله.

(السابع): هل الحكم مترتب على تمام الغسل، فلو غسل رأسه- مثلا- ثمَّ مات قبل تمام الغسل، لا يجري فيه المنع أو الكراهة، أو يشمل البعض

ص: 252

.....

______________________________

أيضا؟ وجهان: المنساق من الأدلة هو الأول، و على هذا لو غسل رأسه في إناء، و طرفه الأيمن في إناء آخر و الأيسر في إناء ثالث، لا يجري عليها حكم الغسالة.

(الثامن): لو استهلكت الغسالة في ماء آخر، فمقتضى استصحاب بقاء الحدث، عدم الاكتفاء به في رفعه. إلا أن يتمسك بإطلاق أدلة طهورية الماء بالنسبة إلى الماء المستهلك فيه.

(التاسع): لا فرق فيما مر بين الغسل الترتيبي و الارتماسي. لو ارتمس جنبان في ماء قليل دفعة، لا يكون من المستعمل بالنسبة إليهما، بل يكون منه بالنسبة إلى غيرهما.

(العاشر): لو اجتمع الماء المستعمل في الحدث الأكبر، و صار بقدر الكر، الظاهر بقاء الحكم، و هل يرتفع بالاتصال بالمعتصم مع عدم الاستهلاك؟

مقتضى الأصل عدمه، و يأتي بعض الفروع المتعلقة بالمقام في المتن.

(الحادي عشر): غسل مستصحب الجنابة، كمتيقنها، و مقتضى الأصل عدم ترتب الحكم على الماء المستعمل في الغسل الاحتياطي، خصوصا الاستحبابي. و إن كان الأحوط ترتبه، خصوصا في الوجوبي.

(الثاني عشر): لا فرق في الحكم المذكور بين المغتسل بنفسه، و بين غيره. فمن اغتسل في إناء و جمعت غسالته فيها، ثمَّ أجنب و أراد أن يغتسل ثانيا بما اجتمع من غسالة غسله الأول، يترتب عليه الحكم. نعم، في الغسل الواحد لو أخذ مما استعمله بغسل الرأس و الرقبة- مثلا- ثمَّ استعمل لغسل الطرف الأيمن، الظاهر عدم ترتب الحكم عليه.

(الثالث عشر): لو اغتسل ثمَّ أجنب و كان على بدنه ماء من غسل جنابته الأولى، و أراد أن يغتسل بهذا الماء، ففي كونه من الماء المستعمل وجهان، و يأتي في [مسألة 11] من فصل «غسل الجنابة مستحب نفسي» ما يتعلق بالمقام.

ص: 253

و لو من البول (6) فمع الشروط الآتية طاهر (7)، و يرفع الخبث أيضا (8).

(ماء الاستنجاء)

______________________________

(6) لإطلاق النص و الفتوى، مع ملازمة الغائط للبول غالبا. فتنزيل الأدلة على خصوص الأول تنزيل لها على الفرد النادر، مع أنّه يطلق الاستنجاء على غسل مخرج البول عند المتشرعة، بل و في الأخبار أيضا، ففي صحيح زرارة قال: «كان عليه السلام يستنجي من البول ثلاث مرات، و من الغائط بالمدر و الخرق» (1).

و في خبر نشيط عن الصادق عليه السلام قال: «سألته كم يجري من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل» (2).

و في موثق عمار، عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال: يبدأ بالمقعدة ثمَّ بالإحليل» (3).

و يظهر منه المفروغية عن صدق الاستنجاء عليهما، فهو في اللغة و إن اختص بتطهير محل الغائط، لكن بحسب العرف أعم منه، و من تطهير مخرج البول، و الأخبار منزلة عليه.

(7) إجماعا، تحصيلا و منقولا، نصا و ظاهرا، على لسان جملة من علمائنا. و نصوصا معتبرة مستفيضة، منها خبر محمد بن النعمان، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخرج منه الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال: لا بأس به» (4).

و منها: خبر الأحول عنه عليه السلام أيضا: «الرجل يستنجي فيقع ثوبه

______________________________

ص: 254


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.

لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث، و لا في الوضوء و الغسل المندوبين (9). و أما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء، فلا يجوز

______________________________

في الماء الذي استنجى به؟ فقال: لا بأس به، فسكت. فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا و اللّه جعلت فداك، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر» (1).

و منها: خبر الهاشمي عنه عليه السلام أيضا: «عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به، أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا» (2).

و منها: مصحح ابن نعمان عنه عليه السلام أيضا قال: «قلت له:

أستنجي ثمَّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب؟ فقال: لا بأس به» (3).

و المنساق من مثل هذه الأخبار عند العرف و المتشرعة الطهارة، و لم يصل إلينا مما دل على طهارة الأشياء إلا بمثل هذه التعبيرات، فلا وجه لاحتمال: أنّ مفادها العفو عنه، و هو أعم من الطهارة، كما لا وجه لاحتمال النجاسة، و طهارة الملاقي، لأنّ كلّ ذلك خلاف المنساق منها. و كذا لا وجه للإشكال على الإجماعات بخلو كلمات القدماء عن التصريح بالطهارة، للنقض بخلوها عن التصريح بالعفو أيضا، مع أنّ الغالب في كلماتهم الشريفة التعبير بما في النصوص، و فيها كفاية على فرض صحة احتمال إرادة العفو في عبارة بعض القدماء و بها تخصص ما دل على انفعال القليل و قاعدة: أنّ كلّ نجس منجس.

(8) لأنّه مقتضى طهارته، فتشمله الإطلاقات و العمومات الدالة على مطهّرية الماء. نعم، بناء على عدم الطهارة، و مجرد العفو عنه، لا وجه لكونه مطهّرا. و لكنّه ممنوع، كما تقدم.

(9) كلّ ذلك لظهور الإجماع- الذي حكاه جمع- و لتنفر الطباع و إطلاق ما تقدم من قول الصادق عليه السلام- في خبر ابن سنان: «الماء الذي يغسل به

______________________________

ص: 255


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 5.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 4.

استعماله في الوضوء و الغسل (10). و في طهارته. و نجاسته، خلاف (11). و الأقوى أنّ ماء الغسلة المزيلة للعين

______________________________

الثوب أو يغتسل به من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه» (1).

بناء على أنّ ذكر غسل الثوب من باب المثال، و عن صاحب الحدائق و المستند و غيرهما رحمهم اللّه: جواز رفع الحدث به أيضا للعموم و الإطلاق، و المناقشة في الخبر و الإجماع، فراجع.

فروع- (الأول): هل يكون عدم جواز استعماله في رفع الحدث من الشروط العلمية، فلو توضأ به جهلا أو نسيانا يصح، أو يكون شرطا واقعيا؟ يظهر منهم الثاني، و ظاهرهم الإجماع عليه.

(الثاني): لا فرق في ماء الاستنجاء بين الرجل و المرأة و الخنثى، و الكبير و الصغير، و النظيف و القذر، و لا يبعد دعوى الانصراف عمن لا يبالي بالنجاسة مطلقا. كما لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كان بمباشرة منه أو بالآلة، أو بيد الزوجة أو الأمة.

(الثالث): لو أزال العين عن المحل بغير الماء، ثمَّ استنجى بالماء، فالظاهر شمول الحكم له.

(10) لخبر ابن سنان المتقدم، و الإجماع المدعى عن المعتبر و المنتهي.

(11) نسبت الطهارة إلى جماعة من المتقدمين، و النجاسة إلى أكثر المتأخرين، و هما عمدة الأقوال، و هناك أقوال أخر أنهاها في الجواهر إلى عشرة، و قد صارت من الأقوال النادرة فيما قارب هذه الأعصار، فلا وجه للتعرض لها.

ثمَّ إنّ البحث في المقام بعد الفراغ عن انفعال القليل مطلقا. و إلا فلا وجه للنجاسة، كما أنّه في صورة عدم التغيير، و إلا فلا خلاف.

أدلة القول بالطهارة و المناقشة فيها:

______________________________

ص: 256


1- تقدم في صفحة 248.

.....

______________________________

استدل على الطهارة، بعد الأصل الذي يكفي للطهارة ما لم تثبت النجاسة، بأمور:

الأول: أنّ أدلة انفعال الماء القليل لا تشمل المستعمل في غسل الأخباث.

و فيه: أنّه خلاف إطلاقها و عمومها. مع أنّه خلف الفرض، لما تقدم أنّ هذا البحث بعد الفراغ عن انفعاله مطلقا.

الثاني: أنّ المؤثر في طهارة الشي ء لا يتأثر عن نجاسته، لأنّ المتنجس لا يكون مطهّرا، بل قد يدعى استحالة ذلك عقلا.

و فيه: أنّه لا استحالة من عقل أو نقل في أن يتحمل الطاهر النجاسة و القذارة عن المحل، فينفعل الحامل و يطهر المحمول عنه، و في شهادة العرف بذلك غنى و كفاية، و يأتي في [مسألة 2]، من «فصل المطهّرات» ما ينفع المقام.

الثالث: جملة من الأخبار:

منها: أخبار طهارة ماء الاستنجاء المتقدمة، خصوصا المشتمل على قوله عليه السلام: «أو تدري لم صار لا بأس به؟ قلت: لا و اللّه. قال عليه السلام:

لأنّ الماء أكثر من القذر» (1).

فيدل على أنّه كلما كان الماء فيه أكثر من القذر، يكون طاهرا.

و فيه: ما تقدم من أنّ مقتضى القاعدة: انفعال القليل إلا ما خرج بالدليل، و ماء الاستنجاء خرج عنها نصا و إجماعا، و بقي الباقي. و جريان العلة في غيره يحتاج إلى دليل على التعميم للغير، و هو مفقود، مع أنّ كونها من العلة الحقيقية- حتّى تجري في غير المورد- أول الدعوى، و يكفي الشك فيها في عدم الجريان في غير موردها.

و منها: مثل خبر الواسطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس» (2).

______________________________

ص: 257


1- تقدم في صفحة: 255.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 9.

.....

______________________________

و فيه: أنّه فيما إذا شك في ملاقاة النجاسة: و إلا فمع العلم بملاقاتها، فلا خلاف في النجاسة ممن قال بنجاسة القليل بالملاقاة، كما صرح به في الحدائق. مع أنّه معارض بقول أبي الحسن عليه السلام: «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم» (1)، و نحوه غيره.

و منها: ما يأتي في [مسألة 4] من فصل «المطهّرات» من كفاية الصب على بول الصبيّ مرة: و لو كانت متنجسة، لوجبت إزالتها بالمرة.

و فيه: أنّه في مورد خاص لدليل مخصوص. مع أنّ كونه مما نحن فيه، مشكل بل ممنوع، لأنّ مصطلحهم فيها ما انفصل عن المحلّ، لا ما بقي فيه.

و مثله: ما ورد من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتطهير المسجد من بول الأعرابي «بصب ذنوب من الماء عليه» (2) مع أنّه مجمل في نفسه.

و منها: صحيح ابن مسلم في غسل الثوب: «اغسله في المركن مرتين و إن غسلته في ماء جار فمرة واحدة» (3).

فإنّه لو قلنا بنجاسة الغسالة ينجس المركن لا محالة، فلا يكفي الغسل مرّتين.

و فيه: أنّه إن كان غسل الثوب بوضعه فيه، فيطهر المركن بالتبع أيضا، كطهارة يد الغاسل و نحوها. و إن كان بأخذ الثوب خارج المركن، و جعل المركن مصب الماء فقط، فلا ربط له بالمقام.

الرابع: لزوم العسر و الحرج من نجاستها، فتنتفي النجاسة بأدلة نفي العسر و الحرج.

و فيه أولا: أنّه لا حرج في البين، كما نراه بالوجدان.

______________________________

ص: 258


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 52 من أبواب النجاسات حديث: 4 و في صحيح البخاري ج 1 باب يهرق الماء على البول من كتاب الوضوء.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

و ثانيا: أنّه يعتبر في تطبيق دليل نفي الحرج على المورد، الحرج الشخصي و أما إذا كان الحرج في نفس تشريع الحكم الكليّ، فلا ربط لدليل نفي الحرج به، فإنّه متكفّل لتحديد ما بعد التشريع. و أما أصل تشريع الحكم الكليّ، فتحديده بحدود و قيود، لا بد و أن يكون بطريق الوحي و الإلهام سواء كان فيه الحرج بحسب عقولنا، أم لا.

ثمَّ إنّه قد ذكر في الجواهر لتأييد الطهارة وجوها ظاهرة الخدشة ربما تبلغ مع ذكرنا منها خمسة عشر، من شاء فليراجعها.

و ملخّص الكلام أنّهم قد ذكروا قواعد ثلاث في المقام لطهارة الغسالة و كلّها مخدوشة.

الأولى: أنّ المطهر لا بد و أن يكون طاهرا في نفسه و لا ريب فيها بل هي من ضروريات المذهب في الجملة.

و فيه: أنّها مسلمة من غير جهة التطهير به و إلا فلا مانع لأن يكون التطهير موجبا لتنجس المطهر و تحمله النجاسة من المحل و هو الموافق لمرتكزات المتشرعة إجمالا فلا وجه للاستدلال بهذه القاعدة للطهارة.

الثانية: أنّ المطهّر لا بد و أن يبقى على طهارته إلى حصول الطهارة في المحل.

و فيه: أنّه لا دليل على ذلك من نص أو إجماع أو اعتبار عرفي.

الثالثة: أنّ المتنجس منجس فلا يكون مطهّرا.

و فيه: أنّ الجزء الأول من هذه الجملة يأتي البحث عنه في [مسألة 11] من فصل «كيفية تنجيس المتنجسات» و أما الجزء الأخير فهو عين القاعدة الأولى و تقدم تسليمها بالنسبة إلى غير جهة التطهير به.

أدلة القول بنجاسة الغسالة:

استدل عليها بأمور: الأول: الإجماع، و لا يخفى وهنه بذهاب الطبقة الأولى إلى الطهارة، كما حكاه في الجواهر عن اللوامع، و قال في الجواهر: «لا يقال إنّ النجاسة مؤيدة بفتوى المشهور، و هي أرجح من جميع ما ذكر من المؤيدات، لأنا نقول لم

ص: 259

.....

______________________________

تثبت شهرة على الإطلاق، بل هي بين المتأخرين، بل قد عرفت أنّ المنقول من أكثر المتقدمين خلافه».

الثاني: أنّ المغروس في الأذهان هو الانفعال، تشبيها لها بغسالة القذارات الصورية، مع أنّها الموافقة للاحتياط:

و فيه: أنّ ما يكون مورد أنظار العلماء و اختلافهم و تصادم الأدلة، لا وجه لجعل المغروس دليلا فيه، و الاحتياط قد يكون في الطهارة كما لا يخفى. نعم، لا بأس بجعل ذلك كلّه من المؤيدات.

الثالث: جميع ما تقدم من الأدلة الدالة (1)- بعمومها الأحوالي- على انفعال الماء القليل مطلقا، التي منها مفهوم قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجّسه شي ء» (2) الدال على انفعال القليل بمطلق النجاسة.

و أشكل على المفهوم تارة: بعدم العموم الأفرادي و الأحوالي و بدون ذلك لا يتم الاستدلال، إلا فيما هو المعلوم المسلّم بين الكل.

و فيه: أنّ المتفاهم العرفي المحاوري، يدل على ثبوت العمومين فيه في المقام، و هو المحكم في ذلك خصوصا بضميمة سائر ما يستفاد منها انفعال القليل، و الإجماع على عدم الفرق بين النجاسات و المتنجسات.

إن قلت: الماء القليل حين الاتصال بالمتنجس يتنجس، لأجل الاتصال به. و بعد الانفصال، إن صار المحل طاهرا مع بقاء الماء على النجاسة، فطهارة المحل حصلت بلا علة و إن انعكس فتكون طهارة الماء كذلك، و إن بقيا على النجاسة، فهو خلاف الأدلة الدالة على حصول طهارة المحل بالغسل مرة أو مرتين، و إن بقي الماء على طهارته و صار المحل طاهرا أيضا، فيدل على القول بطهارة الغسالة دون نجاستها.

قلت: كيفية التطهير موكولة إلى الأنظار العرفية، و مقتضى أنظارهم هو خصوص القسم الأول، فيصير الماء حاملا لنجاسة المحل، فتكون طهارته

______________________________

ص: 260


1- تقدم في صفحة: 169.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

.....

______________________________

مستندة إلى الماء، و لا يكون بلا علة و تكون نجاسة الماء لحمله نجاسة المحل، كما يكون الأمر كذلك في جميع دفع القذارات الصورية، و يأتي في [مسألة 2]، من فصل «المطهّرات» بعض الكلام فيه.

إن قلت: نعم، و لكن مطلقات انفعال القليل منصرفة، فلا تشمل الغسلة الثانية مما يعتبر فيه التعدد، و لا الأولى مما لا يعتبر فيه. و يشهد لذلك خلو الأخبار، و كلام أكثر القدماء عن التعرض للغسالة مستقلة مع عموم البلوى بها.

قلت: إنّ الانصراف بدوي، و عدم التعرض لأجل الإيكال إلى مرتكزات المتشرعة، بل العرفية من استقذارهم الغسالة مهما أمكنهم ذلك، و لأجل عدم إثارة الوسواس بين الناس فيما هو أهم الأمور الابتلائية بينهم مع أنّ أدلة انفعال القليل تكفي للتعرض و ما استدل به على طهارة الغسالة لا تصلح لتخصيص تلك الأدلة، كما خصصت بغسالة الاستنجاء، لظهور الخدشة فيها.

الرابع: خبر عيص بن القاسم: «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء. فقال عليه السلام: إن كان من بول أو قذر، فيغسل ما أصابه، و إن كان من وضوء الصلاة فلا بأس» (1).

و موثق عمار: «في الكوز و الإناء يكون قذرا، كيف يغسل و كم مرة يغسل؟

قال: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثمَّ يفرغ ذلك الماء، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه و قد طهر» (2).

و قريب منهما جميع ما يدل على التعدد في الإناء، و العصر (3) في غيرها، فإنّه لو لا نجاسة الغسالة، لما كان وجه لجميع ذلك كلّه.

و يرد عليه: أما خبر العيص فلأنّ الطشت الذي فيه البول و القذر، لا ينفك

______________________________

ص: 261


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 14 و لم يذكرها بتمامها و لكن أوردها الشيخ في الخلاف في [مسألة 135].
2- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات و باب: 3 منها حديث: 3.

نجس (12). و في الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب (13).

______________________________

عن النجاسة، فوجب الاجتناب عما فيه لذلك. و أما موثق عمار فلأنّه لا يتحقق تعدد الغسل المعتبر في الظروف إلا بذلك، و كذلك سائر ما يدل على التعدد فيها، و هكذا ما دل على العصر في الثياب و نحوها، فإنّ العصر و الدّلك فيها، إنّما هو لإخراج عين النجاسة عنها، أو تحقق عنوان الغسل عرفا، أو لإخراج الغسالة و ذلك كلّه أعم من نجاسة الغسالة المنفصلة.

و لباب الكلام: أنّ الدليل على النجاسة، إطلاق أدلة انفعال الماء القليل بملاقاة النجس من غير ما يصلح للتقييد.

(12) فإنّها المتيقن من الإجماع على فرض التمامية. و المنصرف إليه من أدلة انفعال القليل بملاقاة النجس.

(13) لأصالة الطهارة بعد الشك في شمول أدلة انفعال القليل بملاقاة النجس- التي هي عمدة دليل نجاسة الغسالة- للغسلة الغير المزيلة.

إن قلت: قد تقدم في أدلة انفعال القليل بعض الأخبار الظاهر (1)في انفعاله بملاقاة المتنجس أيضا.

قلت: ظاهر تلك الأخبار، اختصاصها بموردها، و تعميم الحكم لغير المورد إنّما كان بالإجماع، و لا إجماع في المقام بالنسبة إلى الغسلة غير المزيلة، بل ظاهر جعل الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) غسالة الأخباث في مقابل غسالة الاستنجاء. و القول بالطهارة في الأخيرة دون الأولى، هو أنّ المناط خصوص الغسلة المزيلة دون غيرها، لأنّ مورد غسالة الاستنجاء خصوص المزيلة فقط، فيكون مقابلها كذلك أيضا. و حينئذ فيشك في ثبوت الإطلاق الأحوالي لأدلة انفعال القليل، خصوصا في مقابل ما أصر عليه صاحب الجواهر رحمه اللّه من القول بطهارة الغسالة مطلقا- حتّى المزيلة- و أقام عليها قرائن كثيرة عديدة، فإن مجموعها يصلح للخدشة في الإطلاق الأحوالي بالنسبة إلى الغسلة غير المزيلة،

______________________________

ص: 262


1- تقدم في صفحة 167.
مسألة 1: لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل

(مسألة 1): لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل، و لو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر (14).

مسألة 2: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور

(مسألة 2): يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور:

(الأول) عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة (15).

______________________________

فتجري حينئذ أصالة الطهارة بلا مانع، سواء حصلت إزالة عين النجاسة بالماء، أو بشي ء آخر، مائعا كان أو جامدا.

تنبيه: يمكن الجمع بين بعض الكلمات، بأنّ من قال بالطهارة أي العفو عنها، لا صحة استعمالها في رفع الحدث أو الخبث. و من قال بالنجاسة أي عدم صحة استعمالها فيها فراجع و تأمل، و قد صرح صاحب الجواهر- المصر على الطهارة- بعدم جواز استعمالها فيها.

ثمَّ إنّ الكلام في أنّ حكم الغسالة بناء على النجاسة، هل هو حكم النجاسة التي انفعلت بها أو لا؟ يأتي في [مسألة 14]، فراجع.

(14) لعدم كونها من الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر عرفا، بل تكون منفصلة عن البدن حين الاستعمال، لا أن تكون منفصلة عنه بعد استعمالها، و يكفي الشك في الاستعمال في عدم ترتب حكمه عليه، مضافا إلى مثل صحيح الفضيل عن الصادق عليه السلام: «في الرجل الجنب يغتسل فيتنضح من الماء في الإناء. فقال عليه السلام: لا بأس مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (1).

و قد تقدمت في أول الفصل فروع تتعلق بالمستعمل في رفع الحدث، فراجع.

(15) لأنّ التغيير يوجب نجاسة المعتصم فكيف بالقليل، مضافا إلى دعوى الإجماع عن جمع، و يشهد له التعليل في خبر الأحول (2): «من أنّ الماء أكثر من

______________________________

ص: 263


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 5.
2- تقدم في صفحة: 255.

(الثاني) عدم وصول نجاسة إليه من الخراج (16).

(الثالث) عدم التعدي الفاحش (17) على وجه لا يصدق معه الاستنجاء.

(الرابع) أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم (18). نعم، الدم الذي يعد جزء من البول أو الغائط لا بأس به (19).

(الخامس) أن لا يكون فيه أجزاء من الغائط بحيث يتميز (20) أما

______________________________

القذر» و احتمال الإطلاق في الأدلة حتّى يشمل صورة التغيير أيضا، بعيد جدا عن أذهان المتشرعة، بل المتعارف من الناس مطلقا.

(16) لأنّ المتفاهم من الأدلة، و المتيقن من إجماع علماء الملة.

(17) لأنّ مفاد الأدلة طهارة غسالة الاستنجاء، و مع عدم صدقه يكون المرجع إطلاق أدلة انفعال القليل لا محالة، بل يظهر من بعض الأخبار أنّ في الأزمنة القديمة لا يحصل التعدي أصلا، فكيف بما إذا كان فاحشا فعن الصادق عليه السلام: «كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار، لأنّهم كانوا يأكلون البسر و كانوا يبعرون بعرا، فأكل رجل من الأنصار الدباء فلان بطنه ..» (1).

ثمَّ لا يخفى الفرق بين الرجل و المرأة في مخرج البول، فالمرأة تكون أكثر تلوثا من الرجل، فالمناط فيها على الخروج عن متعارف النساء و المعتاد فيهنّ.

(18) لأنّ أدلة طهارة ماء الاستنجاء منزلة على المتعارف و مقتضاه عدم خروج نجاسة أخرى و الا فالمرجع أدلة الانفعال حينئذ.

(19) إن كان مستهلكا عرفا فيشمله إطلاقات الأدلة المتقدمة و الا ففيه إشكال بل منع، فالمرجع إطلاق أدلة الانفعال حينئذ.

(20) لأنّ مورد أدلة طهارة ماء الاستنجاء هو خصوص الماء الملاقي للمحل

______________________________

ص: 264


1- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

إن كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء، أو شي ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به (21).

مسألة 3: لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء

(مسألة 3): لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد (22) و إن كان أحوط.

مسألة 4: إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء

(مسألة 4): إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثمَّ أعرض ثمَّ عاد لا بأس (23)، إلا إذا عاد بعد مدة ينتفي معها صدق التنجس بالاستنجاء، فينتفي حينئذ حكمه.

مسألة 5: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى و الثانية

(مسألة 5): لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى و الثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد (24).

______________________________

دون الماء الموجود فيه عين النجس فعلا، فالمرجع فيه حينئذ عموم أدلة الانفعال سواء كان المخصص مبينا كما استظهرناه أم مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر، لأنّه مع إجماله كذلك و كونه منفصلا يرجع إلى العام في المقام.

(21) للإطلاق الشامل له.

(22) لأنّ مقتضى الإطلاقات المتقدمة عدم الفرق بين سبق الماء على اليد أو العكس أو التقارن.

(23) لصدق الاستنجاء عرفا، فيشمله الإطلاق و العموم. و عن صاحب الجواهر و شيخنا الأنصاري رحمهما اللّه: استظهار النجاسة فيما إذا أعرض ثمَّ عاد، لعد نجاسة المحل حينئذ من النجاسة الأجنبية.

و فيه: أنّه خلاف العرف، و إطلاق الأدلة، و استصحاب بقاء الحالة.

نعم، إن كان الإعراض بخلاف المتعارف بحيث لم يعد الثاني من متممات الأول، صح ما استظهراه، و هو المراد من قول الماتن رحمه اللّه «الا إذا أعاد بعد مدة» و لعلّ ذلك مراد الفقيهين رحمهما اللّه أيضا.

(24) للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

ص: 265

مسألة 6: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي

(مسألة 6): إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي (25)، و مع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته.

مسألة 7: إذا شك في ماء أنّه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات

(مسألة 7): إذا شك في ماء أنّه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة (26)، و إن كان الأحوط الاجتناب.

مسألة 8: إذا اغتسل في الكر- كخزانة الحمام

(مسألة 8): إذا اغتسل في الكر- كخزانة الحمام أو استنجى

______________________________

(25) لصدق محل النجس حينئذ عليه. فتشمله الأدلة. و أما مع عدم الاعتياد فلا ريب في صدق ملاقاة القليل للنجس، و شمول أدلته له، و يكفي الشك في شمول دليل طهارة ماء الاستنجاء له في عدم الشمول لما تقدم.

ثمَّ إنّ المراد بقوله رحمة اللّه عليه «وجوب الاحتياط من غسالته» أي:

الاجتناب كما تقدم منه رحمة اللّه عليه.

(26) لاستصحاب الطهارة و قاعدتها، و قد تقدم في [مسألة 2] من فصل الماء الجاري، و [مسألة 7] من الراكد ما ينفع المقام، فراجع.

فروع- (الأول): لو استنجى مرة و بقيت النجاسة في المحل، ثمَّ تطهّر مرة أخرى، ففي طهارة غسالة الثانية، إشكال، لصدق أنّه غسل نجاسة خارجية أخرى، و زوال عنوان الاستنجاء بالغسلة الأولى.

(الثاني): لو يبست العذرة على المحل، فأزيلت بالدلك و نحوه ثمَّ تطهر، ففي طهارة الغسالة إشكال، لزوال عنوان الاستنجاء بعد الدلك.

(الثالث): لو خرجت المقعدة (الشرج) متلطخة بالعذرة، فعادت إلى الداخل فإن لم يظهر في الظاهر شي ء فلا يجب التطهير، و إن ظهر و تطهر، ففي طهارة غسالته إشكال، للشك في صدق الاستنجاء بالنسبة إليه.

(الرابع): لو استنجى شخص الصبي غير المميز، يشكل الحكم بطهارة غسالته، لاحتمال ظهور الأدلة في الاستنجاء المباشري.

ص: 266

فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر (27)، أو غسالة الاستنجاء أو الخبث.

مسألة 9: إذا شك في وصول نجاسة من الخارج

(مسألة 9): إذا شك في وصول نجاسة من الخارج، أو مع الغائط يبني على العدم (28).

مسألة 10: سلب الطهارة أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر

(مسألة 10): سلب الطهارة أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، أو الخبث، استنجاء أو غيره، إنّما يجري في الماء القليل، دون الكر فما زاد، كخزانة الحمام و نحوها.

مسألة 11: المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر

(مسألة 11): المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر فلو أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة (29). و كذا ما يبقى في الإناء

______________________________

(27) لظهور الإجماع، و الأخبار، و السيرة القطعية في اختصاص الغسالة المبحوثة عنها في الفقه بالقليل، دون المعتصم، و في صحيح صفوان قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحياض التي ما بين مكة و المدينة تردها السباع، و تلغ فيها الكلاب، و تشرب منها الحمير، و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منها، قال: و كم قدر الماء؟ قال: إلى نصف الساق، و إلى الركبة، فقال:

توضأ منه» (1).

و أما صحيح ابن بزيع قال: «كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء، و يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول، أو يغتسل فيه الجنب، ما حده الذي لا يجوز؟ فكتب لا توضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه» (2).

فيمكن حمله على الكراهة، لظهور الإجماع على عدم الفرق في عدم الجواز بين الضرورة و غيرها.

(28) للأصل، ثمَّ إنّ المسألة العاشرة مكررة مع الثامنة المتقدمة، فراجع.

(29) لأنّ الغسالة عبارة: عما الفصل عن المحل، دون ما بقي فيه بعد

______________________________

ص: 267


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 15.

بعد إهراق ماء غسالته.

مسألة 12: تطهر اليد تبعا بعد التطهير

(مسألة 12): تطهر اليد تبعا بعد التطهير، فلا حاجة إلى غسلها. و كذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب و نحوه (30).

مسألة 13: لو أجرى الماء على المحلّ النجس زائدا على مقدار

(مسألة 13): لو أجرى الماء على المحلّ النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته (31)، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر (32) و إن عد تمامه غسلة واحدة و لو كان بمقدار ساعة و لكن مراعاة الاحتياط أولى.

مسألة 14: غسالة ما يحتاج إلى تعدد الغسل

(مسألة 14): غسالة ما يحتاج إلى تعدد الغسل، كالبول- مثلا- إذا لاقت شيئا، لا يعتبر فيه التعدد (33)، و إن كان أحوط.

مسألة 15: غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا

(مسألة 15): غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها (34).

______________________________

خروج المتعارف، فإنّه يطهر بالتبع، لإطلاق الأدلة و الإجماع، و السيرة القطعية.

(30) يأتي البحث عنها في المطهرات، إن شاء اللّه تعالى.

(31) بأن كان مما لا يعتبر فيه التعدد، و كفى صرف وجود وصول الماء إليه.

(32) لاستصحاب الطهارة و قاعدتها، فيكون ماء طاهرا لاقى محلا طاهرا، فلا وجه لنجاسته. و أما وجه الاحتياط فلاحتمال عدّ الجميع غسلا واحدا عرفا، فيكون حينئذ من الغسالة، و لكنه خلاف فرض كفاية صرف الوجود في الطهارة.

(33) لأنّ التعدد يختص بخصوص النجس الذي ورد دليل التعدد فيه، و لا ريب أنّ الغسالة متنجسة به، لا أن تكون عينه، فلا يشملها دليل ذلك النجس، فيكون المرجع حينئذ إطلاقات مطهرية الماء و عموماتها.

(34) لرجحان الاحتياط شرعا، ما لم يوجب الحرج و الوسواس، و اللّه تعالى هو العالم بالحقائق.

ص: 268

فصل الماء المشكوك نجاسته

اشارة

(فصل) الماء المشكوك نجاسته طاهر (1)، إلا مع العلم بنجاسته سابقا.

و المشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق (2) إلا مع سبق إطلاقه.

و المشكوك إباحته محكوم بالإباحة (3) إلا مع سبق ملكية الغير، أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له.

(فصل في الماء المشكوك)

______________________________

(1) لقاعدة الطهارة المستفادة من قول الصادق عليه السلام في موثق عمار:

«كل شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر، فإذا علمت فقد قذر» (1).

خصوصا في المياه، لقوله عليه السلام: «الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» (2) هذا إذا لم يعلم بنجاسته سابقا، و الا فتستصحب النجاسة.

(2) لأصالة بقاء الحدث أو الخبث، بعد استعماله فيهما، و مع سبق الإطلاق يستصحب، فيرتفع الحدث و الخبث حينئذ.

(3) لقاعدة الحلية و الإباحة بلا دليل حاكم عليهما.

إن قلت: الدليل الحاكم و هو أصالة احترام المال- التي هي من الأصول المعتبرة مع إطلاق قول مولانا الرضا عليه السلام: «لا يحل مال إلا من وجه أحله اللّه ..» (3)، و قول الصادق عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم لأخيه إلا

______________________________

ص: 269


1- تقدم ذكرهما في صفحة: 154.
2- تقدم ذكرهما في صفحة: 154.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام حديث: 2.
مسألة 1: إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور

(مسألة 1): إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور- كإناء في عشرة- يجب الاجتناب عن الجميع (4)، و إن اشتبه في غير المحصور- كواحد في ألف (5) مثلا- لا يجب الاجتناب عن شي ء منه.

______________________________

عن طيب نفسه» (1).

و لذا اشتهرت أصالة الحرمة في الأموال- تقتضي المنع.

قلت: نعم، لا ريب في الحرمة إذا أحرزت إضافة المال إلى محترم المال بوجه ما. و أما لو شك في أصل الإضافة، فمقتضى الأصل حينئذ الحلية و الإباحة. و مورد الحديث الأول هو الخمس- الذي هو حق السادة- و ظاهر الثاني فرض الإضافة إلى المسلم الذي ذكر مثالا لمحترم المال. هذا مع عدم سبق ملكية للغير، و الا فيستصحب أو عدم كونه في يد الغير، و الا فتكون أمارة على عدم جواز التصرف فيه بدون رضاه، لما يأتي من قاعدة اليد.

(4) لما ثبت في الأصول من تنجز العلم الإجمالي، فراجع (2).

(5) لا وجه لتحديد غير المحصور بحد خاص، إذ رب واحد في ألف يكون من المحصور، و رب واحد في خمسمائة- مثلا- يكون من غير المحصور، فالمناط أن تكون كثرة الأطراف بحيث لم ير العقلاء العلم الإجمالي فيها منجزا، و أقدموا بارتكازاتهم على ارتكاب بعضها بلا تردد منهم في ذلك، فلا نحتاج حينئذ في إثبات عدم تنجز العلم الإجمالي في غير المحصور إلى إقامة دليل من الخارج، بل يكون نفس ثبوت موضوع عدم الابتلاء دليلا لإثبات عدم تنجز العلم فيه.

ثمَّ إنّ المتيقن من بناء العقلاء في غير المحصور إنّما هو عدم وجوب الموافقة القطعية. و أما المخالفة القطعية، ففيه إشكال. و لو شك في شبهة أنّها

______________________________

ص: 270


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب حديث: 13 و 5.
2- تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 40 ط: 2 بيروت.
مسألة 2: لو اشتبه مضاف في محصور

(مسألة 2): لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء أو الغسل إلى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه فإذا كانا اثنين يتوضأ بهما، و إن كانت ثلاثة أو أزيد، يكفي التوضؤ باثنين إذا كان المضاف واحدا، و إن كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكلّ، و إن كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة. و المعيار أن يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد. و إن اشتبه في غير المحصور جاز استعمال كلّ منها، كما إذا كان المضاف واحدا في ألف. و المعيار أن لا يعد العلم الإجمالي علما، و يجعل المضاف المشتبه بحكم العدم، فلا يجري عليه حكم الشبهة البدوية أيضا (6)، و لكن الاحتياط أولى.

مسألة 3: إذا لم يكن عنده إلا ماء مشكوك إطلاقه و إضافته

(مسألة 3): إذا لم يكن عنده إلا ماء مشكوك إطلاقه و إضافته، و لم يتيقن أنّه كان في السابق مطلقا، يتيمم للصلاة و نحوها (7).

و الأولى الجمع بين التيمم و الوضوء به.

______________________________

من المحصور، أو من غيره، فالأحوط الاحتياط، لما ذكرناه في الأصول فراجع (1).

(6) هذا من مجرد الدعوى: لوجود أصل الشبهة وجدانا. و عدم تنجز العلم الإجمالي لا يلازم زوال أصل الشبهة بوجه من وجوه الملازمة لا عقلا و لا شرعا و لا عرفا، فمقتضى أصالة بقاء الحدث و الخبث عدم الاكتفاء بمثل هذا التطهير.

(7) موضوع وجوب التيمم كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى- عدم التمكن من استعمال الماء عقلا أو شرعا. فإن كان مثل هذا الماء مسبوقا بالإطلاق، فيجري الأصل و يجب عليه الوضوء فقط، و إن كان بالعكس وجب التيمم فقط، و إن لم يعلم الحالة السابقة، فيعلم إجمالا إما بوجوب الوضوء أو التيمم عليه، فوجب

______________________________

ص: 271


1- تهذيب الأصول المجلد الثاني صفحة: 193 و 185 ط: 2 بيروت.
مسألة 4: إذا علم إجمالا أنّ هذا الماء إما نجس أو مضاف يجوز شربه

(مسألة 4): إذا علم إجمالا أنّ هذا الماء إما نجس أو مضاف يجوز شربه، و لكن لا يجوز التوضؤ به (8) و كذا إذا علم أنّه إما مضاف أو مغصوب. و إذا علم أنّه إما نجس أو مغصوب، فلا يجوز شربه أيضا، كما لا يجوز التوضؤ به. و القول بأنّه يجوز التوضؤ به ضعيف جدا (9).

______________________________

الجمع بينهما إلا إذا جرى أصل غير معارض في أحد طرفي العلم الإجمالي، فينحل به- و هو أصالة عدم وجود الماء إن لم يكن واجدا له- فيتحقق بها موضوع التيمم.

الا أن يقال: إنّها لا تثبت عدم كون الموجود ماء، فيجب الاحتياط بالجمع. و إن كان واجدا للماء سابقا، فيكون المقام من القسم الثالث من استصحاب الكلي، و قد ثبت في محلّه عدم جريان الاستصحاب فيه، فيجب الاحتياط بالجمع أيضا.

(8) أما جواز شربه فلأصالة الطهارة. و أما عدم جواز التوضؤ به فللعلم التفصيلي ببطلان وضوئه، إما من جهة الإضافة، أو من جهة النجاسة. و إن علم أنّه إما مضاف أو مغصوب، يجوز شربه، لأصالة الإباحة. و لا يصح الوضوء به، للعلم التفصيلي ببطلان الوضوء به أيضا إما من جهة الغصبية، أو من جهة الإضافة. و إن علم أنّه إما نجس أو مغصوب، فلا يجوز شربه، للعلم التفصيلي بحرمته، كما لا يصح التوضّؤ به للعلم التفصيلي ببطلانه و لو استعمله في رفع الخبث فمقتضى الأصل بقاؤه و عدم حصول الطهارة.

(9) فإنّه إن استند إلى أنّ العلم الإجمالي المنجز. ما كان في نوع واحد من التكليف، فيرده ما ثبت في الأصول (1) من عدم الفرق بينه و بين ما كان في نوعين منه، كما في المقام.

و إن استند إلى أنّ الغصبية لم تحرز في المقام، و هي من الموانع الإحرازية، دون الواقعية، فيرده: أنّه بعد تنجز العلم الإجمالي بين طرفيه مطلقا

______________________________

ص: 272


1- راجع تهذيب الأصول، ج: 2 صفحة: 50 ط: 2 بيروت.
مسألة 5: لو أريق أحد الإنائين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية

(مسألة 5): لو أريق أحد الإنائين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر (10) و إن زال العلم الإجمالي. و لو أريق أحد المشتبهين من حيث الإضافة، لا يكفي الوضوء بالآخر، بل الأحوط الجمع بينه و بين التيمم (11).

مسألة 6: ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة (12) لكن الأحوط الاجتناب.

______________________________

يكون ذلك إحرازا أيضا. و إن استند إلى أنّه ليس في التوضي بالنجس حرمة ذاتية، فليس أثرا شرعيا فيدفع احتمال الغصبية بأصالة الإباحة، و يصح الوضوء حينئذ، فهو باطل للعلم التفصيلي ببطلان الوضوء واقعا، فكيف يحتمل الصحة.

(10) لأنّ خروج أحد الأطراف بعد تنجز العلم الإجمالي و تأثيره لا يوجب سقوط أثر العلم و لا أقلّ من الشك في ذلك. فيستصحب بقاء الأثر و عدم جواز التوضؤ به. نعم، لو كان ذلك قبل تنجز العلم الإجمالي أو مقارنا له، فلا أثر للعلم الإجمالي الحاصل بعد ذلك. و أما قوله رحمه اللّه: «و إن زال العلم الإجمالي» ففيه مسامحة، لأنّ نفس العلم الإجمالي باق وجدانا. نعم، لا أثر بالنسبة إلى ما أريق، و هو أعم من زوال نفس العلم.

(11) للعلم الإجمالي إما بوجوب الوضوء عليه إن كان ذلك ماء، أو التيمم إن لم يكن ماء، فوجب الاحتياط بالجمع بينهما. و القول بكفاية التيمم لصدق عدم وجدان الماء، مخدوش، لأنّ المناط في الاكتفاء بالتيمم إحراز عدم الماء، لا مجرد عدم الإحراز فقط.

كما أنّ القول بكفاية الوضوء به، لاستصحاب الوجدان، مخدوش أيضا، لأنّه لا يثبت مائية الموجود الا على القول بالأصل المثبت، و من ذلك يظهر أنّ إيجاب الماتن رحمه اللّه الاحتياط في المقام، و الفتوى بالتيمم في المسألة الثالثة، مما لا يجتمعان.

(12) على المشهور لقاعدة الطهارة، و استصحابها بعد عدم دليل على

ص: 273

مسألة 7: إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمم

(مسألة 7): إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمم (13) و هل يجب إراقتهما أو لا؟ الأحوط ذلك، و إن كان الأقوى العدم (14).

______________________________

النجاسة، لأنّه إن كان دليل خاص لوجوب الاجتناب عن الملاقي، فلم يدّعه أحد. و إن كان لأجل سراية النجس إليه فهو باطل، إذ لا سراية الا من النجس الواقعي، أو المتنجس كذلك، لا مما حكم بالاجتناب عنه مقدمة للاجتناب عن النجس الواقعي. و إن كان لأجل الملازمة بين وجوب الاجتناب عن شي ء، و الاجتناب عن ملاقيه، فلا دليل عليها من عقل أو شرع أو عرف. و إن كان لأجل صيرورته طرفا للعلم الإجمالي، فلا دليل عليه أيضا، و قد فصّلنا القول في كتابنا في الأصول (1).

هذا إذا لم تكن الأطراف مستصحبة للنجاسة. و إلا يأتي حكمه في [مسألة 2] من فصل «إذا علم بنجاسة شي ء»، كما أنّ ذلك كله إذا لم يحمل الملاقي (بالكسر) عن الملاقي (بالفتح) شيئا. و الا فمقتضى مرتكزات المتشرعة عدم الفرق بينهما حينئذ.

ثمَّ إنّ قوله رحمة اللّه عليه: «لا يحكم عليه بالنجاسة» أعم من وجوب الاجتناب، لأنّ كل طرف من الأطراف محكوم بوجوب الاجتناب، مع أنّه لا يحكم عليه بالنجاسة الواقعية.

(13) نصا و إجماعا، ففي موثقة سماعة عن الصادق عليه السلام: «في رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو؟ و ليس يقدر على ماء غيره. قال عليه السلام: يهريقهما جميعا و يتيمم» (2).

و مثله خبر عمار عنه عليه السلام أيضا (3).

(14) لأنّ الأمر بالإهراق فيما تقدم من الحديث إرشاد إلى عدم الانتفاع بهما فيما يعتبر فيه الطهارة، و لا ملاك للوجوب المولوي فيه أبدا بل لو أمكن

______________________________

ص: 274


1- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 187 ط: 2 بيروت.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 14.
مسألة 8: إذا كان إناءان أحدهما المعيّن نجس، و الآخر طاهر

(مسألة 8): إذا كان إناءان أحدهما المعيّن نجس، و الآخر طاهر، فأريق أحدهما، و لم يعلم أنّه أيّهما، فالباقي محكوم بالطهارة. و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين و أريق أحدهما فإنّه يجب الاجتناب عن الباقي. و الفرق: أنّ الشبهة في هذه الصورة بالنسبة إلى الباقي بدوية، بخلاف الصورة الثانية. فإنّ الماء الباقي كان طرفا للشبهة من الأول، و قد حكم عليه بوجوب الاجتناب (15).

مسألة 9: إذا كان هناك إناء لا يعلم أنّه لزيد أو لعمرو

(مسألة 9): إذا كان هناك إناء لا يعلم أنّه لزيد أو لعمرو، و المفروض أنّه مأذون من قبل زيد فقط في التصرف في ماله لا يجوز له استعماله (16). و كذا إذا علم أنّه لزيد- مثلا- لكن لا يعلم أنّه مأذون من قبله أو من قبل عمرو.

______________________________

الانتفاع المحلل به في جهة أخرى لكان الإهراق من الإسراف المحرم.

(15) فيستصحب بقاء الوجوب، و في الصورة الأولى حيث إنّه ليس في البين أصل موضوعي، فيتمسك- لا محالة- بقاعدة الطهارة.

إن قلت: نعم، و لكن وجوب الاجتناب عن الأطراف إنّما كان لأجل المقدمية لا النفسية، و مع سقوط العلم الإجمالي عن التنجز بخروج بعض أطرافه عن مورد الابتلاء، لا وجه للمقدمية، فلا وجه للتنجز.

قلت: مناط وجوب الاجتناب عن الأطراف حصول العلم بالامتثال، و هو يتوقف في المقام على الاجتناب عما بقي، لتنجز العلم سابقا. و هذا بخلاف الصورة الأولى، إذ لم يثبت وجوب الاجتناب بالنسبة إلى الطرفين حتّى يستصحب و إنّما يكون الباقي من الشك البدوي المحض الذي يكون مجرى قاعدة الطهارة.

(16) لأصالة حرمة التصرف في مال الغير الا برضاه، و لم يحرز الرضاء بوجه معتبر. و أما التمسك بأصالة عدم الإذن- أي الأصل الموضوعي- لإثبات حرمة التصرف، فهو صحيح لو لم يكن من الاستصحاب في الفرد المردد نعم، يصح ذلك في الفرع اللاحق، فتجري أصالة عدم الإذن من طرف زيد، و لا

ص: 275

مسألة 10: في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل

(مسألة 10): في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل، و غسل بدنه من الآخر، ثمَّ توضأ به أو اغتسل صح وضوؤه أو غسله على الأقوى (17). لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة، و مع الانحصار الأحوط ضم التيمم أيضا.

مسألة 11: إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل

(مسألة 11): إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل و بعد الفراغ حصل له العلم بأنّ أحدهما كان نجسا و لا يدري أنّه هو الذي توضأ به أو غيره، ففي صحة وضوئه أو غسله إشكال، إذ جريان

______________________________

تعارض بأصالة عدمه من طرف عمرو، لعدم إناء له حتّى تكون مورد المعارضة.

(17) لأنّه إن كان ما تطهر به أولا طاهر، فقد حصلت له الطهارة به و إن كان ذلك نجسا فقد تطهر بالماء الثاني عن الخبث أولا، ثمَّ تطهر ثانيا، فيصح الثاني لا محالة، و لو كرر الصلاة بعد كل واحد منهما يعلم بصدور صلاة صحيحة منه أيضا، فيكون ما تقدم من حديثي سماعة و عمار(1) مخالفا للقاعدة فيتعبد بهما.

و فيه: أنّ نفس هذا العمل حرجي خصوصا بالنسبة إلى نوع الناس، و غير مأنوس من سهولة الشريعة المقدسة و سماحتها، و موجب للعلم بنجاسة البدن، لأنّه بوصول أول قطرة من الماء الثاني إلى بدنه يعلم تفصيلا بنجاسة بدنه- أما لنجاسة الماء الأول أو الثاني- فتستصحب النجاسة، و لا رافع لها. و يأتي أنّه إذا كان في استعمال الماء حرج ينتقل الحكم إلى التيمم مع أنّه يصدق عند المتشرعة عدم وجدان الماء، و عدم التمكن من استعماله، إذ ليس المراد بالتمكن- هو العقلي منه مطلقا- بل بحسب ما هو المتعارف لدى المتشرعة، فيكون الحديثان موافقين للقاعدة حينئذ. و لعل قوله عليه السلام: «يهريقهما و يتيمم» إرشاد إلى أن لا يختلج بالبال هذا النحو من العمل فيقع في محذور نجاسة الثوب و البدن و يحصل منشأ الوسواس، فما اختاره قدّس سرّه في [مسألة 7] هو المتعين.

______________________________

ص: 276


1- سبق في صفحة: 274.

قاعدة الفراغ هنا محلّ إشكال (18). و أما إذا علم بنجاسة أحدهما المعيّن، و طهارة الآخر فتوضأ، و بعد الفراغ شك في أنّه توضأ من

______________________________

(18) في مورد جريان قاعدة الفراغ تارة: يعلم بالالتفات إلى كيفية صدور العمل منه. و أخرى: يشك في أنّه كان ملتفتا أو لا. و ثالثة: يعلم بعدم الالتفات. مقتضى العموم و الإطلاق، و أصالة عدم الغفلة- التي هي من الأصول العقلائية- جريانها في الأوليين. و في الأخيرة لا وجه لجريان أصالة عدم الغفلة، لفرض العلم بعدم الالتفات، و يكفي الشك في شمول العموم و الإطلاق له في عدم جريان القاعدة، لكون التمسك بهما حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل موثق ابن بكير ظاهر في عدم الجريان. قال: «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (1).

و احتمال أن يكون عليه السلام في مقام بيان حكمة تشريع القاعدة، لا شرط جريانها، خلاف الظاهر. مع أنّ القاعدة ليست الا من صغريات أصالة عدم السهو و الغفلة قررها الشارع الأقدس.

إن قلت: فعلى هذا يعتبر إحراز الأذكرية في جريانها، مع أنّها من القواعد التسهيلية الامتنانية.

قلت: يكفي إحرازها و لو بأصالة عدم الغفلة و النسيان.

إن قلت: مقتضى موثق ابن أبي العلاء- جريانها حتّى مع النسيان- و قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت، قال: حوّله من مكانه، و قال في الوضوء: تدره، فإن نسيت حتّى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» (2).

قلت: يحتمل في قوله عليه السلام: «فإن نسيت» وجوه:

الأول: نسيان الإدارة مع إحراز وصول الماء إلى ما تحته، كما هو الغالب، و لا

______________________________

ص: 277


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 2.

الطاهر أو من النجس، فالظاهر صحة وضوئه، لقاعدة الفراغ (19) نعم، لو علم أنّه كان حين التوضي غافلا عن نجاسة أحدهما يشكل جريانها.

مسألة 12: إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان

(مسألة 12): إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان (20) إلا بعد تبين أنّ المستعمل هو المغصوب.

______________________________

ريب في صحة الوضوء حينئذ.

الثاني: النسيان مع إحراز عدم وصول الماء إليه. و لا ريب في البطلان.

الثالث: النسيان مع الشك في أنّه وصل الماء إليه أم لا، و لا ظهور للخبر في الأخير حتّى يصح الاستناد إليه للمقام. هذا إذا حصل العلم الإجمالي بعد الفراغ من الوضوء. و أما إذا حصل مقارنا له فمقتضى تنجز العلم الإجمالي بطلان الوضوء، كما إذا كان سابقا عليه، و قد تقدم في [مسألة 7].

(19) لأنّه حينئذ يكون حين يتوضأ أذكر، فتجري القاعدة بلا إشكال نعم، لو علم أنّه كان غافلا، فقد تقدم الإشكال فيه.

(20) لأنّ الضمان أمر وضعي مستقل مترتب على التصرف في مال الغير، و الاستيلاء عليه بغير حق. و مجرد حرمة التصرف من باب المقدمة أعم من ذلك، فمقتضى الأصل عدم الضمان إلا أن يدل عليه دليل.

ص: 278

فصل سؤر نجس العين

(فصل) سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر نجس، و سؤر طاهر العين، طاهر، و إن كان حرام اللحم، أو كان من المسوخ، أو كان جلالا. نعم، يكره سؤر حرام اللحم ما عدا المؤمن، بل و الهرة على قول. و كذا يكره سؤر مكروه اللحم، كالخيل، و البغال و الحمير.

و كذا سؤر الحائض المتهمة، بل مطلق المتهم (1).

(فصل في الأسئار)

______________________________

(1) السؤر عرفا: فضلة ما في الإناء مشروبا كان أو مأكولا، و الظاهر عدم اعتبار الميعان، ففي الحديث: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أكل سؤر الفارة» (1).

و عن عليّ عليه السلام: «أنّ الهر سبع، و لا بأس بسؤره و إنّي لأستحي من اللّه أن أدع طعاما لأنّ الهر أكله» (2).

نعم، تعتبر الرطوبة المسرية الموجبة للانفعال بمباشرة الشارب أو الآكل في الحكم بالنجاسة سواء كانت في المحل قبل الأكل أم حصلت من فم الآكل.

و لكن يظهر من الفقهاء رحمهم اللّه تعالى اعتبار الميعان فيه، كما يظهر منهم

______________________________

ص: 279


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 7.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأسئار حديث: 2.

.....

______________________________

بالنسبة إلى مطلق مباشرة الحيوان، سواء كانت بفمه أم بسائر أعضائه. و لا دليل لهم على التخصيص بالمائع، و يشهد للتعميم بعض الأخبار الآتية- كصحيح العيص و غيره- فيكون المراد بالسؤر: ما فضل عن الاستعمال، سواء كان مستعملا بنفسه أم لا. و يشمل الأول حكم الماء المستعمل الذي تقدم حكمه (1).

ثمَّ إنّ السؤر بحسب الحكم الشرعي على أقسام:

منها: ما هو مستحب كسؤر المؤمن قال عليه السلام في الصحيح: «إنّه شفاء عن سبعين داء» (2).

و في خبر آخر: «إنّه يتبرك به» (3).

و منها: ما هو نجس، كسؤر نجس العين مطلقا، لأجل ملاقاة النجس الموجبة للنجاسة إجماعا مع الرطوبة، و قد تقدم في الماء القليل نقل الخلاف فيه ورده، و يأتي في أحكام سراية النجاسة أيضا.

و منها: ما هو طاهر مباح، كسؤر ما حل لحمه من الحيوانات، و لم يكن مكروها، كالشاة و البقر و نحوهما، للأصل و الأخبار المتفرقة في الأبواب المختلفة، منها قول الصادق عليه السلام في موثق عمار: «كلّ ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب»(4).

و منها: ما هو مكروه، كسؤر ما حرم لحمه من الحيوانات، لمرسل الوشاء عن الصادق عليه السلام: «أنّه كان يكره كلّ شي ء لا يؤكل لحمه» (5).

و استثنى من ذلك سؤر الهر، لما تقدم. و كذا يكره سؤر ما كان مكروه اللحم، كالخيل و البغال و الحمير، لموثق سماعة: «هل يشرب سؤر شي ء من الدواب و يتوضأ منه؟ قال: أما الإبل و البقر و الغنم فلا بأس» (6).

______________________________

ص: 280


1- راجع صفحة: 256.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الأشربة المباحة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الأشربة المباحة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: 2.
5- الوسائل: 5 من أبواب الأسئار حديث: 2.
6- الوسائل: 5 من أبواب الأسئار حديث: 3.

.....

______________________________

المحمول ثبوت البأس في غيرها على الكراهة قطعا، لصحيح أبي العباس: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن فضل الهرة، و الشاة، و البقر و الإبل، و الحمار، و الخيل، و البغال، و السباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه.

فقال: لا بأس حتّى انتهيت إلى الكلب. فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله ..» (1).

و كذا يكره سؤر الحائض قال الصادق عليه السلام: «اشرب من سؤر الحائض و لا تتوضأ منه» (2).

و قوله عليه السلام أيضا: «المرأة الطامث اشرب من فضل شرابها، و لا أحب أن أتوضأ منه»(3).

المحمول على الكراهة، لصحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: «في الرجل يتوضأ بفضل الحائض؟ قال عليه السلام: «إذا كانت مأمونة فلا بأس» (4).

المحمول على خفة الكراهة مع الأمن، و شدتها مع عدمه، لأنّ ظاهر بعض الأخبار آبية عن التقييد، كما لا يخفى و أما الشرب من سؤرها فمقتضى الأخبار المفصلة بينه و بين التوضي، جواز الشرب بلا كراهة. و لكن يظهر عن بعض الإجماع على عدم الفرق بينهما في ذلك، و عن الوحيد البهبهاني: «إنّ الاقتصار على الوضوء لم يقل به فقيه، و الظاهر أنّ التعميم محل وفاق»، و يكفي ذلك في الكراهة تسامحا.

ثمَّ إنّه يمكن أن يتصف السؤر بوجوب الاستعمال من ضرورة أو نذر و نحوهما، فيتصف حينئذ بالأحكام الخمسة و يتعلق بالمقام:

فروع- (الأول): كلّ ما ثبت نجاسته شرعا فسؤره إن كان مما ينفعل بالملاقاة نجس و كلّ ما ثبت طهارته شرعا فسؤره طاهر، و إن كره في بعض الموارد، كما تقدم.

______________________________

ص: 281


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 8.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 5.

.....

______________________________

(الثاني): يكره سؤر الجلال، و ما أكل الجيف أيضا غير مأكول اللحم مع خلو موضع الملاقاة عن النجاسة، و لو كانت من عرق الجلال، لإطلاق مرسل الوشاء عن الصادق عليه السلام: «أنّه كان يكره سؤر كلّ شي ء لا يؤكل لحمه» (1). الشامل بإطلاقه لما كان غير مأكول اللحم. و لو بالعرض كالجلال.

و أما لو كان آكل الجيف مأكول اللحم فلا دليل على كراهة سؤره. إلا ما نسب إلى جمع: من إطلاق دعوى الكراهة، و لا بأس بها تسامحا.

(الثالث): ألحق جمع من الفقهاء: كلّ من لا يبالي بالنجاسة بالحائض غير المأمونة في كراهة سؤره، بل ألحقوا بها النفساء، و المستحاضة، و الجنب مع الاتهام أيضا، لصحيح العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن سؤر الحائض. قال: لا توضأ منه، و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة، ثمَّ تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يغتسل هو و عائشة في إناء واحد، و يغتسلان جميعا» (2).

بدعوى: أنّ ذكر الجنب من باب المثال، و أنّ إطلاق عدم التوضؤ من سؤر الحائض، لكونها مظنة عدم الأمن لطول المدة، خصوصا في الأزمنة القديمة، فالمناط كله على عدم الأمن، كما تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا.

(الرابع): اختار في المستند الحرمة في سؤر الحائض غير المأمونة، و الكراهة في المأمونة. و استند للأول بما تقدم من مفهوم صحيح ابن يقطين (3).

و فيه: مع أنّه خلاف المشهور، أنّ مساق مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض ليس إلا الكراهة الشديدة في غير المأمونة، و خفة في المأمونة. فلو كان لنفس حدث الحيض من حيث هو مانعية عن استعمال سؤرها، أو كان أمنها كذلك، لشاع و بان في هذه المسألة العامة البلوى، و لا ريب أنّ المتشرعة بارتكازاتهم يتنزهون عن غير المأمونة و المأمونة، و غير المبالي في الجملة،

______________________________

ص: 282


1- تقدم ذكره في صفحة: 280.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأسئار حديث: 1.
3- تقدم في صفحة: 281.

.....

______________________________

و الشارع قرر ذلك عليه ما لم يصل إلى الوسواس.

(الخامس): ما تقدم من كراهة استعمال السؤر، إنّما هو فيما إذا لم يكن في البين جهة أخرى لحرمة الاستعمال أو لوجوبه. و إلا فالمدار على تلك الجهة.

(السادس): يمكن أن يجتمع في ماء واحد- مثلا- جهات كثيرة من كراهة الاستعمال، كما هو واضح.

فائدة: أكثر الأصحاب خصوا كراهة سؤر الحائض المتهمة، و ليس لذكر الاتهام أثر في الأخبار، و إنّما ذكر في صحيح العيص قوله عليه السلام: «إذا كانت مأمونة» و هي أعم من أن تكون متهمة، أو مجهولة. و لكن الظاهر أنّ المراد بغير المأمونة: المتهمة عرفا، إذ العرف لا يفرّق بينهما، فيتفق تعبير الأصحاب مع النص حينئذ. و اللّه تعالى هو العالم بحقائق أحكامه.

ص: 283

فصل: النجاسات اثنتا عشرة

اشارة

(فصل: النجاسات اثنتا عشرة)

الأول و الثاني: البول و الغائط

اشارة

(الأول و الثاني): البول و الغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه، إنسانا أو غيره، برّيّا أو بحريّا، صغيرا أو كبيرا. بشرط أن يكون له دم سائل حين الذبح (1). نعم، في الطيور المحرمة الأقوى (فصل- في النجاسات)

______________________________

النجاسة عبارة عما يجب الاجتناب عنها في أمور مخصوصة، كالأكل، و الشرب، و الصلاة، و الطواف و نحوها، فمنها ما اطلع عليه العقلاء بفطرتهم على منشإ الاستقذار و التجنب، كالغائط- مثلا- و منها ما بيّنه الشارع، و تقدم بعض ما يتعلق بها في أول كتاب الطهارة. و حصرها في الأقسام المذكورة استقرائي، و الاختلاف في بعضها اجتهادي، و المشهور بين الفقهاء أنّها عشرة، و تأتي الإشارة إلى محل الخلاف إن شاء اللّه تعالى.

(1) أما أصل نجاستهما في الجملة، فيدل عليه إجماع المسلمين، و ضرورة المذهب، بل الدين، و نصوص كثيرة في بول الإنسان و غائطه. فلا نحتاج في إثبات نجاستهما إلى إطلاق ما يدل على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه حتّى يقال: بانصرافه عن الإنسان، كقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (1).

و مثله خبره الآخر (2)، و أما الغائط مما لا يؤكل لحمه فلم يرد دليل لفظي

______________________________

ص: 284


1- الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات حديث: 3.

.....

______________________________

يدل على نجاسة غائط غير الإنسان مما لا يؤكل لحمه، بالإطلاق أو العموم حتّى يتمسك به لغائط كل ما لا يؤكل لحمه، فدليل التعميم و الإطلاق منحصر بظهور الاتفاق. نعم، وردت أخبار كثيرة في أبواب متفرقة ادعي ظهورها في النجاسة.

منها: صحيح عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام: «عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب. أ يعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد» (1).

فإنّه يدل بالمفهوم على النجاسة. و فيه: عدم ثبوت العلية التامة حتّى يثبت المفهوم، لاحتمال أن تكون الإعادة مع العلم لكونها من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، لا لأجل النجاسة.

و منها: صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الدجاجة، و الحمامة و أشباهها تطأ العذرة، ثمَّ تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال عليه السلام: لا، إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر من الماء» (2).

و في صحيح موسى بن القاسم، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمام و أشباهها تطأ العذرة ثمَّ تطأ الثوب، أ يغسل؟ قال: إن كان استبان من أثره شي ء فاغسله و إلا فلا بأس» (3).

و فيه: أنّه متوقف على ثبوت العموم للعذرة لغير الإنسان أيضا، و هو خلاف انصرافها، و إن كان يشهد للعموم ما تقدم من صحيح عبد الرحمن و بعض أخبار أخر، و قول القاموس و الصحاح و غيرهما.

و منها: ما في مسائل ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الدقيق يقع فيه خرء الفارة، هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق؟ قال: إذا لم تعرفه فلا بأس، و إن عرفته فلتطرحه» (4).

______________________________

ص: 285


1- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 13.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 3.
4- الوسائل باب: 64 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

.....

______________________________

و فيه: أنّه يمكن أن يكون من جهة الخباثة، لا النجاسة. هذا و لكن في الإجماع، بل الضرورة في مثل عذرة الكلب و السنور غنىّ و كفاية.

و أما عدم الفرق بين البري و البحري، و الكبير و الصغير، فلإطلاق الروايات، و معاقد الإجماعات. و أما اعتبار أن يكون له دم سائل، فيأتي عما قريب البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.

فروع- (الأول): نسب إلى الإسكافي رحمه اللّه: طهارة بول الرضيع قبل أن يطعم، أو قبل أن يأكل اللحم- على اختلاف ما نقل عنه- للأصل، و خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام: «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب، و لا (من) بوله قبل أن يطعم، لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين» (1).

و فيه: أنّ الأصل مقطوع بالدليل، و الخبر مهجور لدى الأصحاب، و مخالف للاعتبار، و معارض بصحيح الحلبي و غيره (2)، كما يأتي إن شاء اللّه.

(الثاني): المرجع في البول و الغائط الصدق العرفي، و مع الشك يحكم بالطهارة، لقاعدة الطهارة، بل و استصحابها، لطهارتها قبل الخروج إلى الظاهر، كما يأتي.

(الثالث): لو تغيرت حقيقتهما بالأدوية الحديثة، فخرج بعد ذلك، فمقتضى القاعدة الطهارة.

(الرابع): ورد في عدم غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثوبه عن بول الحسنين عليهما السلام بعض الأخبار، فعن عليّ عليه السلام: «أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله بال عليه الحسن و الحسين عليهما السلام قبل أن يطعما فكان لا يغسل بولهما من ثوبه» (3).

______________________________

ص: 286


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات و الأواني حديث: 2 و 4.

عدم النجاسة (2). لكن الأحوط فيها أيضا الاجتناب، خصوصا

______________________________

و في خبر آخر عن موسى بن جعفر، عن أبيه عن آبائه قال قال عليّ عليه السلام: «بال الحسن و الحسين عليهما السلام على ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل أن يطعما فلم يغسل بولهما من ثوبه» (1).

و لكنهما غير نقيي السند، و غير ظاهري الدلالة على الطهارة، حتّى يصلحا لمعارضة العمومات الدالة على نجاسة بول الإنسان. و هناك فروع أخرى متعلقة بالمقام تأتي في الفصول الآتية.

(2) البحث في المقام من جهات:

الأولى: قال في المستند: «إنّ الطير إما فاقذ للبول، كما هو الظاهر في أكثر الطيور حيث لم يطلع أحد على بول له، و يستبعد وجوده، و عدم الاطلاع عليه، سيما في المأنوسة»، و حكي عن السيد المقدس البغدادي: العلم بعدم البول لغير الخشاف، و نقل عن بعض المطلعين عدم وجود جهاز البول للطيور أصلا، و في توحيد المفضل: «تأمل يا مفضّل جسم الطائر و خلقته فإنّه حين قدّر أن يكون طائرا في الجو خفف جسمه و ادمج خلفه فاقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين، و من الأصابع الخمسة على أربع، و من منفذين للزبل و البول على واحد يجمعهما ..».

و يظهر منه و من بعض أخبار الباب (2) وجود البول لها في الجملة، و يمكن الجمع: بأنّ بول الطير ماء يخرج مع فضلته أحيانا، و ليس ذلك من البول المعهود في سائر النجاسات.

الثانية: نسب إلى المشهور نجاسة البول و الخرء مما لا يؤكل لحمه من الطيور، و عن الحلي و العلامة و غيرهما دعوى الإجماع عليها.

أما الإجماع فلا اعتبار به بعد تحقق الخلاف من القدماء- مثل الصدوق،

______________________________

ص: 287


1- مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات و الأواني حديث: 2 و 4.
2- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

و العماني، و الجعفي، و الشيخ في المبسوط، إلا أنّه استثنى الخشاف، و جمع كثير من المتأخرين، منهم العلامة في المنتهى- مع أنّه من ناقلي الإجماع على النجاسة- و أما الشهرة فإن كانت مستندة إلى ما لم يصل إلينا فيعتنى بها. و أما إن كانت مستندة إلى ما عندنا من الأدلة، أو شك في أنّها مستندة إليها أو إلى غيرها، فمقتضى الأصل عدم حجيتها. و المقام إن لم يكن من الثاني، فلا أقل من كونه من الأخير، فلم يتم الدليل على النجاسة من الأدلة اللبية إجماعا كانت أو شهرة.

الثالثة: قد ادعي الملازمة بين حرمة أكل لحم الحيوان و نجاسة بوله و مدفوعة- حتى جعل ذلك من القواعد الفقهية- و لا دليل عليها من العقل، و لم يدعه أحد أيضا، و ينحصر دليله في الأدلة الشرعية لبية كانت أو لفظية، و تقدم ما يتعلق بالأولى، و يأتي الكلام في الثانية، إن شاء اللّه تعالى. نعم، ثبتت الملازمة بين حرمة أكل لحم الحيوان، و بطلان الصلاة في أجزائه إلا ما خرج بالدليل، و دليل الملازمة موثق ابن بكير الآتي نقله.

الرابعة: الظاهر مما لا يؤكل لحمه، ما حرم أكل لحمه، و نهى الشارع تحريما عن أكله، كما يدل عليه موثق ابن بكير الآتي. و قد يحتمل في المقام أن يراد به ما لم يعد للأكل و إن حلّ أكل لحمه، كالحمير، و البغال و نحوهما، و يستشهد بمعتبرة زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «في أبوال الدواب يصيب الثوب فكرهه، فقلت: أ ليس لحومها حلالا؟ فقال: بلى، و لكن ليس مما جعله اللّه للأكل» (1).

و خبر عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم، أ يغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الحمار، و الفرس، و البغل، فأما الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (2).

و فيه: أنّ الخبر الأول ظاهر في الكراهة، و الثاني محمول عليها أيضا، جمعا و إجماعا. و يأتي عما قريب ما يتعلق بأبوال الدواب الثلاث.

الخامسة: الأخبار الواردة في المقام على قسمين:

______________________________

ص: 288


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 9.

.....

______________________________

الأول: ما قاله أبو عبد اللّه عليه السلام- في صحيح ابن سنان-: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (1).

و مفهوم قولهما عليهما السلام في صحيح زرارة: «لا تغسل ثوبك من بول شي ء يؤكل لحمه، و مفهوم قول الصادق عليه السلام في موثق عمار: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و نحوها غيرها (2).

الثاني: قول أبي عبد اللّه عليه السلام- في صحيح أبي بصير-: «كلّ شي ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه»(3).

و ما نقل عن جامع البزنطي، عن أبي بصير عنه عليه السلام أيضا: «خرء كل شي ء يطير و بوله لا بأس به» (4).

و عنه أيضا في خبر الغياث: «لا بأس بدم البراغيث، و البق و بول الخشاشيف» (5).

و في مرسل المقنع: «لا بأس بخرء ما طار و بوله» (6).

و عن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام:

«سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفاش، و دماء البراغيث. فقال:

لا بأس» (7).

و ترك الاستفصال في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يرى في الثوب خرء الطير أو غيره هل يحكّه و هو في الصلاة؟ قال عليه السلام: لا بأس» (8).

______________________________

ص: 289


1- الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 4 و 12.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 3.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 5.
6- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 4.
7- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 1.
8- البحار ج: 80 باب: 18 من كتاب الطهارة حديث: 4.

.....

______________________________

و لو عرضنا القسمين على المتعارف من الناس، لحكموا بتخصيص الأول بالثاني، و أنّه في مقام بيان القاعدة الكلية في الطيور مطلقا، فيكون أظهر من القسم الأول، فلا بد من تقديمه عليه عرفا، مع تأييده بأصالة الطهارة، و سهولة الشريعة، و حمله على خصوص مأكول اللحم من الطير مستهجن، لعدم خصوصية للطير حينئذ في الحلية حتّى يذكر مستقلا، لأنّ كلّ ما حلّ أكل لحمه يكون بوله و مدفوعة طاهرا، طيرا كان أو غيره.

إن قلت: نعم، لو لا كون القسم الثاني خلاف المشهور و إعراضهم عنه.

قلت: لم يثبت الإعراض الموجب للسقوط، لما تقدم في الأمر الثاني فراجع.

إن قلت: إنّ بين القسمين تعارضا بالعموم من وجه، فيرجع في مورد المعارضة إلى عمومات نجاسة البول، مع أنّه يستفاد من قول الصادق عليه السلام- في موثق عمار: «خرء الخطاف لا بأس به، هو مما يؤكل لحمه، و لكن كره أكله لأنّه استجار بك و آوى إلى منزلك، و كلّ طير يستجير بك فأجره»(1).

عدم دخل الطيران في الحلية، و أنّ المناط كلّه حلية أكل اللحم، فيكون مرجحا للقسم الأول.

قلت: أما تحقق التعارض فلا وجه له، لأنّه متفرع على عدم تقدم أحد الدليلين بحسب المتفاهم العرفي على الآخر، و قد مر أنّ خبر أبي بصير في مقام بيان القاعدة الكلية للطيور مطلقا. فيكون مقدما على القسم الأول فلا تصل النوبة إلى التعارض.

و أما موثق عمار فلا إشعار فيه بكون أكل اللحم علة تامة منحصرة لطهارة الخرء من الطيور. نعم، يدل على أنّه موجب للطهارة أيضا: و لعلّ ذكره بالخصوص لأجل التنبيه إلى حلية أكل لحم الخطاف، مع أنّه رواه الشيخ رحمه اللّه بإسقاط لفظ الخرء، فلا ربط له حينئذ بالمقام، و لو سلّم ظهور موثق عمار في العلية التامة المنحصرة تعين حمل البأس في المفهوم على الكراهة، جمعا بينه

______________________________

ص: 290


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 20.

الخفاش (3). و خصوصا بوله (4). و لا فرق في غير المأكول بين أن يكون

______________________________

و بين خبر أبي بصير و هو حمل شائع في الفقه.

فتلخص: أنّه لا دليل يعتد به على نجاسة البول و الخرء من غير المأكول اللحم من الطيور.

(3) قد اختبره جمع فوجدوه مما ليس له نفس سائلة، فخرج عن موضوع البحث، و يأتي البحث عما ليس له نفس سائلة في آخر المسألة. و على فرض أن تكون له النفس السائلة، فلا دليل على خروجه عن حكم مطلق الطيور المحرمة اللحم الذي تقدم ذكره. إلا وجوه مخدوشة:

منها: ما نسب إلى المشهور: من القول بنجاسة بوله و خرئه.

و فيه: ما تقدم في الجهة الثانية، إذ ليست في المقام شهرة أخرى غير تلك الشهرة.

و منها: دعوى الإجماع عن المختلف على نجاستها. و يردها ما تقدم فيها أيضا، إذ ليس هذا الإجماع إجماعا مستقلا لخصوص الخشاف فقط، بل من حيث إنّه من صغريات الطيور المحرمة اللحم.

و منها: ما عن داود بن كثير الرقي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الخشاشيف تصيب ثوبي فأطلبه و لا أجده. قال عليه السلام: «اغسل ثوبك» (1).

و فيه: مضافا إلى ضعف سنده معارضته بما تقدم في القسم الثاني من الأخبار، و توهم الانجبار بالشهرة مدفوع: بأنّه لم يظهر من المشهور العمل به، بل استندوا إلى القسم الأول من الأخبار التي تقدم بعضها.

(4) لأنّه مورد النص. و لكن مقتضى الإجماع المدعى، كما تقدم عدم الفرق بينه و بين الخرء.

______________________________

ص: 291


1- الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 4.

أصليا، كالسباع و نحوها، أو عارضيا (5) كالجلّال، و موطوء الإنسان، و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة. و أما البول و الغائط من حلال اللحم

______________________________

(5) لإطلاق ما تقدم من الأخبار في القسم الأول، و إطلاق معاقد الإجماعات المحكيّة، و عن التذكرة: نفي الخلاف في إلحاق الجلّال و الموطوء بغير المأكول، و عن ظاهر الذخيرة، و الدلائل، و صريح المفاتيح: الإجماع عليه، فلا وجه للتشكيك بعد إطلاق النص المعتضد بالإجماع المستفيض نقله.

إن قلت: نعم لو لا المعارضة مع ما دل على طهارة بول مأكول اللحم الشامل بإطلاقه لما عرضه الحرمة، فيرجع بعد التعارض، و التساقط، إلى أصالة الطهارة.

قلت: لا وجه لتوهم المعارضة بين ما دل على ثبوت الأحكام للأشياء بعناوينها الأولية، و ما ثبت لها بالعنوان الثانوي، إذ الأول ينتفي قهرا بعروض الثاني. مع أنّ المرجع على فرض التعارض، عمومات نجاسة البول، لا قاعدة الطهارة.

إن قلت: فعلى هذا يكون بول الحيوان المغصوب، و منذور التصدق و ما يضر أكله نجسا، لتحقق حرمة الأكل بالعنوان الثانوي فيها أيضا.

قلت: المراد بحرمة الأكل في المقام ما كان من الوصف بحال الذات لا الوصف بحال المتعلق، فلا يشمل ما ذكر. مع أنّه يصح التمسك بإطلاق الأدلة الخاصة الواردة في هذه الموارد، كقول الصادق عليه السلام في صحيح هشام:

«و إن أصابك من عرقها شي ء فاغسله» (1).

و عنه عليه السلام أيضا في موثق حنان بن سدير: «في جدي رضع من لبن خنزير حتّى شب و كبر و اشتد عظمه، ثمَّ إنّ رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل. فقال عليه السلام: أما ما عرفت من نسله فلا تقربنه» (2).

______________________________

ص: 292


1- الوسائل باب: 15 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.

.....

______________________________

و عنه عليه السلام أيضا: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن البهيمة التي تنكح فقال عليه السلام: حرام لحمها، و كذلك لبنها» (1).

فإنّ المنساق منها عرفا أنّ ما ذكر فيها من باب المثال و ترتيب تمام آثار الحرمة، لا من جهة الخصوصية فيه بالخصوص و يتعلق بالمقام:

فروع- (الأول): نسب إلى الإسكافي كراهة لحم الجلّال، فيكون بوله طاهرا، كما في سائر الحيوانات التي كره أكل لحمها و لكنه مخالف لما مر من صحيح هشام من دون معارض يقتضي حمله على الكراهة. و نسب إلى الشيخ رحمه اللّه ذلك أيضا. و لكن لا وجه لنسبة الخلاف إليه، لأنّ مورد كلامه ما كان أكثر غذائه العذرة، و يأتي في الحادي عشر من المطهرات: أنّ الجلّال ما كانت العذرة غذاءه، فتصح الكراهة فيما قاله الشيخ رحمه اللّه تسامحا فيها.

(الثاني): ظاهر ما تقدم من الموثق، اعتبار الشباب، و الكبر، و اشتداد العظم، في حرمة لحم جدي رضع من لبن الخنزير، و ظاهر الفقهاء كفاية الاشتداد فقط، و عن صاحب الجواهر: «بلا خلاف أجده كما اعترف غير واحد». و يمكن أن يكون اشتداد العظم مشتملا على الشباب، و الكبر أيضا، لأنّ لهما مراتب متفاوتة جدّا، يكفي أولى المراتب منهما الملازمة لاشتداد العظم في الجملة، و يشهد لذلك ذكر الاشتداد بعدهما في الموثق.

(الثالث): لو استحالت العذرة إلى شي ء آخر- طبيعية كانت أو صناعية- و أكلها الحيوان لا يجري عليه حكم الجلّال، لظهور الدليل في غير ذلك فتجري أصالة الطهارة.

(الرابع): لا فرق في الحيوان الموطوء بين الصغير و الكبير، و الذكر و الأنثى، و لا في الواطئ بين البالغ و غيره، و العاقل و غيره، و المختار و المكره، و لا بين كون الوطء في القبل أو الدبر، و لا بين الإنزال و عدمه، كلّ ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق. و هل يشمل الحيوان الموطوء، مثل الطيور أيضا؟

قولان: نسب الأول إلى المشهور.

______________________________

ص: 293


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

فطاهر (6)، حتّى الحمار و البغل و الخيل (7). و كذا من حرام اللحم

______________________________

(الخامس): كما يحرم نفس الموطوء يحرم نسله أيضا و إن لم يوطأ. بلا فرق بين نسل الذكر و الأنثى، فيكون بول النسل و رجيعه نجسا.

(6) للأصل و الإجماع المنقول عن جمع، و للنصوص: منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق الساباطي: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» (1).

و قوله عليه السلام في موثق ابن بكير: «و إن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه، و كلّ شي ء منه جائز» (2).

و قولهما عليهما السلام في صحيح زرارة: «لا تغسل ثوبك من بول شي ء يؤكل لحمه» (3).

و نسب في المستند إلى الصدوقين و الشيخين: القول بنجاسة ذرق الدجاج، و لكن استظهر في الحدائق و الجواهر: أنّ المخالف منحصر في المفيد فراجع، لخبر فارس قال: «كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه؟ فكتب: لا» (4).

و فيه: أنّه مخالف للمشهور، بل المجمع عليه، و معارض بما مر، و موافق للعامة. مع أنّ فارس بن حاتم ضعيف للغاية خبيث إلى النهاية فيكون خبره ساقطا، فلا يبقى وجه لمعارضته، بما تقدم من الصحيح و الموثق. و لخبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه: «لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب» (5).

(7) على المشهور، للأصل، و جملة من النصوص- المعتضدة بسهولة الشريعة، المعمول بها لدى الأصحاب- منها خبر ابني خنيس، و أبي يعفور

______________________________

ص: 294


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 12.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 7.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 3.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 2.

.....

______________________________

قالا: «كنا في جنازة و قدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتّى صكت وجوهنا و ثيابنا، و دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبرناه؟ فقال: ليس عليكم بأس» (1).

و منها: خبر النحاس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّي أعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه فقال: ليس عليك شي ء» (2).

و منها: ما تقدم من موثق الساباطي، و صحيح زرارة (3).

و لا يخفى أنّ موثق ابن بكير من محكمات أخبار الباب و يكون شارحا للجميع فما خالفه لا بد من الجمع بينهما أو طرحه إن لم يقبل الجمع. و الموثق عن ابن بكير قال: «سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر؟ فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره مما أحل اللّه أكله، ثمَّ قال: يا زرارة هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكي و قد ذكاه الذبح. و إن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه» (4).

و منها: صحيح ابن رئاب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الروث يصيب ثوبي و هو رطب قال: إن لم تقذره فصل فيه» (5).

و قريب منه روايات أخرى. و حكي عن ابن الجنيد و الشيخ في النهاية:

______________________________

ص: 295


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 14.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- تقدم في صفحة: 294.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 16 و 6.

الذي ليس له دم سائل، كالسمك المحرّم و نحوه (8).

______________________________

القول بالنجاسة، و تبعهم المحقق الأردبيلي و صاحبا المدارك و المعالم، و بالغ صاحب الحدائق في تقويته، و تضعيف المشهور بما أمكنه. و استندوا إلى جملة من الأخبار فيها الصحاح و غيرها، كصحيح ابن مسلم فقال: «و سألته عن أبوال الدواب و البغال و الحمير، فقال: اغسله، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه، فإن شككت فانضحه» (1).

و يجب حمل ذلك كلّه على رجحان الاجتناب جمعا بينها و بين غيرها من موثق ابن بكير- الذي ورد لبيان القاعدة الكلية غير القابلة للتخصيص و التقييد بمثل هذه الأخبار التي أعرض عنها الأصحاب، و الموافقة للتقية، لأنّ النجاسة مذهب أبي حنيفة و الشافعي، كما في المستند، و المستلزمة للعسر و الحرج خصوصا في الأزمنة القديمة، كما هو معلوم لكلّ أحد، و ما في بعضها (2) من التفصيل بين البول و الروث، محمول على اختلاف مراتب رجحان الاجتناب.

(8) على المشهور، بل عليه الإجماع في المعتبر و عدم الخلاف في الحدائق. و نسب الخلاف في التذكرة إلى بعض العامة المشعر بعدم الخلاف عندنا، كذا في المستند، لأصالة الطهارة، و أنّ العمدة في نجاسة الخرء مما لا يؤكل لحمه مطلقا الإجماع غير الشامل لغير ذي النفس مع دعوى الإجماع على الخلاف. و الأخبار الدالة على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه تختص بما له النفس، للإجماع، و لأنّ طهارة ميتة ما لا نفس له و طهارة دمه، تدل عرفا على طهارة رجيعة أيضا، مضافا إلى أنّ وجود البول لما لا نفس له من مجرد الفرض البعيد، و أبعد منه ابتلاء أحد من الناس به. و لا فرق في ذلك بين كون ما لا نفس له مثل الذباب و البق و نحوه أو مثل الحوت و الحية و غيرهما.

فرع:- لو صار ما لا نفس له جلالا فهل ينجس بوله و خرؤه؟ وجهان: من

______________________________

ص: 296


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 16 و 6.
2- كما في حديث 1 و 9 من باب: 9 من أبواب النجاسات.
مسألة 1: ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة

(مسألة 1): ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة (9)، كالنوى الخارج من الإنسان، أو الدود الخارج منه إذا لم يكن معها شي ء من الغائط و إن كان ملاقيا له في الباطن. نعم، لو أدخل من الخارج شيئا فلاقى الغائط في الباطن، كشيشة الاحتقان إن علم

______________________________

الإطلاق المتقدم فينجس، و من صحة الانصراف فلا ينجس.

(9) على المشهور بين الفقهاء، و عن بعضهم دعوى عدم الخلاف فيه في الجملة، و يقتضيه مرتكز العرف و المتشرعة- الحاكم بأنّ موضوع القذارة و النجاسة إنّما هو الظواهر فقط- فما كان باطنه القذارة و كان ظاهره طاهرا نظيفا لا يستقذرونه. إلا مع السراية، أو كان مما حكم الشارع بنجاسة و لو كان نظيفا كالكلب- مثلا.

ثمَّ إنّ للمسألة فروعا- (الأول): كون الملاقي (بالكسر) و الملاقي (بالفتح) كليهما باطنيين، كملاقاة باطن العروق للدم و بعض الأمعاء للعذرة، و لم يتوهم أحد ترتب أحكام النجاسة عليه.

(الثاني): كون الملاقي من الخارج، و النجس في الباطن، كالإبرة التي تزرق في العروق مع العلم بملاقاتها للدم، و لكن تخرج غير متلطخة به، و كالدود و الحب الخارج من المعدة مع العلم بالملاقاة مع الغائط و عدم التلطخ بها بعد الخروج.

(الثالث): كون النجس من الخارج و ما لاقاه من الباطن، كما إذا أدخل إصبعه المتنجس بالدم في فمه، و مقتضى استصحاب الطهارة و قاعدتها هو الطهارة في هذين الفرعين.

(الرابع): كون المتلاقيين خارجيين في الباطن، كما إذا أخذ في فمه شيئا متنجسا- مثلا- و أدخل إصبعه في فمه و لاقاها فيه، فإن أخرج إصبعه يكون متنجسا، على تأمل، إن لم يكن عليه أثر النجاسة و هل تكون متنجسة ما دامت

ص: 297

.....

______________________________

فيه؟ مقتضى الأصل و القاعدة عدمه، بعد عدم صحة التمسك بما دل على الانفعال بالملاقاة، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و على هذا لو كان ذلك في الصلاة لا تبطل إن لم يخلّ ذلك بالقراءة. و كذا لو كان الملاقي خارجيا و الملاقي (بالفتح) من الباطن، كما إذا خرج من لثته الدم و أدخل إصبعه في فمه فأمسكها حين الملاقاة و صلّى- مثلا- و تلطخت بالدم بأزيد من مقدار الدرهم.

(الخامس): كون المتلاقيين خارجيين في الخارج، و هو موجب للانفعال بلا إشكال: و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في [مسألة 13] من نجاسة الدم، و في العاشر من المطهرات إن شاء اللّه تعالى.

و يشهد لعدم تحقق الانفعال في الباطن ما ورد في طهارة المذي و الوذي و الودي، و بصاق شارب الخمر، و بلل الفرج، كخبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المذي يصيب الثوب، قال: ليس به بأس» (1).

و عنه عليه السلام أيضا في صحيح زرارة «إن سال من ذكرك شي ء من مذي أو ودي و أنت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة إلخ» (2).

و في خبر عبد الحميد: «قلت لأبي عبد الله ع: رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه قال: ليس بشي ء» (3) و عن إبراهيم ابن أبي محمود قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة عليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب. أ تصلّي فيه؟

قال: إذا اغتسلت صلّت فيها» (4).

الشامل بإطلاقه لجميع الحالات التي منها حالة وجود مني الرجل في فرجها، و يأتي في فصل نواقض الوضوء و غيره بعض ما يتعلق بالمقام.

______________________________

ص: 298


1- الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب النجاسات حديث: 1.

ملاقاتها له، فالأحوط الاجتناب (10) عنه. و أما إذا شك في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة، فلو خرج ماء الاحتقان و لم يعلم خلطه بالغائط و لا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته.

مسألة 2: لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم

(مسألة 2): لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم.

و أما بيعهما من غير المأكول، فلا يجوز (11). نعم، يجوز الانتفاع بهما في التسميد و نحوه.

______________________________

(10) مقتضى قاعدة الطهارة و استصحابها: عدم وجوب الاجتناب، و كذا فيما يأتي.

(11) بل يجوز مع تحقق الغرض العقلائي في غير المحرم، لوجود المقتضي- و هو الغرض الصحيح الشرعي- فتشمله العمومات و الإطلاقات لا محالة، و فقد المانع، لأنّه إما الإجماع المدعى على عدم الانتفاع بالنجس تارة، و على عدم بيعه أخرى. ففيه: أنّ المتيقن منهما- على فرض الصحة- ما لم يكن فيه الغرض الصحيح غير المحرم. نعم، الأغراض النادرة التي لا يعتنى بها في حكم العدم.

و أما خبر تحف العقول (1) الدال على النهي عن جميع التقلبات في النجس و بيعه. ففيه: أنّ المنساق منه ما لم تكن فيه منافع صحيحة متعارفة.

و أما قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (2).

ففيه: أنّ المراد به الحرمة بقول مطلق بحيث لم تكن فيه جهة محللة أصلا، لا الحرمة في الجملة، و وجود جهات محللة فيه. و إلا لحرم ثمن جميع الأشياء، كما لا يخفى.

______________________________

ص: 299


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به.
2- الخلاف: كتاب الورع مسألة 308 و 310 و في مستدرك باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8 باختلاف يسير، و كذا في مسند احمد ج: 1 صفحة 322.
مسألة 3: إذا لم يعلم كون حيوان معيّن أنّه مأكول اللحم أو لا

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معيّن أنّه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه (12)، و إن كان لا يجوز أكل لحمه بمقتضى الأصل (13)، و كذا إذا لم يعلم أنّ له دما سائلا، أم لا، كما أنّه إذا شك في شي ء أنّه من فضلة حلال اللحم أو حرامه، أو شك في أنّه من الحيوان الفلاني حتّى يكون نجسا، أو من الفلاني حتّى يكون طاهرا، كما إذا رأى شيئا لا يدري أنّه بعرة فار أو بعرة خنفساء، ففي

______________________________

(12) إن لم يكن أصل موضوعي على الخلاف، بلا فرق فيه بين كون الحيوان الخارجي المعيّن مرددا بين مأكول اللحم و غيره، أو علم أنّه من غير المأكول و تردد بين كونه مما له الدم السائل أو لا. و كذا لو كان هناك بول أو بعرة و لم يعلم أنّه من مأكول اللحم أو من غيره، فالمرجع في الجميع أصالة الطهارة، بل كل حيوان جرت أصالة الحلية في لحمه يكون بوله و روثه طاهرا، لأنّ موضوع طهارتهما أعم من الحلية الواقعية و الظاهرية كما هو مقتضى سهولة الشريعة في الطهارة. نعم، لو ثبتت حرمة لحمه بأصالة عدم التذكية ففي الحكم بنجاسة البول و الروث إشكال، لقوة احتمال أن يكون موضوع نجاستهما الحرمة الواقعية، دون مطلق الحرمة.

(13) الظاهر أنّه لا أصل لهذا الأصل، لأنّ الحيوان تارة: يتردد بين الحلية و الحرمة من جهة الشبهة الحكمية مع العلم بقبوله للتذكية.

و أخرى يكون كذلك مع الشك في قبوله لها، و مقتضى عمومات الحلية و الطهارة أنّه طاهر و حلال بعد وقوع التذكية عليه. و ما يقال: من أنّ الأصل في اللحوم الحرمة إلا ما خرج بالدليل. لا وجه له إن أريد به الأصل اللفظي، لأنّ مقتضى العمومات الحلية، لا الحرمة و كذا إن أريد به الأصل العملي أيضا، لأنّ حرمة اللحم حال الحياة إنّما هي لأجل عدم التذكية، و بعد تحققها لا وجه لاستصحاب هذه الحرمة.

و ثالثة: يتردد بين الحلية و الحرمة من جهة الشبهة الموضوعية مع العلم بقبوله للتذكية.

ص: 300

جميع هذه الصور يبني على طهارته (14).

______________________________

و رابعة: يتردد بينهما مع الشك في قبوله لها، و مقتضى قاعدة الحلية، و حصر ما لا يقبل التذكية في النصوص فيما نص عليه (1) بالخصوص، وقوع التذكية عليه، و ادعى غير واحد أنّ الأصل قابلية كلّ حيوان للتذكية، و عن صاحب الحدائق: «لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم أنّ ما عدى الكلب و الخنزير و الإنسان يقع عليه الذكاة»، و قريب منه ما يظهر من صاحب الجواهر أيضا.

و بعبارة أخصر: التذكية أمر متعارف بين الناس قديما و حديثا و هي من المفاهيم المبينة لديهم، إلا إذا حدّدها الشارع بحدود و قيود، و مع عدم ورود التحديد و التقييد، مقتضى عمومات الحلية و قاعدتها في الشبهات الحكمية و الموضوعية الحلية، فلا يبقى موضوع لأصالة عدم التذكية. إلا فيما إذا شك في الاستقبال و التسمية و نحوهما مع عدم الأمارة على الخلاف.

و ما يقال: من أنّ التذكية عبارة عن تحقق الشرائط المعتبرة الشرعية مع خصوصية في الحيوان بها تؤثر الشرائط أثرها، و مع الشك فمقتضى الأصل عدم تحقق تلك الخصوصية بالعدم الأزلي.

مخدوش: بأنّه لم نعثر على دليل يدل على اعتبار تلك الخصوصية، بل مقتضى حصر ما لا تقع عليه التذكية في الأنواع الخاصة، و عمومات الحلية عدم تلك الخصوصية، فلنا أن نقلب الأصل و نقول: إنّه إذا شك في الخصوصية الموجبة للحرمة في حيوان، فمقتضى الأصل الجاري في عدم تلك الخصوصية بنحو العدم الأزلي الحلية، و مقتضى حصر ما لا تقع عليه التذكية من الحيوانات وقوع التذكية عليه أيضا، و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في الصيد و الذباحة إن شاء اللّه تعالى.

(14) كلّ ذلك لأجل قاعدة الطهارة.

______________________________

ص: 301


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1 و سيأتي في كتاب الصيد و الذباحة النصوص الدالة على الحصر.
مسألة 4: لا يحكم بنجاسة فضلة الحية

(مسألة 4): لا يحكم بنجاسة فضلة الحية، لعدم العلم بأنّ دمها سائل. نعم، حكي عن بعض السادة أنّ دمها سائل، و يمكن اختلاف الحيات في ذلك. و كذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح، للشك المذكور و إن حكي عن الشهيد أنّ جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل إلا التمساح. لكنّه غير معلوم، و الكلية المذكورة أيضا غير معلومة (15).

الثالث المنيّ

(الثالث) المنيّ (16) من كلّ حيوان له دم سائل حراما كان أو

______________________________

(15) يمكن الاستشهاد على هذه الكلية بعدم العثور على دعوى عن أحد برؤية الدم السائل في الحيات و الحيتان، بل و في جميع الحيوانات البحرية.

(16) أما نجاسة منيّ الإنسان فهي من ضروريات فقه الإمامية، إن لم يكن من مذهبهم، و هو المتيقن من الأخبار الواردة في نجاسة المنيّ، كقول أحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم- في حديث: «في المنيّ يصيب الثوب قال: إن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي عليك فاغسله كلّه» (1).

و غيرها من الأخبار و ما يظهر منه الخلاف مهجور عند الأصحاب، محمول على التقية على فرض تمامية الدلالة على الطهارة، مع أنّها غير تامة، كصحيح أبي أسامة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «تصيبني السماء و عليّ ثوب فتبلّه و أنا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ، أ فأصلي فيه؟ قال:

نعم» (2).

إذ لا دلالة فيه على وجود الرطوبة في موضع الملاقاة. و الظاهر: أنّ عدّه من أدلة النجاسة أولى من العكس، فإنّه يدل على أنّ نجاسة المنيّ كانت معلومة عند الراوي. و إنّما سئل عن الشبهة الموضوعية، و كذا صحيح زرارة قال:

«سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟ فقال: نعم لا بأس

______________________________

ص: 302


1- الوسائل باب: 16 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 3.

.....

______________________________

به. إلا أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافة فلا بأس» (1).

فإنّ التجفف أي التنشف بمثل هذا الثوب لا يستلزم ملاقاة الموضع الذي فيه المنيّ للبدن. نعم، لو كان المنيّ رطبا يستلزم ذلك عادة نجاسة سائر مواضع الثوب، و هو نحو محذور خصوصا في الأزمنة القديمة، مع أنّه محمول على التقية.

و أما منيّ ما له نفس سائلة من الحيوانات فيدل على نجاسته: الإجماع القطعي، و التلازم عند المتشرعة بين نجاسة الدم و نجاسة المنيّ. و إمكان أن يقال: إنّ المستفاد من الأخبار كون النجاسة ثابتة لطبيعة المنيّ- من حيث هي- مع قطع النظر عن الإضافة إلى حيوان خاص، بل يمكن أن يقال: إنّ هذا وجه جعله أشد من البول، لأنّه بالنسبة إلى كلّ حيوان، بخلاف البول، فإنّه بالنسبة إلى غير المأكول فقط، ففي صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ذكر المني و شدده و جعله أشد من البول، ثمَّ قال: إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة- الحديث-» (2).

فإنّه ظاهر في ثبوت الحكم للطبيعة. و احتمال الانصراف إلى منيّ الإنسان من الانصراف البدوي، خصوصا بالنسبة إلى من يباشر استعمال الدواب، فلا وجه للتمسك للطهارة بالأصل، و إطلاق قول الصادق عليه السلام: «كلّ ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» (3).

إذا الأصل محكوم بالإجماع، و منصرف قول الصادق عليه السلام لو لم يكن ظاهره إنّما هو البول و الرجيع.

و أما المنيّ مما ليس له النفس السائلة من الحيوانات، فلا دليل على نجاسته- لو فرض لها منيّ- إذ لا إجماع على نجاسة منيّها، و المنساق من الأدلة اللفظية منيّ الإنسان، فالمرجع أصالة الطهارة فيها.

______________________________

ص: 303


1- الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 7.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 12.

حلالا، برّيّا كان أو بحريّا. و أما المذي و الوذي و الودي فطاهر من كلّ حيوان، الا نجس العين. و كذا رطوبات الفرج و الدبر (17)، ما عدا البول و الغائط.

______________________________

(17) كلّ ذلك لأصالة الطهارة، و ظهور الإجماع، و عدم الدليل على النجاسة.

و أما ما يخرج من نجس العين فدليل نجاسته يدل على نجاسة جميع ما يخرج منه، و في الحديث قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «فأما المنيّ فهو الذي تسترخي له العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل، و أما المذي يخرج من شهوة و لا شي ء فيه، و أما الودي فهو الذي يخرج بعد البول، و أما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء و لا شي ء فيه»(1).

و عنه أيضا في الصحيح قال: «إن سال من ذكرك شي ء من مذي أو ودي و أنت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا ننقض له الوضوء و إن بلغ عقبيك فإنّما ذلك بمنزلة النخامة» (2).

و عن ابن أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المذي يصيب الثوب، قال: لا بأس به فلما رددنا عليه قال: ينضحه بالماء» (3).

فيحمل هذا، و خبره الآخر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المذي يصيب الثوب، قال: إن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه» (4).

على مطلق الرجحان، و عنه عليه السلام أيضا في الصحيح المتقدم:

«كلّ شي ء خرج منك بعد الوضوء، فإنّه من الحبائل، أو من البواسير، و ليس بشي ء، فلا تغسله من ثوبك إلا أن تقذره».

______________________________

ص: 304


1- الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 2.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 3.

الرابع الميتة

اشارة

(الرابع) الميتة من كلّ ما له دم سائل، حلالا كان أو حراما (18).

______________________________

و مراده عليه السلام من البواسير ما لم يكن دما، و قد تقدم خبر أبي محمود عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في بلل الفرج (1)، و يأتي في نواقض الوضوء ما ينفع المقام.

(18) أما بالنسبة إلى ميتة غير الآدمي من ذي النفس السائلة فللإجماع- محصلا و منقولا- بل ضرورة من الفقه إن لم يكن من المذهب أو الدين و للنصوص المستفيضة، بل المتواترة في الأبواب المتفرقة. كما ورد في أحكام البئر (2)، و الماء القليل الذي مات فيه شي ء من الحيوانات (3)، و ما ورد في السمن و الزيت و المرق (4)، و لباس المصلّي (5)، و عدم الانتفاع بشي ء من الميتة إلا ما استثني (6)إلى غير ذلك مما يظهر منها أنّ الميتة كانت في أعصار المعصومين عليهم السلام مثل هذه الأعصار من حيث النجاسة، و نعم ما قال في مصباح الفقيه في بيان نجاسة الميتة: «إنّ المتبع في الآثار و المتدبر في الأخبار الواردة في أحكام الميتة التي لا تتناهى كثرة إذا نظر إليها بعين البصيرة يجدها بأسرها كاشفة عن المدعى».

منها: ما عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «الميتة نجس و إن دبغت» (7).

و منها: قول الصادق عن أبيه عليه السلام: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له

______________________________

ص: 305


1- تقدم ذكره في صفحة: 298.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الماء المطلق.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.
4- جميع الروايات وردت في الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلي.
6- الوسائل باب: 6 و 7 من أبواب ما يكتسب به.
7- مستدرك الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 9.

.....

______________________________

نفس سائله» (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه، قال: كلّ ما ليس له دم سائل فلا بأس» (2).

و غيرها من الروايات.

و المناقشة: بأنّ مفادها أعم من النجاسة مما لا وجه لها، إذ ليست الروايات الواردة في سائر النجاسات إلا مثلها، و عن مصباح الفقيه: «ليس شي ء من أعيان النجاسات، بل قلّ ما يتفق في غيرها أيضا، ما يكون أبين دليلا من نجاسة الميتة، و كثرة أدلتها مانعة أن يتطرق فيها الخدشة بضعف السند، أو قصور الدلالة».

و في الجواهر: «احتمال المناقشة في كلّ واحد من هذه الأخبار- إلى أن قال:- مما لا ينبغي أن يصغى إليها».

و نعم ما قال في المستند: «و العجب من صاحب المدارك حيث جعل المسألة قوية الإشكال، و ظنّ عدم الدليل على النجاسة مع أنّه في نجاسة البول احتج بالأمر بغسل الملاقي، و قال: لا نعني بالنجس إلا ما وجب غسل الملاقي له، و هو هنا متحقق مع غيره و فرّع عدم مجال التوقف في نجاسة منيّ ذي النفس على كونه مقطوعا به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع مع أنّ الأمر هنا أيضا كذلك، و صرّح في بحث الأسئار بأنّ نجاسة الميتة من ذي النفس و نجاسة الماء القليل به موضع وفاق».

و أما مرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام: «سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن ما ترى فيه؟ فقال: لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن، و تتوضأ منه، و تشرب و لكن لا تصلّي فيها» (3).

ففيه: أنّه مضافا إلى قصور سنده، مهجور عند الأصحاب. و ما ذكره رحمه

______________________________

ص: 306


1- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 5.

.....

______________________________

اللّه في أول كتابه من أنّه لا يورد فيه إلا ما يفتي به و يكون حجة بينه و بين ربه، قد رجع عنه، و لذا ذكر فيه كثيرا مما أفتى بخلافه و قد يشهد له التتبع لكتابة، و ليس معنى كون ما ذكره رحمه اللّه حجة بينه و بين ربه الحجية المطلقة من كلّ حيثية و جهة بالنسبة إلى آحاد ما ذكره، بل المراد الحجية بعد رد المتشابهات إلى المحكمات و إعمال القواعد المعتبرة، مع أنّ كون الخبر حجة عند الصدوق لا يستلزم أن يكون حجة عند غيره أيضا فرب خبر يكون حجة عند بعض مع أنّه ساقط عند الآخرين، و عن صاحب الجواهر رحمه اللّه في أول بحث القنوت: «إنّ الصدوق رحمه اللّه مغرور بظاهر النصوص، بل هو معلوم من طريقته»، و مع الجمود على الظاهر كيف يكون كلّ ما تعلق به نظره الشريف، حجة. و يمكن أن يكون مراده بالمرسل: ميتة ما لا نفس فيه، أو يكون رحمه اللّه ممن يقول بطهارة الميتة بالدبغ، كما في الفقه الرضوي [1] الذي تتحد فتاوى الصدوق معه غالبا.

هذا كلّه في غير الآدمي.

و أما ميت الإنسان فيدل على نجاسته- مضافا إلى استفاضة نقل الإجماع عليه بالخصوص- صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال: يغسل ما أصاب الثوب» (1).

و رواية ابن ميمون قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يقع ثوبه

______________________________

[1] لم نعثر على خبر فقه الرضوي في مستدرك الوسائل- و غيره- مع أنّ صاحب المستدرك يذكر عنه كثير، نعم في كتاب الفقه الرضوي (باب اللباس و ما يكره فيه الصلاة و الدم و النجاسات و ما يجوز فيه الصلاة): «اعلم يرحمك اللّه أنّ كلّ شي ء أنبتته الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة فيه، و كلّ شي ء حلّ أكله فلا بأس بلبس جلده المذكى و صوفه، و شعره، و بعرة، و ريشه، و عظامه، و إن كان الصوف و الوبر و الشعر و الرّيش من الميتة و غير الميتة بعد ما يكون مما أحلّ اللّه أكله فلا بأس به، و كذا الجلد فإنّ دباغته طهارته- إلى أن قال:- و ذكاة الحيوان ذبحه و ذكاة الجلود الميتة دباغته- الحديث». و قد أورد صاحب المستدرك قطعة منه في باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1، و قطعة اخرى منه باب: 38 من أبواب لباس المصلّي حديث 1. ثمَّ إنّ بعض مضمون الخبر ورد في خبر ابن زرارة المذكور في الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 7.

______________________________

ص: 307


1- الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث 2.

و كذا أجزاؤها المبانة منها و إن كانت صغارا (19) عدا ما لا تحلّه الحياة منها (20): كالصوف و الشعر و الوبر و العظم و القرن و المنقار و الظفر

______________________________

على جسد الميت، قال: إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصابك ثوبك منه، و إن كان لم يغسل فاغسل ما أصابك ثوبك منه- يعني- إذا برد الميت» (1).

و التوقيع الصادر عن صاحب الزمان في إمام حدثت عليه حادثة: «ليس على من مسه الا غسل اليد» (2).

و قريب منه غيره، و في موثق عمار من الأمر بنزح سبعين دلوا لموت الإنسان (3). و الأمر بغسل اليد و الثوب في هذه الأخبار، كغيرها، إنّما هو لأجل النجاسة المعهودة، فما حكي عن المفاتيح:

«من أنّ ذلك لأجل الخباثة المعنوية، و الاستقذار من الميت، لا النجاسة». خلاف ظاهر الأخبار و معاقد الإجماعات و كاد أن يكون إنكار ضروري مذهب، بل دين، كما في الجواهر.

(19) لصدق جزء الميتة عليها، و لا ريب في شمول الحكم للكل و الجزء.

مع أنّه مقطوع لدى الأصحاب. كالأجزاء المنفصلة من الكلب أو العذرة و نحوهما من سائر النجاسات، بلا فرق بين الأجزاء الصغار و الكبار، للصدق العرفي بالنسبة إليهما.

(20) لأنّ المراد بالميتة ما حلت فيه الروح الحيوانية ثمَّ زالت بغير الطريق الشرعي، أو بحتف الأنف، و ما لا تحله الحياة خارج عنها موضوعا فيكون الخروج تخصّصا، لا تخصيصا. نعم، لو كان المراد بها الأعم مما حلت فيه الحياة النباتية أيضا، لكان الخروج تخصيصا، لا تخصّصا.

و يدل عليه- مضافا إلى ما قلناه-: الأصل، و الإجماع المحكي عن جمع

______________________________

ص: 308


1- الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 4.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

.....

______________________________

من الأصحاب و أخبار مستفيضة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحلبي قال: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح» (1).

و عن أبي جعفر عليه السلام في خبر أبي حمزة الثمالي: «إنّ الإنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم إنّما تخرج من بين فرث و دم و إنّما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة .. الحديث» (2).

و فيهما إشارة إلى ما قلناه.

و منها: ما عن الصادق عليه السلام في صحيح حريز: «اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه» (3).

و عن ابن زرارة قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و أبي يسأله عن السنّ من الميتة و البيضة من الميتة و إنفحة الميتة؟ فقال: كلّ هذا ذكي» (4).

و منها: ما في خبر يونس: «خمسة أشياء ذكية مما فيه منافع الخلق:

الأنفحة، و البيض، و الصوف، و الشعر، و الوبر- الحديث» (5).

المحمول على الحصر الإضافي بقرينة مرسل الفقيه عن الصادق عليه السلام: «عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن، و الحافر، و العظم و السن، و الأنفحة، و اللبن، و الشعر، و الصوف، و الريش، و البيض» (6).

و في خبر المحاسن: «و أما الذي يحل من الميتة: فالشعر، و الصوف و الوبر، و الناب، و القرن، و الضرس، و الظلف، و البيض، و الأنفحة و الظفر، و المخلب، و الريش» (7).

و منها: ما عن زرارة عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الإنفحة

______________________________

ص: 309


1- الوسائل باب: 68 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- راجع الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.
4- راجع الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- راجع الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.
6- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 9.
7- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 20.

و المخلب و الريش و الظلف و السن و البيضة إذا اكتست القشر الأعلى (21) سواء كانت من الحيوان الحلال أم الحرام (22) و سواء أخذ ذلك بجزّ أم نتف أم غيرهما (23). نعم، يجب غسل المنتوف من رطوبات

______________________________

تخرج من الجدي الميت؟ قال: لا بأس به قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت؟ قال: لا بأس» (1).

إلى غير ذلك من الأخبار المعمول بها لدى الأصحاب. ثمَّ إنّ من التعليل في صحيح الحلبي و خبر الثمالي، و من الكلية في صحيح حريز، يمكن استفادة حكم المنقار أيضا. مع أنّه مذكور في مورد بعض الإجماعات أيضا، و يغني ذلك عن ذكره بالخصوص في النصوص.

(21) على المعروف بين الأصحاب و إن اختلفت عباراتهم، لرواية غياث عن الصادق عليه السلام: «في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال: إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها» (2).

و بها تقيد سائر الأخبار. و للغلظة مراتب مختلفة يكفي فيها مسمّاها. و لا تعتبر الصلاة، للأصل و للإطلاق.

(22) لإطلاق الأدلة، خلافا للعلامة إذا أفتى بنجاسة بعض ما لا يؤكل لحمه في النهاية و المنتهى. و لا دليل له، كما اعترف به جمع، بل العرف و الأصل و الإطلاق على خلافه.

(23) على المشهور بين الأصحاب، للإطلاق أخبار الباب المتقدمة. و عن الشيخ رحمه اللّه الاختصاص بالجزء. و لا دليل له عليه، لأنّه إن كان لأجل أنّ أصولها المتصلة باللحم من جملة أجزاء الميتة. ففيه: أنّها من تبعات الشعر و الوبر عرفا، فيشملها الإطلاق قهرا. و إن كان لمكاتبة الجرجاني إلى أبي الحسن عليه السلام: «لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب و كلّ ما كان من السخال

______________________________

ص: 310


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.

الميتة (24)، و يلحق بالمذكورات الأنفحة (25)، و كذا اللبن في

______________________________

الصوف إن جز الشعر و الوبر و الأنفحة و القرن، و لا يتعدّى إلى غيرها إن شاء اللّه تعالى» (1).

ففيه: مضافا إلى قصور السند، و اضطراب المتن: إذ لم يذكر من الخبر قوله: «كلّ ما كان» و إن ذكر الجز في السخال، لأجل أنّ الغالب فيها الجز، إذ النتف فيها موجب لخرق الجلد و عدم الانتفاع بالصوف و الوبر أيضا، و يمكن أن يكون مراد الشيخ رحمه اللّه عدم الانتفاع بالمنتوف عن الميتة مع الرطوبة المسرية. إلا بعد الغسل، و هو صحيح فلا نزاع حينئذ، كما يأتي.

(24) إن كانت مسرية، لتحقق النجاسة حينئذ.

(25) إجماعا، بل المقطوع به عند الأصحاب في الجملة. و لكن البحث في الإنفحة من جهات ثلاث:

الأولى: في الشي ء الأصفر الذي يجبن به، و يكون في كرش الجدي و الحمل قبل أن يأكل- و يسمّى بالفارسية (مايه پنير) و لا ريب في أنّه مراد الفقهاء و اللغويين و المنساق من الأخبار، و يشهد أهل الخبرة بكونه الأنفحة. و لا إشكال من أحد في طهارته، فهو المتيقن من الإطلاق و الاتفاق، و قد تقدمت جملة من النصوص المشتملة عليها، و من إطلاقات الروايات و معاقد الإجماعات يستفاد طهارته العرضية أيضا، بل يمكن أن يقال: إنّها وردت لذلك، لأنّ احتمال نجاسته الذاتية بعيد عن الأذهان جدّا، لكونه مما لا تحلّه الحياة قطعا.

الثانية: السطح الداخل من وعاء ذلك الشي ء الأصفر الذي يفعل فعله و يجبن به أيضا، إما لوجود أجزائه فيه، أو لاكتسابه ذلك بالمجاورة، و يطلق عليه الأنفحة عند العرف و أبناء المحاورة، و مقتضى الإطلاقات و العمومات طهارته أيضا، لوجود المقتضي- و هو الصدق العرفي- و فقد المانع، فتشمله الأدلة بلا مانع.

______________________________

ص: 311


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 7.

.....

______________________________

الثالثة: السطح الخارجي من الوعاء الذي لا يحصل منه فعل الأنفحة أبدا، و مقتضى إطلاق ما دل على نجاسة الميتة نجاسته أيضا. إلا أن يقال: إنّ السطح الخارج من توابع الأنفحة و يكون بمنزلة قشر البيضة، فيدل على طهارته الإطلاقات و العمومات الدالة على طهارة الإنفحة و يشهد له ما قاله أبو جعفر عليه السلام في معتبرة الثمالي: «الإنفحة مثل البيضة» (1). مع أنّ كونه مما تحلّه الحياة الحيوانية حتّى يتنجس بالموت، غير معلوم إن لم يكن معلوم العدم ما دام فيه الإنفحة، لأنّ أصل تكوّن الظرف من اللبن، و ما دام لم يصر ضخما تطلق عليه الأنفحة و بعد صيرورته كبيرا و ضخما لا يطلق عليه هذا اللفظ، بل يطلق عليه (الكرش). هذا مع أنّ النجاسة الذاتية له- غير القابلة للطهارة، مع كون استعمال الأنفحة يتوقف على استعماله- خلاف سهولة الشريعة. خصوصا بالنسبة إلى سواد الناس.

إن قلت: نعم، و لكن يظهر من خبر أبي الجارود وجوب الاجتناب عن إنفحة الميتة، قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة، فقال: من أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله و إن لم تعلم فاشتر و بع و كل، و اللّه إنّي لأعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّه ما أظنّ كلّهم يسمون هذا البربر و هذا السودان»(2).

إذ المراد بالميتة إنفحة الميتة، لا نفسها.

قلت: فيه أولا: أنّه ضعيف السند. و ثانيا: موافق للتقية. و ثالثا:

محمول على الندب جمعا و إجماعا.

فروع- (الأول): ما يجبن به في هذه الأعصار من الأدوية المستحدثة طاهر و حلال، للأصل.

(الثاني): للأنفحة الطبيعية وقت مخصوص عند أهل الخبرة، و مع الشك

______________________________

ص: 312


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 5.

الضرع (26)، و لا ينجس بملاقاة الضرع النجس (27)، لكن الأحوط في

______________________________

في انقضائه، فالأصل بقاؤه، فيكون طاهرا لو خرجت من الميتة.

(الثالث): المدار على صدق الأنفحة عرفا، لا وجود الأثر الفعلي فيها، فلو زال أثرها لعارض و خرجت من الميتة تكون طاهرة.

(26) على المشهور، و يدل عليه ما تقدم من صحيح حريز و زرارة (1) و مرسل الصدوق (2) و غيرها (3). و عن جمع القول بالنجاسة، بل عن الحلّي: «أنّه لا خلاف فيه بين المحصّلين». و لكن طعنه كاشف الرموز على ما حكي عنه: «بأنّ هذه الدعوى محرّمة، لأنّ الشيخين خالفاه، و المرتضى و متابعوه غير ناطقين به، فما أعرف من بقي معه من المحصّلين، و عمدة مستندهم على النجاسة قاعدة التنجس بالملاقاة».

و خبر وهب عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنّ عليّا عليه السلام: «سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال عليه السلام: ذلك الحرام محضا» (4).

و ما تقدم من خبر الجرجاني (5). و لكن القاعدة مخصصة بما تقدم من الأخبار المعتبرة الدالة على الطهارة و خبر وهب ضعيف سندا، و موافق للعامة، و خبر الجرجاني مع ضعفه قابل للتخصيص، فيتعيّن القول بالطهارة.

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين مأكول اللحم و غيره. إلا دعوى الانصراف إلى الأول، و هو مشكل فظهر وجه الاحتياط في اللبن كما ظهر وجه الاحتياط في غير المأكول.

فرع: هل يلحق اللبان باللبن؟ الظاهر لعدم، لما مر من أنّ الروايات

______________________________

ص: 313


1- تقدم في صفحة: 309.
2- تقدم في صفحة: 309.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3 و 10 و 9.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 11.
5- تقدم في صفحة 310.

اللبن الاجتناب، مخصوصا إذا كان من غير مأكول اللحم، و لا بد من غسل ظاهر الأنفحة (28) الملاقي للميتة، هذا في ميتة غير نجس العين.

و أما فيها فلا يستثنى شي ء (29).

مسألة 1: الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة، كالمبانة من الميتة

(مسألة 1): الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة، كالمبانة من الميتة (30)، إلا الأجزاء الصغار، كالثالول و البثور،

______________________________

مختصة باللبن فلا يشمل غيره إلا أن يدعى القطع بعدم الفرق بينهما.

(27) لأنّه إذا تنجس بالملاقاة، فلا أثر لطهارته حينئذ أصلا و لا ينتفع به، لأنّ تطهيره يتوقف على استهلاكه و زوال موضوعه في الماء المعتصم، و هو خلاف النصوص المتقدمة.

(28) لقاعدة التنجس بالملاقاة مع الرطوبة المسرية، و ما دل على طهارة الإنفحة يدل على طهارتها الذاتية في مقابل الميتة و ليس في مقام بيان الطهارة العرضية. نعم، بناء على كونها عبارة عن الماء الأصفر الغير القابل للطهارة إلا بزوال موضوعه، فإطلاق دليل الطهارة يشمل الطهارة العرضية أيضا. إلا إذا كان منجمدا قابلا للتطهير، فلا يبعد عدم الشمول لها حينئذ.

(29) لأنّ نجاستها بتمام أجزائها، ذاتية لا يفرق فيها بين حالتي الحياة و الموت.

(30) يدل عليه، مضافا إلى عدم ظهور الخلاف، بل كونه مقطوعا به في كلام الأصحاب، كما في المدارك، صحيح ابن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميت، و كلوا مما أدركتم حيّا و ذكرتم اسم اللّه عليه» (1).

و مثله غيره الدال بعموم التنزيل على الحرمة و النجاسة معا. و دعوى الاختصاص بالأولى تحكّم، بل يمكن أن تكون الأجزاء المبانة من الحيّ ميتة

______________________________

ص: 314


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الصيد حديث: 1.

.....

______________________________

موضوعا، لا تنزيلا، لكونها عبارة عما أحلّت فيه الحياة الحيوانية ثمَّ زالت، سواء كان تمام الحيوان أم بعضه. نعم، لو زالت الحياة عن الجزء و كان متصلا بالحيوان يطلق عليه جزء الحي عرفا، لا المبان منه يكون كنفس الحيوان.

هذا في غير الآدمي. و أما فيه فيدل عليه- مضافا إلى ظهور الاتفاق- مرسل أيوب بن نوح المنجبر عن الصادق عليه السلام قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(1).

فإن أظهر آثار قوله عليه السلام: «فهي ميتة» هي النجاسة، و يشهد له التفصيل في الغسل بينما كان فيه عظم و ما لم يكن فيه، فإنّه إن كان المراد بقوله عليه السلام (فهي ميتة) التنزيل في وجوب الغسل فقط، لم يكن وجه لهذا التفصيل، فالنجاسة تعم ما فيه العظم و غيره، و وجوب الغسل يختص بالأول على ما هو المتفق عليه بين الفقهاء، و يأتي في غسل مس الميت بعض الكلام.

فروع- (الأول): لو ذهبت روح عضو من أعضاء الحيوان بالكلية و لكن كان متصلا بالحيوان، ثمَّ ذكي ذلك الحيوان بالتذكية الشرعية، يكون ذلك العضو طاهرا و يحل أكله لو كان الحيوان مأكول اللحم، لتحقق التبعية فتشمله التذكية و الحلية.

(الثاني): لا فرق في نجاسة الجزء المبان، بين كون زوال الروح بنفس الانفصال و الإبانة أو كونه قبله و لكن كان متصلا بالحيوان فأبين منه بعد زوال الروح من الجزء، لشمول الدليل له أيضا.

(الثالث): لو قطع جزء من الحيوان، ثمَّ اتصل به بالفنون الحديثة فإن سرت فيه الروح يكون جزءا من الحيوان و بحكمه في الطهارة و النجاسة، و الحلية و الحرمة، و إلا يجري عليه حكم الجزء المبان من الحيّ.

(الرابع): لو قطع عضو من حيوان و ألصق بحيوان آخر، أو قطع جزء من

______________________________

ص: 315


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 1.

و كالجلدة التي تنفصل من الشفعة أو من بدن الأجرب عند الحك و نحو ذلك (31).

مسألة 2: فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة

(مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى (32)، و إن كان الأحوط الاجتناب عنها. نعم، لا إشكال في طهارة

______________________________

ميتة و ألصق بحي، يكون حكم طهارته و نجاسته ما تقدم من التفصيل في الفرع السابق.

(الخامس): لو قطع عضو من نجس العين و ألصق بحيوان طاهر، فإن حلّت فيه الحياة يطهر. و إلا فلا، و لو قطع عضو من غير المأكول و ألصق بإنسان فإن حلّت فيه الحياة، تصح الصلاة فيه. و إلا فلا، إلا مع الاضطرار.

(31) للأصل و السيرة، و ظهور عدم الخلاف، و العسر و الحرج عن الاجتناب، و إنّها من قبيل أوساخ البدن، لا الجزء المبان منه فلا يشملها ما تقدم من صحيح ابن قيس، و مرسل أيوب بن نوح، و في صحيح ابن جعفر عليه السلام: «عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح، هل يصلح له أن يقطع الثالول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال: إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله»(1).

فإنّ من التفصيل بين خوف سيلان الدم و عدمه يستفاد: أن لا محذور في نفس الثالول و نتف بعض اللحم من حيث هو، و الظاهر عدم الفرق في المذكورات بين كونها من الإنسان أو من غيره.

(32) لأنّها ليست من الأجزاء الحيوانية التي تحلها الحياة الحيوانية، بل ثمرة حيوان خاص تنمو نمو البيضة في بطن الدجاجة. إلا أنّ البيضة في داخل الدجاجة و الفأرة بين سطح خارج البطن و سطح داخل الجلد و تكون معدة للانفصال بذاتها و طبعها عند البلوغ إلى الحد المخصوص، و تكون جزئيتها للحيوان، كجزئية الثمرة للشجرة، فتكون خارجة عن حكم الحيوان تخصّصا، لا

______________________________

ص: 316


1- الوسائل باب: 63 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

تخصيصا، و لا أقل من الشك في شمول ما دل على نجاسة الميتة و الجزء المبان من الحيّ للفأرة، فلا يصح التمسك حينئذ به لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيرجع إلى أصالة الطهارة سواء أخذت من الميتة أم من الحيّ، و سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية، لأنّ المفروض عدم إحراز جزئيتها للحيوان حتّى تشملها الأدلة بل الظاهر إحراز عدم الجزئية له، كما تقدم، هذا بحسب القاعدة.

و أما الأدلة الخاصة: فما أخذت من المذكى فلا ريب في طهارتها بضرورة المذهب، إن لم تكن من الدين و ما أخذت من الحي أو الميتة، فالمشهور فيهما الطهارة أيضا، بل عن التذكرة و الذكرى دعوى الإجماع عليهما، و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن فارة المسك تكون مع من يصلّي و هي في جيبه أو ثيابه فقال: لا بأس بذلك» (1).

و المناقشة: في إجماع التذكرة بأنّ العلامة استقرب النجاسة في المنتهى فيما انفصل من الميتة. (مدفوعة): بأنّه مع قطع النظر عن الإجماع لا مع ملاحظته حتّى يعارض دعواه.

و نوقش في الصحيح أولا: بأنّه مبني على عدم جواز حمل أجزاء الميتة في الصلاة، و لو لم تكن ملبوسة. (و ترد): بأنّ الحق عدم الجواز، كما يأتي في [مسألة 11] من فصل (شرائط لباس المصلّي).

و ثانيا: معارضته بمكاتبة عبد اللّه بن جعفر إلى أبي محمد عليه السلام:

«يجوز للرجل أن يصلّي و معه فارة المسك؟ فكتب: لا بأس به إذا كان ذكيا» (2).

و فيه: أنّها مجملة، لأنّ مرجع المستتر في- كان- إما الظبي، أو الفأرة، أو ما مع المصلّي، أو المسك و الأول غير مذكور في الكلام، و الثاني و الثالث خلاف المحاورات الفصيحة و الرابع غير مربوط بالمقام، مع أنّه يمكن أن يكون المراد بالذكي فيها ما يراد من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح حريز:

______________________________

ص: 317


1- الوسائل باب: 41 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1 و 2.

ما فيها من المسك (33)، و أما المبانة من الميت ففيها إشكال. و كذا في

______________________________

«و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي» (1).

فقوله عليه السلام: «إذا كان ذكيّا» أي بلغ أوان انفصاله، مضافا إلى أنّه ضبط في بعض كتب الحديث بالزاء من الزكاة بمعنى الطهارة- أي كانت طاهرة من النجاسة العرضية- فليس الإجمال في المكاتبة من جهة واحدة.

هذا مع أنّه يكفينا عدم عموم أو إطلاق يدل على نجاسة الميتة حتّى بالنسبة إلى ما لا تحلّه الحياة منها، فلا وجه لما عن كاشف اللثام من نجاسة غير ما أخذ من المذكى اعتمادا على المكاتبة، و في الجواهر: «إنّي لم أعرف موافقا عليه ممن تقدمه و تأخر عنه بل لعلّه مجمع على خلافه في المنفصلة عن الحيّ». هذا خلاصة الكلام في الفأرة.

(33) الاحتمالات في المسك أربعة:

الأول: أن يكون شيئا مستقلا في مقابل الدم و الروث و المنيّ و نحوها، و تكون لتكونها أجهزة خاصة، كما تكون لتكوين الدم، و هذا هو المنقول عن بعض محققي أهل الخبرة في العلوم الحديثة الموضوعية لتشريح الحيوانات، فيكفي للحكم بطهارة أصالة الطهارة، سواء أخذ من الحيّ أو من الميتة، لعدم شمول دليل نجاسة الميتة و نجاسة ما قطع من الحيّ لمثله مما لا تحلّه الحياة. و إن شك في الشمول لا يصح التمسك به أيضا، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية.

الثاني: أن يكون أصله دما استحيل إليه، و يدل على طهارته حينئذ ما دل على مطهرية الاستحالة، كما يأتي في بحث المطهرات إن شاء اللّه تعالى. و لا فرق فيه أيضا بين ما أخذ من الحي أو من الميتة، كما تقدم.

الثالث: ما إذا شك في أنّه من القسم الأول أو الثاني، و الحكم فيه، كما تقدم أيضا، لأصالة الطهارة بعد عدم إمكان التمسك بعموم نجاسة الدم و الميتة،

______________________________

ص: 318


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

مسكها (34). نعم، إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها، و لو لم يعلم أنّها مبانة من الحيّ أو الميت (35).

______________________________

لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

الرابع: أن يكون دما محضا مشتملا على الرائحة الطيبة، و يدل على طهارته الإجماع، و السيرة، و النصوص، كما يدل على طهارة الأقسام السابقة، ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممسكة إذا هو توضأ أخذ بيده و هي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول اللّه برائحته» (1).

و عنه عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يتطيب بالمسك حتّى يرى وبيضه في مفارقه» (2).

و عن الوشاء قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان لعليّ بن الحسين عليهما السلام أشبيدانة رصاص معلقة فيها مسك فإذا أراد أن يخرج و لبس ثيابه تناولها و أخرج منها فتمسح به» (3).

و عن ابن الجهم: «دخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخرج إليّ مخزنة فيها مسك فقال: خذ من هذا، فأخذت منه شيئا فتمسحت به» (4).

و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن المسك و العنبر و غيره فقال: خذ من الطيب يجعل في الطعام؟ قال: لا بأس» (5).

(34) ظهر مما تقدم أنّه لا إشكال في الموردين أصلا.

(35) لا أثر ليد المسلم بعد الحكم بالطهارة، و الحلية بحسب الأدلة. نعم لو شك في أنّ ما يباع في السوق من مطلق دم الظبي النجس أو من أجزائه المحرّمة، تدل يد المسلم على الطهارة و الحلية في هذه الصورة.

______________________________

ص: 319


1- الوسائل باب: 58 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.
3- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب الحمام حديث: 3.
4- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب الحمام حديث: 1.
5- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب الحمام حديث: 9.
مسألة 3: ميتة ما لا نفس له طاهرة

(مسألة 3): ميتة ما لا نفس له طاهرة (36)، كالوزغ و العقرب

______________________________

فرعان- (الأول): قد ذكر في التذكرة الأنطاكية، و التحفة، و سائر الكتب الموضوعة لبيان خواص الأشياء: أنّ المسك أقسام أربعة، فراجع، و مورد بحث الفقهاء خصوص مسك الناقة و سائر الأقسام دم ظبي خاص، و مقتضى إطلاقات نجاسة الدم و حرمته، نجاسته و حرمته، و بذلك يمكن صيرورة النزاع لفظيا، فمن قال بالنجاسة أراد قسما منه، و من قال بالطهارة أراد قسما آخر منه.

(الثاني): المعروف عدم الوجود للمسك الحقيقي فيما قارب هذه الأعصار، فما يباع في أسواق المسلمين مقتضى يد المسلم و سوقه حليته و طهارته، ما لم يعلم بالخلاف. و ما يباع في أسواق الكفار مقتضى الأصل فيه الحلية و الطهارة، ما لم يعلم بأنّه دم الحيوان الذي يكون دمه نجسا و حراما.

(36) نصا و إجماعا، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة» (1).

و قال أيضا: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس به» (2).

أي بموته في البئر و الزيت و السمن و ما أشبهه، كما في صدر الخبر، و عن عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه عليه السلام: «عن العقرب و الخنفساء و أشباههما تموت في الجرة أو الدن يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا بأس» (3).

و أما موثق سماعة عن الصادق عليه السلام: «عن جرة وجد فيها خنفساء و قد ماتت قال: القه و توضأ منه و إن كان عقربا فأرق الماء و توضأ من ماء غيره- الحديث-» (4).

فمحمول على مطلق التنزه، كما هو المرتكز في الأذهان.

و أما خبر الغنوي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الفارة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ

______________________________

ص: 320


1- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 6.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 4.

و الخنفساء و السمك. و كذا الحية و التمساح و إن قيل بكونهما ذا نفس، لعدم معلومية ذلك، مع أنّه إذا كان بعض الحيات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك (37) كونه كذلك.

مسألة 4: إذا شك في شي ء أنّه من أجزاء الحيوان أم لا

(مسألة 4): إذا شك في شي ء أنّه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة (38). و كذا إذا علم أنّه من الحيوان لكن شك في أنّه مما له دم سائل أم لا.

مسألة 5: المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه

(مسألة 5): المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه، أو قتل، أو ذبح على غير الوجه الشرعي (39).

______________________________

به؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثمَّ يشرب منه (و يتوضأ منه) غير الوزغ فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه» (1).

فظاهره نجاسة الوزغ، لكنّه خلاف سهولة الشريعة، و المشهور بين الفقهاء، فيحمل على الاهتمام بالتنزه عنه فما ذهب إليه في النهاية و المقنعة من النجاسة. مخدوش لما عرفت.

(37) لأصالة الطهارة، و أصالة عدم تحقق الدم السائل بالعدم الأزلي.

(38) لقاعدة الطهارة، سواء شك في أنّه من الحيوان أم لا، أو علم أنّه منه و شك في أنّه مما له النفس السائلة أم لا، أو علم بأنّه مما له النفس السائلة و شك في أنّه مما تحلّه الحياة أم لا.

و ما يقال: في الأخير بالنجاسة، لعموم ما دل على نجاسة الميتة مخدوش: لأنّه متوقف على وجود العموم الأحوالي، و صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و الأول مفقود في المقام، و الثاني لا يجوز حتّى في غير المقام.

(39) الأحكام الخمسة الثابتة للميتة- من النجاسة، و عدم جواز البيع في الجملة و عدم صحة الصلاة فيها، و حرمة الانتفاع بها في الجملة، و حرمة الأكل-

______________________________

ص: 321


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 4.

.....

______________________________

ثابتة لكلّ ما لم يذك تذكية شرعية نصّا و إجماعا، حيث لم يفرق أحد في تلك الآثار بين ترتبها على ما مات حتف الأنف و عدم الترتب على ما ذكي مع فقد شرط من شروط التذكية، فلا وجه بعد ذلك لإتعاب النفس في أنّ غير المذكى ميتة موضوعا أو لا؟ بعد التسالم على اشتراكهما في الحكم، و عدم الفرق بينهما من هذه الجهة أصلا.

(قاعدة أنّ كلما كان قابلا للتذكية و لم يذك شرعا فهو ميتة) يدل عليها، مضافا إلى الإجماع و السيرة العملية بين المسلمين، أخبار كثيرة:

منها: صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت، و ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثمَّ كل منه»(1).

و منها: خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميت، و كلوا مما أدركتم حيّا و ذكرتم اسم اللّه عليه» (2). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في ترتب أحكام الميتة على ما لم يذك، بل ظاهرها كونه ميتة موضوعا. و تقدم أنّه لا ثمرة عملية، بل و لا علمية لتنقيح هذه الجهة و قال في الجواهر و نعم ما قال:

«لظهور اتفاق الأصحاب على عدم الواسطة بين الحكم بالتذكية و الحكم بالميتة، فلا تفاوت بين اشتراط عدم كونه ميتة، إذ المشكوك فيه باعتبار عدم العلم بتذكيته، و عدم أمارة شرعية تدل عليها محكوم بأنّه ميتة، لأصالة عدم التذكية، و معروفية الفرق بين الشرط و المانع بالاكتفاء في نفي الثاني بالأصل، دون الأول. إنّما هو حيث يكون نفي الثاني مقتضى الأصل، لا نحو المقام الذي مقتضى الأصل تحققه».

______________________________

ص: 322


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الصيد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الصيد حديث: 1.
مسألة 6: ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد، محكوم بالطهارة (40) و إن لم يعلم تذكيته و كذا ما يوجد في

______________________________

ثمَّ إنا قد أثبتنا في الأصول (1) أنّ أصالة عدم التذكية إنّما تنفع في الشبهات الموضوعية فقط دون الحكمية، و سيأتي في لباس المصلّي و كتاب الصيد و الذباحة إن شاء اللّه تعالى ما ينفع المقام.

(40) لاعتبار يد المسلم، و سوقه، و أرضه بالنسبة إلى الطهارة و قد جعلوا ذلك قاعدة و إنّها:

(قاعدة اعتبار يد المسلم و سوق المسلمين و أرضهم في الطهارة) و هي: من القواعد العامة المعتبرة، و يدل عليها: الإجماع، بل الضرورة، و السيرة العملية من المتشرعة، بل العقلائية، لأنّ يد أهل كلّ ملة و سوقهم و أرضهم معتبرة لديهم في حكم مذهبهم و ملتهم.

و يصح التمسك بقاعدة الصحة أيضا، لأنّ أرض المسلمين و سوقهم من فروع فعلهم فتدل على الحمل على الصحة فيهما ما يدل على حمل فعل المسلم عليها. و قال في الجواهر: «إذ ليس ما نحن فيه بعد التأمل في النصوص و الفتاوى إلا من جزئيات صحة فعل المسلم- إلى أن قال- فإنّ أرضهم بالنسبة إليهم جميعا، كدار كلّ واحد بالنسبة إليه».

و يدل عليها أيضا أخبار مستفيضة، و هي أقسام ثلاثة:

الأول: صحيح البزنطي قال: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟ فقال: نعم، ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم

______________________________

ص: 323


1- راجع تهذيب الأصول المجلد الثاني صفحة: 167 ط: بيروت.

.....

______________________________

بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك» (1)

و نحوه صحيحه الآخر عن الرضا عليه السلام قال: «سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف، لا يدري أ ذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري، أ يصلّي فيه؟ قال: نعم، أنا أشتري الخف من السوق و يصنع لي و أصلّي فيه و ليس عليكم المسألة» (2).

و موثق إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام أنّه قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» (3).

و كذا رواية الفضلاء أنّهم سألوا أبا جعفر عليه السلام: «عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدرى ما صنع القصّابون؟ فقال: كل، إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» (4).

و مقتضى مثل هذه الأخبار اعتبار وجود أمارة في الجملة في البين على التذكية للحكم بالطهارة في مشكوك التذكية.

الثاني: موثق ابن بكير الذي علق فيه الحكم على العلم بها، فقال عليه السلام: «فإن كان مما يؤكل لحمه فلا صلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكي و قد ذكاه الذبح» (5). و لكنّه يرجع أيضا إلى القسم الأول، إذ ليس المراد بالعلم فيه خصوص العلم الوجداني بنحو الموضوعية، بل المراد به ما كان طريقا لإثبات المتعلق كما هو كذلك في غالب موارد استعمال العلم إن لم يكن في جميع موارده، فيقوم مقامه كلّ ما هو معتبر شرعا أمارة كان أو أصلا، كما ثبت في الأصول.

الثالث: موثق سماعة: «في تقليد السيف في الصلاة و فيه الغراء (6)

______________________________

ص: 324


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 6.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 5.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الذبائح.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
6- الغراء بكسر الغين المعجمة و الراء المهملة ككتاب: شي ء يتخذ من أطراف الجلود و يلصق به و ربما يعمل من السمك (شريسم).

.....

______________________________

و الكيمخت، فقال: لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» (1).

و خبر علي بن أبي حمزة: «أنّ رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن الرجل يتقلده السيف و يصلّي فيه قال: نعم، فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا، و منه ما يكون ميتة. فقال: ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» (2).

و خبر السفرة التي وجدت في الطريق و فيها لحم و خبز و جبن و بيض، فقال:

أمير المؤمنين عليه السلام: «يقوّم ما فيها ثمَّ يؤكل، لأنّه يفسد و ليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا» (3).

فيستفاد من مثل هذه الأخبار المؤيدة بقاعدة الطهارة و الحلية، و ما تقدم في صحيح البزنطي من: «أنّ الدين أوسع من ذلك» أنّ حكم مشكوك التذكية هو الطهارة مطلقا، سواء كان في سوق المسلم أم يده أم أرضه، أم لم يكن أمارة على التذكية في البين أصلا، فيكون حكم نجاسة الميتة في الشبهات الموضوعية، كحكم سائر النجاسات فيها، فيحكم بالطهارة إلا مع أمارة أو أصل معتبر على النجاسة و الحرمة.

و الجمع بين الأخبار إما بحمل الأخير على مورد وجود الأمارة، أو الأخذ بإطلاقه، و حمل القسم الأول على الكراهة مع عدم الأمارة. و لا دليل على أولوية الجمع الأول من الأخير، كما يأتي في شرائط لباس المصلّي، و لذا حكي عن صاحب الحدائق عدم الفرق بين يد المسلم و الكافر، تمسكا بعموم: «كل شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال» (4). و لكنّه خلاف ما نسب إلى المشهور، فلا يترك الاحتياط.

ثمَّ إنّه لا بد من بيان أمور:

الأول: هل تكون لليد و الأرض و السوق موضوعية، أو أنّها معتبرة من حيث

______________________________

ص: 325


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 6.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 5.
4- الوسائل باب: 64 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.

.....

______________________________

الكشف عن الاستعمال؟ الظاهر هو الأخير. و لكن بنحو الشأنية، لا الفعلية من كلّ حيثية و جهة، و يشهد لكونها كاشفة خبر ابن مهزيار قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟

فقال: إذا كان مضمونا فلا بأس» (1).

فإنّ المراد بالضمان: هو الاستعمال فيما يعتبر فيه الطهارة، لا الضمان المعهود. و إلا لكان مخالفا للإجماع.

و يمكن أن يرفع النزاع، لأنّ مقتضى مرتكزات المتشرعة عدم استعمال الميتة و لا وضع اليد عليها مطلقا، فيكون مجرد وضع اليد عليها استعمالا لها، استعمال الطاهر ما لم تكن قرينة على الخلاف.

و خبر إسماعيل بن عيسى قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الغراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه»(2).

و نحوهما غيرهما.

الثاني: لو علم بأنّ بعض الجلود من المذكى، و بعضها من الميتة و اختلط و لم يتميز، فلا مجال لأصالة عدم التذكية في كلّ منهما، للعلم بالنقض في الجملة. و مقتضى العلم الإجمالي بوجود الميتة في البين، هو الاجتناب. و لو سقط العلم الإجمالي عن التنجز، لخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء أو لجهة أخرى، فمقتضى الأصل الحلية و الطهارة. و بذلك يسهل الخطب في الجلود المصنوعة المجلوبة من بلاد الكفر، للعلم الإجمالي بوجود جلود المذكى في بلاد الكفر أيضا من جهة التجارة الدائرة بينها و بين بلاد الإسلام في الجلود.

فإذا صنعت خفّا و نحوها و استوردها المسلمون، لا يكون هذا العلم الإجمالي منجزا بالنسبة إلى كلّ واحد من المستورين، لخروج بعض الأطراف عن مورد

______________________________

ص: 326


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 10.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 7 و غيره.

.....

______________________________

الابتلاء بالنسبة إلى كلّ واحد منهم، لكونهم في مناطق مختلفة لا يكون أحدهم طرفا لابتلاء الآخر.

الثالث: لا فرق في يد المسلم و سوقه و أرضه بين المذاهب المختلفة مطلقا ما لم يحكم بكفره، سواء اتفقوا في شرائط التذكية أم اختلفوا استحلوا طهارة الميتة بالدباغ أو لا، كلّ ذلك لإطلاق الأدلة المتقدمة الشامل للجميع. مع أنّ سوق المسلمين في الأعصار السابقة كان قائما بهم، فيكون المراد من السوق في المقام ما في مقابل سوق الكفار. نعم، الأولى التنزه عن الجلود المشتراة ممن يستحل الميتة بالدباغ، لخبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «كان عليّ بن الحسين عليه السلام رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص. الذي يليه، فكان يسئل عن ذلك؟ فقال: إنّ أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون أنّ دباغه ذكاته» (1).

و خبر ابن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّي أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكية؟ فقال: لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية، قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة، و زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته- الحديث» (2).

المحمولين على الكراهة بقصور سندهما جدا عن إثبات الحكم الإلزامي، و يمكن حملهما على صورة العلم التفصيلي بالنجاسة.

الرابع: تقدم أنّ المراد باليد مطلق الاستيلاء العرفي و لو كان غصبا.

و المراد بالسوق مطلق ما كان معدّا للتكسب و التجارة و لو لم يكن من السوق المتعارف.

______________________________

ص: 327


1- الوسائل باب: 61 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب النجاسات حديث: 4.

.....

______________________________

ثمَّ إنّ اليد تارة تكون من المسلم فقط. و أخرى: من الكافر كذلك، و تقدم حكم الأول، و يأتي حكم الأخير.

و ثالثة: منهما بنحو الاشتراك، و مقتضى الإطلاق و التسهيل هو الحكم بالطهارة أيضا قال في الجواهر: «لو فرض كونه في يدهما معا للشركة أو غيرها تحقق التعارض بينهما و الترجيح ليد المسلم لما عرفت».

و رابعة: يكون فعلا للكافر و لكن مسبوقة بيد المسلم، و مقتضى ما تقدم الحكم بالطهارة أيضا، و في الجواهر: «بل الظاهر ترجيح استصحاب حكم يد المسلم على خصوص يد الكافر».

و خامسة: يكون بالعكس، و الحكم هو الطهارة أيضا، لما يمكن أن يستظهر من النصوص قوة يد المسلم و أنّها مع وجودها لا يلتفت إلى غيرها نعم، لو كانت يد المسلم متفرعة على يد الكافر بحيث كان المسلم بمنزلة الآلة فقط، يشكل اعتبارها حينئذ. و أما العكس فلا إشكال في الطهارة.

و من ذلك يظهر حكم السوق أيضا، فإنّه تارة: للمسلمين فقط، و أخرى:

للكفار كذلك، و حكمهما معلوم. و ثالثة: يكون مشتركا، فإن كان الغالب هو الإسلام، فلا إشكال في الحكم بالطهارة، كما تقدم في النص، بل و كذا مع التساوي أيضا، للإطلاق و التسهيل. و حمل قوله عليه السلام في موثق ابن عمار: «إذا كان الغالب عليها المسلمون» (1).

على الغالب في تلك الأعصار القديمة، فلا يكون من القيود الاحترازية.

و رابعة: يكون السوق للكفار و اليد للمسلم و يحكم بالطهارة حينئذ. و خامسة:

بالعكس فإن أحرز من القرائن أنّ ما في يد الكافر كان مسبوقا بيد المسلم، فقد تقدم حكمه. و إلا فالظاهر تقديم يده على سوق المسلمين.

الخامس: الظاهر مرجوحية التفحص و السؤال في سوق المسلم و مورد يده لما تقدم في بعض الأخبار: «ليس عليكم المسألة»(2)، بل قد يحرم إن كان من الوسواس، أو أوجب الاستخفاف بالقواعد الشرعية.

______________________________

ص: 328


1- تقدمتا في صفحة 324.
2- تقدمتا في صفحة 324.

أرض المسلمين مطروحا إذا كان عليه أثر الاستعمال (41) لكن الأحوط الاجتناب.

مسألة 7: ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة

(مسألة 7): ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة (42). إلا إذا علم سبق يد المسلم عليه (43).

______________________________

السادس: لو وجد الجلد- مثلا- في يد الكافر أو سوقه أو أرضه و كانت عليه علامة على أنّه كان من المسلم، فالظاهر الحكم بطهارته لسقوط يد الكافر حينئذ عن الاعتبار، و يشهد له خبر البختري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

«رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه و لا يعلم أنّه هدي، قال: ينحره و يكتب كتابا أنّه هدي يضعه عليه ليعلم من مرّ به أنّه صدقه» (1).

و مثله رواية الكلبي حيث يظهر منهما صحة الاعتماد على القرائن غير اليد أيضا.

السابع: لو أخبر الكافر الذي يكون الجلد- مثلا- في يده بأنّه اشتراه من المسلم، يمكن القول بقبوله ما لم يعلم كذبه، من جهة قبول قول ذي اليد.

و يظهر مما تقدم في خبر إسماعيل بن عيسى (2)قبول قوله إن أخبر، لأنّ الأمر بالسؤال يستلزم القبول عرفا.

(41) تقدم ما يتعلق به في الأمر الأول في القاعدة.

(42) لأصالة عدم التذكية من غير دليل حاكم عليها، مضافا إلى ما تقدم من خبر إسماعيل بن عيسى، هذا بناء على الرجوع إلى أصالة عدم التذكية و إلا فالمرجع أصالة الحلية و الطهارة إن لم تكن قرينة على الخلاف.

(43) أو دلت قرينة أخرى معتبرة على سقوط يد الكافر، كما تقدم.

______________________________

ص: 329


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الذبح حديث: 1 و 6 من كتاب الحج.
2- تقدم في صفحة 326.
مسألة 8: جلد الميتة لا يطهر بالدبغ

(مسألة 8): جلد الميتة لا يطهر بالدبغ، و لا يقبل الطهارة شي ء من الميتات، سوى ميت المسلم، فإنّه يطهر بالغسل (44).

مسألة 9: السقط قبل ولوج الروح نجس

(مسألة 9): السقط قبل ولوج الروح نجس، و كذا الفرخ في البيض (45).

______________________________

(44) أما الأول فبضرورة الفقه إن لم يكن من المذهب، و في صحيح ابن مسلم: «سألته عن جلد الميتة يلبس في الصلاة قال: لا، و إن دبغ سبعين مرة» (1).

و أما الثاني فللأصل و الإجماع. و أما الثالث فلما يأتي في محلّه.

(45) نسب ذلك إلى المشهور. و استدل عليه تارة، بعدم ظهور الخلاف.

و فيه: أنّ الفرع غير معنون في كتب القدماء، فكيف يتحقق إجماعهم عليه.

و أخرى: بصدق الميتة عليه بدعوى أنّها عبارة: عما من شأنه أن تلجها الروح و إن لم تلجها فعلا. و فيه: أنّه خلاف العرف و اللغة.

و ثالثة: بأنّ كلّ ما هو غير مذكى يكون ميتة، و يدل على هذا الحصر قوله عليه السلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» (2).

إذ يستفاد منه أنّه إذا لم تذك الأم يكون الجنين ميتة. و فيه: أنّه لم تثبت الكلية في غير ما تلجه الروح. و الحديث أيضا غير شامل له، لأنّ الجنين. إما أن يخرج من بطن أمه حيّا و يذكى بالشرائط المعتبرة أو تذكى الأم و هو في بطنها و لا ريب في حليته و طهارته في الصورتين، الأولى لعمومات التذكية، و الثانية لقوله عليه السلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه»، و أما إن سقط، أو أسقط قبل ولوج الروح مع عدم ذكاة الأم، فلا وجه لشمول الحديث له، لعدم ثبوت التذكية حتّى يشمله.

و بعبارة أخرى: الحديث يدل على التذكية التبعية فقط، و لا يستفاد منه شي ء آخر غير ذلك حتّى يدل على المقام.

______________________________

ص: 330


1- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح حديث: 12.
مسألة 10: ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى

(مسألة 10): ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة على الأقوى (46) و إن كان الأحوط غسل الملاقي، خصوصا في ميتة

______________________________

و رابعة: بأنّه الجزء المبان من الحي. و فيه ما لا يخفى، لأنّ الأم بمنزلة الوعاء، لا أن يكون الجنين جزء منها، فلا يصلح ما ذكر للاستدلال و إن صلح للتأييد، إن تمت النجاسة لجهة أخرى من مرتكزات المتشرعة، و مذاق الفقهاء.

مع قصور بعضها عن التأييد أيضا بالنسبة إلى الفرخ في البيضة، كما يمكن أن تؤيد الطهارة بإطلاق ما ليس فيه روح من الحيوان، فإنّه شامل لهما أيضا.

(46) على المشهور، لأصالة طهارة الملاقي، و عدم دليل دال على النجاسة، بل مقتضى قوله عليه السلام في موثق ابن بكير: «كل شي ء يابس زكي» (1).

عدم الانفعال. و عن العلامة و الشهيدين نجاسة ملاقيها حتّى مع اليبوسة، بل نسبها العلامة إلى المشهور، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق عمار:

«اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات» (2).

و التوقيع الرفيع في إمام حدثت عليه حادثة: «ليس على من مسه إلا غسل اليد» (3). و ما ورد في الثوب الذي يقع على جسد الميت: «فاغسل ما أصاب ثوبك منه» (4).

و في الآخر: «يغسل ما أصاب الثوب منه» (5).

و فيه أولا: أنّه لا بد من حملها على ما إذا كانت الملاقاة مع الرطوبة، لأنّ اعتبار الرطوبة في الانفعال من مرتكزات المتشرعة، بل العرفية. فيكون ذلك بمنزلة القرينة المتصلة بالكلام المانعة عن الأخذ بالإطلاق.

______________________________

ص: 331


1- الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 4.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 1.
5- الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 2.

.....

______________________________

و ثانيا: أنّه لا بد من حملها على الندب جمعا بينها و بين صحيح ابن جعفر:

«سأل أخاه عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت. هل تصح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال عليه السلام: «ليس عليه غسله، و ليصلّ فيه و لا بأس» (1).

و بين ما تقدم من موثق ابن بكير. و يحتمل في صحيح ابن جعفر عليه السلام أن يكون عدم لزوم الغسل، لأجل أنّ الغالب ملاقاة الثوب لشعر الحمار الميت، دون جسده، و قد تقدم عدم نجاسة شعر الميت.

و ثالثا: يمكن أن يكون الغسل لجهة أخرى، لا للنجاسة حتّى مع اليبوسة، حتّى يلزم خلاف ما هو المرتكز في الأذهان. و عن ابن إدريس و الكاشاني عدم نجاسة ملاقي ميت الإنسان حتّى مع الرطوبة و تقدم رده، فراجع (2).

(قاعدة كلّ شي ء يابس زكي) و هي من القواعد المتفق عليها نصا و فتوى- في الجملة- الموافقة للمرتكزات العرفية أيضا يعرفها كلّ أحد بفطرتهم، و في موثق ابن بكير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «الرجل يبول و لا يكون عند الماء فيمسح ذكره بالحائط؟ قال: كلّ شي ء يابس زكي» (3).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «سألته عن الرجل يمشي في العذرة و هي يابسة فتصيب ثوبه و رجليه، هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلّي و لا يغسل ما أصابه؟ قال عليه السلام: إذا كان يابسا فلا بأس» (4).

و في صحيح ابن مسلم: «أنّ أبا جعفر عليه السلام وطأ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه فلما أخبرته قال عليه السلام: «أ ليس هي يابسة؟! قال: بلى.

______________________________

ص: 332


1- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- صفحة 308.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 8.

الإنسان قبل الغسل (47).

مسألة 11: يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده

(مسألة 11): يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده، فلو مات بعض الجسد و لم تخرج الروح من تمامه لم ينجس (48).

مسألة 12: مجرد خروج الروح يوجب النجاسة

(مسألة 12): مجرد خروج الروح يوجب النجاسة و إن كان قبل

______________________________

فقال: لا بأس» (1).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «سألته على المكان الذي يغتسل فيه من الجنابة أو يبال فيه. أ يصلح أن يفرش؟ فقال: نعم، إذا كان جافا» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت في أبواب النجاسات الكاشفة عن مسلّمية أصل الحكم. و إنّما وقع السؤال مع كونه من الفطريات في الجملة لدفع الوسوسة، و ما يختلج في البال من نجاسة الملاقي- حتّى مع اليبوسة- تنزيلا لها منزلة بعض المستقذرات التي تتنفر عن ملاقيها الطباع و لو مع اليبوسة، كالجيف، و الأمراض المسرية- مثلا- و لم يخالف في هذا الحكم إلا العلامة و من تبعه و تقدم دليلهم، و الجواب عنه، و يأتي في فصل كيفية تنجس المتنجسات ما ينفع المقام إن شاء اللّه تعالى.

(47) خروجا عن خلاف العلامة و الشهيدين رحمهم اللّه.

(48) على المعروف، لأنّ المتفاهم من الميتة عرفا خروج الروح عن جميع الجسد. و الأدلة منزلة على المتفاهم العرفي، و لا دليل على الخلاف إلا ما دل على نجاسة الجزء المبان، و ذلك لا يشمل المقام قطعا، لفرض عدم تحقق الإبانة، و بقاء اتصال الأجزاء.

______________________________

ص: 333


1- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 14.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 11.

البرد (49)، من غير فرق بين الإنسان و غيره (50)، نعم، وجوب غسل المس للميت الإنساني مخصوص بما بعد برده (51).

مسألة 13: المضغة نجسة

(مسألة 13): المضغة نجسة، و كذا المشيمة و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل (52).

______________________________

(49) لتحقق الموضوع، فتشمله الأدلة قهرا.

(50) لإطلاق ما تقدم في نجاسة ميت الإنسان. و عن جمع منهم العلامة و الشهيد و غيرهما، بل نسب إلى الأكثر الطهارة في الإنسان ما لم يبرد، لعدم تحقق الموت قبله، و لاستصحاب الطهارة، و لما عن الشيخ من الإجماع و للملازمة بين وجوب الغسل (بالضم) و الغسل (بالفتح). و الأول يكون بعد البرد، فكذا الثاني، و لما تقدم في خبر ابن ميمون من قوله عليه السلام: «يعني إذا برد الميت» (1)، و لقول أبي جعفر في صحيح ابن مسلم:

«مس الميت عند موته و بعد غسله، و القبلة ليس بها بأس»(2).

و لكن الأول خلاف الوجدان، و الثاني محكوم بإطلاق الدليل، و الثالث موهون جدّا، و الرابع لا دليل عليها من عقل أو شرع أو عرف. و الخامس لم يعلم كونه من الإمام عليه السلام، و الأخير أعم من المقام، لأنّ عند الموت يشمل حال الاحتضار أيضا.

(51) يأتي ما يدل عليه في فصل غسل مس الميت، فراجع.

(52) الكلام في هذه المسألة بفروعها الثلاثة عين الكلام فيما تقدم في المسألة التاسعة، فراجع، بل الظاهر أنّ المضغة داخلة فيها موضوعا أيضا.

فرع: قد يخرج مع الطفل جلد رقيق محيط به. و مقتضى الأصل طهارته بعد عدم كونه جزء من الأم، و لا من الطفل، و عدم تعرض أحد له فيما رأيته من الكتب عاجلا. نعم، في المحكيّ عن كشف الغطاء: و ما يخرج من بطن المرأة

______________________________

ص: 334


1- الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 1.
مسألة 14: إذا قطع عضو من الحيّ و بقي معلقا متصلا به

(مسألة 14): إذا قطع عضو من الحيّ و بقي معلقا متصلا به فهو طاهر ما دام الاتصال، و ينجس بعد الانفصال. نعم، لو قطعت يده- مثلا- و كانت معلّقة بجلدة رقيقة، فالأحوط الاجتناب (53).

مسألة 15: الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك

(مسألة 15): الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك، و احتمل عدم كونه من أجزاء الحيوان، فطاهر و حلال (54)، و إن علم كونه كذلك فلا إشكال في حرمته. لكنه محكوم بالطهارة، لعدم العلم بأنّ ذلك الحيوان مما له نفس.

مسألة 16: إذا قلع سنة أو قص ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم

(مسألة 16): إذا قلع سنة أو قص ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم، فإن كان قليلا جدّا فهو طاهر (55) و الا فنجس (56).

مسألة 17: إذا وجد عظما مجردا و شك في أنّه من نجس

(مسألة 17): إذا وجد عظما مجردا و شك في أنّه من نجس

______________________________

أو الحيوان حين الولادة من لمم و نحوه محكوم بالنجاسة. و هو من مجرد الدعوى، و يمكن أن يكون مراده قدّس سرّه: الأعم من النجاسة العرضية.

(53) أما الطهارة ما دام الاتصال، فلإطلاق دليل طهارة ذلك الحيوان و للأصل. و أما النجاسة بعد الانفصال فلكونه من الجزء المبان من الحي و تقدم حكمه في المسألة الأولى، و أما الاحتياط في الأخير فلاحتمال كونه من الجزء المبان من الحي. و لكونه مقتضى الأصل الطهارة ما لم يثبت موضوع النجاسة.

(54) لأصالتي الطهارة و الحلية.

(55) للأصل بعد عدم صدق الجزء المبان عليه، بل و مع الشك في الصدق أيضا، لعدم إمكان التمسك بما دل على نجاسة الجزء المبان بالنسبة إليه حينئذ، لأنّه من التمسك بالعام في الموضوع المشتبه.

(56) لعموم ما دل على نجاسة الجزء المبان (1).

______________________________

ص: 335


1- تقدم في صفحة: 314.

العين أو من غيره، يحكم عليه بالطهارة، حتّى لو علم أنّه من الإنسان و لم يعلم أنّه من كافر أو مسلم (57).

مسألة 18: الجلد المطروح إن لم يعلم أنّه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره

(مسألة 18): الجلد المطروح إن لم يعلم أنّه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره كالسمك مثلا محكوم بالطهارة (58).

مسألة 19: يحرم بيع الميتة

(مسألة 19): يحرم بيع الميتة (59) لكن الأقوى جواز الانتفاع

______________________________

(57) لأصالة الطهارة فيه و في سابقة أيضا. و ما يقال: من أنّ التقابل بين الإسلام و الكفر، تقابل العدم و الملكة، و بأصالة عدم الإسلام تثبت النجاسة.

و يقدم هذا الأصل على أصالة الطهارة، لأنّه من الأصل الموضوعي المقدم على الأصل الحكمي.

مخدوش: بأنّ المتفاهم من الأدلة، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، ثبوت النجاسة على من اتصف بالكفر، و لا يثبت الكفر بالأصل المزبور إلا إذا كان مسبوقا به، فيستصحب حينئذ، بخلاف المقام الذي لم تعلم الحالة السابقة فيه، فتجري أصالة الطهارة بلا مزاحم و هل تترتب أحكام الإسلام عليه من وجوب الدفن و نحوه؟ وجهان: مقتضى الأصل- كما يأتي في أحكام الأموات- عدم الوجوب.

و لا محذور في التفكيك في موارد الأصول. و لكن لا بد من تقييد ذلك كلّه بما إذا وجد في أرض الإسلام، و معه لا نحتاج في الحكم بالطهارة إلى الأصل، لوجود الأمارة- و هي أرض الإسلام- فتترتب سائر أحكام الأموات على مثل عظم الإنسان، و لو وجد في أرض الكفر، يحكم عليه بالنجاسة. هذا كلّه لو لم تكن قرائن خارجية في البين معتبرة. و إلا فيؤخذ بها.

(58) للأصل. و كذا لو تردد بين الجلد و غيره.

(59) على المشهور بين الفقهاء. و استدل على الحرمة تارة: بعدم المالية لها. و فيه: أنّ الكلام فيما إذا كانت فيها المالية المتعارفة، و الغرض العقلائي المحلل.

و أخرى: بالإجماع. و فيه: أنّه اجتهادي حاصل مما بأيدينا من النصوص الكثيرة.

ص: 336

.....

______________________________

و ثالثة: بأخبار مستفيضة، كقوله عليه السلام: «ثمن الميتة سحت» (1).

و خبر البزنطي، عن الرضا عليه السلام في: «الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء، أ يصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال عليه السلام: نعم، يذيبها، و يسرج بها، و لا يأكلها، و لا يبيعها» (2).

و نحوه خبر عليّ بن جعفر عن أخيه (3)، و خبره الآخر: «عن الماشية تكون للرجل، فيموت بعضها، يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها؟ قال: لا، و لو لبسها فلا يصل فيها» (4).

و فيه: أنّ المنساق منها ما لم تكن فيها منفعة شائعة محلّلة، كما كانت في الأزمنة القديمة، فلا تشمل مورد وجود المنفعة الشائعة المحلّلة فيها. مضافا إلى خبر الصيقل: «كتبوا إلى الرجل عليه السلام: جعلنا اللّه تعالى فداك، إنّا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها، و إنّما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها، و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلّي في ثيابنا؟ و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا. فكتب عليه السلام:

«اجعلوا ثوبا للصلاة» (5).

و احتمال أن يكون المراد بيع السيوف مستقلة، دون الغلاف خلاف لإطلاق و الإنصاف، و موثق سماعة قال: «سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت- فرخص فيه. و قال عليه السلام: إن لم تمسّه فهو أفضل» (6).

و حينئذ فتحمل الأخبار المانعة على الكراهة، و هذا جمع صحيح عرفي شائع، و لذا نسب الجواز إلى المجلسي رحمه اللّه. و لكن اتفاق الأصحاب على

______________________________

ص: 337


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
4- الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 17.
5- الوسائل باب: 38 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
6- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 8.

بها فيما لا يشترط فيه الطهارة (60).

______________________________

المنع قديما و حديثا، و ظهور إطلاق الأخبار المانعة، حتّى في صورة وجود المنفعة المحللة، و قصور الأخبار المجوزة عن المعارضة. إما سندا، أو جهة، أو لوهنها بهجر الأصحاب عنها مما يقوّي المنع مطلقا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ البيع في الأخبار مثال لمطلق النقل و الانتقال، بعوض أو بغيره. نعم، لا ريب في ثبوت حق الاختصاص لمن تكون الميتة له، و يجوز له أن يأخذ المال لرفع اليد عن حق الاختصاص بلا إشكال فيه، و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في المكاسب إن شاء اللّه تعالى.

(60) نسب ذلك إلى جمع: منهم العلامة و الشهيدان، لعمومات الحلية، و أصالتها، و ما تقدم من أخبار البزنطي، و علي بن جعفر، و الصيقل و خبر الوشاء عن أبي الحسن عليه السلام: «في أليات الغنم، المقطوعة، فقلت: جعلت فداك إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها. قال: هي حرام، قلت: فنستصبح بها؟ قال: أما تعلم أنّه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» (1).

الظاهر في جواز الانتفاع و التنزه عن تنجيس الثوب و اليد، إذ ليس تنجيسهما بحرام قطعا.

و في مقابل هذه الأخبار صحيح الكاهلي في قطع أليات الغنم: «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ ما قطع منها ميت لا ينتفع به» (2).

و عن ابن المغيرة عنه عليه السلام أيضا: «الميتة ينتفع بها بشي ء؟ فقال:

لا» (3).

و فيه- أولا: أنّ المراد الانتفاعات المعتد بها، كالانتفاع بالمحلّلات، لا الانتفاع الذي يختص بالميتات.

و ثانيا: مقتضى الجمع العرفي الشائع، حمل القسم الأول من الأخبار على

______________________________

ص: 338


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الذبائح حديث 2.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الذبائح حديث 1.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.

الخامس الدم من كلّ ما له نفس سائلة

اشارة

(الخامس) الدم من كلّ ما له نفس سائلة (61) إنسانا أو غيره،

______________________________

الكراهة و هو جمع مقبول.

إن قلت: نعم، و لكن أسقطهما عن الاعتبار هجر الأصحاب عنهما.

قلت: لم يثبت الهجر الموجب للسقوط في الانتفاعات غير المتوقفة على الطهارة.

إن قلت: كيف ذلك مع أنّه ادعي الإجماع على حرمة مطلق الانتفاع.

قلت أولا: المتيقن من الإجماعات الانتفاعات المتوقفة على الطهارة.

و ثانيا: إنّها من الإجماعات الاجتهادية مع مخالفة جمع لها، و يأتي في [مسألة 31] في أحكام النجاسات (فصل يشترط في صحة الصلاة) ما ينفع المقام.

(61) إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدّين. و تدل عليها أخبار مختلفة في أبواب متفرقة (1) إنّما الكلام في أنّ حكم طبيعة الدم أينما وجدت هي النجاسة إلا ما خرج بالدليل، أو يكون بالعكس. قد يقال: بالأول، لما عن النبي صلّى اللّه عليه و آله لعمار: «ما نخامتك و لا دموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك إنما تغسل ثوبك من البول و الغائط و المنيّ و الدم و القي ء» (2) و موثق عمار «كلّ شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما، فلا تتوضأ و لا تشرب منه» (3).

و ما ورد في منزوحات البئر من تعليق الحكم على الدم، و إطلاقه يشمل

______________________________

ص: 339


1- الوسائل باب: 3 حديث: 4 و باب: 8 حديث 1 و 8 و باب: 13 و باب: 21 و باب: 14 حديث: 21 من أبواب الماء المطلق. و باب: 4 حديث: 2 من أبواب الأسئار. و باب: 7 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7 و 8 و 14. و باب: 28 و باب: 38 حديث: 8 و باب: 40 و 41 و باب: 42 حديث: 2 و 5 و باب: 44 حديث: 3 من أبواب النجاسات. و استيفاء أكثر من ذلك يوجب الخروج عن الحد المتعارف.
2- السنن الكبرى للبيهقي ج: 1 صفحة: 14 باب إزالة النجاسات بالماء.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: 2.

.....

______________________________

الطبيعة أينما تحققت- حتى الدماء المخلوقة آية- و يمكن استفادته من الآية المباركة (1) و هي قوله تعالى قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ بدعوى: أنّ ذكر المسفوح من باب الغالب لا التقييد.

و فيه: أنّ الأصل في القيد أن يكون احترازيا إلا مع الدليل على الخلاف، فيحمل إطلاق بعض الروايات عليه أيضا. مع أنّ ظهورها في الدماء المتعارفة بين الناس مما لا ينكر، لظهور البول و المنىّ في ذلك. و قال في مصباح الفقيه:

«الأخبار الدالة عليها فوق حد الإحصاء، إلّا أنّ معظمها وردت في موارد خاصة يشكل الاستدلال بها لعموم المدعى».

و قال أيضا: «فظهر أنّه لا يصح التمسك بمثل هذه الأخبار لتأسيس أصل يرجع إليه في موارد الشك».

________________________________________

هذا، مع أنّ في إطلاق الدم حقيقة على ما كان من غير الحيوان إشكالا، لتقوّمه بما يتكوّن منه، فيكون الإطلاق على غيره بالمجاز و العناية و قال في الجواهر، و نعم ما قال: «لكن لم أعثر في شي ء من سائر الأخبار على ما كان الغرض الأصلي من السؤال عن نجاسة الدم، لمكان تردد السائل في بعض الأفراد حتّى يكون ترك الاستفصال يفيد العموم بالنسبة إلى ذلك، بل ظاهر أكثرها علم السائل بنجاسته، بل لعله المنساق من إطلاق لفظ الدم- إلى أن قال- كما أنّي لم أعثر على خبر معتبر من طرقنا حكم فيه بالنجاسة، أو لازمها، يراد به بيان حكمها و موضوعه لفظ الدم و نحوه مما يستفاد حكم الطبائع، فضلا عن عموم لغوي.

فاستفادة الأصل المذكور- الذي هو العمدة- في إثبات النجاسة في كثير من أفراد هذا القسم من مثل ما تقدم حينئذ لا يخلو من نظر، و تأمل».

إن قلت: ما يكون غير الدماء المعهودة إما أن يشك في كونه دما، أولا، أو يعلم بكونه من تلك الطبيعة، و على الأوليين لا وجه للنجاسة، و على الأخير تشمله الأدلة.

______________________________

ص: 340


1- سورة الأنعام (6) الآية: 145.

كبيرا أو صغيرا (62)، قليلا كان الدم أو كثيرا (63) و أما دم ما لا نفس له فطاهر، كبيرا كان أو صغيرا، كالسمك و البق، و البرغوث (64). و كذا

______________________________

قلت: نعم، لو كان في البين عموم دال على نجاسة طبيعة الدم مطلقا.

و لكنّه مفقود، كما عرفت.

و لباب المقال: أنّ مورد الأدلة و المنساق منها دم ذي النفس السائلة بعد تعلق الروح، و غيره يحتاج إلى دليل، و هو مفقود، فمقتضى الأصل الطهارة.

و ما يتوهم من أنّ الدم به قوام الحياة، فكيف يمكن أن يكون نجسا. و كذا المني.

مردود أولا: بأنّ ملاكات الأحكام لا تدرك بالعقول.

و ثانيا: بأنّ ما به قوام الحياة من الدم و المنيّ ما كان في الباطن دون ما إذا ظهر في الخارج فيفسد حينئذ، كما ثبت في محله. و الدم و المني ما دام في الباطن لا دليل على نجاستهما، كما يأتي إن شاء اللّه.

(62) لظهور الإطلاق، و الاتفاق.

(63) قد استقر المذهب الآن على نجاسة دم ذي النفس السائلة مطلقا و إن قل. نعم، قد عرفت عدم عموم في الأدلة السابقة يستفاد منها أصالة النجاسة في الدماء، بحيث يشمل غيره.

و نسب إلى الشيخ رحمه اللّه طهارة ما لا يدركه الطرف من الدم، و إلى الصدوق طهارة ما دون الحمصة منه، و إلى ابن الجنيد طهارة ما دون سعة الدرهم. و قد تقدمت الخدشة في الأول في المياه عند البحث عن الماء القليل، و يأتي أنّ الأخيرين بالنسبة إلى العفو عن الصلاة، لا الطهارة. راجع فصل ما يعفى عنه في الصلاة.

(64) بضرورة المذهب إن لم يكن من الدين في الصغير من البرغوث و نحوه، و عن الصادق عليه السلام: «لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف»(1).

______________________________

ص: 341


1- تقدم ذكره في صفحة: 289.

ما كان من غير الحيوان، كالموجود نحت الأحجار عند قتل سيد الشهداء، (أرواحنا فداه) (65). و يستثنى من دم الحيوان المتخلف في الذبيحة بعد خروج المتعارف (66)، سواء كان في العروق، أو في اللحم أو في القلب، أو الكبد، فإنّه طاهر (67). نعم، إذا رجع دم المذبح إلى الجوف، لرد النفس، أو لكون رأس الذبيحة في علوّ، كان نجسا (68). و يشترط في طهارة المتخلف أن يكون مما يؤكل لحمه

______________________________

و كذا في السمك، للأصل، و الإجماع، محصّلا و منقولا، مستفيضا إن لم يكن متواترا، كما في الجواهر. و كذا فيما حرم أكله، و إن كان كبيرا، لأنّ القول بطهارة ميتته، و نجاسة دمه خلاف المرتكزات عند المتشرعة. مع ما تقدم من عدم عموم يدل على نجاسة الدم مطلقا، فينحصر الوجه في الطهارة، للأصل.

(65) و كذا الدم المصنوع في هذه الأزمان، على ما قيل، أو ما خلق آية لموسى بن عمران.

(66) بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به جماعة منهم المجلسي رحمه اللّه و تلميذه في كشف اللثام، كذا في الجواهر. و في المختلف و كنز العرفان و الحدائق دعوى الإجماع صريحا، و تقتضيه السيرة، و يمكن تأييدها بنفي الحرج، و ما دل على حل الذبيحة.

(67) لظهور الإجماع، و السيرة.

(68) فيه تفصيل: فإنّه تارة: يعلم بأنّه خرج من المذبح في الجملة ثمَّ رجع إلى الداخل و لاقى المتخلف بعينه في الباطن، ثمَّ رجع إلى الخارج و لم يبق في الباطن، و هذا من صغريات ما تقدم من ملاقاة النجس الخارجي للباطن، و مقتضى الأصل الطهارة، و الظاهر شمول الإجماع المدعى على الطهارة في المقام أيضا.

و اخرى: يعلم بأنّه بقي في الباطن و لم يرجع إلى الخارج، و لا إشكال في

ص: 342

على الأحوط (69)، فالمختلف من غير المأكول نجس على الأحوط.

______________________________

نجاسته إن علم بعينه، لشمول دليل نجاسة الدم له، و عدم صدق مورد الإجماع عليه، لعدم كونه من المتخلف، بل يكون من دم المذبح الراجع إلى الداخل.

و إن لم يعلم بعينه و تردد دم خاص بين كونه من الراجع أو المتخلف- بنحو الشبهة البدوية- فيأتي حكمه في [مسألة 7]، فراجع. و إن كان من العلم الإجمالي بين المحصور يجري عليه حكمه.

و ثالثة: يعلم بأنّه لم يرجع إلى الداخل من المذبح شي ء. و إنّما انخرق عرق من عروق الحيوان و سرى الدم إلى الداخل و بقي فيه. أما بالنسبة إلى نجاسة المتخلف في الباطن فيكون من صغريات ملاقاة النجس في الباطن للباطن، و تقدم حكمه (1). و أما بالنسبة إلى نجاسة نفس هذا الدم، فمبني على شمول دليل نجاسة دم الحيوان لمثله. و مع الشك، فالمرجع أصالة الطهارة.

و رابعة: لا يخرج الدم من الحيوان المذبوح أصلا، لخوف أو عارض آخر، مع العلم بوقوع التذكية على الحيوان الحيّ. و في طهارته و نجاسته إشكال تقدم في الصورة السابقة و أما الذبيحة فالظاهر طهارته و حليته، لما يأتي في كتاب الصيد و الذباحة من كفاية وقوع التذكية على الحيوان الحيّ، و عدم اشتراط خروج الدم منها.

(69) نسب القول بنجاسته إلى جمع، بل عن بعض دعوى الاتفاق عليها.

و فيه- أولا: أنّه نسب العلامة الطباطبائي إلى المعظم: القول بالطهارة. و ثانيا:

أنّ مثل هذه الإجماعات اجتهادية، لا اعتبار بها. و حينئذ، فإن كان عموم دال على نجاسة الدم مطلقا إلا ما خرج بالدليل فالمتيقن مما دل على طهارة المختلف ما كان في المأكول، دون غيره. و إلا فمقتضى الأصل الطهارة حتّى في غير المأكول. و كذا الكلام في غير المأكول من المأكول كالطحال- مثلا.

فروع- (الأول): لا فرق في طهارة الدم المتخلف بين اتصاله باللحم أو

______________________________

ص: 343


1- في صفحة 297.
مسألة 1: العلقة المستحيلة من المنيّ نجسة

(مسألة 1): العلقة المستحيلة من المنيّ نجسة (70)، من إنسان كان أو من غيره، حتّى العلقة في البيض (71) و الأحوط الاجتناب عن النقطة من الدم الذي يوجد في البيض. لكن إذا كانت في الصفار و عليه جلدة رقيقة لا ينجس معه البياض إلا إذا تمزقت الجلدة (72).

______________________________

انفصاله عنه، لإطلاق الدليل. مضافا إلى الاستصحاب.

(الثاني): لو أدخل دم حيوان في حيوان آخر بالآلات الحديثة، و جرى في عروقه، ثمَّ ذبح يكون من المتخلف. إن صدق عليه أنّه دمه.

(الثالث): لو اطعم الحيوان دواء، أو زرق فيه إبرة و لم يخرج منه الدم حين الذبح أصلا، ففي طهارته إشكال. إلا إذا استحال إلى شي ء آخر.

(70) على المعروف و استدل عليها تارة: بإجماع الخلاف. و لا يخفى وهنه. و أخرى: بعمومات نجاسة الدم. و قد تقدم ما فيها. و ثالثة: بارتكاز المتشرعة.

و فيه: أنّه قاصر عن إثبات الحكم ما لم يستند إلى دليل معتبر من إجماع محقق، أو تقرير معصوم، أو نص معتمد عليه. نعم، لا ريب في كونه من المؤيدات لو تمَّ الدليل، و لذا جزم في الحدائق بالطهارة، و تأمل في النجاسة في الذكرى، و في كشف اللثام. و أشكل منها العلقة في البيض، إذ المتيقن من إجماع الخلاف- على فرض التمامية- العلقة المستحيلة من النطفة، دون ما وجدت في البيضة.

(71) إما لعموم نجاسة الدم، و قد تقدمت غير مرة المناقشة فيه. و إما لأنّ الاجتناب عنه مقتضى مرتكزات المتشرعة، و قد تقدم عدم اعتباره ما لم يستند إلى وجه معتبر، فلا حاكم على أصالة الطهارة.

(72) مع العلم بتحقق الرطوبة المسرية، و العلم بعدم غشاء يمنع عن السراية. و الا فالمرجع أصالة الطهارة، و يكفي في الرجوع إليها الشك فيهما.

ص: 344

مسألة 2: المتخلف في الذبيحة

(مسألة 2): المتخلف في الذبيحة و إن كان طاهرا. لكنّه حرام (73)، إلّا ما كان في اللحم مما يعد جزء منه (74).

مسألة 3: الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما، نجس

(مسألة 3): الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما، نجس (75)، كما في خبر فصد العسكري عليه السلام. و كذا إذا صبّ

______________________________

(73) لقوله تعالى إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ (1). و تعرضنا في التفسير لما يتعلق بمفردات الآية المباركة فراجع (2).

و قول مولانا الرضا عليه السلام: «و حرم اللّه الدم كتحريم الميتة» (3).

و احتمال الاختصاص بالمفسوح، خلاف ظاهر الإطلاق. و عن صاحب الحدائق رحمه اللّه أنّه حلال، و استدل عليه تارة: بعدم الخلاف. و فيه: أنّ المتيقن منه على فرض الصحة صورة الاستهلاك و أخرى بقوله تعالى قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً (4). فيقيد بها إطلاق الآية الأولى.

و فيه: أنّ الاستدلال إن كان بمفهوم الحصر فلا إشكال في كونه إضافيا، و لا ريب في عدم المفهوم حينئذ. و إن كان بمفهوم القيد فقد ثبت في محلّه عدم المفهوم له.

(74) للاستهلاك الموجب لزوال الموضوع، فيزول الحكم قهرا، كاليسير من التراب المستهلك في الحنطة و الدقيق و الماء و نحوها.

(75) لتحقق الموضوع فيتحقق الحكم قهرا، و قد ثبت في العلم الحديث أنّه ليس احمرار الدم من مقوّماته. نعم، هو الغالب فيه. و لو شك في كونه دما،

______________________________

ص: 345


1- سورة البقرة (2) الآية: 173.
2- المجلد الثاني من مواهب الرحمن صفحة: 368 ط: 3 بغداد.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.
4- سورة الأنعام (6) الآية: 145.

عليه دواء غيّر لونه إلى البياض.

مسألة 4: الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس

(مسألة 4): الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للّبن (76).

مسألة 5: الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح

(مسألة 5): الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح و يكون ذكاته بذكاة أمه، تمام دمه طاهر (77)، و لكنّه لا يخلو عن إشكال.

مسألة 6: الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد

(مسألة 6): الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه، إشكال، و إن كان لا يخلو عن وجه (78) و أما ما خرج منه فلا إشكال في نجاسته.

مسألة 7: الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا

(مسألة 7): الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا، محكوم

______________________________

يأتي حكمه في [مسألة 7].

(76) لإطلاق دليل الحكمين و عمومه. إلا إذا فرض تبدل اللبن بالدم فيكون مبنيا على وجود العموم الدال على نجاسته و عدمه، و تقدم ما يتعلق به.

(77) لأصالة الطهارة بعد عدم عموم يدل على النجاسة مطلقا، و لأنّه بمنزلة المذكى، لقوله عليه السلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه»(1).

فيكون دمه من المتخلف، و لم يستبعد ذلك في الجواهر، و اختاره كاشف الغطاء.

(78) لأنّ دمه من دم الحيوان فيشمله ما دل على نجاسة دمه، و مفاد قوله عليه السلام: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» (2) عدم كونه ميتة بعد تذكية الأم و أما كون دمه من المتخلف فلا يدل عليه.

ظهر مما مر حكم هذه المسألة، هذا إذا لم يخرج بآلة الصيد دم من الحيوان و أما إذا خرج منه الدم المتعارف فلا إشكال في طهارة الدم المتخلف و يمكن القول بالطهارة مطلقا لإطلاق أدلة حلية الصيد بالآلة.

______________________________

ص: 346


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح حديث: 12.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح حديث: 12.

بالطهارة (79)، كما أنّ الشي ء الأحمر الذي يشك في أنّه دم أم لا كذلك. و كذا إذا علم أنّه من الحيوان الفلاني، و لكن لا يعلم أنّه مما له نفس أم لا، كدم الحية و التمساح. و كذا إذا لم يعلم أنّه دم شاة أو سمك. فإذا رأى في ثوبه دما لا يدري أنّه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بالطهارة. و أما الدم المتخلف في الذبيحة إذا شك في أنّه من القسم الطاهر أو النجس، فالظاهر الحكم بنجاسته، عملا بالاستصحاب (80)، و إن كان لا يخلو عن إشكال. و يحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشك من جهة احتمال رد النفس فيحكم بالطهارة، لأصالة عدم الرد. و بين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علو فيحكم

______________________________

(79) في جميع الفروع المذكورة في هذه المسألة، لقاعدة الطهارة بعد عدم عموم دال على نجاسة الدم مطلقا، بل و لو كان عموم كذلك، لا يصح التمسك به في فروع المقام، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(80) ما يصح أن يستند إليه للنجاسة أمور:

الأول: عموم ما دل على نجاسة دم الحيوان. و فيه: أنّه لا يصح التمسك به في الموضوع المردد. إلا أن يقال إنّ دم ذي النفس من الحيوان نجس الا ما أحرز أنّه من المتخلف. و فيه: أنّه يمكن دعوى العكس بأن يقال: إنّ دم ذي النفس من الحيوان طاهر الا ما أحرز أنّه من غير المتخلّف.

الثاني: أنّ المتيقن مما دل على طهارة المتخلف غير ذلك. و فيه: أنّه على فرض الصحة يرد عليه، ما تقدم في الأمر الأول، فيكون المرجع أصالة الطهارة لا محالة.

الثالث: استصحاب النجاسة. و فيه: أنّه مبنيّ على نجاسة الدم ما لم يخرج إلى الخارج و لا دليل عليه، بل الدليل على عدمه. و كذا بالنسبة إلى سائر النجاسات من البول و الغائط و المني فلنا أن نستصحب الطهارة حينئذ. مع أنّه إن أريد به إثبات كونه من غير المتخلف، يكون مثبتا.

ص: 347

بالنجاسة، عملا بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف (81).

مسألة 8: إذا خرج من الجرح أو الدّمل شي ء أصفر يشك في أنّه دم أم لا

(مسألة 8): إذا خرج من الجرح أو الدّمل شي ء أصفر يشك في أنّه دم أم لا، محكوم بالطهارة. و كذا إذا شك من جهة الظلمة أنّه دم أم قيح، و لا يجب عليه الاستعلام (82).

مسألة 9: إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنّها دم أو ماء أصفر

(مسألة 9): إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنّها دم أو ماء أصفر، يحكم عليها بالطهارة (83).

______________________________

(81) أما أصالة عدم الرد في الفرض الأول فلا اعتبار بها، لأنّ عدم الرد من حيث هو ليس مورد دليل من الأدلة، و لا موضوع أثر من الآثار الشرعية. و إن أريد بها إثبات كون الدم من المتخلف تكون مثبتة، و كذا أصالة عدم خروج الدم المتعارف لعدم تعلق حكم من الأحكام بهذا العنوان في الأدلة. و إن أريد بها إثبات كون الدم من غير المتخلف تكون مثبتة، مع كونها مبنية على نجاسة الدم في الباطن أيضا، و هي أول الدعوى، بل يأتي خلافه، فينحصر المرجع في قاعدة الطهارة.

فرع: لو علم كون الدم من المتخلف و شك في أنّه من مأكول اللحم أو غيره، أو علم أنّه من المتخلف في مأكول اللحم و شك في نجاسته العرضية و عدمها، أو علم أنّه من المتخلف من الحيوان المأكول اللحم و لكن شك في أنّه من جزية المأكول أو من جزئه الغير المأكول، كالطحال- مثلا- فلا يمكن إثبات النجاسة في ذلك كلّه بالعمومات، لما تقدم. و حينئذ فإن كان أصل موضوعي دال على النجاسة يتعيّن الأخذ به قهرا. و الا فالمرجع قاعدة الطهارة.

(82) أما الحكم بالطهارة فلقاعدتها، و أما عدم وجوب الفحص و الاستعلام في الشبهات الموضوعية من النجاسة، فللنص (1)، و الإجماع في المقام و قد تقدم في الجلود بعض الكلام، فراجع.

(83) لقاعدة الطهارة التي تقدم حجيتها (2).

______________________________

ص: 348


1- تقدم في صفحة 323.
2- راجع صفحة: 154.
مسألة 10: الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر

(مسألة 10): الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر. إلا إذا علم كونه دما أو مخلوطا به، فإنّه نجس إلا إذا استحال جلدا (84).

مسألة 11: الدم المراق في الأمراق حال غليانها نجس منجس

(مسألة 11): الدم المراق في الأمراق حال غليانها نجس منجس (85) و إن كان قليلا مستهلكا، و القول بطهارته بالنار لرواية

______________________________

(84) أما الطهارة في الفرع الأول فلقاعدتها، و أما النجاسة مع العلم بكونه دما فلتحقق الموضوع وجدانا فيشمله الحكم قهرا و أما الطهارة مع الاستحالة، فلما يأتي في الرابع من المطهرات.

فروع- (الأول): لو كان الدم في داخل الجرح و ظهر عليه ماء أصفر، فمقتضى قاعدة الطهارة طهارة الماء الأصفر، لأنّ الملاقاة في الباطن لا توجب النجاسة، و المفروض أنّ ما في الظاهر ليس عين النجاسة و إن كان الأحوط الاجتناب.

(الثاني): لو خرج الدم و استحال بالأدوية العصرية إلى شي ء آخر من جلده أو غيرها، فالظاهر الطهارة، لعدم الفرق في الاستحالة بين الصناعية و الطبيعية.

(الثالث): لو انجمد دم الجراحة فنبت تحته لحم جديد، ثمَّ زال الدم المنجمد، فالظاهر طهارة ما تحته من اللحم الجديد، لقاعدة الطهارة بعد عدم العلم بملاقاته للدم المنجمد مع الرطوبة المسرية.

(85) لعموم الأدلة و إطلاقها الشامل للدم المراق في الأمراق و غيره، كما أنّ مقتضى قاعدة سراية النجاسة مع الرطوبة عند الملاقاة تحقق التنجس أيضا و إن كان قليلا مستهلكا، إذ لا أثر للاستهلاك بالنسبة إلى النجاسة و إنّما يظهر أثره بالنسبة إلى حلية الأكل، لو حرم أكله، و لم يكن نجسا و استهلك في الحلال، و تقدم في أول فصل الماء القليل من الدم، و تأتي هذه المسألة في المطهرات [مسألة 1] من المطهر الثامن عشر، فراجع.

ص: 349

ضعيفة، ضعيف (86).

______________________________

(86) هذا الفرع مذكور في باب الأطعمة و الأشربة، ففي الجواهر ممزوجا بعبارة المحقق (قدّس سرّه):

«لو وقع قليل من دم نجس كالأوقية فما دون، في قدر و هي تغلي على النار، فقد روي، بل قيل: إنّه حلّ مرقها إذا ذهب الدم بالغليان».

ففي صحيح سعيد الأعرج، عن الصادق عليه السلام: «سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أتوكل؟ قال: نعم، فإنّ النار تأكل الدم» (1).

و في خبر زكريا بن آدم سألت الرضا عليه السلام: «عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب و اللحم اغسله و كله. قلت: فإن قطر فيه الدم. قال: الدم تأكله النار إن شاء اللّه تعالى» (2).

و عن المفيد و الشيخ في النهاية و الديلمي و التقي العمل بها».

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن قدر فيها ألف رطل ماء يطبخ فيها لحم وقع فيها أوقية دم، هل يصلح أكله؟ فقال: إذا طبخ فكل فلا بأس» (3).

و يمكن حمل الأولى على ما إذا كان القدر كرا من الماء.

و كذا الأخير، كما يمكن حمل الجميع على التقية، أو حمل الدم على الدم الطاهر، و لا يرضى الفقيه، بل المتشرعة قديما و حديثا بالقول بصدور مثل هذه الأخبار لبيان حكم اللّه الواقعي، و أنّ الدم النجس المراق في الأمراق حلال أكله، بل يستنكر هذا الحكم في هذه الأعصار عند المتشرعة من العامة، فكيف بالخاصة المأنوسين

______________________________

ص: 350


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.
مسألة 12: إذا غرز إبرة، أو أدخل سكينا في بدنه أو بدن حيوان

(مسألة 12): إذا غرز إبرة، أو أدخل سكينا في بدنه أو بدن حيوان. فإن لم يعلم ملاقاته للدم في الباطن فطاهر، و إن علم ملاقاته لكنّه خرج نظيفا، فالأحوط الاجتناب عنه (87).

مسألة 13: إذا استهلك الدم الخارج من بين الأسنان في ماء الفم

(مسألة 13): إذا استهلك الدم الخارج من بين الأسنان في ماء الفم، فالظاهر طهارته، بل جواز بلعه (88). نعم، لو دخل من الخارج دم في الفهم فاستهلك، فالأحوط الاجتناب عنه (89) و الأولى غسل الفم بالمضمضة أو نحوها.

______________________________

بمذاق المعصومين عليهم السلام في الجملة: مع أنّ خبر زكريا غير نقي سندا (1).

و لعلّ نظر الماتن إليه فقط. و إلا فخبر الأعرج صحيح، كما لا يخفى على من راجع سنده، و لكن لا تنفع الصحة بعد استنكار المتشرعة.

(87) تقدم في [مسألة 1] (2)، و يأتي في العاشر من المطهرات إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق بالمقام.

(88) لأنّ الدم الخارج من بين الأسنان من الباطن لا يحكم بنجاسته، و مع الاستهلاك لا يكون من الخبائث فيجوز أكله للأصل.

(89) كما مر من أنّ موضوع النجاسة الظاهر فقط و في الفرض أنّ الفم من الباطن، فيزول حكم النجاسة حينئذ، و مع الاستهلاك يجوز أكله، لفقد المانع.

و لا أثر لاستصحاب النجاسة بعد فرض كون موضوعها الظاهر.

و لو فرض الشك في أنّ الفم من الباطن أو الظاهر لا يثبت باستصحاب النجاسة أحدهما، فيرجع إلى قاعدة الطهارة، و مع الاستهلاك يجوز أكله أيضا، للأصل. و على هذا يشكل الاحتياط الوجوبي، إلا أن يتمسك بمرتكزات المتشرعة.

______________________________

ص: 351


1- لأنّ حسن بن المبارك الواقع في السند ضعيف.
2- راجع صفحة: 297.
مسألة 14: الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن

(مسألة 14): الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن إن لم يستحل و صدق عليه الدم نجس، فلو انخرق الجلد و وصل الماء إليه تنجس، و يشكل معه الوضوء أو الغسل (90) فيجب إخراجه إن لم يكن حرج، و معه يجب أن يجعل عليه شيئا، مثل الجبيرة فيتوضأ أو يغتسل. هذا إذا علم أنّه دم منجمد، و إن احتمل كونه لحما صار كالدم من جهة الرض، كما يكون كذلك غالبا، فهو طاهر (91).

السادس و السابع: الكلب و الخنزير

(السادس) و (السابع): الكلب و الخنزير (92). البريان (93)،

______________________________

(90) أما النجاسة مع صدق الدم عليه، فلما دل على نجاسة دم الإنسان و أما تنجس الماء فلما دل على انفعال القليل بالنجس مع الرطوبة المسرية. أما الإشكال في الوضوء، فإما لأجل انفعال ماء الوضوء أو الغسل إن توضأ بالقليل، و يرتفع الاشكال من هذه الجهة لو توضأ ارتماسا في الكر و أما لأجل وجوب غسل ما تحته و كونه حائلا، و يرتفع بما ذكره رحمه اللّه و يأتي في أحكام الجبائر أنّ الأحوط في مثله ضم التيمم أيضا.

(91) للأصل، و يجري حينئذ غسل ظاهره في الوضوء من دون لزوم وضع شي ء عليه.

(92) بضرورة من الفقه إن لم يكن من المذهب، و نصوص مستفيضة إن لم تكن متواترة و هي: قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن مسّه جافا فاصبب عليه الماء» (1).

و عنه عليه السلام أيضا في الكلب: «رجس نجس» (2).

و عنه عليه السلام: «عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل، قال:

يغسل المكان الذي أصابه» (3).

______________________________

ص: 352


1- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 8.

.....

______________________________

و في صحيح ابن جعفر قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير- إلى أن قال:- إلا أن يكون فيه أثر فيغسله. قال: و سألته عن خنزير يشرب من إناء، كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات»(1).

و ما يظهر منه الخلاف لا بد من حمله، أو ردّ علمه إلى أهله، كصحيح ابن مسكان عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه و السنور أو شرب منه جمل، أو دابة، أو غير ذلك، أ يتوضأ منه؟ أو يغتسل؟

قال: نعم، إلا أن تجد غيره فتنزه عنه» (2).

و عن زرارة عنه عليه السلام أيضا: «عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال عليه السلام: لا بأس» (3).

فيحمل الأول على الغدير البالغ قدر الكر، و الثاني على صورة عدم العلم بالملاقاة، و يمكن حملهما على التقية.

(93) لتفاهم البرّي من ألفاظ الحيوانات المستعملة إلا مع القرينة على التعميم للبحري أيضا، و يمكن أن يكون الإطلاق على البحري مجازا، لاختلاف الآثار و الخواص الكاشف عن اختلاف الحقيقة أيضا، و يشهد له صحيح ابن الحجاج عن الصادق عليه السلام: «في جلود الخز فقال عليه السلام: «ليس بها بأس، فقال الرجل: جعلت فداك إنّها علاجي (في بلادي) و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: ليس به بأس» (4). فإنّ حكمه عليه السلام و تفصيله بين العيش خارج الماء و عدمه، دليل على اختصاص الحكم بالنجاسة بالبرّي فقط.

______________________________

ص: 353


1- الوسائل باب: 13 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأسئار حديث: 6.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

دون البحري منهما. و كذا رطوباتهما و أجزاؤهما و إن كانت مما لا تحلّه الحياة، كالشعر، و العظم و نحوهما (94). و لو اجتمع أحدهما مع الآخر أو مع آخر فتولد منهما ولد، فإن صدق عليه اسم أحدهما تبعه، و إن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الأخر، أو كان مما ليس له مثل في الخارج، كان طاهرا (95)، و إن كان الأحوط الاجتناب عن المتولد منهما إذا لم يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة (96)، بل الأحوط الاجتناب عن المتولد من أحدهما مع طاهر، إذا لم يصدق عليه اسم ذلك الطاهر (97)، فلو نزا كلب على شاة أو خروف على كلبة، و لم

______________________________

(94) لإطلاق دليل الحكم بالنجاسة لهذا الموجود الخارجي المشتمل على الأجزاء، و نسب إلى السيد و المجلسي طهارة ما لا تحله الحياة منهما، لعدم الجزئية، و طهارتهما من الميتة، و دعوى الإجماع عليها، و بما تقدم من خبر الحبل من شعر الخنزير الذي يستقى به.

و الأول خلاف العرف، و الثاني قياس، و الثالث موهون جدّا، و تقدم ما في خبر الحبل فإطلاق دليل النجاسة محكم.

(95) أما النجاسة في صورة صدق المتابعة في الاسم، فلأنّ الحكم يدور مدار صدق الاسم، و المفروض صدقه.

و أما الطهارة فللأصل، و إطلاق دليل طهارة المتبوع فيما إذا صدق عليه اسم إحدى الحيوانات الطاهرة.

(96) نسب إلى الشهيدين في الذكرى، و الروض: النجاسة و إن باينهما في الاسم، و لعلّها للتبعية، و استصحاب النجاسة حال النطفة. و الأول مفروض الانتفاء، لفرض المباينة الاسمية، و لا وجه للثاني، لتبدل الموضوع.

(97) لاستصحاب النجاسة حال النطفة. و يرد: بتبدل الموضوع، فالمرجع أصالة الطهارة، و لا ريب في حسن الاحتياط.

ص: 354

يصدق على المتولد منهما اسم الشاة، فالأحوط الاجتناب عنه، و إن لم يصدق عليه اسم الكلب.

الثامن: الكافر بأقسامه

اشارة

(الثامن): الكافر بأقسامه (98) حتّى المرتد

______________________________

(98) لا ريب في أنّ نجاسة الكافر في الجملة من ضروريات المذهب بل يمكن أن يقال: إنّ المتديّن و الملتزم بكلّ ملة يتجنب و يباين عن الملة الأخرى، و يكون هذا من اللوازم العادية الارتكازية بين الملل المختلفة، و قد حدد الشارع هذا التجنب بحد خاص، و هو النجاسة، فتكون أدلة النجاسة مطابقة لذلك الأمر العادي الارتكازي.

ثمَّ إنّ المتيقن من قيام الضرورة على نجاسة الكافر، إنّما هو المشرك، سواء كان في العبادة، كما هو الغالب، أم في الذات، أم في الصنع، لإطلاق ما يأتي من الآية الكريمة، و إطلاق معاقد الإجماعات. و احتمال الانصراف إلى الأخير، ممنوع، لأنّ الانصراف المستند إلى علية الوجود لا اعتبار به، كما ثبت في محله.

و يدل على النجاسة: إطلاق قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ (1).

و أشكل عليه تارة: بأنّ كلمة «نجس» مصدر، و لا يحمل على الذات.

و فيه أولا: أنّ الإخبار عن الذات بالمصادر شائع، للمبالغة كما في قوله:

«و إنّما هي إقبال و إدبار».

و ثانيا: لا ريب في صحة الإخبار بالتقدير- أي ذو نجس- و لا يختص التقدير بالنجاسة العرضية، بل يصح في الذاتيات أيضا، كما يقال: الإنسان ذو نطق.

و ثالثا: لا ملزم لكون الكلمة مصدرا، بل يصح أن يكون وصفا

______________________________

ص: 355


1- سورة التوبة (9) الآية: 38.

.....

______________________________

(كالحسن) فيصح الحمل حينئذ بلا محذور.

و أخرى: بأنّه لم يثبت كون النجس في زمان نزول الآية بالمعنى المبحوث عنه في المقام. و فيه: أنّه لا ريب في كونه بمعنى القذارة لغة. و عرفا، و نزلت الآية الكريمة على طبقهما، و إطلاق النجاسة و القذارة يشمل المتعارف بل هو المنساق منه عرفا، ثبتت الحقيقة الشرعية في النجاسة و القذارة، أو لا، و قد تقدم في قول الصادق عليه السلام: «الكلب رجس نجس» (1).

مع أنّه لم يستشكل أحد في أنّ المراد بالنجاسة فيه هذا المعنى المعهود، و كذا قوله عليه السلام: «لا و اللّه إنّه نجس» (2)، بل جعلوه من أقوى الأدلة على النجاسة.

و بالجملة: إنّ النجس و الرجس، و القذر، و الطهارة و نحوها، كانت موضوعات متعارفة رتب الشارع عليها أحكاما خاصة، كسائر الموضوعات التي تكون مورد الأحكام.

إن قلت: نعم، لعلّ القذارة في المشركين شي ء معنوي غير الخباثة الظاهرية، فلا تدل الآية الكريمة على النجاسة.

قلت: الظاهر من قوله تعالى (نجس) النجاسة و القذارة العينية، المسببة عن الشرك، و لا ينسبق إلى الأفهام المتعارفة منها إلا ذلك، لتعارف استعمال النجس في مثل هذه القذارات.

إن قلت: حرمة دخول المشركين في المسجد الحرام يجوز أن تكون لجهة أخرى، دون القذارة، و إلا وجب أن يقيد بما إذا استلزمت التلوث و السراية.

قلت: يمكن أن تكون لها علل شتّى، هذه إحداها، و هي نحو نجاسة يحرم معها الدخول و لو لم يستلزم التلوث و السراية، لإطلاق الأدلة.

هذا بعض الكلام في المشركين و منهم المجوس أيضا، لأنّهم و إن كان لهم

______________________________

ص: 356


1- تقدم في صفحة: 352.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 6.

.....

______________________________

كتاب و نبي، كما في مرسل الواسطي، و خبر العلل(1). و لكنّهم من حيث عبادتهم للنار مشركون في المعبودية، كعباد الأوثان و غيرهم، فيعمهم ما يدل على نجاسة المشركين.

و قد استدل على نجاسة الكتابي بوجوه:

الأول: ما تقدم من قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.

و فيه: أنّ صدق المشرك عليه في الجملة مسلّم، قال تعالى اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ (2).

فيستفاد منها أن مطلق اتخاذ الرب من دون اللّه تعالى شرك. و لكن كون مثل هذا الصدق موجبا للنجاسة ممنوع، و إلا فقد قال تعالى وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلّٰا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (3).

و قد أطلق المشرك في الأخبار على المرائي (4)، و غيره (5). مع أنّه قد فصل اللّه تعالى بين أهل الكتاب و بين المشركين، و التفصيل قاطع للشركة قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا وَ الصّٰابِئِينَ وَ النَّصٰارىٰ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللّٰهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ (6).

الثاني: الإجماع، بل عن صاحب الجواهر: «لعله من الضروريات» و نقل عن أستاذه: «أنّ ذلك شعار الشيعة يعرفها النساء و العوام و الصبيان» و عن المرتضى جعل القول بالنجاسة من متفردات الإمامية، و قال في المستند:

«و الإجماع عليها في عبارات جملة من الأجلة مذكورة و هو مذهب الصدوقين

______________________________

ص: 357


1- الوسائل باب: 49 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه 1 و 3 و 5.
2- سورة التوبة (9) الآية: 31.
3- سورة يوسف (12) الآية: 106.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2 و 4 و غيرهما.
5- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب صفات القاضي حديث: 12، و غير ذلك من الموارد و سيأتي التنبيه عليها.
6- سورة الحج (33) الآية: 17.

.....

______________________________

و الشيخين، و السيدين، و الحليين، و الفاضلين، و الشهيدين، و الحلّي و الكركي و كافة المتأخرين».

و نوقش في الإجماع بوجوه:

الأول: أنّه اجتهادي. و فيه: أنّ هذه المناقشة جارية في جميع الإجماعات التي يوجد في موردها حديث معتبر، و ظاهر اعتماد الأعلام من الفقهاء و مهرة الفقه على نقله، و الاعتناء به أنّه تعبدي، لا أن يكون اجتهاديا، إلا مع وجود قرينة معتبرة عليه.

الثاني: مخالفة الشيخ و المفيد و ابن الجنيد و العماني، فلا اعتبار بمثل هذا الإجماع.

و فيه: أنّ الأول منهم قال في نهايته: «بعدم جواز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم، و لا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها و أنّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم»، و قال بعد ذلك: «و يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه، و إن دعاه فليأمره بغسل يديه ثمَّ يأكل معه». و مقتضى الجمع العرفي حمل الجملة الثانية على حال الضرورة، أو ما لا يتعدى و حمل غسل اليد على التعبد، لوروده في الأخبار (1) إلى غير ذلك من المحامل، كيف و قد نقل عنه في الحدائق: «و العجب أنّ الشيخ رحمه اللّه في التهذيب نقل إجماع المسلمين على نجاسة الكفار مطلقا مع مخالفة الجمهور في ذلك».

و يمكن أن يكون مراده النجاسة في الجملة، لأنّ العامة أيضا يقولون بالنجاسة الحكمية على ما قيل و قال صاحب المعالم في محكي كلامه: «لا ينبغي أن يعد الشيخ في عداد من عدل عن المشهور».

و الثاني منهم حكم بالكراهية في خصوص اليهود و النصارى و إرادة الحرمة منها شائعة في عرف القدماء، بل لا بد و أن تحمل عليها، لذهابه إلى الحرمة في سائر كتبه، و دعوى الإجماع على الحرمة من تلامذته مع كونه رئيس المذهب و الملة، فكيف يذهب إلى الكراهة، و جل تلاميذه بل كلهم يعتقدون الحرمة مع

______________________________

ص: 358


1- الوسائل باب: 54 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

عدم نسبة أحد الخلاف بينه و بين تلاميذه و لم يذكر ذلك في الكتب المعدة لذكر الخلاف.

و قول الثالث منهم مبنيّ على ما ذهب إليه من عدم انفعال القليل بالملاقاة.

و الرابع منهم يمكن حمل كلامه عليه أيضا، مع عدم الاعتناء بمخالفته، لكثرة خلافه في المسلّمات. و قال صاحب المعالم: «إنّ مصير جمهور الأصحاب إلى القول بالتنجيس يقتضي الاستيحاش في الذهاب إلى خلافه، بل ذكرنا أنّ جماعة ادعوا الإجماع على عموم الحكم بالتنجيس لجميع الأصناف، و كلام العلامة ظاهر فيه».

أقول: المدار في الإشكال على دليل يذكر لشي ء، هو الإشكال الظاهر عرفا، لا البناء على الاستشكال عليه بأي وجه أمكن، فإنّ بابه واسع جدّا حتّى في الضروريات. و بعد ظهور التسالم فتوى و عملا على النجاسة عن أساطين الفقه و خبرائه، كالشهيدين و المحققين و نظرائهم، كيف يجترئ أحد على الجزم بالخلاف، و لا تقصر هذه المسألة عن سائر المسائل المسلّمة الفقهية التي يعتمد عليها و يرسلونها إرسال المسلّمات. نعم، يزيد المقام على غيره الأخبار الدالة على الطهارة، و تأتي المناقشة فيها.

الثالث: من وجوه الإشكال على الإجماع: ما عن مصباح الفقيه: من أنّ الشهرة و نقل الإجماع، بل الإجماع المحقق أيضا، لا تكون حجة ما لم يوجب القطع بموافقة الإمام عليه السلام.

و فيه: أنّه يكفي حصول الاطمئنان المتعارف بموافقته عليه السلام، و الظاهر حصوله بعد المناقشة في الأخبار الدالة على الطهارة، كما يأتي، إذ المانع عن حصول الاطمئنان المتعارف منحصر بالأخبار التي تدل على الطهارة و لو لا تلك الأخبار، لكان هذا الإجماع من أتقن الإجماعات القولية و العملية الفقهية. هذا.

و لكن الإنصاف أنّه لو كنا نحن و نفس هذا الإجماع، لا يحصل لنا منه الاطمئنان المعتبر في الفتوى، لأنّ بناء الفقهاء على تصحيح هذا الإجماع، فلو كان اعتباره مفروغا عنه عندهم، لما احتاج إلى هذه المتعبة، بل يمكن أن يقال:

ص: 359

.....

______________________________

حيث إنّه قد ارتكز في أذهان الفقهاء القدماء الاهتمام بالاحتياط مهما أمكنهم ذلك، فمثل هذه الإجماعات حصل من ذلك الارتكاز، فالإجماع احتياطي، لا أن يكون تعبديا و مثل ذلك كثير في الفقه ربما نشير إليه في محلّه.

الثالث: مما استدل به على النجاسة مطلقا: جملة من الأخبار كموثق سعيد الأعرج: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن سؤر اليهودي و النصراني؟

فقال: لا» (1).

و صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل صافح رجلا مجوسيا، فقال: يغسل يديه و لا يتوضأ» (2).

و عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام: «في مصافحة المسلم اليهودي، و النصراني، قال: من وراء الثوب فإن صافحك بيده فاغسل يدك» (3)..

و مفهوم معتبرة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن طعام أهل الذمة ما يحل؟ قال: الحبوب»(4)

و خبر هارون بن خارجة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ (5) فقال: لا».

و صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «سألته عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام، قال: إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمَّ يغتسل» (6).

و صحيحه الآخر قال: «سألته عن فراش اليهودي و النصراني ينام عليه؟

قال: لا بأس، و لا يصلّي في ثيابهما، و قال: لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة و لا يقعده على فراشه و لا مسجده و لا يصافحه، قال: و سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟

______________________________

ص: 360


1- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 8.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 5.
4- الوسائل باب: 51 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 7.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 9.

.....

______________________________

قال: إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، و إن اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتّى يغسله» (1).

و خبره الآخر قال: «سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة، و أرقد معه على فراش واحد، و أصافحه قال: لا»(2).

فإنّ المتفاهم منها عرفا، النجاسة الذاتية لهم. و الحمل على التعبد المحض أو النجاسة العرضية، و استحباب الغسل و كراهة السؤر، أو أن تشريع ذلك نحو توهين لهم، خلاف الظاهر. نعم، لا بد من تقييد المصافحة بما إذا كانت مع الرطوبة المسرية، لقاعدة: «كلّ يابس ذكي»- الحاكمة على مثل هذه الإطلاقات- كما أنّه لا بد من حمل نهي القعود على الفراش و المصافحة على مطلق المرجوحية، لقرائن خارجية. و ذلك لا يضر بالاستدلال بل هذا النحو من التفكيك شائع في الفقه.

و كذا صحيح ابن مسلم سألت أبا جعفر عليه السلام: «عن آنية أهل الذمة و المجوس فقال: لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون، و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» (3).

و هذه الصحيحة و غيرها تدل على أنّ ثيابهم و ما يطبخون نجسة، للملازمة العادية لاستعمالهم لها بالرطوبة، و الظاهر أنّ الطبخ مثال لكل ما يستعملونها مع الرطوبة، إذ لا خصوصية فيه حتّى يذكر، و احتمال أن تكون نجاسته كسائر النجاسات من الميتة و الخنزير، خلاف الإطلاق. و إلا لذكرها عليه السلام كما ذكر أواني الخمر.

إن قلت: إذا كانت النجاسة، لأجل الاستعمال فما وجه تخصيص خصوص أواني الخمر بالذكر؟

قلت: لعلّ بيان نجاسة الخمر أيضا زائدا على نجاستهم.

إن قلت: مورد السؤال هو الأواني، و قال عليه السلام في الجواب: «لا

______________________________

ص: 361


1- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 10.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 6.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 1.

.....

______________________________

تأكل من طعامهم الذي يطبخون» فما وجه الإعراض عن السؤال؟

قلت يبين عليه السلام حكم الآنية بالملازمة لأنّ نجاسة الطعام تستلزم نجاسة ظرفه أيضا.

هذا و لكن الإنصاف أنّه مع احتمال كون صدور مثل هذه الروايات لأجل ترغيب الناس إلى التجنب عنهم، و إلقاء البينونة بين المسلمين و بينهم يشكل ظهورها في النجاسة المعهودة، فهي مثل ما ورد من قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«لا تلبسوا لباس أعدائي، و لا تطعموا مطاعم أعدائي، و لا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي» (1).

و مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله حين رحلته: «أن تخرج اليهود و النصارى من جزيرة العرب» (2)، و نحو ذلك من الأخبار المرغبة في البينونة مهما أمكن.

و بالجملة: هذه الأخبار أعم من النجاسة، و ليست ظاهرة فيها ظهورا يصح الاعتماد عليه في نفسها مع قطع النظر عن معارضتها. هذا مع أنّ هذه المسألة كانت ابتلائية من أول البعثة، فكيف لم يرد فيها نص نبوي مع عموم البلوى؟

و ظهور الأخبار في النجاسة المعهودة شي ء، و الاستظهار منها بحسب الجهات الخارجية شي ء آخر، و هذه الأخبار من القسم الثاني، دون الأول، و المفيد هو الأول، دون الثاني. مع أنّ عدم مبالاتهم و غلبة استعمالهم لما هو نجس في مذهبنا يوجب الوهن في ظهورها في النجاسة الذاتية.

و استدل على طهارة الكتابي بالأصل. و فيه: أنّه محكوم بالدليل نعم، يصح أن يكون مرجعا بعد تعارض الأدلة و تساقطهما، و لكن تقدمت المناقشة فيما دلت على النجاسة.

و بعموم قوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ (3).

و فيه: أنّه لا ريب في إطلاق الطعام على كلّ ما يطعم، و إطلاقه على

______________________________

ص: 362


1- الوسائل باب: 19 من أبواب لباس المصلّي حديث: 8.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب جهاد العدو حديث: 1.
3- سورة المائدة (5) الآية: 5.

.....

______________________________

الحبوب من باب تطبيق الكلّي على الفرد لا الحصر، و إنّما ذكر في الروايات الحبوب (1)لإخراج ذبائحهم التي لا يذكر عليها اسم اللّه تعالى و سائر أطعمتهم الرطبة، للنجاسة العرضية من جهة عدم اجتنابهم عن شرب الخمر و أكل لحم الخنزير و ذبائحهم التي من الميتة فلا وجه بها للنجاسة الذاتية بالأخبار الواردة في تفسير الآية و ما يأتي في صحيح ابن جابر ظاهر فيما قلناه.

و بجملة من الأخبار: منها- صحيح إسماعيل بن جابر قال: «قلت: لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: لا تأكله ثمَّ سكت هنيئة. ثمَّ قال: لا تأكله، ثمَّ سكت هنيئة ثمَّ قال: لا تأكله و لا تتركه تقول: إنّه حرام و لكن تتركه تتنزه عنه، إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير» (2).

و أشكل عليه: أولا: بأنّه يمكن أن يكون المراد بالطعام الحبوب، فيكون مخالفا لظاهر الآية، فلا بد من تأويله. و فيه: أنّه خلاف الإطلاق.

ثانيا: إنّ تأكيد النهي يأبى عن الكراهة الاصطلاحية، فيحمل النهي على ظاهره، و يكون المراد بقوله عليه السلام: «و لا تقول إنّه حرام» أي الحرمة الذاتية، كحرمة الدم و لحم الخنزير، فالمعنى إنّه لا حرمة ذاتية لطعامهم، بل الحرمة تنزيهية- أي عرضية- لأجل ملاقاة النجاسة و إنّما علّل عليه السلام التنزيه بأنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير، لكون ذلك أوقع في التنفر من التعليل بمباشرة الكافر له.

إن قلت: إنّ التنزه ظاهر في الكراهة، فيكون الصحيح شاهد جمع بين الأخبار، فتحمل الأخبار الدالة على الحرمة أو النجاسة على الكراهة.

قلت: التنزه بمعنى الابتعاد عن الشي ء و يستعمل في مورد الحرمة أيضا،

______________________________

ص: 363


1- الوسائل باب: 51 من أبواب الأطعمة المحرمة. و أطلق الطعام على الحبوب أيضا في كفارات تروك الإحرام راجع كتاب الحج باب: 12 و 15 و 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 4.

.....

______________________________

و في الدعاء: «اللهم نزهنا عن الذنوب».

فيصير خلاصة المعنى أنّه لا حرمة ذاتية لطعام أهل الكتاب، بل هي عرضية فإن تقدر على تطهيره فطهّره و إلا فتنزه عنه. اللهم الا أن يقال إنّ التعليل ظاهر، بل نص في عدم النجاسة الذاتية للكتابي و ما ذكر من الاحتمال لا ينافي الظهور و عدم النجاسة الذاتية للكتابي.

و منها: صحيح العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي و النصراني، فقال: لا بأس إذا كان من طعامك. و سألته عن مؤاكلة المجوسي فقال: إذا توضأ فلا بأس».

و مثله صحيحه الآخر (1). و أشكل عليه: أنّ المؤاكلة أعم من المساورة، و مقتضى القاعدة في الأولى الجواز، و يشهد له قوله عليه السلام: «إذا كان من طعامك» و أما التوضي فلعله لأجل كونه من آداب الجلوس على المائدة، لا من جهة الدخل في الطهارة.

و فيه: أنّ إطلاق المؤاكلة شامل لما إذا كانت من القصعة الواحدة أيضا و إنّما قال: «من طعامك» لإخراج طعامهم الذي فيه لحم الخنزير و ما ذبح بغير اسم اللّه تعالى و سائر النجاسات التي لا يجتنبون عنها.

و منها: صحيح ابن أبي محمود قال: «قلت للرضا عليه السلام: الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم أنّها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة قال: لا بأس تغسل يديها» (2).

و أشكل عليه أولا: أنّه ليس من شأنهم استخدام النصرانية اختيارا، حتّى بناء على الطهارة، بل يجتهدون في إسلامها قبل الاستخدام.

و ثانيا: الاستخدام أعم من أن يكون لكنس الدار و فرش الفراش و نحوهما مما لا يتوقف على الطهارة، فإجمال الواقعة يسقط الاستدلال به و فيه: أنّ ذلك خلاف ظاهر الإطلاق.

______________________________

ص: 364


1- الوسائل باب: 53 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب النجاسات حديث: 2.

.....

______________________________

و منها: صحيحة الآخر عن الخراساني قال: «قلت للرضا عليه السلام:

الخياط و القصار يكون يهوديا و نصرانيا و أنت تعلم أنّه يبول و لا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال: لا بأس»(1).

و أشكل عليه أنّه مطابق لأصالة الطهارة ما لم يعلم بالنجاسة. نعم، إن كان المراد بالقصّار غسل الثوب تكون ملازمة لملاقاة يد الغاسل مع الرطوبة المسرية. و فيه: إنّ المنساق من القصار من يغسل الثوب فيكون إطلاقه دليلا على الطهارة.

و منها: صحيح ابن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن آنية أهل الكتاب فقال: لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير» (2).

و أشكل عليه: أنّه مبنيّ على ثبوت المفهوم للشرطية و هو ممنوع إلا مع ثبوت العلية المنحصرة، و قد تقدم أنّ ذكر ذلك لزيادة التنفر، لا العلية. و فيه:

أن ذلك لا يتوقف على المفهوم، بل المنطوق ظاهر عرفا في النجاسة العرضية، دون الذاتية للكتابي.

و منها: خبر زكريا بن إبراهيم قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت: إنّي رجل من أهل الكتاب و إنّي أسلمت و بقي أهلي كلّهم على النصرانية و أنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد، فآكل من طعامهم؟ فقال لي: يأكلون الخنزير؟ فقلت: لا، و لكنّهم يشربون الخمر فقال لي: كل معهم و اشرب»(3).

و أشكل عليه: مضافا إلى قصور السند، أنّه لا يتصوّر فرق بين أكل الخنزير و شرب الخمر مع التأكيدات الواردة في التجنب عن الثاني من كلّ جهة، و ليس هذا مناسبا للإمام عليه السلام.

______________________________

ص: 365


1- التهذيب باب: المكاسب حديث: 263. و أورده في الوافي باب التطهير من مس الحيوانات حديث: 21.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 5.

.....

______________________________

و فيه: أنّ وجه الفرق أنّ للطعام أواني مخصوصة و لشرب الخمر أواني أخر كذلك، فإذا لم تكن أواني الطعام متنجسة، لا وجه للمنع عن المؤاكلة، لإطلاقه يدل على الطهارة الذاتية لأهل الكتاب.

و منها: موثق عمار عنه عليه السلام أيضا: «عن الرجل هل يتوضأ من كوز واحد أو إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهودي؟ فقال: نعم، فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال: نعم» (1).

و أشكل عليه: أنّه يمكن أن يكون الشرب بصب الماء من الكوز في إناء ثمَّ الشرب من الإناء مع أنّه مثل سائر ما ورد في عدم انفعال القليل، فليحمل على ما تحمل تلك الأخبار عليه. مضافا: إلى أنّ قوله: «إذا شرب على أنّه يهودي» يحتمل أن يكون من مجرد اعتقاد اليهودية مع عدم كون الشارب يهوديا في الواقع.

و فيه: أنّ هذه الاحتمالات لا تضر بظهور الإطلاق الذي يكون حجة معتبرة.

و منها: صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إلا أن يضطر إليه» (2).

و أشكل عليه: أنّه يمكن أن يحمل على التقية. و عند التقية يرتفع حكم النجاسة، كسائر الأحكام.

و فيه أنّه قول بلا دليل فلا اعتبار به.

و منها: ما ورد في صحة الصلاة في الثياب التي يعملها المجوس و أهل الكتاب، كصحيح معاوية عنه عليه السلام أيضا: «عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم أخباث (إجناب)، و هم يشربون الخمر، و نساؤهم على تلك الحال، ألبسها و لا أغسلها و أصلّي فيها؟ قال: نعم، قال معاوية: فقطعت له قميصا و خططته و فتلت له إزارا و رداء من السابري، ثمَّ بعثت بها إليه في يوم

______________________________

ص: 366


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأسئار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 9.

.....

______________________________

جمعة حين ارتفع النهار، فكأنّه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة» (1).

و نحوه غيره (2).

و أشكل عليه: أنّها مطابقة لقاعدة الطهارة، فإنّها تدل على الطهارة ما لم يعلم بالنجاسة من جهة الملاقاة، و يشهد له صحيح ابن سنان قال: «سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السلام، و أنا حاضر: إنّي أعير الذمي ثوبي، و أنا أعلم أنّه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيرده عليّ، فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجسه» (3).

فمثل هذه الأخبار وردت مطابقة للقاعدة. و فيه: أنّه احتمال حسن ثبوتا و لكنّه خلاف ظاهر الإطلاق إثباتا.

و منها: رواية خالد القلانسي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

ألقى الذمي فيصافحني، قال: امسحها بالتراب أو بالحائط، قلت: فالناصب؟

قال: اغسلها» (4).

و أشكل عليه: مضافا إلى قصور السند، إمكان الحمل على الندب مع عدم الرطوبة المسرية. و فيه: أنّه خلاف ظاهر إطلاقه و أنّ إطلاقه يشمل حتّى الرطوبة المسرية.

و منها: مرسل الوشاء، عنه عليه السلام أيضا: «أنّه كره سؤر ولد الزنا و سؤر اليهودي و النصراني، و المشرك، و كلّ من خالف الإسلام، و كان أشد ذلك عند سؤر الناصب»(5).

و أشكل عليه: مع قصور السند أنّ الكراهة أعم من الحرمة فيراد منها

______________________________

ص: 367


1- راجع الوسائل باب: 73 من أبواب النجاسات حديث: 1، و غيره من الأحاديث الواردة في الباب.
2- راجع الوسائل باب: 73 من أبواب النجاسات حديث: 1، و غيره من الأحاديث الواردة في الباب.
3- الوسائل باب: 74 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 4.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الأسئار حديث: 2.

.....

______________________________

الحرمة بقرينة ما تقدم من الأخبار. و فيه: ما تقدم من المناقشة في الأخبار الدالة على النجاسة.

هذه خلاصة الكلام، و ما يمكن أن يقال فيها من المناقشة. و لكن مع ذلك كلّه فالجزم بالطهارة مشكل، لأنّ تلك المناقشات مما لا تخفى على الأصاغر، فكيف بأساطين الفقهاء و الأعاظم منهم، و مع سكوتهم عنها، و إعراضهم عما دل على الطهارة، و موافقتها للعامة. يعلم من ذلك أنّ الإجماع، و الشهرة على النجاسة ليس اجتهاديا، و لا احتياطيا، فالأحوط وجوبا الاجتناب عن الكتابي من جهة النجاسة(1) و حمل أخبار الطهارة على التقية، و تعليم الشيعة كيفية المعاشرة مع الكتابي عند اقتضاء التقية لذلك، كما يشهد له خبر الكاهلي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم مجوسي، أ يدعونه إلى طعامهم؟ فقال: أما أنا فلا أواكل المجوسي و أكره أن أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» (2).

إن قلت: يعلم من سؤال الرواة أنّ النجاسة العينية لم تكن معهودة لديهم، بل يعتقدون فيهم النجاسة العرضية، فإنّهم يذكرون في سؤالهم عن الإمام عليه السلام: أنّ اليهود و النصارى و المجوس يشربون الخمر و يأكلون لحم الخنزير، و لا يغتسلون من الجنابة، و نحو ذلك مما هو ظاهر في النجاسة العرضية، فلو كان حكم اللّه الواقعي في مثل هذا الفرع العام البلوى النجاسة العينية، كيف خفي عليهم! قلت: هذه الارتكازات، و الأسئلة حصلت لهم من الاختلاط مع العامة، لا أن تكون بعد بيان الإمام عليه السلام حكم اللّه الواقعي لهم و لا إشكال في أنّ أغلب أحكام الشريعة نشر في زمان الصادقين عليهما السلام فلا بعد في خفاء الحكم عليهم. و بذلك يصح أن يجاب، بما أشكلنا سابقا.

______________________________

ص: 368


1- لكن بعد التأمل و الفحص الأكيد ظهر لنا إمكان المناقشة في جميع ما ذكرنا تأييدا للمشهور، فالجزم بالنجاسة مشكل و الاحتياط الوجوبي فيها أشكل- منه دام ظله العالي.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.

.....

______________________________

ثمَّ إنّه قد يؤيد القول بالطهارة: بأنّ في الاجتناب عنهم عسرا و حرجا، خصوصا للمسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفر.

و فيه: أنّ قاعدة العسر و الحرج ترفع الحكم عن مورد العسر و الحرج، لا أن ترفع نفس التشريع فيمكن الالتزام بعدم النجاسة في موردهما، كما ترتفع سائر الأحكام بهما و كذا في مورد التقية.

كما قد يؤيد القول بالطهارة بما دل على تزويج الكتابية، و اتخاذها ضرّا (1) مع عدم إشارة فيها إلى النجاسة.

و فيه: أنّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة حتّى يؤخذ بإطلاقها، فلا تصلح للتأييد.

كما أنّ التأييد بتغسيل الكتابي للمسلم مع عدم المماثل و المحرم (2). لا وجه له أيضا، لأنّه نوع اعتناء بشأن الميت المسلم، لا أن يكون من الغسل الحقيقي، و لذا يجب إعادته بعد وجود المماثل.

فروع- (الأول): قد ذكر المجوسي فيما استدل به على طهارة الكتابي، مع أنّه مشرك، لأنّه يعبد النار، و لهم بيوت النيران- التي اتخذوها معابد في مقابل المساجد- مضافا إلى أنّهم يعتقدون بمبدأين فاعل الخيرات، و يسمونه (يزدان)، و فاعل الشرور، و يسمونه (أهريمن) على ما نسب إليهم- فيكونون مشركين في الفعل و المعبودية، و هل تصلح مثل هذه الأخبار لتخصيص الآية الكريمة و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (3)؟! و هل يقول بطهارته أيضا من يذهب إلى طهارة الكتابي؟! لا أرضى أن أنسب ذلك إلى فقيه مأنوس بمذاق الأئمة عليهم السلام.

(الثاني): الكتابي إما ذمي أو حربي، و الأخير إما أن تكون محاربته

______________________________

ص: 369


1- الوسائل باب: 2 و 7 من أبواب نكاح ما يحرم بالكفر و باب: 13 من أبواب المتعة.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت.
3- سورة التوبة (9) الآية: 28.

بقسميه (99)، و اليهود و النصارى، و المجوس (100)، و كذا رطوباته و أجزاؤه،

______________________________

بالسيف و نحوه من آلات الحرب، أو بنحو آخر مما يعمله أعداء الدين لمحو شريعة سيد المرسلين، و هل يشمل ما دل على الطهارة- على فرض التمامية- الحربي من الكتابي أيضا، مع إعمال معاندته للإسلام و المسلمين بكلّ ما أمكنه؟

يشكل الالتزام به جدا.

(الثالث): لا ريب في أنّ الكتابي منكر لجملة كثيرة من الضروريات الدينية، و يرجع ذلك إلى إنكاره للنبوة المقدسة المحمدية صلّى اللّه عليه و آله.

فهل يكون ما دل على نجاسة منكر النبوة مخصصا بمثل هذه الأدلة التي لم يعلم كيفية صدورها، مع إعراض الفقهاء عنها و معارضتها بغيرها؟

إن قلت: إنّ لنفس الإضافة إلى الاعتقاد بكتاب اللّه المنزل بنحو خصوصية توجب تلك الإضافة، الطهارة. و بعبارة أخرى: المقتضي للنجاسة موجود، و المانع عنها حيثية الإضافة التشريفية الاحترامية.

قلت: الكتب المقدسة المنزلة على الأنبياء مقدسة مشرّفة، و لكن الاعتقاد بها لا احترام له، إلا بتقرير الشريعة الإسلامية له، و مع ردعه عنه، فلا وقع و لا احترام له و اللّه تعالى هو العالم.

(99) يأتي بيانه في [مسألة 1] من الثامن من المطهّرات. و يدل على نجاستهما إطلاق الأدلة، و معاقد الإجماعات.

(100) لا خلاف و لا إشكال في كفر المجوسي. إنّما الإشكال في أنّهم من أهل الكتاب، لما روي: أنّه: «كان لهم نبي فقتلوه و كتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور»(1).

و يأتي في كتاب النكاح بعض ما يتعلق بهم إن شاء اللّه تعالى. و في الحديث المعروف: «القدرية مجوس هذه الأمة» (2).

______________________________

ص: 370


1- الوسائل باب: 49 من أبواب جهاد العدو حديث: 1 و 3.
2- مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب حد المرتد حديث: 38 ج: 3.

سواء كانت مما تحلّه الحياة أو لا (101). و المراد بالكافر من كان منكرا للالوهية، أو التوحيد، أو الرسالة (102)، أو ضروريا من ضروريات

______________________________

و لعلّ إحدى وجوه التشبيه: كما أنّ المجوس اعتقدوا بمبدإ للخيرات، و مبدإ آخر للشرور، كذلك القدرية يعتقدون أنّ الخيرات من اللّه تعالى، و الشرور من الإنسان، مستندين إلى ظاهر قوله تعالى مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (1). مع عدم توجههم إلى حقيقة المطلب، و دركهم قوله تعالى قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ فَمٰا لِهٰؤُلٰاءِ الْقَوْمِ لٰا يَكٰادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (2).

و كيف كان فلا يستفاد نجاسة القدرية و لا كفرهم من مثل هذا الخبر ما لم ينطبق عليه عنوان آخر يوجب الكفر و النجاسة و يأتي في [مسألة 2] ما ينفع المقام و التفصيل يطلب من محلّه.

(101) على المشهور، و حكي عدم مصرّح بالخلاف، لأنّ المستفاد من الأدلة: أنّ هذا الموجود الخارجي المشتمل على العظم و اللحم و الشعر نجس مثل الكلب، و الظاهر أنّ ذكر الاجتناب عن المؤاكلة و المصافحة في الأدلة من باب المثال لمطلق المباشرة، لا الجمود عليها. نعم، بناء على ما ذهب إليه السيد من استثناء ما لا تحلّه من نجاسة الكلب، يصح له الاستثناء هنا أيضا.

و تقدمت الخدشة فيه (3)، فراجع.

فما يظهر من جمع، منهم صاحب المستند: من اختصاص النجاسة بما تحلّه الحياة. مخدوش، لما عرفت.

(102) بضرورة من المذهب، إن لم تكن من الدين موضوعا و حكما، مع أنّ الأخير مورد ما دل على نجاسة الكفار. و الثاني مورد أدلة نجاسة المشرك،

______________________________

ص: 371


1- سورة النساء (4) الآية: 79.
2- سورة النساء (4) الآية: 78.
3- راجع صفحة: 354.

الدّين مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة (103). و الأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا، و إن لم

______________________________

و الأول أسوأ منهما، فتدل تلك الأدلة على نجاسته بالأولوية القطعية.

(103) لا ريب في أنّ للإيمان و الكفر مراتب متفاوتة كما ذكرنا في تفسيرنا (مواهب الرحمن) (1)، و فقد كلّ مرتبة من مراتب الإيمان كفر بالنسبة إلى تلك المرتبة، و لذا أطلق الكفر على بعض المعاصي، ففي خبر السكوني، عن الصادق عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: اللواط ما دون الدبر، و الدبر هو الكفر» (2).

و عنه عليه السلام أيضا في حديث سماعة: «و أما الرشاء في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم» (3).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «يا علي شارب الخمر لا يقبل اللّه صلاته أربعين يوما، فإن مات في الأربعين مات كافرا» (4).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة:

القتات (5)، و الساحر، و الديوث و ناكح المرأة حراما في دبرها، و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعي في الفتنة، و بائع السلاح من أهل الحرب، و مانع الزكاة، و من وجد سعة فمات و لم يحج» (6).

إلى غير ذلك مما هو كثير جدّا. إنّما الكلام في المقام أي الكفر الذي يكون مقابل أصل الإسلام الذي يجتمع مع جميع فرق الإسلام و تمام أقسام

______________________________

ص: 372


1- راجع ج: 1 صفحة: 87، الطبعة الأولى النجف الأشرف.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب النكاح المحرم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 8.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 12.
5- النمام، و من ينقل كلّ ما سمع.
6- الوسائل باب: 49 من أبواب جهاد النفس و باب: 8 مما يكتسب به حديث: 7.

.....

______________________________

المسلمين، و لا ريب في أنّه عبارة عن الشهادتين فمع الإقرار بهما يتحقق أصل الإسلام، و مع إنكار إحديهما يتحقق الكفر لا محالة، و يدل عليه موثق سماعة، عن الصادق عليه السلام: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث»(1).

و مقتضى إطلاقه عدم اعتبار الإقرار بشي ء آخر في الإسلام بالمعنى الأعم الذي يكون مقابلا للكفر المبحوث عنه في المقام، و إن كان الاعتراف بجميع ما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله بل العمل به معتبرا في بعض مراتب الإسلام.

ثمَّ إنّ إنكار الضروري إن رجع إلى إنكار الألوهية، أو التوحيد أو الرسالة فلا ريب في كونه موجبا للكفر، و كذا إن دل عليه دليل بالخصوص. و أما إن كان الاعتراف بها ثابتا. و مع ذلك أنكر بعض الضروريات، فلا دليل على كفره، بل مقتضى الأصل، و الإطلاق عدمه و لكن نسب إلى المشهور: أنّ إنكار مطلق الضروري من حيث هو موجب للكفر، مستندا إلى أمور:

منها: ظهور الإجماع. و فيه: أنّ المتيقن منه، ما إذا رجع إنكاره إلى إنكار أحد الثلاثة.

و منها: أنّهم عطفوا منكر الضروري على من خرج عن الإسلام، كالمحقق رحمه اللّه في الشرائع حيث قال: «و ضابطه كلّ من خرج عن الإسلام، أو من انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة».

و فيه: أنّه لا اعتبار بعباراتهم الشريفة ما لم تكن مورد نص، أو إجماع معتبر. و تقدمت الإشارة إلى الإجماع، و يأتي القول في النص.

و منها: جملة من الأخبار. منها: ما عن صباح الكناني، عن أبي جعفر عليه السلام: «فما بال من جحد الفرائض كان كافرا» (2).

و عنه عليه السلام أيضا في الصحيح بعد أن سئل عن أدنى ما يكون به العبد

______________________________

ص: 373


1- الوافي أبواب تفسير الإيمان و الإسلام: باب أنّ الإيمان أخص من الإسلام، حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 13.

.....

______________________________

مشركا قال: «من قال للنواة: إنّها حصاة، و للحصاة إنّها نواة، ثمَّ دان به» (1).

و قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك من الإسلام- الحديث» (2).

إلى غير ذلك مما هو كثير (3). و فيه: أنّ المراد من الأخير بعض مراتب الكفر، لا ما يكون في مقابل الإسلام، مع أنّ قوله عليه السلام: «زعم أنّها حلال» أي اعتقد أنّها حلال. و لا يجتمع اعتقاد الحلية مع الاعتقاد بالنبوة.

و المراد مما اشتمل على لفظ الجحود هو جحود الرسالة، و لو في الجملة، لا جحود حكم من الضروريات مع قبول الرسالة المطلقة في ذلك الحكم بالخصوص، فإنّهما مما لا يجتمعان إلا بنحو عروض الشبهة، و المفروض أنّ المشهور لا يقولون بالكفر في مورد الشبهة، كما أنّ المراد بقوله عليه السلام:

«دان به» هو المقابلة مع النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك، و إنكار نبوته صلّى اللّه عليه و آله فيه، إذ لا وجه أن يدين بالشرع في هذا الحكم بالخصوص، و مع ذلك يدين به من عند نفسه أيضا فلا يقدم عليه العقلاء، و على فرضه فكونه موجبا للكفر، ممنوع.

و بالجملة: الأدلة منزلة على ما هو الواقع في الخارج، و هو إنكار الألوهية أو التوحيد أو الرسالة. و أما مع الاعتراف بها من كلّ جهة، و إنكار مثل الزكاة أو الصلاة أو نحوهما من الضروريات، فهو أمر خارج عن مساق الأدلة و يدل عليه قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر عبد الرحيم القصير: «و لا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود و الاستحلال أن يقول: للحلال هذا حرام، و للحرام هذا حلال، و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإيمان و الإسلام إلى الكفر» (4).

لو كان مجرد الاستحلال للحرام، و بالعكس موجبا للكفر، لا وجه لقوله عليه السلام: «و دان بذلك».

______________________________

ص: 374


1- الوافي: باب أدنى الكفر و الشرك و الضلال حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.
3- راجع الوسائل أبواب حد المرتد، و باب تحريم الحكم بغير الكتاب و السّنة.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18.

يكن ملتفتا إلى كونه ضروريا (104). و ولد الكافر يتبعه في

______________________________

و خلاصة الكلام: أنّ مقتضى الأصل اللفظي، و العملي في من أقر بالشهادتين هو الإسلام، و إن أنكر الضروري ما لم يرجع إلى إنكار إحدى الثلاث، بل إنكار كلّ ما يرجع إلى إنكار أحدها يوجب الكفر، و إن لم يكن ضروريا، كالخوارج و الغلاة. و إنّما ذكر للضروري من باب المثال. و لأنّه مما لا يخفى على أحد من المسلمين، و لكن لا بد من تحقق اليقين و الالتفات إليه حتّى يصح أن يرجع إلى إنكار الرسالة.

(104) لما تقدم من أنّ المعروف كون إنكار الضروري سببا مستقلا للكفر مطلقا.

فروع- (الأول): يكفي في الاعتراف بالألوهية، و التوحيد، و الرسالة الاعتراف الإجمالي، و لا يعتبر التفصيلي، للأصل و الإطلاق، و السيرة القطعية.

و يأتي ما يناسب المقام في الثامن (من المطهرات).

(الثاني): كلّ من أنكر الضروري و كان إنكاره لأجل الشبهة من قرب عهده بالإسلام، أو بعده عن بلاد المسلمين، أو لجهة أخرى لا يحكم بكفره، حتّى بناء على ما نسب إلى المشهور من سببية إنكار الضروري مطلقا للكفر. و لذا أشكل عليهم بأنّه مناف للقول بالسببية المطلقة. نعم، يجب عليه أن يعرض شبهته على الفقيه الجامع للشرائط، و لو استقر على إنكاره بانيا على تخطئة النبي صلّى اللّه عليه و آله فيما أنكره، يكون كافرا.

(الثالث): من اعترف بالألوهية، و التوحيد، و الرسالة في الجملة و لكنّه أنكر الرسالة في بعض الضروريات، أو بالنسبة إلى نفسه، أو بعض الأشخاص، يكون كافرا.

(الرابع): من اعترف بالرسالة، و لكنّه أوّل بعض الضروريات إلى غير ظاهره وجب عليه عرض شبهته على الفقيه الجامع للشرائط، ثمَّ هو يرى فيه رأيه.

(الخامس): لو كان شي ء ضروريا، و لكنّه لا يعلم بضرورته، فأنكره.

ص: 375

.....

______________________________

فإن رجع إنكاره إلى إنكار الرسالة يكون كافرا. و إلا فلا.

(السادس): لو أنكر لسانا و اعترف قلبا، لا يحكم بكفره و يعزره الحاكم الشرعي بما يراه. و لو اعترف لسانا و أنكر جنانا يحكم بكفره. و لو اعترف لسانا و لم يعلم موافقته لقلبه، فهو مسلم.

(السابع): لو أنكر غير الضروريات و اليقينيات مع عدم رجوع إنكاره إلى إنكار الرسالة، فمقتضى الأصل، و الإطلاق عدم الكفر و النجاسة.

(الثامن): الإنكار الموجب للكفر و النجاسة ما إذا كان عن قصد و عمد و اختيار و كمال، فلا أثر لإنكار الغافل، و الساهي، و المكره، و المجنون، و الصبي، و الغضبان، لسقوط كلامهم عن الاعتبار شرعا و عرفا و عدم ترتب الأثر عليه.

(التاسع): إذا أنكر ضروريا في نفسه من دون أن يطلع عليه أحد ثمَّ تاب و رجع إلى الإسلام، تقبل توبته. و يأتي في الحدود ما يتعلق بهذا الفرع إن شاء اللّه تعالى.

(العاشر): إنكار ضروري المذهب إن رجع إلى إنكار الرسالة أو الألوهية، أو التوحيد يوجب الكفر و إن لم يرجع إليها ففي إيجابه له إشكال. و يأتي في [مسألة 2] بعض ما يتعلق بالمقام، كما يأتي في مسائل الارتداد في الحدود إن شاء اللّه تعالى بعض الكلام.

(الحادي عشر): لو كان الإنكار تقليديا، فإن علم بخطإ الغير و مع ذلك أنكر، فهو كالإنكار الاستقلالي، بل مقتضى إطلاق الكلمات ترتب الحكم حتّى مع اعتقاد الصواب.

(الثاني عشر): لو ولد في مجتمع لا يعتقدون ببعض الضروريات فلم يلتفت إليه أصلا حتّى كبر، الظاهر الفرق بين القاصر و المقصر، فيترتب الحكم على الأخير، دون الأول.

(الثالث عشر): ظاهر الفقهاء التسالم على نجاسة كلّ من حكم بكفره، حتّى ما ذهب إليه المشهور من كفر من أنكر الضروريّ و لو لم يرجع إلى إنكار

ص: 376

النجاسة (105). إلا إذا أسلم بعد البلوغ أو قبله مع فرض كونه عاقلا

______________________________

الرسالة. و فيه إشكال إلا إذا كان من الإجماع المعتبر.

(الرابع عشر): يحرم التسبيب إلى إنكار الضروري، قولا، و فعلا، و قلما.

(105) على المشهور، و عن جمع دعوى الإجماع عليه، و تشهد له السيرة المستمرة على ترتيب آثار الكفر عليه من الأسر و التملك.

و أما صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث(1) قال: كفار و اللّه أعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم» (2).

و عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: «قال عليّ عليه السلام: أولاد المشركين مع آبائهم في النار، و أولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة» (3).

و نحوه غيره. فالظاهر أنّها واردة في بيان حكمهم في الآخرة، فلا يستفاد منها نجاستهم الدنيوية. فالعمدة السيرة و ظهور الإجماع، و لا يبعد التمسك بعمومات أدلة الكفر ممن يقدر أن يصف الكفر من الصبيان و لا مانع عنها، إلا احتمال شمول قوله عليه السلام: «عمد الصبي خطأ» (4). و هو ممنوع، لاختصاصه بالجنايات.

تنبيه: مقتضى عدل اللّه تعالى و فضله إتمام الحجة على أولاد الكفار في عالم البرزخ، إذ لو أدخلهم النار بغيره يكون ذلك خلاف سنته التي جرت في عباده وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّٰهِ تَبْدِيلًا (5).

______________________________

ص: 377


1- الخنث: البلوغ.
2- الفقيه ج 3 باب: 151 حديث: 2.
3- الفقيه ج 3 باب: 151 حديث: 1.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة حديث: 3.
5- الأحزاب: 62.

مميّزا، أو كان إسلامه عن بصيرة على الأقوى (106). و لا فرق في

______________________________

فالأخبار التي يستفاد منها خلاف ذلك(1)محمولة، أو مطروحة. و كيفية إتمام الحجة موكول إلى إرادته المقدسة، فإنّ تدبيراته العليا و تفضلاته العظمى خارجة عن حيطة العقول كلّها، و له جلّ جلاله في شؤون عباده، بل جميع خلقه أسرار خفية لا يطلع عليها أحد غيره.

(106) لاتصاف أقوال الصبيان، و أفعالهم بالحسن و القبح عند المتشرعة بل العقلاء. فإذا صدر من أحدهم قول حسن أو فعل كذلك يستحسن منه ذلك بل يرغب إليه و يشوّق أكثر مما يرغب و يشوّق الكبار. و إن صدر من أحدهم قول قبيح، أو فعل كذلك، يزجر و يؤدب و يعاقب. و أيّ قول أحسن من الشهادتين!!. ثمَّ أيّ مانع من شمول العمومات و الإطلاقات الدالة على أنّ الإقرار بهما يوجب الإسلام و ترتب أحكام المسلمين عليه للصبيان!! مع بناء الإسلام على التغليب مهما أمكن. و ما يتصوّر من المانع وجوه كلّها مخدوشة.

منها: أنّ جهة التبعية غالبة على إقراره بالشهادتين.

و يرد عليه أولا: أنّها ما دامية- أي ما دام لم يعتقد الخلاف.

و ثانيا: أنّ عمدة دليلها الإجماع، و السيرة. و المتيقن منهما غير ذلك.

و منها: حديث: «رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم» (2). و فيه: أنّ المراد به المؤاخذة و العقاب، لا مطلق ما فيه الصلاح و الثواب.

و منها: حديث: «عمد الصبي خطأ» (3). و فيه: كما تقدم أنّه في مورد الجنايات، و لا إطلاق فيه حتّى يشمل كلّ ما يصدر منه.

و منها: ظهور الإجماع على أنّه لا أثر لعقوده و إيقاعاته. و فيه أولا: إمكان المناقشة في الإجماع كما يأتي في محلّه.

______________________________

ص: 378


1- راجع الوافي ج: 3 صفحة: 100 باب: 112 من أبواب ما بعد الموت.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11.
3- سبق في صفحة: 377.

نجاسته بين كونه من حلال أو من الزنا، و لو في مذهبه (107). و لو كان أحد الأبوين مسلما فالولد تابع له إذا لم يكن عن زنا، بل مطلقا على وجه مطابق لأصل الطهارة (108).

______________________________

و ثانيا: المتيقن منه على فرض تماميته العقود و الإيقاعات المعهودة، فلا يشمل المقام فتلخص: أنّ إسلامه صحيح، و يخرج به عن التبعية.

فروع- (الأول): لو اختار الصبي المتولد من المسلمين الكفر، فهل يحكم بكفره- لما تقدم في إسلامه- أو يبقى على إسلامه، للتغليب-؟ وجهان:

لا يبعد الأخير.

(الثاني): لو نشأ الصبي من حين ولادته من الكافرين بين المسلمين يبقى على كفره التبعي ما لم يظهر الإسلام، كما أنّه لو نشأ من حين ولادته من المسلمين بين الكفار، يبقى على إسلامه ما لم يظهر الكفر.

(الثالث): الصبيّ الذي يوجد في بلاد الإسلام، مسلم، و كذا إذا وجد في بلاد الكفر، و كان فيها مسلم أمكن تولده منه، و إن وجد في بلاد الكفر يكون كافرا، إن لم يكن فيها مسلم أمكن تولده منه، و إن وجد في الحدود بين الكفار و المسلمين يحكم بإسلامه تغليبا للإسلام.

(107) لتحقق الولادة المقتضية للتبعية، فتشمله الأدلة و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»(1).

ظاهر في نفي التوارث فقط، دون سائر آثار الولادة حتّى يصح للزاني نكاح من خلق من مائه لو كان أنثى، و لولد الزنا نكاح أمه لو كان ذكرا. هذا مضافا إلى أنّه حكي عن صاحب المعالم استظهار نفي الخلاف عن كلمات جماعة.

(108) مضافا إلى بناء الإسلام على التغليب، و تحقق الولادة التكوينية و اختصاص نفي الولادة بخصوص التوارث، دون غيره، مع أنّ عمدة الدليل على النجاسة هو الإجماع، و السيرة، و شمولهما لهذه الصورة مشكل، بل ممنوع.

______________________________

ص: 379


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث: 1.
مسألة 1: الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين

(مسألة 1): الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين، سواء كان من طرف أو طرفين (109). بل و إن كان أحد الأبوين مسلما، كما مر (110).

______________________________

ثمَّ إنّه بعد ثبوت النجاسة التبعية فهي ثابتة ما لم يظهر الإسلام بعد البلوغ أيضا، للأصل، سواء بلغ عاقلا أم مجنونا.

(109) على المشهور شهرة عظيمة، لأصالة الطهارة، و إطلاق ما دل على ترتب أحكام الإسلام على من أقرّ بالشهادتين، و تحقق التبعية، فيشمله حكمها.

و لا ريب في أنّ لولد الزنا خباثة معنوية في الجملة، و لكنّها أعم من النجاسة.

و نسب إلى الصدوق، و السيد و الحلي: القول بكفره، لجملة من الأخبار.

منها: مرسل الوشاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه كره سؤر ولد الزنا، و سؤر اليهودي و النصراني، و المشرك، و كلّ من خالف الإسلام و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب» (1).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده و وهنه بهجر الأصحاب، أنّه لا يستفاد منه أزيد من الكراهة، و ذكره في سياق الكفار، لا يكون قرينة على كفره.

منها: خبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام، فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء، و فيها غسالة الناصب- الحديث».

و مثله غيره (2) و فيه: مضافا إلى قصور السند، أنّه يمكن أن يراد به الخباثة المعنوية، و لا وجه لسرايتها، أو سراية نجاسته على القول بها إلى سبعة آباء. فلا بد و أن يحمل على بعض المحامل، أو يردّ علمه إلى أهله.

منها: مرفوع الديلمي، عن الصادق عليه السلام قال: «يقول ولد الزنا:

______________________________

ص: 380


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأسئار حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف حديث: 4.

.....

______________________________

يا رب ما ذنبي، فما كان لي في أمري صنع؟ قال: فيناديه مناد فيقول: أنت شر الثلاثة أذنب والدك فنبتّ عليهما، و أنت رجل و لن يدخل الجنة إلا طاهر» (1).

و فيه: مضافا إلى قصور السند، أنّه لا يستفاد منه أزيد من الخباثة المعنوية، مع أنّه مناف لقواعد العدلية في الجملة فلا بد من تقييد إطلاقه، أورد علمه إلى أهله.

و منها: ما ورد من أنّه: «لا خير في ولد الزنا» (2)، و أنّ نوحا «لم يحمل في السفينة ولد الزنا» (3).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «لبن اليهودية و النصرانية و المجوسية أحب إليّ من ولد الزنا» (4).

و أنّه لا تقبل شهادته (5)، و لا تجوز إمامته (6) إلى غير ذلك مما ورد فيه.

و الكل لا يدل على أزيد من المذمة، لا الكفر و النجاسة الظاهرية، فلا يصلح شي ء منها للحكومة على ما تقدم- من أصالة الطهارة و إطلاق ثبوت الإسلام بالشهادة.

(110) تقدم ما يتعلق به. ثمَّ إنّه قد ذكر الصدوق توجيها للرواية المتقدمة (7)فراجع.

فروع- (الأول): لو كان الزنا من الطرفين، و أسلم المتولد منهما يصح إسلامه. فكيف بما إذا كان من طرف واحد.

(الثاني): المدار عند من يقول بالكفر و النجاسة، على الزنا الواقعي مع العلم به، فلو كان في الواقع زناء، و هو يعتقد الحلية، يكون من الشبهة و لو كان

______________________________

ص: 381


1- البحار ج: 5 باب: 12 من كتاب العدل و المعاد حديث: 5 صفحة 285 و ما بعده.
2- البحار ج: 5 باب: 12 من كتاب العدل و المعاد حديث: 6 صفحة 285 و ما بعده.
3- البحار ج: 5 باب: 12 من كتاب العدل و المعاد حديث: 13 صفحة 285 و ما بعده.
4- الوسائل باب: 75 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 2.
5- راجع باب: 31 من أبواب الشهادات. و باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة.
6- راجع باب: 31 من أبواب الشهادات. و باب: 14 من أبواب صلاة الجماعة.
7- أي رواية: «إنّ ولد الزنا شرّ الثلاثة». راجع معاني الأخبار باب: نوادر المعاني حديث:103.
مسألة 2: لا إشكال في نجاسة الغلاة، و الخوارج، و النواصب

(مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة، و الخوارج، و النواصب (111). و أما المجسّمة، و المجبّرة، و القائلون بوحدة الوجود من الصوفية، إذا التزموا بأحكام الإسلام، فالأقوى عدم

______________________________

في اعتقاده زناء، و هو في الواقع حلال، لا يجري عليه الحكم.

(الثالث): لو حصلت الولادة بتزريق النطفة، لا يجري عليه حكم الزناء، و يغلب جانب الإسلام فإن كان من المسلم بالمسلمة، أو من الكافر أو من المسلم بالكافرة، فالولد المتولد منهما مسلم، و إن كان من الكافر بالكافرة فكافر.

(الرابع): الوطء الواقع عن عقد غير شرعي، مثل الزنا، مع العلم بعدم الصحة، أو الجهل الذي لا يعذر. و مع العذر يكون من وطء الشبهة كما سيأتي في كتاب النكاح.

(111) أما الغلاة فهم على أقسام:

الأول: أن يعتقد أنّ الشخص الخارجي بمشخصاته الفردية الخارجية. هو الرب القديم الذي يمتنع زواله و لا إله غيره، فهو منكر للّه جلّ جلاله، و كافر من هذه الجهة.

الثاني: أن يعتقد مع ذلك بوجود واجب الوجود أيضا، فهو مشرك فينجس من هذه الجهة.

الثالث: أن يعتقد أنّ اللّه جلّ جلاله حلّ في الشخص الخارجي فاللّه تعالى هو الذي يأكل، و يمشي، و ينكح، و ينام إلى غير ذلك من العوارض المحفوفة بالإنسان، فهو كافر لإنكاره ما ثبت بضرورة الدين، بل العقل من تنزيهه جلّت عظمته عن العوارض الجسمانية.

الرابع: أن يعتقد فناء الشخص في ذات اللّه جلّت عظمته، و هو كافر من حيث إنكاره ضروريّ الشرع، بل الشرائع الإلهية، من عدم تجويز مثل هذه الأمور عليه تعالى و تقدس.

الخامس: أن يعتقد في الشخص أنّه مظهر صفات اللّه تعالى، بتأييد منه

ص: 382

.....

______________________________

عزّ و جل. و إعطائه له هذا المقام، و إفاضته تعالى عليه، و مقتضى إطلاق ما دل على أنّ من أقر بالشهادتين يكون مسلما، هو إسلامه و عدم كفره.

و أما قول أبي الحسن عليه السلام في فارس بن حاتم: «توقوا مساورته- الحديث-» (1) فلا يكون دليلا على ثبوت الكفر في هذا القسم، لعدم العلم بكيفية غلوّ فارس أولا. و أنّه ضبط في بعض النسخ الصحيحة بالشين المعجمة «مشاورته». ثانيا، و يشهد له بعض القرائن، ففي الحديث (2): «كذبوه، و هتكوه أبعده اللّه و أخزاه، فهو كاذب في جميع ما يدعي و يصف. و لكن صونوا أنفسكم عن الخوض و الكلام في ذلك، و توقوا مشاورته، و لا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر كفانا اللّه مئونته و مئونة من كان مثله».

و مثله ما عن الرضا عليه السلام: «لا تحفلنّ به و إن أتاك فاستخف به» (3).

و ثالثا: إنّ مطاعن الرجل لا تنحصر في غلوه فراجع ترجمته (4).

و أما الخوارج: و المراد بهم من استحل قتل أمير المؤمنين عليه السلام و من معه من المسلمين- فعن ظاهر جمع و صريح آخر: الإجماع على كفرهم، و في المرسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال فيهم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّمية» (5).

و في خبر الفضل: «دخل على أبي جعفر عليه السلام رجل محصور، عظيم البطن فجلس معه على سريره، فحياه و رحب به. فلما قام قال: هذا من الخوارج، كما هو قال قلت: مشرك؟ فقال: مشرك و اللّه مشرك» (6).

مع أنّ كلّ خارجي، ناصبيّ أيضا، فيدل على نجاسة الخارجي ما يدل على نجاسة الناصبيّ. و في زيارة الجامعة: «و من حاربكم مشرك».

______________________________

ص: 383


1- راجع رجال الكشي صفحة: 440 ط: النجف الأشرف.
2- راجع رجال الكشي صفحة: 444 ط: النجف الأشرف.
3- راجع رجال الكشي في ترجمة حال الرجل صفحة: 440 ط: النجف الأشرف.
4- راجع رجال الكشي في ترجمة حال الرجل صفحة: 440 ط: النجف الأشرف.
5- البحار ج: 21 صفحة: 173.
6- ورد مضمونه في الوسائل باب: 10 من أبواب حدّ المرتد حديث: 55 و غيره.

.....

______________________________

و أما النواصب فتدل على نجاستهم الإجماعات المحكية المعتضدة بعدم نقل الخلاف، و جملة من الأخبار، منها: قول الصادق عليه السلام في موثق ابن أبي يعفور: «فإنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و إنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» (1).

و عن القلانسي قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «ألقى الذمي فيصافحني. قال: امسحها بالتراب أو بالحائط. قلت: فالناصب؟ قال عليه السلام: اغسلها» (2).

و في خبر الفضيل، عن الباقر عليه السلام: «عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال: لا، لأنّ الناصب كافر» (3).

إلى غير ذلك مما تكون ظاهرة في النجاسة لدى المتشرعة، مضافا إلى الخباثة المعنوية.

و لا يخفى أنّ للنصب معاني مختلفة:

الأول: القدح في الإمام المعصوم عليه السلام.

الثاني: النسبة إليه ما يسقط عنه عليه السلام العدالة.

الثالث: إنكار فضله عليه السلام لو سمعه.

الرابع: تفضيل الغير عليه.

الخامس: إنكار النص على أمير المؤمنين عليه السلام.

السادس: معاداة الشيعة من جهة موالاتهم للمعصومين عليهم السلام.

و المتيقن من الإجماع، و الظاهر من الأدلة، هو الأول، و المرجع في البقية العمومات الدالة على أنّ من أقر بالشهادتين فهو مسلم. و لا بد في الحكم بالكفر من الالتفات الإجمالي إلى كونه ضروريا، كما تقدم.

______________________________

ص: 384


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الماء المضاف: حديث: 5.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 4.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يحرم من النكاح حديث: 15.

نجاستهم (112)، إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من

______________________________

(112) لأصالة الطهارة، و إطلاق ما دل على إسلام المعترف بالشهادتين ثمَّ إن للتجسيم أقساما:

أحدها: الجسم الخارجي المحسوس الملموس الحادث الفاني الذي يكون محل الحوادث. و الاعتقاد به في اللّه جلّ جلاله كفر، لكونه إنكارا له تعالى واقعا.

الثاني: الجسم اللطيف، كجسمانية الروح و الروحانيين.

الثالث: معنى فوق ذلك أعلى و أدق منه بكلّ جهة. و لا ريب في تنزهه تعالى عن كلّ ذلك، كما ثبت في محلّه و أما أنّ الاعتقاد به يوجب الكفر، فهو يحتاج إلى دليل.

و استدل عليه أولا: بالإجماع. و لكنّه مخدوش، لما حكي عن التذكرة و الذكرى الحكم بالطهارة.

و ثانيا: بقول الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي عمير: «من شبه اللّه بخلقه فهو مشرك، و من أنكر قدرته فهو كافر» (1).

و قول الرضا عليه السلام في خبر ياسر الخادم: «من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك، و من نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر» (2).

و قوله عليه السلام أيضا: «و من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك» (3)، و قوله عليه السلام أيضا: «من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك، و من وصفه بالمكان فهو كافر، و من نسب إليه ما نهى عنه فهو كاذب» (4).

فالتشبيه أعم من التجسيم من وجه لأنّه يصح التشبيه مع عدم التجسيم، كما يمكن فرض كونه جسما لا يشابه الأجسام. فيقال: جسم لا كالأجسام، فلا بد من حمل مثل هذه الأخبار على بعض مراتب الكفر الذي لا ينافي الإسلام الظاهري

______________________________

ص: 385


1- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 17.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 5.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 16.

.....

______________________________

الثابت بالاعتراف بالشهادتين، خصوصا بالنسبة إلى العوام، سيما في أوائل الإسلام. نعم، روى عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا عليه السلام:

«من وصف اللّه بوجه كالوجوه فقد كفر» (1).

و المنساق منه القسم الأول من التجسم- أي الجسمانية الحادثة الزائلة- لأنّها المتيقنة من التشبيه.

و ثالثا: بأنّ القول بالتجسم إنكار للضروري.

و فيه: ما تقدم من أنّه إنّما يوجب الكفر إن رجع إلى إنكار الألوهية أو التوحيد أو الرسالة. مع أنّه لا ينسبق إلى أذهان العامة من قوله تعالى يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (2).

و قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (3).

و نحوهما من الآيات الواردة في هذا السياق إلا الجهات الجسمانية، خصوصا في أول الإسلام الذي لم يكمل فيه اعتقاد الأنام مع تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله لإسلامهم.

و الحاصل: إنّ الاعتقاد بالتجسم إن رجع إلى إنكار الألوهية أو التوحيد يوجب الكفر. و إلا فأصالة الطهارة، و إطلاق ما دل على أنّ المعترف بالشهادتين مسلم، محكم.

ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ الاعتقاد بالتجسيم لا يلازم الاعتقاد بلوازمه الواقعية- من الحدوث و الفناء، و نحوهما- و المدار في الكفر على الاعتقاد باللوازم لا الملازمة الواقعية و لو لم يعتقد بها.

و أما المجبّرة فليس دليل معتبر على نجاستهم بالخصوص من إجماع أو غيره نعم، في بعض الأخبار عن الرضا عليه السلام: «القائل بالجبر كافر» (4).

______________________________

ص: 386


1- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 3.
2- سورة الفتح (48) الآية: 10.
3- سورة غافر (40) الآية: 20.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 4.

.....

______________________________

و هو مضافا إلى قصور السند. لا وجه للأخذ بإطلاقه، كإطلاق قول الصادق عليه السلام: «رجل زعم أنّ اللّه أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم اللّه في حكمه، فهو كافر» (1).

لأنّ للجبر مراتب متفاوتة منها: نفي مطلق الإرادة و الاختيار من العبد مطلقا، بحيث يكون العبد مثل الميت بين يدي الغسال، و يستلزم ذلك نفي الثواب و العقاب و الرسالة و يوجب الكفر من جهة إنكار الرسالة، بشرط أن يكون المعتقد بهذه المرتبة من الجبر معتقدا للملازمة أيضا، كما تقدم.

و منها: الجبر في أصل الإرادة و الاختيار.

و منها: مقهورية الكلّ تحت قهارية اللّه جلّ جلاله. و لا دليل على كونهما موجبين للكفر. إلا إذا رجعا إلى إنكار الرسالة مع اعتقاد الملازمة، كما تقدم فما حكي عن المبسوط من نجاسة المجبرة، و قواه كاشف اللثام، لا وجه لإطلاقه.

و أما التفويض فمقتضى الأصل و الإطلاق إسلام المعتقد به، و لا دليل على كفره من إجماع أو غيره. إلا قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «رجل يزعم أنّ الأمر مفوض إليهم فهذا قد أوهن اللّه في سلطانه فهو كافر» (2) و الأخذ بإطلاقه مشكل، بل ممنوع، إلا إذا رجع إلى إنكار الضروريّ لأنّ للتفويض مراتب أيضا: منها نفي قدرة اللّه تعالى رأسا عما يصدر عن العباد.

و منها: تفويض اختيار الأصلح إلى إرادة المكلّف.

و منها: تفويض بيان الأحكام بحسب مقتضيات الأزمان إلى المعصوم عليه السلام. و اعتقاد الأولى من هذه المراتب، مع الاعتقاد بأنّها تستلزم العجز في اللّه جلّ جلاله إنكار للضروري. فلا وجه لإطلاق ما عن كاشف الغطاء: من عده التفويض من إنكار الضروري. كيف و عن شرح المفاتيح: «أنّ ظاهر الفقهاء إسلام المفوضة، و طهارتهم».

تنبيه: لا وجه لأن يعد من أدلة الطهارة، معاشرة المعصومين عليهم السلام

______________________________

ص: 387


1- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 10.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 6.

المفاسد (113).

مسألة 3: غير الاثني عشرية من فرق الشيعة

(مسألة 3): غير الاثني عشرية من فرق الشيعة، إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابّين لهم، طاهرون (114). و أما

______________________________

في زمان حياتهم الظاهرية مع هذه الفرق المختلفة، لأنّ كيفية المعاشرة غير معلومة، و أنّها كانت مطلقة، أو للضرورة من تقية، أو غيرها.

و أما القائلون بوحدة الوجود، فمقتضى الأصل، و الإطلاق طهارتهم أيضا.

إلا إذا رجع اعتقادهم إلى إنكار الضروري. و لهذه المسألة أقسام أيضا:

منها: الوحدة في مجرد الإطلاق اللفظي فقط، و لا محذور فيه من عقل، أو نقل.

و منها: الوحدة في عين الكثرة، أو وحدة الوجود و كثرة الموجود، و لا ريب في أنّ اللّه تبارك و تعالى منزّه عن هذه التصورات و لكن الظاهر عدم رجوعهما إلى إنكار الضروري.

و منها: الوحدة الواقعية الشخصية، بأن يكون اللّه تبارك و تعالى عين الكلّ، و الكلّ عينه تعالى. و لا ريب في أنّه إنكار للضروري- إن كان له وجه معقول متصوّر- و من أراد التفصيل فليراجع الكتب المعدة لذلك.

(113) التي ترجع إلى إنكار الألوهيّة، أو التوحيد، أو الرسالة.

فرع: المعاد من ضروريات الدين، فهل يكون منكره كافرا، حتّى مع الاعتقاد بالتوحيد و الرسالة، أو أنّه كسائر الضروريات لا يوجب الكفر إلا إذا رجع إنكاره إلى إنكار التوحيد، أو الرسالة؟ قولان: أقربهما الأول، لكثرة الاهتمام في الكتاب و السنة به.

(114) على المشهور الذي استقر عليه المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها فتوى و عملا، للأصل، و الإطلاق.

و عن السيد رحمه اللّه القول بالنجاسة و اختاره صاحب الحدائق، و نسبه إلى

ص: 388

.....

______________________________

المشهور في كلمات المتقدمين. فإن كان مستندهم الإجماع، كما حكي عن الحلي «بأنّ المخالف لأهل الحق كافر، بلا خلاف بيننا»، و أرسله في التهذيب إرسال المسلّمات.

ففيه: أنّه كيف يصح الاعتماد عليه مع نسبة إسلامهم و طهارتهم إلى المشهور، فيكون المتيقن من الإجماع- على فرض التمامية- بعض مراتب الكفر، الذي لا إشكال في ثبوته لهم عند أحد من الفقهاء، لا ما هو مقابل الإسلام الذي يكون محل الخلاف بين الأعلام.

و إن كان لأجل إنكارهم لضروري الدين.

ففيه: أنّ إنكار الضروري إنّما يوجب الكفر إذا كان عند المنكر من الضروري و أنكره، مع ثبوت ضرورته عنده و المخالفون ليسوا كذلك. مضافا إلى ما مر، من أنّ إنكار الضروري ما لم يرجع إلى إنكار الرسالة، لا يوجب الكفر.

و إن كان لأجل إطلاق الناصب عليهم في جملة من الأخبار- و تقدم أنّه كافر- فعن الصادق عليه السلام: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنّك لا تجد أحدا يقول: إنّي أبغض آل محمد عليهم السلام. و لكن الناصب من نصب لكم، و هو يعلم أنّكم تتولوننا و تتبرؤون من أعدائنا» (1).

و سئل الهادي عليه السلام «عن الناصب، هل يحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت، و اعتقاده إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا، فهو ناصب» (2).

و قيل لأبي الحسن عليه السلام: «إنّي ابتليت برجلين، أحدهما ناصب، و الآخر زيدي، و لا بد لي من معاشرتهما، فمن أعاشر؟ فقال عليه السلام هما سيان- إلى أن قال- هذا نصب لك، و هذا الزيدي نصب لنا» (3).

و فيه: ما تقدم من أنّ الناصب يطلق على معان، لا ينجس إلا من اعتقد

______________________________

ص: 389


1- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب وجوب الحجة حديث: 3.

مع النصب، أو السب للأئمة عليهم السلام الذين لا يعتقدون بإمامتهم فهم مثل سائر النواصب (115).

______________________________

المعنى الأول منها، فراجع.

و إن كان لأجل أخبار مستفيضة، بل متواترة مشتملة على كفرهم (1) كقول أبي جعفر عليه السلام «إنّ عليا باب فتحه اللّه تعالى من دخله كان مؤمنا و من خرج عنه كان كافرا» (2).

و فيه: أنّ الكفر في هذه الأخبار ليس في مقابل الإسلام، بل يكون في مقابل الإيمان الخاص بقرينة جملة من الأخبار:

منها قول أبي عبد اللّه عليه السلام «إنّ الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان- إلى أن قال-: الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و على ظاهره جماعة الناس- الحديث-» (3).

و مع هذه الأخبار كيف يصح إطلاق القول بكفرهم و نجاستهم. و يمكن الجمع بين الكلمات بحيث يرتفع النزاع، بأن يقال: إنّ من عبّر من الفقهاء بكفرهم. أراد الكفر الإيماني، لا الإسلامي، فلا ينافي إسلامهم، و التعبير بالنجاسة في محكي كلام السيد رحمه اللّه، إنّما هو في بعض أقسام المخالفين- الذي يقول غيره بها أيضا- فلا نزاع في البين و قال بعض المشايخ رحمه اللّه:

و الأولى اختصار القول في هذه المباحث.

(115) أما حكم الناصب فقد تقدم. و أما الساب لهم عليهم السلام فلا إشكال في إباحة دمه، مع عدم محذور في البين، بلا خلاف أجده فيه، بل

______________________________

ص: 390


1- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب حد المرتد، و الوافي باب: 23 من أبواب وجوب الحجة.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 49.
3- الوافي باب: 1 من أبواب تفسير الايمان و الكفر.
مسألة 4: من شك في إسلامه و كفره طاهر

(مسألة 4): من شك في إسلامه و كفره طاهر (116) و إن لم يجر عليه سائر أحكام الإسلام (117).

______________________________

الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر. و في خبر هشام بن سالم، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «سبابة لعليّ عليه السلام؟ قال: هو و اللّه حلال الدم- الحديث-» (1).

و أما نجاسته فإن كان من أفراد القسم الأول من الناصب، فيشمله دليل نجاسته. و إلا فلا دليل عليها، لأنّ إباحة الدم و وجوب القتل أعم من النجاسة، كما هو واضح إلى الغاية.

(116) لأصالة الطهارة، إن لم يكن أصل موضوعي على الخلاف.

و أصالة عدم الإسلام لا أثر لها في إثبات الكفر إلا بناء على المثبت. سواء كان الإسلام و الكفر وجوديين، أم كان أحدهما وجوديا و الآخر عدميا.

كما لا يمكن إثبات الإسلام بحديث الفطرة (2)، لقصور سنده أولا. و عدم دلالته ثانيا، لأنّ المراد بالفطرة كون النفس بحيث لو خليت عن الموانع لقبل التوحيد و الرسالة، لا أن يكون مسلما فعلا حين الولادة. و إلا لزم عدم التوارث بين المشركين و ما يولد من أولادهم، فالمراد بحديث الفطرة ما فسر في سائر الأحاديث، كقوله عليه السلام: «إنّ اللّه خلق الناس كلّهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة، و لا كفر الجحود ثمَّ بعث اللّه الرسل- الحديث-».

(117) لعدم ثبوت موضوعها بوجه معتبر، فمقتضى الأصل عدم ترتبها.

و لم تثبت قاعدة تغليب الإسلام مطلقا حتّى يشمل نظائر المقام. نعم، ظاهرهم جريانها في مورد تعارض أمارتي الإسلام و الكفر، كما تقدم.

______________________________

ص: 391


1- عقاب الأعمال صفحة: 211 ط: النجف.
2- البحار ج: 3 صفحة: 281 حديث: 22 كما نقله السيد المرتضى في الأمالي صفحة: 82 ج: 2 طبعة مصر.

التاسع: الخمر

اشارة

(التاسع): الخمر (118)، بل كلّ مسكر مائع بالأصالة (119).

______________________________

(118) على المشهور قديما و حديثا، و استدل على النجاسة بوجوه:

الأول: دعوى إجماع المسلمين على نجاسة الخمر، و لا يبعد دعوى الضرورة المذهبية عليها في هذه الأعصار.

و نوقش فيه أولا: بوجود المخالف، حتّى من القدماء، كالصدوق و والده، و الجعفي، و العماني، بل يظهر من الأخبار وقوع الاختلاف بين الرواة أيضا، كما يأتي في صحيح ابن مهزيار.

و فيه: أما خلاف الصدوق و غيره، فإنّ الإجماع سبقهم و لحقهم، فلا اعتبار بمخالفتهم، و عن شيخنا البهائي رحمه اللّه: «أطبق علماء الخاصة و العامة على نجاسة الخمر إلا شرذمة منا و منهم لا يعتد الفريقان بمخالفتهم» و عن الحليّ: «حكي عن بعض أصحابنا ما يقتضي الطهارة، و هو مخالف لإجماع المسلمين، فضلا عن الطائفة»، و عن الشهيد: «إنّ القائل بالطهارة تمسك بأحاديث لا تعارض القطعي»، و عن المرتضى: «لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم».

و أما اختلاف الرواة فهو نحو اختلاف أوقعهم الإمام عليه السلام فيه لمصالح شتّى، و لا يضر ذلك بمسلّمية الحكم بالنجاسة عند خواص أصحاب الأئمة.

و ثانيا: بأنّه اجتهادي.

و فيه: أنّ الأصل في الإجماع أن يكون تعبديا إلا أن يدل دليل على الاجتهادية. مع أنّه سوء ظن بالمجمعين.

الثاني: الآية الكريمة إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ (1).

بدعوى: أنّ الرجس هو القذر. و فيه: أنّه أعم من القذارة، و الغضب، و اللعنة. و قد استعمل في الآيات الشريفة في كلّ ذلك. و تعين الأول في المقام،

______________________________

ص: 392


1- سورة المائدة (5) الآية 90.

.....

______________________________

يحتاج إلى دليل و التمسك عليه بالإجماع و الأخبار، تمسك بهما، لا بالآية.

الثالث: أنّ الناظر فيما ورد في الخمر، كقولهم عليهم السلام: «رأس كلّ إثم»، «و أكبر الكبائر»، «و أم الخبائث»، «و رأس كلّ شر»(1).

إلى غير ذلك من التعبيرات يطمئن بأنّ بناء الشارع على إثبات كلّ قذارة شرعية فيه إلا ما نص على عدم ثبوته، كما أنّ من راجع أحوال ذوي الشوكة و أهل الجور، و من تبعهم من معاصري المعصومين عليهم السلام يعلم بأنّهم يهتمون بشربه اهتماما كثيرا، حتّى إنّه لو أمكنهم الإعلان بحليته لفعلوا ذلك، فضلا عن طهارته، فالحكم بالنجاسة و إن كانت معروفة بين علماء العامة. لكن السيرة العملية بين رجال الدولة و من تبعهم كانت على الطهارة. و مع ذلك كيف يصح الأخذ بما دل على الطهارة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الرابع: جملة من الأخبار، و هي على أقسام ثلاثة:

الأول: ما يدل على النجاسة.

الثاني: ما يستظهر منها الطهارة.

الثالث: ما يدل على الأخذ بما دل على النجاسة دون غيرها، فيعلم من ذلك أنّ ما يستظهر منها الطهارة لم تصدر لبيان الحكم الواقعي، بل لمصلحة أخرى فانحصرت الأخبار الصادرة عن المعصوم عليه السلام لبيان الحكم الواقعي للخمر في الأخبار الدالة على النجاسة، كقول الصادق عليه السلام في معتبرة يونس بن عبد الرحمن: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، و إن صلّيت فيه فأعد صلواتك» (2).

و عنه عليه السلام أيضا في موثق عمار: «و لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله» (3).

و في صحيح عليّ بن مهزيار عن الصادق عليه السلام «إذا أصاب ثوبك

______________________________

ص: 393


1- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب الأشربة المحرمة.
2- الوسائل: باب 38 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- الوسائل: باب 38 من أبواب النجاسات حديث: 7.

.....

______________________________

خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه و إن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كلّه و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك» (1).

و في موثق عمار عنه عليه السلام أيضا: «سألته عن الدن يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خل، أو ماء كامخ، أو زيتون؟ قال عليه السلام: إذا غسل فلا بأس. و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أ يصلح أن يكون فيه ماء؟

قال: إذا غسل فلا بأس. و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرات. و سئل أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرات» (2).

و في صحيح الحلبي: «أنّه بمنزلة شحم الخنزير، أو لحم الخنزير» (3).

و في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام في النبيذ قال: «ما يبل الميل ينجس حبا من ماء، يقولها ثلاثا» (4).

و في صحيح ابن مسلم سألت أبا جعفر عليه السلام: «عن آنية أهل الذمة و المجوس قال: لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون، و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» (5).

إلى غير ذلك مما يدل على النجاسة.

و بإزاء هذه الأخبار جملة أخرى دالة على الطهارة، كصحيح ابن أبي سامرة: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «إن أصاب ثوبي شي ء من الخمر أصلّي فيه قبل أن أغسله؟ قال عليه السلام: لا بأس إنّ الثوب لا يسكر» (6).

و يمكن أن يستفاد من التعليل أنّه متى تحقق السكر تتحقق النجاسة، و يكون هذا الجواب من أدلة النجاسة، لا الطهارة، مع أنّ في مثل هذا التعليل من الإمام عليه السلام إشارة إلى إبهام الأمر.

______________________________

ص: 394


1- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 6.
5- الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.
6- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 10.

.....

______________________________

و صحيح ابن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: «عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي فأغسله أو أصلّي فيه؟ قال: صلّ فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر، إنّ اللّه تعالى إنّما حرم شربها»(1).

و خبر حفص الأعور، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «الدن يكون فيه الخمر ثمَّ يجفف، يجعل فيه الخل؟ قال: نعم» (2).

و خبر ابن أبي سارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنا نخالط اليهود و النصارى و المجوس، و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمر ساقيهم و يصب على ثيابي الخمر، فقال: لا بأس به إلا أن تشتهي أن تغسله لأثره» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار.

و لو كنا نحن و هذه الأخبار مع قطع النظر عن غيرها، لما نرضى أن نقول:

بأنّها في مقام بيان حكم اللّه الواقعي مع ما هو المأنوس من مذاق الشرع من اهتمامه بالتجنب عن الخمر، حتى أنّه كره الصلاة في بيت المسكر (4). و لا وجه لحمل أخبار النجاسة على الاستحباب، لإباء بعضها عن هذا الحمل، كما لا يخفى.

مضافا إلى وهن أخبار الطهارة بالإعراض، و موافقتها لمذاق ذوي الشوكة من العامة، و لازم طرحها، كما تدل عليه صحيحة ابن مهزيار، قال: «قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: «جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنّهما قالا:

لا بأس بأن تصلّي فيه، إنّما حرم شربها، و روي عن (غير) زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر

______________________________

ص: 395


1- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث 14.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 12.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 7، و باب: 21 من أبواب مكان المصلّي.

.....

______________________________

فاغسله إن عرفت موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك فأعلمني ما آخذ به؟ فوقع عليه السلام بخطه و قرأته خذ بقول أبي عبد اللّه عليه السلام» (1).

و ظاهرها الأخذ بقول أبي عبد اللّه عليه السلام المنفرد عن قول أبي جعفر عليه السلام.

و في خبر خيران الخادم قال: «كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلّي فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه فإنّ اللّه إنّما حرم شربها، و قال بعضهم: لا تصلّ فيه، فكتب عليه السلام: لا تصلّ فإنّه رجس- الحديث-» (2).

فتكون الصحيحة حاكمة على أخبار الطهارة فلا تعارض بعد ورودها في البين حتى نحتاج إلى الجمع الدلالي أو الجهتي، لأنّه فرع التعارض، و منها يستكشف عدمه، كما هو واضح.

فائدة: لا يخفى أنّ التقية تارة من فقهاء العامة. و أخرى من حكام أهل الجور و ذوي الشوكة. و التقية في المقام من الأخير دون الأول، قال في المستند:

«و لما هو أميل إليه حكام أهل الجور و ذوي الشوكة منهم من طهارة الخمر حيث إنّ ولوعهم لشربها و تلوثهم غالبا بها مع نجاستها يورث مهانة لهم في أنظار العوام، و الحكم ببطلان صلاتهم و صلاة من يقتدي بهم و الإزراء و الاستخفاف بهم. فالحكم بالنجاسة مخالف للتقية بخلاف الحرمة حيث كانت ضرورية من الدين».

(119) لذكر المسكر في بعض ما تقدم من الأخبار، و عدم القول بالفصل و لجملة من الأخبار الدالة على أنّ الخمر اسم لكلّ شراب مسكر، و استظهره صاحب الحدائق عن جملة من اللغويين أيضا. فمن الأخبار قول أبي جعفر

______________________________

ص: 396


1- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 4.

و إن صار جامدا بالعرض (120)، لا الجامد كالبنج (121) و إن صار مائعا بالعرض (122).

______________________________

عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كل مسكر حرام، و كلّ مسكر خمر»(1).

و عن الصادق عليه السلام في صحيح ابن الحجاج، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الخمر من خمسة أشياء: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر (2)».

و الظاهر أنّ الخمسة من باب الغالب في تلك الأزمنة، لا الحصر الحقيقي مطلقا، فلا ينافي ما ورد من كونه من الحنطة، و الذرة أيضا، كخبر الحضرمي (3)، و خبر عامر المروي عن تفسير العياشي (4).

(120) للأصل، و الإطلاق، و ظهور تسالم الأصحاب، فيكون حينئذ كالبول المنجمد.

(121) لأصالة الطهارة، و عن غير واحد دعوى الإجماع عليها، و لعدم صدق الخمر عليه عرفا، بل و لا لغة أيضا حتّى تشمله أدلة نجاسة الخمر و إن كان الاحتياط حسنا.

(122) لاستصحاب الطهارة. نعم، لو كان لحدوث الميعان دخل في تحقق السكر، يكون من القسم الأول حينئذ.

فروع- (الأول): ما حدث في هذه الأعصار من أنواع المسكرات المائعة- على ما قيل- جميعها نجس و حرام، و لا اختصاص للحرمة و النجاسة بما كان في أول الإسلام، لإطلاق الأدلة، و اتفاق فقهاء الأمة.

(الثاني): بخار الخمر إن كان مسكرا يكون حراما و نجسا. و إلا فحكمه

______________________________

ص: 397


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.
مسألة 1: ألحق المشهور بالخمر العصير العنبيّ إذا غلى

(مسألة 1): ألحق المشهور بالخمر العصير العنبيّ إذا غلى قبل أن يذهب ثلثاه (123)، و هو الأحوط، و إن كان الأقوى طهارته. نعم،

______________________________

حكم بخار البول و العذرة، و يأتي في [مسألة 3] من الانقلاب إن شاء اللّه تعالى.

(الثالث): لا فرق في نجاسة المسكر المائع بالأصالة بين ما إذا شرب بالعلاج أو بلا علاج لما تقدم.

(الرابع): المدار في الإسكار على متعارف الناس، فما كان مسكرا نوعا فهو حرام و نجس، و لو لم يحصل السكر بالنسبة إلى شخص، لاعتياد أو نحوه.

(الخامس): للسكر مراتب متفاوتة يكفي في النجاسات ثبوت أول مراتبها و إن لم تصل إلى سائر المراتب.

(السادس): لو فسد الخمر بحيث ذهب سكره، فمقتضى الأصل بقاء حكمه. إلا إذا صدق عليه اسم آخر غير اسم الخمر.

(السابع): ما كان كثيره مسكرا، دون قليله، وجب الاجتناب عن قليله أيضا.

(الثامن): ما كان سكره مختصا بحال دون أخرى، أو فصل، أو مكان دون آخر وجب الاجتناب عنه مطلقا.

(التاسع): ما شك في أنّه خمر أو لا لا يجب الاجتناب عنه مع الأمارة- من سوق مسلم أو يده- و مع عدمها، فالأحوط الاجتناب.

(العاشر): لو كان مائع و علم أنّه مسكر، و شك في أنّه كان مائعا بالأصالة، أو صار كذلك بالعرض، فمقتضى قاعدة الطهارة، طهارته، و لكن الأحوط الاجتناب، بل لا يترك، لصحة دعوى: أنّ المسكر الطاهر ما أحرز أنّه منجمد بالذات و كلما ليس كذلك فهو نجس.

(123) لا بد أولا من بيان ثبوت الشهرة المعتبرة، ثمَّ بيان حكم المسألة بحسب الأدلة.

ص: 398

.....

______________________________

أما الأول: فلا ريب في أنّ المسألة كانت من الابتلائية العامة البلوى و ابتلائيتها أشد من ابتلائية الخمر، كما لا يخفى، و لها فروع كثيرة عامة البلوى أيضا. و لو كان نجسا فكيف لم يذكرها القدماء في عداد النجاسات؟ و لم لم يتعرضوا لفروعها العامة البلوى؟ و لم يظهر من الذكرى شذوذ القول بالنجاسة بين القدماء؟ و لم قال في المستند: «إنّ المصرح بالنجاسة في الطبقة الأولى، إما قليل أو معدوم»؟ فالشهرة المعتبرة القدمائية غير ثابتة على النجاسة. نعم، هي بين المتأخرين عليها، و بين متأخر المتأخرين على الطهارة، كما صرح في المستند، فراجع، فكيف خفيت الشهرة القدمائية على الشهيد الذي هو لسان الفقهاء، و ترجمان كلماتهم، و على صاحب المستند الذي طوى عمره في جمع كلماتهم!! و أما الثاني: فاستدل على النجاسة تارة: بالإجماع المدعى في كنز العرفان حيث قال على ما حكي عنه: «العصير من العنب قبل غليانه طاهر حلال و بعد غليانه و اشتداده نجس حرام، و ذلك إجماع من فقهائنا».

و فيه أولا: أنّه مع عدم تحقق الشهرة من القدماء، كما تقدم، كيف يدعى الإجماع! و ثانيا: المتيقن على فرض صحته صورة الإسكار.

و ثالثا: أنّه اجتهادي مما يأتي من الأخبار، لا أن يكون قد وصل إليهم ما لم يصل إلينا عن الأئمة الأطهار.

و أخرى: بأنّه خمر موضوعا فيشمله ما تقدم من أدلة نجاسة الخمر.

و فيه: أنّه ممنوع جدا، لشهادة أهل الخبرة، و ما ألف لشرح هذه الأمور:

أنّ الخمر شي ء و العصير المغليّ شي ء آخر. و في اختلاف الآثار بالعيان غنى عن إقامة البرهان.

و ثالثة: بجملة من الأخبار: منها موثق ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف، أ فأشربه بقوله و هو يشربه على

ص: 399

.....

______________________________

النصف؟ فقال: (خمر) (1) لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا تعرفه يشربه على الثلث و لا يستحله على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال: نعم» (2).

بدعوى: أنّ البختج عبارة عن العصير المغلي.

و فيه أولا: أنّه نوع خاص منه، لا أن يكون مساوقا معه، و عن بعض أهل اللغة: أنّه معرب (باده ء بخته) أي الخمر المطبوخ.

و ثانيا: أنّ إطلاق الخمر، و عدم جواز الشرب أعم من النجاسة، إذ لا إشكال في الحرمة بمجرد الغليان، كما يأتي، و لا نسلم كون أظهر آثار الخمر النجاسة، حتّى يكون التنزيل بالنسبة إليه، و على فرض صحة ذلك، فهو بالنسبة إلى المسكر، لا العصير المغلي غير المسكر.

و ثالثا: أنّ الموثقة مضبوطة في الكافي بدون لفظ (خمر). و كذا بعض نسخ التهذيب أيضا على ما نقل. و اعتمد الوافي و الوسائل على الكافي، فذكر الحديث خال عن لفظ الخمر.

و منها: ما تقدم في صحيح ابن الحجاج: من أنّ الخمر من خمسة أشياء:

العصير من الكرم- الحديث- (3).

و فيه: أنّه لبيان مجرد المنشئية و الصلاحية، لا الفعلية من كلّ جهة.

و منها: ما ورد في مقاسمة إبليس الكرم مع آدم و نوح عليهما السلام على أن يكون الثلث لآدم و الثلاثين لإبليس(4).

و فيه: أنّها في مقام بيان حكمة التحريم، لا النجاسة مع مجرد الغليان.

و منها: خبر أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام و سئل عن الطلا فقال: إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال، و ما كان دون

______________________________

ص: 400


1- على بعض نسخ التهذيب.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.
3- تقدم في صفحة: 397.
4- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة.

.....

______________________________

ذلك فليس فيه خير» (1).

و قريب منه مرسل ابن الهيثم (2).

و فيه: أنّ عدم الخير أعم من النجاسة بلا شبهة.

فتلخص: أنّ المرجع أصالة الطهارة بعد عدم ما يصح الاعتماد عليه للنجاسة. و يمكن جعل النزاع لفظيا، بل الظاهر أنّه بعد التأمل التام كذلك فمن قال بالنجاسة أي في صورة الإسكار. و من قال بالطهارة أي في صورة عدمه.

و قال في المستند: «و يختلج ببالي أن يكون جماعة من القدماء عبّروا عن الخمر بمثل ذلك، و لأجله وقع في العصير الخلاف» و يظهر منه أيضا أنّ الخلاف لفظي.

ثمَّ إنّ الكلمات مختلفة ففي بعضها التعبير بالغليان، و في آخر بالاشتداد و في ثالث بصيرورة الأسفل أعلى. و لكلّ منها مراتب متفاوتة، و يكفي في الحرمة و النجاسة- على القول بها- حصول أول مراتبها. و الظاهر ملازمة التعبيرات الثلاثة و لو بالنسبة بحسب بعض مراتبها. قال الصادق عليه السلام في صحيح حماد:

«لا يحرم العصير حتّى يغلي» (3). و قال عليه السلام أيضا: «تشرب ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه، قلت: أي شي ء الغليان؟ قال: القلب» (4).

و المراد به صيرورة الأعلى أسفل، كما أنّ المراد بالاشتداد ذلك أيضا. قال فخر المحققين: «المراد بالاشتداد عند الجمهور الشدة المطربة، و عندنا أن يصير أعلاه أسفله بالغليان». فمرجع الكلمات إلى شي ء واحد، و يساعده العرف أيضا، إذ ليس للفقهاء اصطلاح خاص بهم.

و أما النشيش فقد وقع التصريح به في خبر ذريح قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا نش العصير أو غلى حرم» (5).

و لا بد و أن يكون بغير الغليان، و إلا فلا وجه لذكره بعده، لأنّ الغليان

______________________________

ص: 401


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 7.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 6.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

لا إشكال في حرمته (124). سواء غلى بالنار، أو بالشمس، أو بنفسه (125). و إذا ذهب ثلثاه صار حلالا، سواء كان بالنار، أو

______________________________

مسبوق بالنشيش، و لكن له مراتب متفاوتة أيضا، فينجس إن بلغ حد الإسكار و إلا فلا.

و عن ابن حمزة تخصيص النجاسة بما إذا نش، فإن كان ذلك لأجل صيرورته خمرا حينئذ، فهو من مجرد الدعوى، و إن كان لدليل مخصوص، فهو مفقود. نعم، في الفقه الرضوي: «فإن نش العصير من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلا» (1).

و لكنّه لم تثبت حجيته و أما موثق عمار الذي ورد في كيفية طبخ عصير الزبيب عن الصادق عليه السلام: «فإذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينش جعلته في تنور سخن قليلا حتّى لا ينش- الحديث-» (2).

فلا يدل على أنّ النشيش موجب للنجاسة لأنّ الإمام عليه السلام ليس في مقام بيان النجاسة و الطهارة، بل في مقام بيان النبيذ الحلال، و تمييزه عن النبيذ الحرام. فالظاهر منه أنّ النشيش موجب لفساد الغرض المطلوب منه، لا النجاسة، فراجع تمام الحديث.

(124) بلا خلاف فيه. و يدل عليه نصوص كثيرة:

منها: قول الصادق عليه السلام: «إذا نش العصير أو غلى حرم» (3) و يستفاد منها أنّ الشارع حدد موضوع الحرمة بحد خاص و هو الغليان، و يمكن أن يكون أول مرتبة الغليان ملازمة لأول مرتبة حصول السكر الخفي، الذي كشف عنها الشارع بهذا التحديد.

(125) لإطلاق النص و الفتوى.

______________________________

ص: 402


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

بالشمس، أو بالهواء (126)، بل الأقوى حرمته بمجرد النشيش (127) و إن لم يصل إلى حدّ الغليان. و لا فرق بين العصير و نفس العنب، فإذا غلى نفس العنب من غير أن يعصر كان حراما (128). و أما التمر و الزبيب و عصيرهما، فالأقوى عدم حرمتهما أيضا بالغليان (129)، و إن كان

______________________________

(126) لإطلاق ما دل على أنّ ذهاب الثلاثين موجب للحليّة. و الانصراف إلى كونه بالنار بدوي، لا يعتنى به. نعم، لو حصل فيه السكر، فالتحليل منحصر بالتخليل.

(127) لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السلام فيما تقدم من موثق ذريح:

«إذا نش العصير أو غلى حرم».

و المرجع في النشيش هو العرف. و النشيش ما كان بنفسه، و الغليان ما كان بالوسائل الخارجية- من نار أو كهرباء أو غيرهما.

(128) لأنّ المناط كلّه غليان ماء العنب، أو نشيشه، و ذكر العصير من باب الغالب. و الانصراف إليه بدوي، فلا وجه لما عن الأردبيلي من الاختصاص بالمعصور، لأنّ الغلبة لا توجب الاختصاص. و الانصراف البدوي لا يعتنى به.

هذا مع أنّ مورد مقاسمة إبليس مع آدم و نوح عليهما السلام- كان نفس العنب (1). فالحرمة نشأت من قسمة أصل العنب.

هذا كلّه إذا علم أنّ للعنب ماء. و أما مع العلم بالعدم، أو الشك فيه فأصالة الحلية محكّمة، و ليس المراد بمائه ما كان فيه بالدقة العقلية، بل ما كان بنظر العرف.

(129) أما في التمر فعلى المشهور شهرة عظيمة، و عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و لم يذكره في المستند فيما اختلفوا في نجاسته أيضا. و يشهد له مضافا إلى عمومات الحل و الطهارة: جملة من الأخبار الدالة على إناطة حرمته

______________________________

ص: 403


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2 و 3.

.....

______________________________

بالإسكار، كصحيح صفوان الجمال قال: «كنت مبتلى بالنبيذ معجبا به، فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أصف لك النبيذ؟ فقال: بل أنا أصفه لك. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ مسكر حرام، و ما أسكر كثيره فقليله حرام- الحديث» (1).

و مثله صحيح معاوية بن وهب (2)، و خبر محمد بن جعفر عن أبيه في حديث: «إنّ وفد اليمن بعثوا وفدا لهم يسألون عن النبيذ، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و ما النبيذ؟ صفوه لي- فوصفوه له- فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا هذا قد أكثرت عليّ أ فيسكر؟ قال: نعم، فقال: كل مسكر حرام» (3).

فلا وجه لما حكي عن بعض من القول بالحرمة. و قال في الحدائق: «لم نقف على قائل بالتحريم ممن تقدمنا من الأصحاب، و إنّما حدث القول بذلك في هذه الأعصار المتأخرة، فممن ذهب إليه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان البحراني و المحدث الحر العاملي على ما يظهر من الوسائل، ثمَّ اشتهر ذلك الآن بين جملة من الفضلاء المعاصرين حتّى صنفوا فيه الرسائل و أكثروا من الدلائل التي لا ترجع إلى طائل».

و عمدة استدلالهم تارة: بقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»(4).

و فيه أولا: أنّ الأخذ بعمومه موجب لتخصيص الأكثر.

و ثانيا: أنّ العصير في متعارف الأعصار السابقة كان ظاهرا في خصوص العنبي. و يطلق على التمري النبيذ، و في الحدائق: «إنّ اللغة و الشرع و العرف على عدم تسمية التمري بالعصير». و قد تقدم ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله

______________________________

ص: 404


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

.....

______________________________

في تسمية ما يؤخذ من التمر بالنبيذ (1).

و أخرى: بقوله عليه السلام: أيضا، حيث سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع حتّى يحل؟ قال عليه السلام: «خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر» (2).

و فيه: أنّ إجمال النضوح يمنع عن الاستدلال به، خصوصا بعد وصفه بالمعتق. فلعلّه عليه السلام إنّما أمر بغلية حتّى يذهب ثلثاه، لئلا يصير خمرا ببقائه مدة لأنّه على ما يظهر من بعض الأخبار (3) و كتب اللغة كان قسما من طيب النساء يستعملنه في رؤوسهنّ، و لا ريب في أنّه يختمر ببقائه و يحصل فيه السكر فيحرم و ينجس كذلك، فهو في مقام بيان دفع الحرمة، لا رفعها.

و ثالثة: بخبر عيثمة قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده نساؤه، قال: فشم رائحة النضوح فقال: ما هذا؟ قالوا: نضوح يجعل فيه الضياح قال: فأمر به فأهريق في البالوعة» (4).

و فيه: أنّ إجماله يمنع عن الاستدلال به. و عن بعض المتتبعين: أنّ النساء في الأزمنة القديمة كانت تطيب بما فيه الروائح العطرية، و رائحة الخمر.

و على أيّ حال: فمثل صحيح صفوان حاكم على هذه الأخبار و مفسر لها، فلا دليل على حرمة التمري و نجاسته، بل مقتضى الأصل، و دوران الحرمة و النجاسة مدار الإسكار الطهارة.

و أما الزبيبي فالمشهور فيه الطهارة و الحلية أيضا، و في الحدائق: «الظاهر أنّه لا خلاف في طهارته و عدم نجاسته بالغليان، فإنّي لم أقف على قائل بالنجاسة هنا». و بذلك صرّح في الذخيرة أيضا.

و لكن يظهر من المقاصد العلية وقوع الخلاف فيه أيضا، و ما يمكن أن

______________________________

ص: 405


1- صفحة 397.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 1.

.....

______________________________

يستدل به على النجاسة و الحرمة أمور كلّها مخدوشة:

منها: أنّه خمر و فيه: أنّه من مجرد الدعوى.

و منها: استصحاب الحكم الثابت له حال العنبية، فتثبت الحرمة و النجاسة- على فرض نجاسة ماء العنب بالغليان- و هذا هو الاستصحاب التعليقي المعروف في الأصول.

و الإشكال عليه: بأنّه لا وجود للمستصحب و أنّه معارض باستصحاب الطهارة، مردود:

أما الأول فلكفاية الوجود الإنشائي للمستصحب، و هو قضية أنّ العنب لو غلى ينجس و يحرم.

و أما الثاني فلا وجه للمعارضة بينهما، لأنّ الطهارة مغيّاة بالغليان، و مع حصوله تنتفي الطهارة قهرا، فلا إشكال من هذه الجهة. نعم، لو فرض الشك في بقاء الموضوع، فذلك يكفي في عدم جريان الاستصحاب. مع أنّ عصير العنب إنّما هو الماء الخارج منه، و في الزبيب إنّما هو الماء الخارج الذي يضاف إليه، و هذا أيضا موجب للتشكيك في وحدة الموضوع عرفا و قد فصّلنا القول في الاستصحاب التعليقي من كتابنا في الأصول (1).

منها: جملة من الأخبار، كقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان:

«كلّ عصير أصابته النار فهو حرام» (2).

و فيه: منع الصغرى و الكبرى كما تقدم. مع أنّ الحرمة أعم من النجاسة.

و معتبرة ابن جعفر عن أخيه عليه السلام في الزبيب: «هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه، ثمَّ يؤخذ الماء فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثمَّ يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال: لا بأس به) (3).

و فيه: أنّه لا يدل على النجاسة و الحرمة. نعم، يستشعر منها معروفية اعتبار

______________________________

ص: 406


1- راجع تهذيب الأصول المجلد الثاني صفحة 248 ط: 2 بيروت.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

.....

______________________________

ذهاب الثلاثين في طبخ الزبيب. و الظاهر أنّه كان لاعتصامه عن طروّ الفساد، لا لإزالة الحرمة و النجاسة، و يكفي الشك في ذلك في سقوط الاستدلال به. و كخبر زيد النرسي- في أصله- قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الزبيب يدق و يلقى في القدر ثمَّ يصب عليه الماء و يوقد تحته. فقال: لا تأكله حتّى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث، فإنّ النار قد أصابته- الحديث-» (1).

و فيه: أنّه على فرض اعتبار أصل زيد النرسي و زيد الزراد. إنّما هو فيما إذا لم يوهن بإعراض الأصحاب عنه، كما في المقام فليحمل على الكراهة.

و كموثق عمار قال: «وصف لي أبو عبد اللّه عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالا، فقال لي عليه السلام: تأخذ ربعا من زبيب و تنقيه، ثمَّ تصب عليه اثني عشر رطلا من ماء، ثمَّ تنقعه ليلة فإذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينش، جعلته في تنور سخن قليلا حتّى لا ينش، ثمَّ تنزع الماء منه كلّه إذا أصبحت ثمَّ تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره، ثمَّ تغليه حتّى تذهب حلاوته، ثمَّ تنزع ماءه الآخر فتصبه على الماء الأول، ثمَّ تكيله كلّه فتنظر كم الماء، ثمَّ تكيل ثلثه فتطرحه في الإناء الذي تريد أن تغليه، و تقدره و تجعل قدره قصبة أو عودا فتحدها على قدر منتهى الماء، ثمَّ تغلي الثلث الآخر حتّى يذهب الماء الباقي، ثمَّ تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان و يبقى الثلث ثمَّ تأخذ لكلّ ربع رطلا من عسل فتغليه حتّى تذهب رغوة العسل و تذهب قساوة العسل في المطبوخ، ثمَّ تضربه بعود ضربا شديدا حتى يختلط و إن شئت أن تطيبه بشي ء من زعفران أو شي ء من زنجبيل فافعل، ثمَّ اشربه فإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروقه» (2).

و مثله موثقة الآخر (3).

و فيه: أنّ الإمام عليه السلام في مقام بيان طريق دفع عروض الحرمة و النجاسة بصيرورته خمرا بعد ذلك، لا رفع الحرمة و النجاسة العارضة بمجرد الغليان و يكفي الشك في ذلك في عدم صحة التمسك بإطلاقهما.

______________________________

ص: 407


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

الأحوط الاجتناب عنهما أكلا، بل من حيث النجاسة أيضا (130).

مسألة 2: إذا صار العصير دبسا بعد الغليان قبل أن يذهب ثلثاه

(مسألة 2): إذا صار العصير دبسا بعد الغليان قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط حرمته و إن كان لحلّيته وجه (131). و على هذا فإذا استلزم

______________________________

و خلاصة الكلام: أنّ طريق اعتصام ما كانت فيه مادة التخمير عن طروّ الفساد كان بإذهاب أجزائه المائية بالتثليث و شاع ذلك بينهم، و كان الإمام عليه السلام يرغبهم إلى هذا الأمر الشائع المتعارف. و ليس في ذلك دلالة على عروض الحرمة و النجاسة بمجرد الغليان، كما أنّ الشائع في هذه الأعصار إخراج الهواء بالآلات الحديثة عما فيه مادة التخمير، فلا يفسد و لو بقي مدة طويلة.

ثمَّ إنّ عادة الشرع في المحرمات المهمة لديه الترغيب في التنزه عن مقدماتها البعيدة، تحرزا عن الوقوع في الحرام، و يمكن أن يكون جملة من أخبار المقام من هذا القبيل، فراجع، و تأمل.

(130) قد ظهر وجه الاحتياط من جميع ما تقدم.

(131) أما الحرمة بعد صيرورته دبسا فهي مقتضى استصحاب بقائها بعد العلم بحدوثها بمجرد الغليان.

و أما وجه الحلية فإن كان لأجل تحقق الانقلاب فمضافا إلى منع تحققه في المقام. أنّه لا دليل على كون الانقلاب موجبا للتحليل، بل يدور مدار الدليل عليه بالخصوص و إن كان لأجل إطلاق الدبس عليه فيشمله إطلاق دليل حلية الدبس (1).

ففيه: أنّ إطلاق دليل حلية الدبس ليس في مقام البيان مطلقا، حتّى لو كان مستصحب النجاسة و إن كان لأجل انصراف دليل نجاسة العصير بالغليان عن مثله، فهو بدوي لا اعتبار به. و إن كان لأجل دليل بالخصوص على حليته- من إجماع أو غيره- فهو مفقود. و إن كان لأجل قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن يزيد: «إذا كان يخضب الإناء فاشربه» (2).

______________________________

ص: 408


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

ذهاب ثلثيه احتراقه فالأولى أن يصب عليه مقدار من الماء فإذا ذهب ثلثاه حلّ بلا إشكال (132).

مسألة 3: يجوز أكل الزبيب و الكشمش و التمر في الأمراق

(مسألة 3): يجوز أكل الزبيب و الكشمش و التمر في الأمراق و الطبيخ و إن غلت فيجوز أكلها بأيّ كيفية كانت على الأقوى (133).

العاشر: الفقاع

اشارة

(العاشر): الفقاع (134)، و هو شراب متخذ من الشعير على وجه

______________________________

بدعوى حصول الحلية بخضب الإناء، و هو عبارة أخرى عن الدبس. ففيه أولا: أنّ خضب الإناء مجمل له مراتب متفاوتة. و ثانيا: أنّه مفسر بقوله عليه السلام في صحيح ابن وهب: «إذا كان حلوا يخضب الإناء. و قال صاحبه: قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث فاشربه»(1).

فإنّ هذه الصحيحة شارحة لخضب الإناء لا بد من الأخذ بها. فأصالة بقاء الحرمة بمجرد الغليان بلا حاكم. و قد ذكرت وجوه أخر ظاهرة الخدشة من شاء العثور عليها، فليراجع محالها.

(132) مع الاطمئنان بذهاب ثلثي العصير.

(133) بلا إشكال- بناء على الحلية و الطهارة- و أما بناء على الحرمة و النجاسة. فإن شك في الغليان و عدمه، كما هو الغالب، فالمرجع أصالة الطهارة و الحلية. و كذا إن علم بالغليان، و شك في انفساخ الجلد و عدمه و أما مع العلم بالانفساخ أيضا- بناء على الحرمة و الطهارة- يمكن القول بكونه من المستهلك حينئذ، فيجوز أكل المستهلك فيه. و أما بناء على النجاسة أيضا فينجس ما انفسخ فيه لا محالة، فإن كان مائعا فالجميع. و إلا فخصوص ما حوله.

(134) على المشهور، بل لا خلاف فيه عند القائلين بنجاسة الخمر.

و يدل عليها، مضافا إلى ذلك، أخبار مستفيضة، بل متواترة دالة على أنّه خمر

______________________________

ص: 409


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

مخصوص (135). و يقال: إنّ فيه سكرا خفيا (136)، و إذا كان متخذا من

______________________________

بتعبيرات مختلفة، فعن مولانا الرضا عليه السلام: «حرام و هو خمر» (1).

و عن أبي الحسن عليه السلام: «هو الخمر و فيه حد شارب الخمر» (2).

و عن أبي الحسن الماضي عليه السلام: «لا تقربه فإنّه من الخمر» (3).

و عن أبي الحسن عليه السلام: «هو خمر مجهول و فيه حد شارب الخمر» (4).

و عن الرضا عليه السلام: «هي الخمر بعينها» (5).

و عن الصادق عليه السلام: «فإنّه خمر مجهول و إذا أصاب ثوبك فاغسله» (6).

و عنه عليه السلام: «لو أنّ لي سلطانا على أسواق المسلمين لرفعت عنهم هذه الخميرة يعني الفقاع» (7).

إلى غير ذلك من الأخبار المنجبرة بالعمل. و أما خبر محمد بن إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن شرب الفقاع فكرهه كراهة شديدة» (8).

فمحمول على الحرمة جمعا، و إجماعا.

(135) على ما هو المشهور، و الغالب المتعارف في الأعصار القديمة، بل و في هذه الأعصار أيضا. و الأخبار منزلة عليه.

(136) على المعروف، و هو الظاهر من الأخبار أيضا، كقول أبي الحسن عليه السلام: «هي خمرة استصغرها الناس» (9).

______________________________

ص: 410


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 11.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 7.
6- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 8.
7- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 9.
8- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 12.
9- الوسائل باب: 28 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

.....

______________________________

و قول الصادق عليه السلام: «فإنّه خمر مجهول» (1).

و لا ريب أنّ للإسكار مراتب متفاوتة. يكفي في الحرمة و النجاسة تحقق أول مراتبه و لو كانت خفيّة، لإطلاق قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «كل مسكر حرام» (2).

و لعل السرّ في ذكره في الروايات مستقلا في مقابل الخمر- و تبعها الفقهاء أيضا فتعرضوا له مستقلا- هو الإشارة إلى أنّ هذه المرتبة من الإسكار الخفي الذي يكون في الفقاع، موجبة للحرمة و النجاسة أيضا.

ثمَّ إنّ صريح بعض، و ظاهر آخرين، كما اعترف به في الجواهر و المستند: أنّ حرمه الفقاع و نجاسته لا تدور مدار إسكاره، لإطلاق الأخبار، و عدم الاستفصال.

و يرد عليه: أنّها ظاهرة، بل ناصة بأنّ الفقاع خمر، و فيه حد شارب الخمر، و المتفاهم من هذه التعبيرات دوران الحكم مدار الإسكار، كما في الخمر. و مع ذلك كيف يستفاد منها الإطلاق نعم، الظاهر أنّه لا يبلغ السكر الذي في الفقاع إلى حد سكر الخمر، و لعلّ هذا مراد الفقهاء رحمهم اللّٰه أيضا، فلا تدور الحرمة و النجاسة فيه مدار إسكاره- أي حد الإسكار الحاصل في الخمر- بل يكفي فيه المرتبة الخفية الموجودة في نفس الفقاع أيضا. مع أنّه يكفي الشك في الصدق على غير المسكر منه، مع عدم جواز التمسك بالإطلاقات، لأنّه حينئذ من التمسك بدليل لم يحرز موضوعه.

فالفقاع على أقسام ثلاثة: ما ليس بمسكر ذاتا، و ما يكون مسكرا كذلك و لو بأدنى مرتبة الإسكار، و ما كان مسكرا ذاتا و لكن زال سكره لعارض. و الأخيران نجس و حرام، بخلاف الأول، و كان كلّ من قسمي الحلال و الحرام من الفقاع شائعا في الأزمنة القديمة، بل و في هذه الأعصار أيضا. و الظاهر تقوّم القسم الحرام بالنشيش و الغليان ففي صحيح ابن أبي عمير عن مرازم قال: «كان يعمل

______________________________

ص: 411


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الأشربة المحرمة.

غير الشعير، فلا حرمة و لا نجاسة، إلا إذا كان مسكرا (137).

______________________________

لأبي الحسن عليه السلام الفقاع في منزله، قال ابن أبي عمير: و لم يعمل فقاع يغلي» (1).

و في مكاتبة الرازي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: «إن رأيت أن تفسر لي الفقاع فإنّه قد اشتبه علينا، أ مكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب عليه السلام: لا تقرب الفقاع إلا ما لم يضر (2)آنيته أو كان جديدا. فأعاد الكتاب إليه كتب أسأل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار، و لم أعرف حدّ الضراوة و الجديد، و سأل أن يفسر ذلك له و هل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الأواني؟

فكتب عليه السلام: يفعل الفقاع في الزجاج و في الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ثمَّ لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد، و الخشب مثل ذلك» (3).

فإنّ المتفاهم منه أنّه متى حصل فيه النشيش لا بد من اجتنابه، و مثله صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق و يباع و لا أدري كيف عمل و لا متى عمل أ يحل أن أشربه؟

قال: لا أحبه» (4).

فإنّه ظاهر أيضا في أنّ بقاءه يوجب النشيش، كما أنّ الجميع ظاهر في أنّ من الفقاع ما هو حلال و ما هو حرام.

(137) أما النجاسة و الحرمة مع الإسكار، فلما تقدم من أنّ كلّ مسكر خمر و كلّ خمر نجس و حرام.

و أما الطهارة و الحلية بدونه، فلأصالة الطهارة و الحلية بعد عدم دليل على

______________________________

ص: 412


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
2- الإناء الضاري: هو الذي ضرى بالخمر و عود بها فإذا جعل فيه العصير صار خمرا.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.
مسألة 4: ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء

(مسألة 4): ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع، فهو طاهر حلال (138).

الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام

اشارة

(الحادي عشر): عرق الجنب من الحرام (139)، سواء خرج

______________________________

الحرمة و النجاسة لكلّ ما يسمّى فقاعا، و لو لم يكن مسكرا، لظهور الأدلة الواردة فيه، بل نصوصيتها في أنّه من أفراد الخمر و المتبادر منه الإسكار، فكذا ما يكون من أفراده.

(138) لأصالة الطهارة و الحلية إن لم يكن من الفقاع المعهود، بل و إن كان منه ما لم يكن مسكرا و لو بأدنى مرتبته، لما تقدم من أنّ النجس و الحرام ما كان فيه السكر و لو كان خفيا. و لكن الأحوط الاجتناب عنه مطلقا، و لو لم يكن فيه إسكار أصلا.

ثمَّ إنّ أقسام الفقاع مشروحة في الكتب الطبية القديمة و الحديثة، و لها أهل خبرة خاصة. و أهل فن مخصوص به، خصوصا في هذه الأعصار. فاللازم في تشخيص الأقسام الرجوع إلى ثقات أهل الفن، لاعتبار قول الثقات من خبراء أهل كلّ فن فيما هم خبراء فيه بالسيرة العقلائية التي لم يثبت الردع عنها شرعا.

(139) استدل عليها تارة: بإجماع الخلاف، و ما عن الأمالي من النسبة إلى دين الإمامية.

و فيه أولا: عدم ثبوت الشهرة القدمائية فكيف بالإجماع!! قال في المستند: «لم ينقل القول بالنجاسة من القدماء الا من قليل».

و ثانيا: أنّه على فرض اعتباره معارض بإجماع الحليّ على الطهارة مدعيا:

«أنّ من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر».

و ثانيا: أنّه على فرض اعتباره معارض بإجماع الحليّ على الطهارة مدعيا:

«أنّ من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر».

و ثالثا: أنّ مثل هذه الإجماعات اجتهادية مما يأتي من الروايات.

و رابعا: أنّ المتيقن منه على فرض الاعتبار حرمة الصلاة في الثوب الذي أصابه عرق الجنب عن الحرام، لأنّ جملة ممن نسب إليهم القول بالنجاسة لم يصرّحوا بها، بل حكموا بحرمة الصلاة.

ص: 413

.....

______________________________

و قد استدل بجملة من الأخبار، كقول أبي الحسن عليه السلام لإدريس بن داود: «إن كان من حلال فصلّ فيه، و إن كان من حرام فلا تصلّ فيه» (1).

و قريب منه قوله عليه السلام لعليّ بن مهزيار (2). و في الفقه الرضوي:

«إن عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه، و إن كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتّى يغسل»(3).

و مرسل علي بن الحكم: «لا تغتسل من غسالة الحمام فإنّه يغتسل فيه من الزنا- الحديث-» (4).

و يرد على الكل: قصور السند، و عدم الدلالة لأنّ عدم جواز الصلاة أعم من النجاسة، كما في أجزاء ما لا يؤكل لحمه و دعوى: انجبار السند بالشهرة غريبة، لما تقدم من عدم ثبوتها، فكيف ينجبر بما لم يثبت. و من عادة الفقهاء حمل مثل هذه الأخبار على الكراهة، و يشهد لها قول الرضا عليه السلام: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلا نفسه، فقلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ أهل المدينة يقولون إنّ فيه شفاء من العين، فقال:

كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرّهما- الحديث-» (5).

و قد حكي عن الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط قوة الكراهة مع ما ورد من الإطلاقات في طهارة عرق الجنب غير القابلة للتقييد (6)، مضافا إلى أنّ الحكم مما تعمّ به البلوى- تقريبا- و لم يذكر في الأزمنة المتقدمة على أبي الحسن عليه السلام، مع ظهور الأحكام النادرة في زمن الصادق عليه السلام، فكيف بما يعم به البلوى إلى غير ذلك من القرائن الشاهدة على عدم الاهتمام بالحكم بين

______________________________

ص: 414


1- الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 12.
2- مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 4.
3- فقه الرضا: صفحة: 4 السطر: 18.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 13.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.
6- الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 4 و 5 و 8 و 9.

حين الجماع أو بعده، من الرجل أو من المرأة، سواء كان من زنا أو غيره، كوطء البهيمة، أو الاستمناء أو نحوهما مما حرمته ذاتية، بل الأقوى ذلك في وطء الحائض، و الجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن أو في الظهار قبل التكفير (140).

مسألة 1: العرق الخارج منه حال الاغتسال

(مسألة 1): العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس (141)، و على هذا فليغتسل في الماء البارد، و إن لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار و ينوي الغسل حال الخروج أو يحرك بدنه تحت الماء بقصد الغسل.

مسألة 2: إذا أجنب من حرام ثمَّ من حلال

(مسألة 2): إذا أجنب من حرام ثمَّ من حلال، أو من حلال ثمَّ من حرام، فالظاهر نجاسة عرقه أيضا، خصوصا في الصورة الأولى (142).

______________________________

المعصومين عليهم السلام و لا الرواة، الدالة على مجرد الكراهة التي يتسامح فيها بنحو ذلك.

فالجزم بالنجاسة، كالجزم بعدم صحة الصلاة، و لو مع عدم النجاسة مشكل جدا، بل الأول ممنوع، فتسقط الفروع المتفرعة على النجاسة.

(140) كل ذلك لإطلاق الدليل. و لكن لدعوى الانصراف إلى الحرمة الذاتية، وجه.

(141) لبقاء الجنابة، فيشمله إطلاق الدليل لو لا الانصراف عنه.

(142) جمودا على الإطلاق خصوصا مع اختلاف أثر الجنابتين، كما في المقام.

و يمكن الخدشة: بأنّ اختلاف الأثر إنّما هو في صورة قابلية الموضوع للتعدد، و ليس المقام كذلك عند المتشرعة.

ص: 415

مسألة 3: المجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل

(مسألة 3): المجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه (143) و إن كان الأحوط الاجتناب عنه ما لم يغتسل. و إذا وجد الماء و لم يغتسل بعد فعرقه نجس، لبطلان تيممه بالوجدان.

مسألة 4: الصبيّ غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال

(مسألة 4): الصبيّ غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال (144)، و الأحوط أمره بالغسل، إذ يصح منه قبل البلوغ

______________________________

(143) لأنّ الطهارة الترابية بمنزلة المائية ما دام العذر و الاحتياط، لاحتمال أن يكون التنزيل في الجملة، لا من تمام الجهات، و لكنّه خلاف الإطلاقات.

(144) لاحتمال أن تكون النجاسة مترتبة على فعلية الحرمة. و حيث لا تكون الحرمة فعلية بالنسبة إلى الصبيّ، فلا نجاسة أيضا. نعم، إن كانت مترتبة على الملاك الواقعي للحرمة- و قلنا بثبوته في مورد عدم فعلية الحكم كما هو الظاهر من الأدلة- تثبت النجاسة بالنسبة إليه أيضا. و المرجع عند الشك أصالة الطهارة بعد عدم جواز التمسك بالعمومات، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

فروع- (الأول): المدار في الحلية و الحرمة على الواقع المنجز دون الاعتقاد.

(الثاني): لا فرق في الاستمناء بين أن يكون باليد، أو بغيرها حتّى لو نظر بشهوة إلى الأجنبية فأمنى يكون من الجنابة من الحرام إن قصد الإمناء، كما أنّه لو كانت الجنابة بالإنزال يعتبر فيها خروج المنيّ إلى خارج الجسد كما لا فرق بين أن يكون العرق من نفسه أو من غيره و لا بين أن يكون رطبا أو جافا مع بقاء أثره و لا بين أن يكون محمولا أو ملبوسا على الجسد.

(الثالث): الجنابة الحاصلة من النكاح الباطل- إن علم بالبطلان- تكون الجنابة من الحرام، و مع الجهل تكون من الشبهة، و لا حرمة فيها.

ص: 416

على الأقوى (145).

الثاني عشر: عرق الإبل الجلالة

اشارة

(الثاني عشر): عرق الإبل الجلالة (146)، بل مطلق الحيوان

______________________________

(الرابع): في الوطي بالشبهة، مع جهل الطرفين عرقهما طاهر و مع علمهما نجس منهما. و مع علم أحدهما و جهل الآخر، يكون من العالم نجسا، و من الجاهل طاهرا.

(الخامس): لو نذر ترك وطئ زوجته فخالف، فالظاهر كونه من مسائل المقام.

(145) لعموم الملاك و الخطاب بالنسبة إلى كل مميز. و حديث رفع القلم (1) إنّما يرفع العقاب على المخالفة فقط، كما هو مقتضى سهولة الشريعة.

فيكون المقتضي للصحة موجودا و المانع عنها مفقودا، فيصح لا محالة. و لا وجه لحرمان الصبيّ عن الملاك و الثواب.

(146) نسبت نجاسته إلى المشهور بين المتقدمين تارة، و إلى الأشهر أخرى. و لم يثبت كلّ منهما، لأنّ ما حكي عنه النجاسة إنّما هو المقنعة و النهاية و القاضي من القدماء و لا يثبت بهم الأشهر، فكيف بالمشهور، و نسبها في الغنية و المراسم إلى أصحابنا، مع أنه اختار الثاني منهما الندب. و قال في الجواهر:

«ليس هو الا فتوى الشيخين و القاضي و الا فغيرهم إن لم يظهر منهم الطهارة، لعدم ذكرهم في تعداد النجاسات، لم يظهر منهم النجاسة بل لعلّ ظاهر الغنية و الوسيلة عدمها». هذا حال الشهرة المدعاة.

و أما النص فهو مصحح البختري عن الصادق عليه السلام: «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة و إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله» (2).

و قد ذكر في الجواهر قرائن سبعة تشهد بأنّ المراد مطلق التنزه، لا

______________________________

ص: 417


1- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب النجاسات حديث: 2 و 1.

الجلال على الأحوط (147).

______________________________

النجاسة. كمخالفة النجاسة للأصل، بل الأصول و العمومات، خصوصا ما دل على طهارة سؤرها، و لملازمة طهارة السؤور و طهارة العرق، و استبعاد الفرق بين ما حرم أكل لحمه بالذات فعرقه طاهر و ما حرم بالعرض فينجس، بل و الفرق بين باقي الفضلات، و بفحوى عدم حرمة استعمالها بالركوب و حمل الأثقال مع الاستلزام للعرق غالبا و عدم الأمر بالتجنب عنه.

و لا يخفى إمكان المناقشة في جميع ذلك بأدنى تأمل و لذا صرح جمع من الفقهاء منهم الشهيد و المحقق و العلامة و عامة المتأخرين بالطهارة، للأصل و العمومات. و لكن الجمود على النص أقرب إلى الواقع مع إمكان الخدشة فيما ذكره صاحب الجواهر. و قال في كتاب الأطعمة و الأشربة: «إنّ الأمر بالغسل أعم من النجاسة، إذ يمكن كون المراد للصلاة باعتبار صيرورته فضلة ما لا يؤكل لحمه المانعة من الصلاة و إن كانت طاهرة».

(147) مقتضى صحيح ابن سالم عن الصادق عليه السلام «لا تأكلوا اللحوم الجلالة و إن أصابك من عرقها شي ء فاغسله» (1).

و مرسل الفقيه: «نهى عن ركوب الجلالة و شرب ألبانها، و قال: إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله» (2). و تجري فيها جميع القرائن السبعة الدالة على مطلق التنزه التي ذكرها صاحب الجواهر في مصحح البختري. و لكن قال: «لعدم خلاف في طهارته من غير الإبل إلا ما حكي عن النزهة- إلى أن قال- بل يشرف الفقيه على القطع باتحاد الحال فيهما». و لكن الجمود على النص أقرب إلى الاحتياط إلا إذا ثبت وهنه بالاعراض، و حيث إنّ المسألة قليلة الابتلاء لا وجه للتفصيل بأكثر من ذلك.

ثمَّ إنّ ظاهر إطلاق بعض الكلمات عدم الفرق بين الأنعام و الطيور

______________________________

ص: 418


1- الوسائل باب: 15 من أبواب النجاسات حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.
مسألة 1: الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب، و الوزغ، و العقرب، و الفار، بل مطلق المسوخات

(مسألة 1): الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب، و الوزغ، و العقرب، و الفار، بل مطلق المسوخات. و إن كان الأقوى طهارة الجميع (148).

______________________________

و غيرهما. و هل يتعدى إلى ما ليس فيه النفس السائلة، كالذباب و نحوه؟ فيه إشكال.

(148) على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هو الظاهر عن محكي الناصريات، بل لعله ضروري في بعضها، كالزنبور و نحوه، أو كالضروري فيما لا نفس له سائلة. و قد استقر المذهب على طهارتها في هذه الأعصار. و يدل عليها- مضافا إلى الأصل و العمومات- صحيح البقباق قال:

«سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه فقال: لا بأس حتّى انتهيت إلى الكلب فقال: رجس نجس- الحديث» (1).

مع أنّ الثعلب و الأرنب قابل للتذكية على المشهور، كما يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى، و لا معنى لقبول نجس العين لها.

و أما مرسل يونس عن الصادق عليه السلام قال: «سألته هل يحل أن يمس الثعلب و الأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال: لا يضره و لكن يغسل يده» (2).

فقاصر سندا و دلالة، لأنّ ظاهره لزوم غسل اليد و لو مع الجفاف، و لا يمكن الالتزام به.

و أما صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب، أ يصلّى فيها؟ قال: اغسل ما

______________________________

ص: 419


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 3.

.....

______________________________

رأيت من أثرها، و ما لم تره انضحه بالماء» (1).

فهو معارض بصحيحه الآخر قال: «سألته عن العظاية و الحية و الوزغ يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا بأس به. و سألته عن فأرة وقعت في حب دهن و أخرجت قبل أن تموت، أبيعه من مسلم؟ قال: نعم و يدهن به» (2).

فيحمل الأول على مطلق التنزه. و أما موثق أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال: «سألته عن الخنفساء تقع في الماء أ يتوضأ به؟ قال: نعم لا بأس به.

قلت: فالعقرب؟ أرقه» (3).

فهو إرشاد إلى التنزه عن سمّه، مع أنّه معارض بغيره (4) فمقتضى الأصل في الجميع الطهارة مع رجحان التنزه عما ذكر.

و أما المسوخ فلا وجه لنجاستها. إلا ما نسب إلى الشيخ رحمه اللّٰه من عدم جواز بيع الأعيان النجسة، كالكلب و الخنزير و جميع المسوخ. و لكنّه يمكن أن يكون قوله: «و جميع المسوخ» عطفا على الأعيان النجسة، لا على الكلب و الخنزير، حتّى تكون نجسة. و وجه عدم جواز بيعها حينئذ غلبة عدم النفع المحلل فيها، مع أنّه على فرض كونها معطوفة على الكلب، فهو من مجرد الدعوى بلا دليل عليه صغرى و كبرى، كما تقدم، و يأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و نعم ما قال في المستند- بعد نسبة الطهارة إلى المشهور، خلافا للمحكي عن الإسكافي و الخلاف و المبسوط و المراسم و الوسيلة و الإصباح، استنادا إلى حرمة بيعها-: «و ليست الا لنجاستها. و هما ممنوعان و إلى الإجماع المنقول في المبسوط، و ليس بحجة، مع أنّ إرادة الخباثة من النجاسة ممكنة، و القرائن في كلامه عليها قائمة».

ثمَّ إنّ ما يسمى مسوخا حيوانات على صورة المسوخ الأصلية، و الا فهي لم

______________________________

ص: 420


1- الوسائل باب: 33 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 5.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 6.
مسألة 2: كلّ مشكوك طاهر

(مسألة 2): كلّ مشكوك طاهر، سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الأعيان النجسة، أو لاحتمال تنجسه مع كونه من الأعيان الطاهرة (149). و القول: بأنّ الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر أو النجس محكوم بالنجاسة، ضعيف (150). نعم، يستثنى مما ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات، أو بعد خروج المنيّ قبل الاستبراء بالبول، فإنّها مع الشك محكومة بالنجاسة (151).

مسألة 3: الأقوى طهارة غسالة الحمام

(مسألة 3): الأقوى طهارة غسالة الحمام (152). و إن ظن

______________________________

تبق أكثر من ثلاثة أيام، كما في بعض الأخبار (1)، و قد أنهى المجلسي رحمه اللّٰه عدد المسوخات إلى ثلاثين، (2) فراجع.

(149) كلّ ذلك لإطلاق ما تقدم من أدلة قاعدة الطهارة (3).

(150) تقدم في [مسألة 7] من نجاسة الدم.

(151) راجع [مسألة 8] من فصل الاستبراء و [مسألة 3] من فصل مستحبات غسل الجنابة.

(152) الاحتمالات في مثل غسالة الحمامات خمسة:

الأول: كونها نجسة ذاتيا، مثل البول و سائر ما تقدم من النجاسات. و هو مقطوع بفساده.

الثاني: كونها نجسة عرضيا، كسائر المتنجسات العرضية، و هو يدور مدار العلم بالملاقاة مع النجس، و عدم الاتصال بالمعتصم- و لو آنا ما- حين جريان الماء من السواقي و المزملات، و ما يسمّى ب (الدوش)- الحادث في ما قارب هذه الأعصار- و دعوى: العلم بعدم الاتصال عهدتها على مدعيها، خصوصا في هذه الأعصار- التي توفرت المياه فيها جدا- و على أي تقدير لا اختصاص لهذا

______________________________

ص: 421


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 10.
2- البحار ج: 65 صفحة: 230.
3- صفحة: 154.

نجاستها (153) لكن الأحوط الاجتناب عنها.

______________________________

الاحتمال بغسالة الحمام بل يجري في كل قليل لاقى المتنجس مع العلم بعدم الاتصال بالمعتصم.

الثالث: الطهارة: لقاعدتها بعد عدم العلم بالنجاسة. نعم، يتنزه الناس عنها بالفطرة. لكونها مجمع الكثافة و القذارة، و أوساخ الأبدان و فضلات جسم الإنسان مما يتنفر الشخص عنها إن كانت من نفسه، فكيف بما إذا كانت من غيره، و جميع ما ورد من التنزه عن غسالة الحمام إرشاد إلى ما ارتكز في الأذهان، لا أن يكون حكما تعبديا، كقول أبي الحسن عليه السلام: «لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنّه يغتسل فيه من الزّنا، و يغتسل فيه ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت- و هو شرّهم-» (1).

الرابع: ابتناء نجاستها على نجاسة عرق الجنب و غسالة غسله. و قد تقدم عدم الدليل عليها، فراجع فصل الماء المستعمل.

الخامس: كون نجاستها تعبدية محضة. و سياق الروايات آب عنها، مع معارضتها بمرسل الواسطي عن أبي الحسن الثاني عليه السلام قال: «سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس»(2). و لا حاكم على أصالة الطهارة بعد قوة احتمال تنزيل الأدلة على المرتكزات من التنفر، لكثافتها، لا النجاسة الشرعية. و من ذلك كله تعلم المناقشة في دعوى الشهرة، أو الإجماع على المنع عن الاستعمال، لاستنادهما إلى الأخبار القاصرة عن إثبات النجاسة التعبدية مطلقا، كما أنّ الحكم بالنجاسة لأجل تقديم الظاهر على الأصل من مجرد الدعوى بلا دليل، إذ لا منشأ لها إلا الأخبار التي تقدم ما فيها (3).

(153) لعدم اعتباره ما لم يدل عليه دليل بالخصوص.

______________________________

ص: 422


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 9.
3- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و بعض أحاديث باب: 27 من أبواب النجاسات.
مسألة 4: يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلّي في معابد اليهود و النصارى

(مسألة 4): يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلّي في معابد اليهود و النصارى (154) مع الشك في نجاستها (155)، و إن كانت محكومة بالطهارة (156).

______________________________

فروع- (الأول): ظاهر أرض الحمام طاهر ما لم يعلم بنجاسته، لقاعدة الطهارة. و كذا ما في الحمام من الآلات.

(الثاني): البخار الذي ينزل من سقف الحمام طاهر. و كذا الماء المجتمع من غسالته إن كان بقدر الكر، و اتصل بالمعتصم- و لو آنا ما- طاهر، و مطهر ما لم يعلم بنجاسته.

(الثالث): إذا تنجست أرض الحمام تطهر بالماء القليل على ما يأتي من التفصيل.

(154) و المجوس. و يدل عليه مضافا إلى الإجماع: صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الصلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس؟ فقال: رشّ و صلّ» (1).

(155) لأنّه المتيقن من الإجماع، و المنساق من مثل صحيح ابن سنان.

(156) لقاعدة الطهارة. و لمعابد اليهود و النصارى أحكام أخرى تأتي في محلّها إن شاء اللّٰه تعالى، كصحة وقفها، و عدم جواز هتكها، و أولوية الصلاة فيها بعد المساجد و المشاهد. كما أنّه يستحب الرش في موارد أخرى كالثوب الملاقي للكلب، أو الخنزير، و الثوب الملاقي لبدن الكافر، و الثوب أو البدن الذي يشك في نجاسته، و الثوب إذا كان للمجوسي، أو مشت عليه الفأرة الرطبة و لا يرى فيه أثرها، أو أصابه المذي، أو عرق الجنب، أو بول البعير و الشاة، أو دم غير ذي النفس (2) إلى غير ذلك راجع المستند و غيره.

______________________________

ص: 423


1- الوسائل باب: 13 من أبواب مكان المصلّي حديث: 2.
2- أكثر هذه الموارد وردت في أبواب النجاسات، فراجع باب: 12 حديث: 11 و باب: 13 حديث: 1 و باب: 73 حديث: 3 و باب: 40 حديث: 33 حديث: 2 و باب: 17 حديث: 1 و باب: 27 حديث: 4 و 8 و باب: 7 حديث: 6 و باب: 9 حديث: 6 و باب: 2 حديث: 7 و قد ورد أيضا في كلب الميت و المني فراجع باب: 26 حديث: 7 و باب: 16 حديث: 4 من أبواب النجاسات.
مسألة 5: في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص

(مسألة 5): في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص (157) بل يبنى على الطهارة إذا لم يكن مسبوقا بالنجاسة و لو أمكن حصول العلم بالحال في الحال.

______________________________

فروع- (الأول): استحباب الرش في جميع هذه الموارد، غيري لأجل الصلاة، أو ما هو مشروط بالطهارة أو لأجل دفع الوسوسة عن النفس.

(الثاني): تكفي الاستنابة في الرش، و لا تعتبر المباشرة، كما أنّ الظاهر صحة الرش بارتشاش المطر أيضا.

(الثالث): مقتضى ظواهر الأدلة عدم كفاية الغسل عن الرش.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 1، ص: 424

(الرابع): لا يبعد كفاية رش واحد للمتعدد مع بقاء أثره.

(157) لإطلاق ما تقدم من الأخبار في أدلة قاعدة الطهارة و ظهور الإجماع على عدم وجوبه في خصوص المقام المبنيّ على التسهيل و التيسير و دفع منشإ الوسواس عن الناس.

و أما الاستدلال على عدم وجوبه بدعوى الإجماع على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية مطلقا فمخدوش لعدم التزام المشهور بهذا الإجماع في موارد كثيرة من الشبهات الموضوعية التي تأتي الإشارة إليها في محالّها إن شاء اللّٰه تعالى.

ص: 424

فصل طريق ثبوت النجاسة

اشارة

(فصل) طريق ثبوت النجاسة أو التنجس العلم الوجداني أو البينة العادلة (1) و في كفاية العدل الواحد إشكال، فلا تترك مراعاة الاحتياط.

و تثبت أيضا بقول صاحب اليد بملك، أو إجارة، أو إعارة، أو أمانة، بل أو غصب (2)، و لا اعتبار بمطلق الظن، و إن كان قويا (3)، فالدهن، و اللبن، و الجبن، المأخوذ من أهل البوادي، محكوم بالطهارة (4) و إن حصل الظن بنجاستها. بل قد يقال بعدم رجحان (فصل في طريق ثبوت النجاسة)

______________________________

(1) راجع [مسألة 6] من فصل ماء البئر النابع، و تقدم فيها وجه الإشكال في العدل الواحد، كما تقدم وجه اعتبار قول ذي اليد فيها أيضا.

(2) لأنّ المدار في اليد عند العرف- على ما تقدم- مطلق الاستيلاء على الشي ء بأيّ وجه كان، و لم يرد عنه ردع شرعي، و يكفي ذلك في الاعتبار، بل مقتضى الإطلاقات الواردة في الأبواب المتفرقة (1) التقرير أيضا.

(3) لأصالة عدم الاعتبار الثابتة بالأدلة الأربعة، كما تقرر في الأصول.

(4) للأصل و السيرة، و ظهور الإجماع، و الأخبار الكثيرة الواردة في

______________________________

ص: 425


1- تقدم في صفحة: 323 و ما بعدها.

الاحتياط بالاجتناب عنها (5) بل قد يكره، أو يحرم إذا كان في معرض حصول الوسواس (6).

______________________________

الأبواب المتفرقة. منها: قول أبي جعفر عليه السلام: «في الجبن إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله، و إن لم تعلم فاشتر و بع و كل، و اللّٰه إنّي لأعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّٰه ما أظن كلّهم يسمون هذا البربر و هذا السودان» (1).

(5) لأنّ الاحتياط تعرضه الأحكام الخمسة بحسب الجهات الخارجية فالواجب منه ما كان في أطراف العلم الإجمالي. و الحرام ما استلزم ترك تكليف إلزاميّ فعليّ أهم. و المكروه ما انطبق عليه عنوان مرجوح. و المستحب في غير أطراف العلم الإجمالي- بناء على استفادة الاستحباب الشرعي مما ورد في ترغيب الاحتياط- و المباح فيما إذا كانت الترغيبات الشرعية الواردة في الاحتياط إرشادا إلى مجرد حسنه العقلي، فلا يستفاد منها الاستحباب الشرعي حينئذ، لأنّ الحسن العقليّ أعم من الاستحباب الشرعي. فتختلف أحكام الاحتياط حسب الموارد و المقامات، كما في اختلاف أحكام جملة من الموضوعات باختلاف الحيثيات و الجهات، بل يمكن أن يعرض لخصوص الاحتياط الواجب أو الحرام أو المندوب ما يغيّره عما هو عليه من حكمه- من العناوين الثانوية المغيّرة للأحكام الأوليّة على ما هو كثير شائع في الفقه- و تقدم نظير المقام في [مسألة 66] من مسائل التقليد.

(6) البحث في الوسواس من جهات:

الاولى: هل يكون التعرض للوسواس حراما و لو لم نقل بحرمة مطلق المقدمة، كما هو الحق- أو تكون الحرمة مبنية عليها؟ الظاهر هو الأول، لأنّ التعرض له من إطاعة الشيطان، كما ورد في صحيح ابن سنان قال: «ذكرت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل.

______________________________

ص: 426


1- الوسائل باب: 61 من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 5 و تقدم في صفحة: 312.

.....

______________________________

فقال: أبو عبد اللّٰه عليه السلام و أيّ عقل له؟!! و هو يطيع الشيطان، فقلت له:

و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي ء هو؟ فإنّه يقول لك: من عمل الشيطان» (1).

و هو تعويد الخبيث من النفس، كما في صحيحة زرارة: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم» (2).

و لا ريب في كون ذلك مبغوضا شرعا نفسا، لا من جهة المقدمية لحرام آخر، مع أنّه مخالف لتسهيل الشريعة و تيسيرها، كما ورد عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللّٰه يسير يحب اليسير و يعطي على اليسير ما لا يعطي على العنف» (3).

الثانية: لا ريب في اعتبار علم الوسواس لنفسه، لأنّه لا يرى غير الواقع و لا يحتمل الخلاف. نعم، للشارع أن يقول له: إنّي ما أريد منك الواقع فيسقط علمه عن الاعتبار حينئذ قهرا و مع توجهه إلى هذه الجهة، فلا أثر لاعتقاده ببطلان عمله مع الالتفات إلى وسوسته. فيجري في فراغ ذمته أول عمل حصل منه لقاعدة الإجزاء و هناك فروع كثيرة بالنسبة إلى إعمال الوسواسي يأتي التعرض لها في محالّها إن شاء اللّٰه تعالى.

الثالثة: لا اعتبار بقول الوسواسي و شهادته فيما وسوس فيه لظهور أدلة اعتبارهما فيما هو المتعارف، دون ما يكون خارجا عنه. إلا إذا حصل منها القطع فيتبع من هذه الجهة، إذ لا فرق في اعتبار القطع بين أسباب حصوله، كما هو واضح.

الرابعة: المرجع في تحقق الوسوسة متعارف المتشرعة. و مع الشك في تحققها مقتضى الأصل عدم التحقق.

______________________________

ص: 427


1- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب المواقيت حديث: 7 (كتاب الحج).

مسألة 1: لا اعتبار بعلم الوسواسي

(مسألة 1): لا اعتبار بعلم الوسواسي في الطهارة و النجاسة (7).

مسألة 2: العلم الإجمالي كالتفصيلي

(مسألة 2): العلم الإجمالي كالتفصيلي (8)، فإذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما، إلا إذا لم يكن أحدهما محلا لابتلائه (9). فلا يجب الاجتناب عما هو محل الابتلاء أيضا (10).

______________________________

الخامسة: يجب على الناس ردع الوسواسي عن وسوسته مع تحقق شرائط النهي عن المنكر، كما يجب عليه الارتداع عنها بنفسه و الظاهر تساوي الوسواسي مع غيره في الأجر و الثواب و عدم مزية له على غيره بل لا يبعد دعوى العكس، لما مر من أنّ الوسوسة من عمل الشيطان.

(7) على ما تقدم في الجهة الثانية و الثالثة.

(8) على ما هو المتسالم عليه بين العلماء، بل العقلاء، لأنّ الترخيص في المعصية بل في محتمل المعصية، ترخيص في القبيح، و لا يناسب ذلك مقام الشارع الحكيم. نعم، للشارع الاكتفاء عن الواقع بامتثال بعض الأطراف، بل له رفع اليد عن الواقع في مورد العلم التفصيلي لمصالح شتّى، فكيف بمورد العلم الإجمالي. و لكن لا ربط لذلك بمورد تنجز الواقع و تحقق العلم به تفصيلا أو إجمالا و عدم مانع عن الامتثال في البين، فيقبح حينئذ الترخيص في المعصية بل في محتملها أيضا، كما ثبت كلّ ذلك في مباحث القطع في الأصول.

(9) لا ريب في اعتبار القدرة في متعلق التكليف، لقبح التكليف بغير المقدور. و لكن للقدرة مراتب متفاوتة:

منها: القدرة العقلية، أي إمكان القدرة بالنسبة إلى القادر ذاتا مع عدم ارتكاب أيّ محذور و لزوم أي مانع، و ليست هذه المرتبة شرطا في التكاليف الشرعية مطلقا.

و منها: القدرة المتعارفة العقلائية، و هي أخص من الأولى و تدخل فيها القدرة الشرعية أيضا.

ص: 428

.....

______________________________

و منها: قدرة خاصة تكون أخص من الأوليين، و هو كون المقدور مورد عمل القادر حالا أو مالا، مع وجود المقتضي و فقد المانع للقدرة في تمام الأطراف، بحيث يكون إعمال القدرة بالنسبة إلى جميعها على حد سواء في وجود المقتضى و فقد المانع، و هذه المرتبة من القدرة هي التي يعبّر عنها بكون الشي ء مورد الابتلاء. و المانع إما عقليّ كما إذا علم إما بنجاسة الإناء الموجود، أو ما انعدم و صار معدوما بالكلية. أو شرعي، كما إذا علم إما بنجاسة إنائه أو الإناء الذي لا يجوز له التصرف فيه شرعا. أو عرفي كما إذا علم إما بنجاسة عباءته مثلا أو عباءة جاره الذي لا يكون مورد احتياجه عرفا. و لا تنجز للعلم الإجمالي في جميع هذه الموارد، لأنّ متعارف المتشرعة بل العقلاء يرون الشبهة فيها من الشبهة البدوية التي يرجع فيها إلى البراءة. لا المقرونة بالعلم الإجمالي المنجز، حتّى يجب فيها الاحتياط و هذه المرتبة من القدرة مما يدركها كلّ من رجع إلى وجدانه مع ملاحظة المقتضيات و الموانع، فالابتلاء و عدمه من الوجدانيات، و ليس من المباحث العلمية، حتّى يطال الكلام فيه. مع أنّه يمكن أن يجعل النزاع لفظيا، فمن يقول بأنّه عبارة عن القدرة أي العرفية منها، و من ينفي ذلك أي العقلية منها.

فروع- (الأول): لو شك في الابتلاء و عدمه، وجب الفحص حتّى يثبت العجز، لإطلاق الأدلة و كون الشك في أصل التخصيص، لأنّ الخارج عنها بحسب المتفاهم العرفي من ثبت عجزه و أحرز ذلك من نفسه فمن شك فيه تشمله الإطلاقات و لا يكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و قد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الاشتغال من الأصول فراجع.

(الثاني): لو كانت الأطراف مورد الابتلاء و أثر العلم الإجمالي أثره، ثمَّ خرج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء، لا يسقط بذلك تنجز العلم الإجمالي و لا يرتفع أثره، للأصل.

(الثالث): لو حصل العلم الإجمالي مقارنا لخروج بعض الأطراف عن الابتلاء، فمقتضى الأصل عدم تنجزه.

(10) لأنّه حينئذ من الشبهة البدوية التي يرجع فيها إلى الأصول الموضوعية أو الحكمية.

ص: 429

مسألة 3: لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها

(مسألة 3): لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها (11).

نعم، يعتبر عدم معارضتها بمثلها (12).

مسألة 4: لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة

(مسألة 4): لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة (13). نعم، لو ذكرا مستندها، و علم عدم صحته، لم يحكم بالنجاسة (14).

______________________________

(11) لإطلاق دليل اعتبارها بل الظاهر عدم مانعية الظن بالكذب هذا في الظن الشخصي و أما الاطمئنان النوعي فقد تقدم ما يتعلق به (1).

(12) لسقوط المتعارضين عن الحجية الفعلية كما تقدم (2). نعم، لو كانت في إحديهما مزية يؤخذ بذات المزية، على تفصيل يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّٰه تعالى.

(13) للإطلاق و لسيرة المتشرعة، بل العقلاء على اتباع البينة و لو مع عدم ذكر المستند و عدم بنائهم على الفحص عنه كما تقدم (3). هذا مع عدم احتمال الخطأ احتمالا صحيحا، و إلا فيشكل التمسك بالسيرة، لأنّ المتيقن منها غير هذه الصورة بل يشكل التمسك بالإطلاقات أيضا، لأنّ المنساق منها غير هذه الصورة و يبقى التمسك بأصالة عدم الخطأ التي هي من الأصول العقلائية و التي يتمسك بها في دفع احتمال الخطأ.

و يمكن الخدشة فيها. بأنّ المتيقن من التمسك بها ما إذا كان احتمال الخطإ مما لا يعتني به العقلاء و أما مع الاعتناء به عندهم، فلم يعلم من سيرتهم إجراء أصالة عدم الخطإ حينئذ، و لعلّ نظر العلامة حيث اعتبر فيها ذكر السبب إلى هذه الصورة. و بالجملة مقتضى الأصل عدم الحجية إلا في مورد السيرة و ثبوت الإطلاق و مع الشك فيهما يكون الأصل محكما.

(14) لأصالة عدم الحجية بعد عدم شمول أدلة اعتبار البينة لمثل الفرض.

______________________________

ص: 430


1- صفحة: 235.
2- صفحة: 242.
3- صفحة: 243.

مسألة 5: إذا لم تشهد بالنجاسة، بل بموجبها كفى

(مسألة 5): إذا لم تشهد بالنجاسة، بل بموجبها كفى، و إن لم يكن موجبا عندهما أو عند أحدهما فلو قالا: إنّ هذا الثوب لاقى عرق المجنب من حرام أو ماء الغسالة، كفى عند من يقول بنجاستهما (15) و إن لم يكن مذهبهما النجاسة.

مسألة 6: إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها

(مسألة 6): إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها (16) و إن لم تثبت الخصوصية كما إذا قال أحدهما: إن هذا الشي ء

______________________________

(15) أما أصل اعتبار الشهادة بالسبب و الموجب، لإطلاق أدلة اعتبار البينة و عموم السيرة الشامل لكلّ من الشهادة بالسبب و المسبب. و أما لزوم ترتيب الأثر عليها عند من يقول بالبينة، فلصدق قيام البينة عنده على النجاسة فيشمله الإطلاق و العموم. و لا دليل من عقل أو نقل على لزوم كون المشهود به ذا أثر عند الشاهد أيضا، بل الإطلاق و العموم ينفيه. و لا اختصاص لذلك بالبينة بل هو حكم جميع الأمارات المعتبرة، فيكفي في اعتبارها تحقق الأثر لها عند من قامت لديه.

(16) لا بد و أن يكون المشهود به في مورد البينة واحدا، حتّى يصدق قيام البينة، إذ مع التعدد يكون من خبر العدل الواحد. و الوحدة أما مطابقية بالنسبة إلى مدلول شهادتهما، كما إذا قالا هذا الإناء نجس. أو التزامية معتبرة عند العرف و المتشرعة، كما إذا قالا هذا الإناء لاقى البول أو تكون عرفية في الجملة كما إذا قال أحدهما إنّه لاقى البول، و قال الآخر إنّه لاقى الدم، و اعتبار الأخير موقوف على شمول الإطلاق له، و مع الشك في الشمول فالمرجع أصالة عدم الحجية و لا يبعد الشمول عرفا لصدق أنّ النجاسة مما قامت عليه البينة بحسب المحاورات المتعارفة فإنّ المتفاهم العرفي من شهادتهما، إنّما هو النجاسة فتكون شهادتهما ظاهرة فيهما و يتحد المشهود به من هذه الجهة، فتشملها أدلة اعتبار البينة.

و بالجملة: إن كان المناط الظهور العرفي للمشهود به، فهو ظاهر في النجاسة، فيصدق قيام البينة و إن كان المناط الجمود على المدلول المطابقي فقط، فلا وحدة من هذه الجهة في البين، و مقتضى السيرة و الإطلاقات كون

ص: 431

لاقى البول، و قال الآخر: إنّه لاقى الدم، فيحكم بنجاسته. لكن لا تثبت النجاسة البولية و لا الدمية، بل القدر المشترك بينهما. لكن هذا إذا لم ينف كلّ منهما قول الآخر بأن اتفقا على أصل النجاسة. و أما إذا نفاه- كما إذا قال أحدهما: إنّه لاقى البول، و قال الآخر: لا بل لاقى الدم- ففي الحكم بالنجاسة إشكال (17).

مسألة 7: الشهادة بالإجمال كافية أيضا

(مسألة 7): الشهادة بالإجمال كافية أيضا (18) كما إذا قالا:

أحد هذين نجس فيجب الاجتناب عنهما. و أما لو شهد أحدهما

______________________________

المناط الظهور العرفي. نعم، لا ريب في أنّ الخصوصية تكون من خبر العدل الواحد فيدور ثبوتها مدار اعتباره و من هذا القبيل ما إذا قال أحدهما إنّه نجس لوقوع قطرة من بولي فيه و قال الآخر: إنّه نجس لوقوع قطرة من دمي فيه أو قال أحدهما: إنّه نجس لملاقاته ليد الميت و قال الآخر: نجس لملاقاته لرجل الميت- مثلا- و يمكن اختلاف صدق الوحدة و عدمه بحسب الموارد و القرائن فيصير النزاع في قبول البينة و عدمه في بعض الموارد لفظيا، لأنّ القائل بالقبول يقول به مع وحدة مورد الشهادة. مع اعترافه بعدم القبول في مورد التعدد.

و القائل بعدم القبول يثبت التعدد مع اعترافه بالقبول مع الوحدة، و يأتي في باب القضاء إن شاء اللّه تعالى ما ينفع المقام.

(17) لكونه حينئذ من شهادة العدل الواحد، و تقدم الإشكال فيها و على فرض الاعتبار فلا يبعد سقوط الحجية الفعلية عنها، للتعارض في مدلولها المطابقي.

(18) لعموم دليل اعتبار البينة، و إطلاقه الشامل لصورة الإجمال أيضا و تقتضيه سيرة المتشرعة أيضا، و لكن مع صدق وحدة المشهود به عرفا، كما إذا شهدا بوقوع قطرة من البول في إناء مردد بين الإنائين. و أما مع التعدد، كما إذا علم أحدهما بوقوع قطرة من البول في إناء زيد، و علم الآخر بوقوعها في إناء عمرو ثمَّ اشتبه الإناءان، فلا تكون شهادتهما في مورد واحد حينئذ.

ص: 432

بالإجمال و الآخر بالتعيين- كما إذا قال أحدهما: أحد هذين نجس، و قال الآخر: هذا- معيّنا- نجس، ففي المسألة وجوه:

وجوب الاجتناب عنهما (19).

و وجوبه عن المعيّن فقط (20).

و عدم الوجوب أصلا (21).

مسألة 8: لو شهد أحدهما بنجاسة الشي ء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقا

(مسألة 8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي ء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا، فالظاهر وجوب الاجتناب (22).

______________________________

(19) بدعوى: كون المقام من الشهادة الإجمالية بعد إلقاء خصوصية التعيين، لكونه من شهادة العدل الواحد.

و فيه: ما تقدم من أنّ مورد قبول الشهادة الإجمالية ما إذا أحرز وحدة المشهود به، و المقام ليس كذلك.

(20) بدعوى: صحة انطباق غير المعيّن على المعيّن فيصير خصوص المعيّن مورد البينة.

و فيه: ما تقدم في سابقة من عدم إحراز وحدة المشهود به فكيف يصدق قيام البينة على نجاسة المعيّن.

(21) لأصالة الطهارة بناء على عدم اعتبار شهادة العدل الواحد و لكن الأحوط الاجتناب مطلقا. و إن أحرز من القرائن وحدة المشهود به فيتعيّن الاجتناب عنهما، لصدق قيام البينة على نجاستهما إجمالا حينئذ.

(22) بدعوى: أنّ النجاسة الفعلية من اللوازم الشرعية عند المتشرعة لشهادتهما، و تعتبر البينة في لوازمها الشرعية.

و فيه: أنّ صدق قيام البينة في المقام أول الدعوى، لعدم إحراز وحدة المشهود به، و لا ينفع الاستصحاب، لعدم الثبوت السابق، إلا بناء على اعتبار خبر الواحد و هو أول الكلام، فيشكل قوله رحمه اللّه: «فالظاهر وجوب الاجتناب» مع أنّه مخالف لما يأتي منه رحمه اللّه في [مسألة 9] من عدم الكفاية في الحكم بالنجاسة. نعم، لا ريب في أنّه الأحوط.

ص: 433

و كذا إذا شهدا معا بالنجاسة السابقة، لجريان الاستصحاب (23).

مسألة 9: لو قال أحدهما: إنّه نجس، و قال الآخر: إنّه كان نجسا و الآن طاهر

(مسألة 9): لو قال أحدهما: إنّه نجس، و قال الآخر: إنّه كان نجسا و الآن طاهر فالظاهر عدم الكفاية (24)، و عدم الحكم بالنجاسة.

مسألة 10: إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها

(مسألة 10): إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة. و كذا إذا أخبرت المربية للطفل أو المجنون بنجاسته أو نجاسة ثيابه. بل و كذا لو أخبر المولى بنجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته (25).

______________________________

(23) لوجود المقتضي، لجريانه، و فقد المانع. و ذلك، لأنّ المراد باليقين في قوله عليه السلام: «لا تنقض اليقين بالشك»(1).

ليس خصوص اليقين الوجداني فقط، بل كلّ ما يصح الاعتماد عليه شرعا. فكأنّه قال: لا تنقض الحجة إلا بالحجة على الخلاف، كما ثبت ذلك في الأصول، فيشمل جميع ما هو معتبر شرعا، كالبينة، و اليد، و سوق المسلم، و نحو ذلك من الأمارات، و لباب معنى الاستصحاب يرجع إلى لزوم ترتب الآثار الشرعية على ما قامت عليه من الحجج المعتبرة عند الشك فيها ما لم ينكشف الخلاف، سواء كان الثبوت في السابق واقعيا، أم ظاهريا بالبينة و الأمارة.

(24) لاختلاف المشهود به، فلا يكون من مورد قيام البينة. نعم، يكون من خبر العدل الواحد، و تقدم بعض ما يتعلق بها في المسألة السابقة.

(25) كلّ ذلك لاعتبار قول المستولي فيما استولى عليه في الطهارة و النجاسة عند المتشرعة، بل الظاهر تحقق السيرة على قبول قوله فيها. هذا إذا

______________________________

(1)

ص: 434


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء.

مسألة 11: إذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين

(مسألة 11): إذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كلّ منهما في نجاسته (26). نعم، لو قال أحدهما: إنّه طاهر.

و قال الآخر: إنّه نجس، تساقطا (27)، كما أنّ البينة تسقط مع التعارض، و مع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه (28).

مسألة 12: لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقا أو عادلا

(مسألة 12): لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقا أو عادلا، بل مسلما أو كافرا (29).

مسألة 13: في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا إشكال

(مسألة 13): في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا إشكال (30)، و إن كان لا يبعد إذا كان مراهقا.

______________________________

لم يكن مانع عن قبول قوله من اتهام أو وسواس أو نحوهما و إلا فلا يقبل، كما تقدم (1).

فرع: لو كان الاستيلاء الفعلي بإجارة أو عارية أو نحوهما لأحد و الاستيلاء الملكي لآخر، يقدم قول الأول في الإخبار بالنجاسة و الطهارة إلا إذا كانت في البين قرائن معتبرة تدل على العكس و تقدم ذكر فروع تتعلق بالمقام (2).

(26) لثبوت اليد الفعلي من كلّ منهما عليه.

(27) لامتناع الأخذ بكلّ منهما، و بأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح فلا بد من التساقط، هذا إذا لم يكن قول من أخبر بالطهارة مستندا إلى الأصل. و إلا فيقدم قول من أخبر بالنجاسة عليه. و كذا الكلام بعينه في تعارض البينتين.

(28) تقدم التفصيل في [مسألة 7] من فضل ماء البئر.

(29) لعموم السيرة بالنسبة إلى الجميع ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(30) إن كان متوجها إلى الطهارة و النجاسة و لم يكن متهاونا و متسامحا في النجاسة، فلا يبعد تحقق سيرة المتشرعة على قبول قوله فيهما، و لعلّ عدم

______________________________

ص: 435


1- صفحة: 243.
2- صفحة: 240.

مسألة 14: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال

(مسألة 14): لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال- كما قد يقال (31)- فلو توضأ شخص بماء- مثلا- و بعده أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه. و كذا لا يعتبر أن يكون ذلك حين كونه في يده فلو أخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان

______________________________

استبعاده رحمه اللّه فيما إذا كان مراهقا إشارة إلى ما قلناه، و إلا فلا خصوصية في كونه مراهقا بعد كونه مميزا، و متوجها إلى الطهارة و النجاسة و غير متهاون في النجاسة.

(31) نسب هذا القول إلى جمع منهم العلامة في التذكرة. فإن كان ذلك لأجل أنّ المتيقن من السيرة إنّما هو قبل الاستعمال.

ففيه: أنّ بناء المتشرعة على ترتب الأثر على قول ذي اليد و لو كان بعده، فإذا أخبر بنجاسة الماء بعد استعماله في الطهارة يرون تلك الطهارة باطلة، و يرتبون آثار البطلان عليها، مع أنّهم لا يقولون بذلك في البينة، و لا فرق بينها و بين اليد في الاعتبار.

و إن كان لأجل أنّه بالاستعمال يخرج عن مورد استيلائه و يده.

ففيه: أنّ ترتيب الأثر إنّما هو بلحاظ اعتبار قوله قبل الاستعمال، و معنى اعتبار قوله: هو بطلان الاستعمال إن أخبر بالنجاسة. مع أنّه يختص بما يتلف بالاستعمال، كالماء و نحوه، لا مثل الفراش و الثوب و نحوهما.

و إن كان لأجل صحيح العيص عن الصادق عليه السلام: «في رجل صلّى في ثوب رجل أياما ثمَّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه، قال: لا يعيد شيئا من صلاته» (1).

فإنّه ظاهر في عدم الاعتبار بقول ذي اليد بعد الاستعمال.

ففيه: أنّ عدم الإعادة، لأجل الجهل بالموضوع، لا لأجل عدم اعتبار

______________________________

ص: 436


1- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 6.

في يده، يحكم عليه بالنجاسة في ذلك الزمان (32)، و مع الشك في زوالها تستصحب (33).

______________________________

قول ذي اليد. مع معارضته بخبر ابن بكير عنه عليه السلام أيضا: «في رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه و هو لا يصلّي فيه قال: لا يعلمه قلت: فإن أعلمه؟ قال:

يعيد»(1).

فإنّه ظاهر بل صريح في اعتبار خبر ذي اليد، و لو بالاستعمال. و لكنه لا بد من طرحه أو حمله على الندب، لما يأتي من عدم وجوب الإعادة على من صلّى جاهلا بالنجاسة من حيث الموضوع. مع أنّه يحتمل أن تكون الإعادة لأجل أنّه صلّى بعد الإعلام بالنجاسة، فتجب الإعادة حينئذ من جهة وقوع الصلاة في النجاسة الثابتة بقول ذي اليد.

(32) لشمول أدلة اعتبارها لصورة الخروج عن يده أيضا، فما أخبر الناقل بأنّ ما نقله إلى المنتقل إليه كان نجسا يجتنب عنه المتشرعة بارتكازاتهم و الظاهر عدم الفرق فيه بين تخلل الزمان القليل أو الكثير، إلا إذا كانت الكثرة بحيث يشك في تحقق السيرة معها على الاعتبار، فالمرجع قاعدة الطهارة.

(33) لما تقدم في استصحاب النجاسة إن ثبتت بالبينة.

______________________________

ص: 437


1- الوسائل باب: 47 من أبواب النجاسات حديث: 3.

فصل في كيفية تنجس المتنجسات

اشارة

(فصل في كيفية تنجس المتنجسات) يشترط في تنجس الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون فيهما، أو في أحدهما، رطوبة مسيرة (1). فإذا كانا جافين لم ينجس، و إن كان ملاقيا للميتة (2) لكن الأحوط غسل ملاقي ميت الإنسان قبل الغسل و إن كانا جافين (3). و كذا لا ينجس إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة غير مسرية (4). ثمَّ إن كان الملاقي للنجس أو المتنجس مائعا تنجس كلّه (5) (فصل في كيفية تنجس المتنجسات)

______________________________

(1) لقاعدة «كل يابس زكي»، و تقدم بيانها (1).

(2) للأصل و القاعدة.

(3) تقدم في [مسألة 10] من نجاسة الميتة.

(4) للرطوبة، و لليبوسة مراتب متفاوتة. و بعض مراتب الأولى لا ينافي صدق بعض مراتب الثانية عليه، و مقتضى الأصل، و الإجماع، و إطلاق قوله عليه السلام: «كلّ يابس زكيّ» (2) طهارة الملاقي للنجس. إلا إذا كان في أحدهما أجزاء مائية ظاهرة موجبة لانتقال النجاسة، و يعبر عنها بالرطوبة المسرية. و لو اكتفى في التنجس بمطلق الرطوبة، فيكون مخالفا للإجماع، و مرتكزات المتشرعة. مع أنّه موجب لتعميم التنجس في الشتاء و البلاد الساحلية لغالب الأشياء، و لا ريب في كونه مخالفا لسهولة الشريعة.

______________________________

ص: 438


1- صفحة: 332.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الخلوة حديث: 5.

كالماء القليل المطلق و المضاف مطلقا، و الدهن المائع، و نحوه من المائعات.

نعم، لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جاريا من العالي، بل لا ينجس السافل بملاقاة العالي إذا كان جاريا من السافل كالفوّارة (6)، من غير فرق في ذلك بين الماء و غيره من المائعات.

و إن كان الملاقي جامدا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة (7) سواء كان يابسا، كالثوب اليابس إذا لاقت النجاسة جزءا منه، أم رطبا كما في الثوب المرطوب، أم الأرض المرطوبة، فإنّه إذا وصلت

______________________________

و تستعمل في المتعارف ألفاظ ثلاثة: الجاف، و الندي، و الرطب. و يعبّر عن الأول باليابس، و عن الثاني بالبلة أيضا، كما أنّ في الفارسية ألفاظا ثلاثة:

(تر) (و خشك) (و نمناك). و المراد بالرطوبة المسرية و الناقلة في الكلمات ما يعبّر عنها في الفارسية ب (تر) و هي المشتملة على الأجزاء المائية الظاهرة بحيث تصلح تلك الأجزاء لأن تكون واسطة لنقل النجاسة و انتقالها، و مع الشك في ذلك، فالمرجع أصالة الطهارة، و أصالة عدم تحقق نقل النجاسة.

(5) نصّا و إجماعا، قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها، و كل ما بقي.

و إن كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» (1).

و نحوه غيره، و يأتي المراد من المائع في [مسألة 3].

(6) جميع ذلك تقدم في [مسألة 1] من فصل المياه (2).

(7) نصّا (3) و إجماعا. و أصالة الطهارة، و عدم النقل و السراية.

______________________________

ص: 439


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء حديث: 1.
2- راجع صفحة: 126.
3- النص- هو صحيح زرارة المتقدم.

النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجس ما يتصل به، و إن كان فيه رطوبة مسرية بل النجاسة مختصة بموضع الملاقاة. و من هذا القبيل الدهن و الدبس الجامدان. نعم، لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثمَّ اتصل تنجس موضع الملاقاة منه (8) فالاتصال قبل الملاقاة لا يؤثر في النجاسة و السراية (9) بخلاف الاتصال بعد الملاقاة.

و على ما ذكر: فالبطيخ و الخيار و نحوهما مما فيه رطوبة مسرية، إذا لاقت النجاسة جزءا منه لا يتنجس الباقي، بل يكفي غسل موضع الملاقاة، إلا إذا انفصل بعد الملاقاة ثمَّ اتصل.

مسألة 1: إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين

(مسألة 1): إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين، أو علم وجودها و شك في سرايتها، لم يحكم بالنجاسة (10). و أما إذا علم سبق وجود المسرية و شك في بقائها فالأحوط الاجتناب، و إن كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه (11).

______________________________

(8) لصدق أنّه لاقى المتنجس فيشمله ما دل على أنّ ملاقي المتنجس ينجس.

(9) لما تقدم من اختصاص النجاسة بخصوص موضع الملاقاة فقط فيكون المجموع شيئا واحدا إلا ما لاقى بعض أجزائه النجس، فينجس ذلك الجزء، و إذا انفصل بعد التنجس ثمَّ اتصل يصدق على موضع الاتصال أنّه لاقى المتنجس، فيشمله دليل التنجس بملاقاة المتنجس لا محالة.

(10) لأصالة الطهارة و عدم النقل و السراية.

(11) إن كان المستصحب نفس الرطوبة من حيث هي، فلا تثبت به النجاسة، لتوقفها على إثبات السراية. و إثباتها باستصحاب نفس الرطوبة من الأصول المثبتة و أما إذا كان المستصحب نفس السراية من حيث هي، فتترتب عليها النجاسة بلا وساطة شي ء، و لا بأس به. و كذا لو كان المستصحب الرطوبة المسرية- أي القيد و المقيد معا- و لا فرق في ذلك بين كون الرطوبة في الملاقي

ص: 440

مسألة 2: الذباب الواقع على النجس الرطب إذا وقع على ثوب أو بدن شخص

(مسألة 2): الذباب الواقع على النجس الرطب إذا وقع على ثوب أو بدن شخص، و إن كان فيهما رطوبة مسرية، لا يحكم بنجاسته (12) إذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس. و مجرد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله، لاحتمال كونها مما لا تقبلها، و على فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات (13).

______________________________

(بالفتح)، أو في الملاقي (بالكسر)، أو فيهما معا، في كون الاستصحاب مثبتا على تقدير، و غير مثبت على تقدير آخر، كما لا فرق بين كون الملاقاة مع الرطوبة من الموضوعات المركبة من الوجدان و الأصل فيكون تحقق الملاقاة وجدانيا، و الأصل بقاء الرطوبة، و بين عدم كونها كذلك، إذ الأصل مثبت على تقدير، دون آخر على كلّ حال.

فروع- (الأول): اللّزوجة غير الرطوبة المسرية، فلو كان موضع متنجسا جافا، و وضع عليه ما التصق به، فمقتضى الأصل الطهارة و كذا في العكس.

(الثاني): لو كانت في أحد المتلاقيين الرطوبة المسرية، و كان في الآخر مانع عن قبولها، فمقتضى الأصل الطهارة، و عدم السراية.

(الثالث): لو علم بأصل الرطوبة و شك في أنّها مسرية أو لا، أو علم بأنّها مسرية بحسب النوع، و شك في أنّها في خصوص المورد مسرية أو لا، فالأصل الطهارة و عدم السراية كما في محالّ الرطوبة من الجدران و السراديب.

(12) لقاعدة الطهارة و استصحابها.

(13) راجع العاشر من المطهرات. ثمَّ إنّه إن علم ببقاء عين النجاسة في بدن الحيوان، أو علم بزوالها، فلا ريب في نجاسة الملاقي لها في الأول و طهارته في الثاني على ما يأتي: من أنّ نجاسة بدن الحيوان تدور مدار بقاء عين النجاسة فيه، و يطهر بزوالها.

و أما إذا شك في البقاء و الزوال فمقتضى الاستصحاب هو البقاء فينجس الملاقي حينئذ.

ص: 441

مسألة 3: إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين

(مسألة 3): إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين يكفي إلقاؤه و إلقاء ما حوله، و لا يجب الاجتناب عن البقية (14) و كذا إذا مشى الكلب على الطين، فإنّه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله، إلا إذا كان وحلا. و المناط في الجمود و الميعان (15) أنّه لو أخذ منه شي ء فإن بقي مكانه خاليا. حين الأخذ- و إن امتلأ بعد ذلك- فهو جامد،

______________________________

(14) لما تقدم من اختصاص النجاسة في الجامد بموضع الملاقاة فقط.

(15) هما من المفاهيم المبينة العرفية، و ليسا من الأمور التعبدية- حتّى يرجع فيها إلى الأدلة الشرعية- و لا من الموضوعات المستنبطة حتّى يتبع فيهما نظر الفقيه، و لهما مراتب متفاوتة. فكلّ ما كان قابلا لنقل النجاسة و سرايتها بحسب المتعارف، فهو مائع. و ما لم يكن كذلك يكون جامدا، و مع الشك، فالمرجع أصالة الطهارة و قاعدتها. و ما ورد من الأخبار ليس إلا إرشادا إلى المرتكزات العرفية، كقول أبي جعفر عليه السلام: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله، و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» (1).

و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الفأرة و الدابة الواقعة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه. قال عليه السلام: «إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنّه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله و كله، و إن كان الصيف فارفعه حتّى تسرج به، و إن كان بردا فاطرح الذي كان عليه، و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه» (2).

و لا يستفاد منهما شي ء زائد على الإنظار المتعارفة. و كذا كلمات الفقهاء لا بد و أن تنزل عليها أيضا.

______________________________

ص: 442


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

و إن لم يبق خاليا أصلا فهو مائع.

مسألة 4: إذا لاقت النجاسة جزءا من البدن المتعرق

(مسألة 4): إذا لاقت النجاسة جزءا من البدن المتعرق، لا يسري إلى سائر إجزائه، إلا مع جريان العرق (16).

مسألة 5: إذا وضع إبريق مملوء ماء على الأرض النجسة و كان في أسفله ثقب يخرج منه الماء

(مسألة 5): إذا وضع إبريق مملوء ماء على الأرض النجسة و كان في أسفله ثقب يخرج منه الماء، فإن كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها، فلا يتنجس ما في الإبريق من الماء (17)، و إن وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجس، و هكذا الكوز و الكأس و الحب و نحوها.

مسألة 6: إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة

(مسألة 6): إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة، و كان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محلّه (18) من سائر أجزائها. فإذا شك في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف لا يجب غسله. و كذا الحال في البلغم الخارج من الحلق.

مسألة 7: الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس

(مسألة 7): الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس يكفيه

______________________________

(16) لتحقق الرطوبة المسرية الموجبة لانتقال النجاسة إلى غير محلّ الملاقاة في هذه الصورة، دون غيرها.

(17) المدار في عدم تنجس ما في الإبريق خروج الماء عنه بالدفع، و قد تقدم في المسألة الأولى من فصل المياه، فراجع. و لكن الظاهر اختلاف الموارد في النفوذ أيضا، فإن كان النفوذ سريعا بحيث لم يصدق الاتصال فلا يتنجس ما في الإبريق، و إن كان بطيئا بحيث لا ينافي صدق الاتصال في الجملة، فالظاهر النجاسة. و مع الشك فالمرجع أصالة الطهارة.

(18) لعدم الميعان الموجب للسراية، و مع الشك فالمرجع قاعدة الطهارة.

ص: 443

نفضة (19) و لا يجب غسله، و لا يضر احتمال بقاء شي ء منه، بعد العلم بزوال القدر المتيقن (20).

مسألة 8: لا يكفي مجرد الميعان في التنجس

(مسألة 8): لا يكفي مجرد الميعان في التنجس (21)، بل يعتبر

______________________________

(19) لأنّه قد وقع عليه النجس فيزول بإلقائه. و النفض إلقاء له، كما إذا وقع دم يابس على شي ء فالقي عنه، و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما السلام:

«عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه، يصلّي قبل أن يغسله؟ قال عليه السلام: نعم، ينفضه و يصلّي فلا بأس»(1).

(20) بدعوى: أنّ بقاء بعض الآثار يكون مثل بقاء الريح و اللّزوجة في مورد التطهير بالماء، فكما أنّ بقاءها لا يضر بالطهارة في الغسل بالماء، فكذا في المقام.

و بالجملة: العرف يرى البقية من آثار النجاسة الزائلة، لا من عينها الباقية هذا إذا علم بوجود ما زاد على المتيقن، و شك في الزوال. و أما إذا شك في أصل وجود الزائد على المتيقن، فالمرجع أصالة عدم الوجود، و الغالب هو الأخير.

(21) لما تقدم من أنّ التنجس متوقف على الرطوبة المسرية، التي يصح أن تكون واسطة في نقل النجاسة من محلّ إلى آخر. و مع الشك فيه فالمرجع أصالة الطهارة، مع القطع بأنّ ميعان مثل الزيبق غير قابل لنقل النجاسة إلى نفسه، أو إلى غيره.

ثمَّ إنّ وقوع الزيبق في ظرف نجس له رطوبة مسرية، الموجب لنجاسة الزيبق، يتوقف على إحراز أنّ الزيبق يقبل الرطوبة. و أما إذا علم بعدمه، أو شك فيه فلا وجه للنجاسة في هذه الصورة أيضا، كما أنّ الفلزات المذابة المصبوبة في ظرف نجس له رطوبة مسرية، يشك في النجاسة أيضا، لأنّها لكثرة حرارتها تدفع

______________________________

ص: 444


1- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 12.

أن يكون مما يقبل التأثر. و بعبارة أخرى: يعتبر وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين. فالزنبق إذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة له لا ينجس، و إن كان مائعا. و كذا إذا أذيب الذهب أو غيره من الفلزات في بوتقة نجسة، أو صب بعد الذوب في ظرف نجس، لا ينجس، إلّا مع رطوبة الظرف أو وصول رطوبة نجسة إليه من الخارج.

مسألة 9: المتنجس لا يتنجس ثانيا

(مسألة 9): المتنجس لا يتنجس ثانيا (22) و لو بنجاسة أخرى

______________________________

الرطوبة، لا أن تقبلها، و يكفي الشك في ذلك للحكم بالطهارة.

(22) على المشهور، و المقطوع به لدى الأصحاب، و يظهر اتفاقهم عليه في جملة من الأبواب، و تقتضيه المرتكزات العرفية. فإنّه إذا استقذر محلّ بقذارة ثمَّ وقعت عليه قذارة أخرى لا تتحدد جهة الاستقذار، ما لم تكن خصوصية زائدة في البين.

و أما الاستدلال عليه: بأنّه لو أثرت النجاسة الثانية أثرا غير الأولى لكان من اجتماع المثلين، و هو محال. (فمخدوش): بأنّ المحال من اجتماع المثلين ما إذا كان في الموجودات الخارجية، دون الاعتباريات- شرعية كانت أو غيرها- و المقام من الثاني، دون الأول.

و ينبغي التنبيه على أمور:

الأول: مقتضى أصالة عدم التداخل- المعمول بها عند الأصحاب- تعدد النجاسة، و تعدد التطهير، سواء كان السبب علة تامة للمسبب، أم مقتضيا فقط، كما في المقام.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ نظائر المقام لا دخل لها بمسألة التداخل و عدمه أصلا، لأنّ المتشرعة، بل العرف مطلقا لا يرون للثاني اقتضاء للتأثير في المحلّ الذي أثر الأول أثره، و لم يبق موضوعا لتأثير غيره، كما إذا وقعت قطرة من الماء- مثلا- في إناء مملوء من الماء، فإنّ العرف لا يرون للقطرة اقتضاء سراية الرطوبة منها إلى الإناء المملوّ بالماء، و يحكمون ببطلان أثره. هذا إذا اتحدا من كلّ

ص: 445

.....

______________________________

حيثية و جهة، و لم يكن اختلاف أثري بينهما أصلا. و أما مع الاختلاف- و لو في الجملة- فلا ريب في تحقق الاقتضاء.

الثاني: تقدم في أول كتاب الطهارة: أنّ الطهارة و النجاسة أمران اعتباريان لهما مراتب متفاوتة- شدة و ضعفا- و لا ريب في اختلاف المرتبة مع اختلاف الأثر، كالوضوء و الغسل، أو الدم و البول، نجاسة و تطهيرا- مثلا- و أما مع عدم الاختلاف، بل الاتحاد من كلّ جهة، فالظاهر تحقق الاشتداد في الطهارة الحدثية، لقولهم عليهم السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور» (1).

و في بعض الأخبار: «الطهر على الطهر عشر حسنات» (2).

و أما الطهارة الخبيثة و النجاسة فهل يتحقق الاشتداد فيهما أو لا؟ كما إذا غسل الثوب المتنجس في الكرّ مرات، فهل يحصل الاشتداد في الطهارة؟ و كما إذا صب قطرة بول على قطرة أخرى منه، فهل يحصل الاشتداد في النجاسة؟

وجهان: لا يبعد الأولى. و لكن لا أثر لهذا الاشتداد شرعا، كما أنّ النجاسات حقائق متباينة، أو أنّها مراتب حقيقة واحدة، إذ مع اختلاف الأثر شرعا لا بد من ترتب الأثر في التطهير. و إلا فلا تحصل الطهارة، سواء كانت حقائق مختلفة، أم مراتب حقيقة واحدة. و مع عدمه تحصل الطهارة بمطلق التطهير- كانت حقائق مختلفة أو مراتب حقيقة واحدة- فلا ثمرة لهذا النزاع أصلا.

الثالث: يأتي في مطهرية الانقلاب: أنّ الخمر إذا تنجس بنجاسة خارجية لا يطهر بالانقلاب. و ربما يتوهم التنافي بينه و بين المقام من قولهم: «المتنجس لا يتنجس». و لكن الظاهر أنّه لا تنافي، لاختلاف الأثر، لأنّ قولهم في المقام إنّما هو فيما إذا لم يكن في البين اختلاف الأثر، حدوثا و بقاء أصلا. و ما يأتي في الخمر في مورد اختلاف الأثر، لأنّ النجاسة الخمرية تزول بالانقلاب، بخلاف غيرها المتوقف تطهيرها على مطهّر خاص. و تقدم بقاء الاقتضاء في مورد اختلاف الأثر، فمسألة عروض نجاسة أخرى على الخمر داخلة في ما يأتي من قوله:

«لكن لو اختلف حكمهما».

______________________________

ص: 446


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 8.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 3.

لكن إذا اختلف حكمهما يرتّب كلاهما (23)، فلو كان لملاقي البول حكم، و لملاقي العذرة حكم آخر، يجب ترتيبهما معا. و لذا لو لاقى الثوب دم، ثمَّ لاقاه البول، يجب غسله مرّتين، و إن لم يتنجس بالبول بعد تنجسه بالدم، و قلنا بكفاية المرة في الدم. و كذا إذا كان في إناء ماء نجس، ثمَّ ولغ فيه الكلب، يجب تعفيره و إن لم يتنجس بالولوغ.

و يحتمل أن يكون للنجاسة مراتب في الشدة و الضعف. و عليه فيكون كلّ منهما مؤثرا و لا إشكال (24).

مسألة 10: إذا تنجس الثوب- مثلا- بالدم مما يكفي فيه غسله مرة

(مسألة 10): إذا تنجس الثوب- مثلا- بالدم مما يكفي فيه غسله مرة، و شك في ملاقاته للبول أيضا مما يحتاج إلى التعدد، يكتفى فيه بالمرة، و يبنى على عدم ملاقاته للبول (25)، و كذا إذا علم نجاسة إناء و شك في أنّه ولغ فيه الكلب أيضا أم لا، لا يجب فيه التعفير،

______________________________

(23) هذه المسألة معروضة في صورة اختلاف الخصوصية، و ما تقدمها في صورة عدم الاختلاف أصلا. فإنّ أصل النجاسة من حيث هي شي ء و الخصوصية الثابتة لبعض النجاسات شي ء آخر. و عدم تنجس المتنجس بأصل النجاسة، لا ينافي ثبوت الخصوصية بإطلاق دليلها الشامل لصورة ورودها على المتنجس أيضا.

(24) إن كان مع الاختلاف في الأثر، فلا ريب في ترتيب الأثر الشديد- تباينا أو اختلفا من حيث المرتبة- و إن لم يكن اختلاف أثري في البين، فهما سيان في التطهير- تباينا أو اختلفا من حيث المرتبة- فلا أثر للنزاع في التباين و الاختلاف الرتبي من هذه الجهة.

(25) لأصالة عدم الملاقاة، و عدم وجوب التطهير زائدا على المتيقن و كذا في الشك في الولوغ، و لا وجه لاستصحاب النجاسة، لأنّه من القسم الثالث من استصحاب الكليّ، و قد ثبت بطلانه.

ص: 447

و يبنى على عدم تحقق الولوغ. نعم، لو علم تنجسه إما بالبول أو الدم، و إما بالولوغ أو بغيره يجب إجراء حكم الأشد (26) من التعدد في البول، و التعفير في الولوغ.

مسألة 11: الأقوى أنّ المتنجس منجس

(مسألة 11): الأقوى أنّ المتنجس منجس (27) كالنجس لكن لا

______________________________

(26) لأصالة بقاء النجاسة ما لم يعلم زوالها، و هذا الأصل يجري بالنسبة إلى كليّ النجاسة. و لا وجه لجريانه بالنسبة إلى الفرد، لتردده بين ما هو معلوم الارتفاع، و معلوم البقاء، و في مثله لا يجري الأصل، كما ثبت في محلّه.

و المقام نظير الحدث الصادر المردد بين الأصغر و الأكبر بالنسبة إلى من كان متطهرا قبل حدوثه. و لا وجه لدعوى: أنّ الأخف في المقام متيقن، و الشك في الأشد، و ينفى بالأصل. و ذلك لعدم اليقين بالنسبة إلى الأخف من حيث هو، و إنّما المتيقن هو نفس طبيعة الحدث من حيث هي. و هذه الطبيعة مرددة بين الأخف و الأشد، فيجب الاحتياط و يأتي بعض الكلام في الجنابة.

(27) على المشهور، بل المجمع عليه، كما ادعاه جمع كثير. و إجماع المسلمين، بل الضرورة كما في المستند و الجواهر. و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا، و لعل عدم تعرض الطبقة الأولى له كان لأجل اكتفائهم ببيان أحكام النجس عنه، لأنّه كان كعين النجس لديهم، كما هو كذلك لدى المتشرعة فلا يفرقون بين الدم و المتنجس به في الأحكام. و المناقشة في مثل هذا الإجماع بأنّه اجتهادي، و ليس بتعبدي. موهونة جدّا، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و لا بد من البحث في جهتين:

الأولى: تمامية المقتضي لتنجس المتنجس.

الثانية: عدم المانع عنه.

أما الأولى: فلجملة من النصوص المستفيضة الواردة في الأبواب المتفرقة، التي يحصل القطع من مجموعها بأنّ المتنجس كان كنفس النجس عند الأئمة عليهم السلام في التنجيس، مثل ما دل على وجوب الاجتناب عن الإناء إذا

ص: 448

.....

______________________________

أدخل يده القذرة فيها (1)، و ما دل على المنع عن إدخال الجنب أو المحدث يده في الإناء، إلا أن تكون نظيفة (2)، و ما دل على غسل ما أصابه قطرة من طشت فيه وضوء، من بول أو غائط (3)، و ما دل على تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب (4)، فإنّه ظاهر، بل صريح في نجاسة الإناء بنجاسة الماء الذي ولغ فيه الكلب.

و موثق عمار، عن الصادق عليه السلام: «عن رجل يجد في إنائه فأرة، و قد توضأ من ذلك الماء مرارا أو اغتسل، أو غسل ثيابه، و قد كانت الفأرة متسلخة. فقال عليه السلام: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ، أو يغسل ثيابه، ثمَّ يفعل ذلك بعد ما رآها، فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة- الحديث-» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي لا يبعد دعوى تواترها إجمالا، و لكن لا يخفى أنّ في سراية النجاسة أقسام:

الأول: دوران النجاسة مدار عينها، و عدم التعدي عنها إلى ما يلاقيها مطلقا مائعا كان أو لا، و استشعر ذلك من بعض عبارات السيد رحمه اللّه و الكاشاني رحمه اللّه.

الثاني: السراية من المتنجس في المائعات الملاقية لأعيان النجاسة إلى ظروفها- مثلا- و المتيقن من إجماع المسلمين، و الضرورة بينهم هذان القسمان، كما أنّ ما تقدم من الروايات ظاهرة، بل صريحة في سراية النجاسة من المائع الملاقي لعين النجس. قال في مصباح الفقيه:

«لم يعلم من أحد إنكار كون المائعات الملاقية للنجس بمنزلتها من حيث السراية، بل الظاهر، كما هو صريح الحليّ التزام الكلّ بذلك».

فلا ينبغي أن يجعل هذان القسمان مورد البحث، لأنّ المخالف فيهما إن كان، فلا ريب في وضوح بطلان قوله نصا، و إجماعا، بل ضرورة.

______________________________

ص: 449


1- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.
2- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.
3- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

.....

______________________________

الثالث: ما إذا لاقى ثوب- مثلا- ببول، ثمَّ زال عينه و جف ثمَّ لاقى المحلّ المتنجس شيئا آخر مع الرطوبة المسرية. المشهور، بل المجمع عليه:

سراية النجاسة في هذا القسم أيضا، كما أنّ إطلاق دعواهم الضرورة على السراية يشمله أيضا.

و لكن قد يقال: إنّ الأخبار المذكورة قاصرة عن شمول هذا القسم بالدلالة المطابقية، لظهور جلّها، بل كلّها في القسم الثاني.

و يمكن دفعه: بأنّ الأسئلة في مثل هذه الروايات إنّما وقعت لأجل كونها مورد ابتلاء السائلين، لا لخصوصية فيها قطعا، فالمناط كلّه وجود نجاسة، و تحقق منشأ لانتقال النجاسة منها إلى غيرها، سواء كان منشأ الانتقال المائع الملاقي للنجاسة، أو الرطوبة المسرية التي تكون مثل المائع نصّا، و إجماعا على ما تقدم في كيفية تنجس المتنجسات.

و حينئذ نقول: إذا تنجس الثوب بالبول- مثلا- ثمَّ جف. فإن زالت النجاسة بالجفاف، فهو خلاف حصر المطهرات في أشياء خاصة، و خلاف الإجماع، بل الضرورة. و إن بقيت فالرطوبة المسرية تجعلها كوقوع النجس في المائع المستلزم سراية النجاسة نصّا و إجماعا، فلا وجه للتشكيك في شمول الروايات من هذه الجهة، لكون ما يدل على كفاية الرطوبة المسرية في سراية النجاسة حاكمة على مثل هذه الأخبار، فيكون المقتضي للسراية موجودا.

و أما الجهة الثانية- و هو وجود المانع- فاستدل عليه بوجوه:

الأول: أنّ الإجماع على السراية اجتهادي، لا أن يكون تعبديا فلا اعتبار به.

و يرد عليه: أنّه لو كان كذلك، بل لو احتمل كونه اجتهاديا، لم يعتمد عليه أساطين الفقه و خبراء الفن و نقاده، لأنّهم أجل من أن يعتمدوا على اجتهاد غيرهم.

إن قلت: كيف يصح الإجماع مع سكوت الطبقة الأولى عن التعرض له.

قلت: عدم التعرض في هذه المسألة الابتلائية يكشف عن كون المتنجس لديهم كالنجس، و قد تعرضوا لأحكام النجس مستوفية، كما لا يخفى.

ص: 450

.....

______________________________

إن قلت: عدم التعرض أعم من ذلك، إذ يمكن أن يكون لأجل ذهابهم إلى عدم السراية.

قلت: سراية الاستقذار من القذارات من مرتكزات العوام فضلا عن فقهاء الأنام. و الذهاب إلى خلاف هذا المرتكز يحتاج إلى مزيد عناية و اهتمام، و لا يكفي فيه مجرد السكوت.

الثاني: أنّ وجود المخالف مما يوجب عدم حصول العلم من مثل هذا الإجماع برأي المعصوم عليه السلام، مع أنّ المدار في اعتباره عليه فقط.

و فيه: أنّ المخالف إذا علم استناده إلى ما هو ظاهر المناقشة فيه فلا اعتبار بمخالفته و لا يضر بالإجماع، فتكون هذه المسألة عكس مسألة انفعال ماء البئر- حيث علم مدرك القائلين بالانفعال مع وضوح الخدشة فيه، و قد استقر المذهب على الطهارة- و أما المقام فقد علم مدرك المخالفين مع وضوح المناقشة فيه، فلا يضر باستقرار المذهب على السراية و النجاسة.

ثمَّ إنّه قد نسب الخلاف إلى ابن إدريس و الكاشاني و السيد صدر الدين رضوان اللّه و تعالى عليهم.

و فيه: ما عن الجواهر في مسألة الاستنجاء: «لا يليق بالفقيه التصدّي لرد مثل ذلك بعد ما عرفت أنّه مخالف لإجماع المسلمين و ضرورة الدين». مع أنّ للأولين التفرد بالفتوى في جملة من الفروع، فكيف يطرح الإجماع لأقوالهما الشريفة المستندة إلى الاجتهاد المحض.

الثالث: أنّ الأخبار المستدل بها على السراية ظاهرة في وقوع النجس في المائع الملاقي لشي ء آخر، فلا تشمل غير هذا القسم.

و فيه: ما تقدم من أنّ شرط الانفعال الرطوبة المسرية، و لا اختصاص له بالمائع فقط. فما دل على كفايتها تكون حاكمة على مثل هذه الأخبار.

الرابع: أنّه لو قلنا بالسراية لعمت النجاسة جميع البرية، فيختل النظام و تعطل أسواق الأنام، و هو ضروري البطلان بلا كلام.

و فيه: أنّ السراية تدور مدار قيام حجة معتبرة عليها- من علم بها أو بينة

ص: 451

.....

______________________________

عليها و في غيره، فالمرجع قاعدة الطهارة، و لا يحصل بعد ذلك اختلال النظام و لا تعطيل أسواق الأنام.

الخامس: استقرار سيرة المتشرعة على المسامحة في الاجتناب عن ملاقيات المتنجس على ما فصله في مصباح الفقيه.

و فيه: أنّه لم يعلم قيام هذه السيرة مع وجود أمارة معتبرة على السراية.

و على فرض تحققها- حتّى مع ذلك- فلا اعتبار بها قطعا.

السادس: جملة من الأخبار:

منها: ما عن ابن سدير قال: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام أنّي ربما بلت فلا أقدر على الماء و يشتد ذلك عليّ فقال عليه السلام: إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك، فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك» (1).

و فيه: أنّه لا إشارة فيه إلى أنّ المسح بالريق على موضع القذر من رأس الحشفة، مع تأبّى النفوس نوعا عن ذلك، بل هذا حيلة شرعية علّمها الإمام عليه السلام لدفع الوسوسة: بأن يمسح بعض أطراف الذكر بالريق حتّى لو رأى بعد ذلك رطوبة، لصح أن يقال إنّها من الريق، لا من الرطوبة المتنجسة بملاقاة موضع القذر. و لمثل هذه الحيل الشرعية نظائر كثيرة، كما لا يخفى على المتتبع.

و منها: صحيح العيص عنه عليه السلام: «عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذه، قال: يغسل ذكره و فخذه. و سألته عمن مسح ذكره بيده ثمَّ عرقت يده فأصابه ثوبه، يغسل ثوبه؟ قال: لا» (2).

و فيه: أنّ صدره ظاهر، بل نص في تنجيس المتنجس، و ذيله ليس بظاهر في أنّ موضع إصابة اليد إلى الثوب كان عين محل النجس منها، فلعله كان غير محل النجس، و المرجع في صورة الشك أصالة الطهارة.

و منها: صحيح ابن حكيم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له: «أبول

______________________________

ص: 452


1- الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.
2- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 1 و باب: 6 منها حديث: 2.

.....

______________________________

فلا أصيب الماء و قد أصاب يدي شي ء من البول، فأمسحه بالحائط و بالتراب ثمَّ تعرق يدي فأمسح (فأمسّ) به وجهي، أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي، قال: لا بأس به» (1).

و فيه: أنّه لا يحكم بالنجاسة إلا إذا علم أنّ محلّ المسح بالوجه أو الجسد و محلّ الإصابة من الثوب كان عين محل النجس. و إلا فالمرجع أصالة الطهارة.

فالمقام من صغريات ملاقي بعض أطراف مورد العلم الإجمالي بالنجاسة، و قد تقدم حكمه.

و منها: خبر سماعة قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: «إنّي أبول ثمَّ أتمسح بالأحجار فيجي ء منّي البلل ما يفسد سراويلي، قال عليه السلام: ليس به بأس» (2).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده- و ظهوره في كفاية التمسح بالأحجار في الاستنجاء من البول، و هو خلاف المذهب- يحتمل أن يراد به عدم البأس في نقض الوضوء، مضافا إلى عدم العلم بملاقاة البلل الخارج لموضع النجس من رأس الحشفة، و مقتضى الأصل عدمها. و مع الشك فأصالة الطهارة في السراويل محكمة.

و منها: ما عن حفص الأعور عن الصادق عليه السلام: «الدن يكون فيه الخمر ثمَّ يجفف، يجعل فيه الخل؟ قال: نعم» (3).

و فيه: أنّه محمول على التجفيف بعد التطهير ثلاثا، كما في أخبار أخر (4).

و منها: ما عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما السلام: «سألته عن الكنيف

______________________________

ص: 453


1- الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
3- تقدم ذكره في صفحة: 395.
4- راجع الوسائل باب: 51 و 53 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

يصب فيه الماء فينضح على الثياب، ما حاله؟ قال عليه السلام: إذا كان جافا فلا بأس»(1).

و فيه أولا: أنّه ليس المراد بالكنيف ما استقر فيه النجاسة، و من الممكن، بل الظاهر أنّ المراد به ما وقعت النجاسة فيه، ثمَّ زال أثرها بالماء، فيكون طاهرا حينئذ، و لعل قوله عليه السلام: «إذا كان جافا»- أي لم يكن فيه نجاسة بالفعل.

و ثانيا: أنّ الماء الذي ينتضح من الكنيف أولا ثمَّ وقوعه ثانيا منها على الطاهر، لا يحكم بنجاسته، للأصل. و الغالب أنّ الماء الذي ينتضح من الكنيف أنّه من هذا القبيل، لا أن يقع على النجس ثمَّ يقع منه على المحل.

و منها: غير ذلك مما ذكروه مع ظهور الخدشة فيها.

ثمَّ إنّه على فرض صحة الدلالة في بعضها، أسقطه عن الاعتبار استقرار المذهب على خلافه.

فروع- (الأول): ظاهر كلمات المجمعين سراية النجاسة، سواء كانت بواسطة واحدة أم كثيرة، فلا وجه للأخذ بالقدر المتيقن- و هو الواسطة الواحدة- بعد ظهور الكلمات في الأعم.

(الثاني): لا يكفي الظن بالسراية، بل لا بد من قيام حجة معتبرة عليها، بلا فرق بين ذي الواسطة الواحدة و الكثيرة.

(الثالث): كلّ من رأى النجاسة في آلات عمل عامل- من بنّاء أو غيره- مع إحراز أنّه متوجه إليها، ثمَّ شك في أنّه طهرها، لا يجب عليه الاجتناب عما عمل بها، لقاعدة الصحة، و لا يجب عليه الفحص.

(الرابع): إذا علم بالسراية مع واسطة واحدة أو كثيرة، ثمَّ شك في التطهير و عدمه، فمقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة مطلقا، إلا مع أمارة على الخلاف.

(الخامس): إذا أخبر ذو اليد بالسراية أو بعدمها، يعتبر قوله فيهما.

______________________________

ص: 454


1- الوسائل باب: 60 من أبواب النجاسات حديث: 2.

يجري عليه جميع أحكام النجس (28). فإذا تنجس الإناء بالولوغ يجب تعفيره، لكن إذا تنجس إناء آخر بملاقاة هذا الإناء، أو صب ماء الولوغ في إناء آخر لا يجب فيه التعفير، و إن كان الأحوط، خصوصا في الفرض الثاني (29) و كذا إذا تنجس الثوب بالبول وجب تعدد الغسل، لكن إذا تنجس ثوب آخر بملاقاة هذا الثوب لا يجب فيه التعدد (30)، و كذا إذا تنجس شي ء بغسالة البول- بناء على نجاسة الغسالة- لا يجب فيه التعدد.

مسألة 12: قد مرّ أنّه يشترط في تنجس الشي ء بالملاقاة تأثره

(مسألة 12): قد مرّ أنّه يشترط في تنجس الشي ء بالملاقاة تأثره، فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة أصلا، كما إذا دهن على نحو إذا غمس في الإناء لا يتبلل أصلا، يمكن أن يقال: إنه لا

______________________________

(28) لأنّ النجس و المتنجس به متغايران عرفا، فإذا دل الدليل على ثبوت أثر خاص للنجس، لا وجه لإجرائه على المتنجس به. و إنّما الثابت بالسراية أصل النجاسة فقط، و الأثر الخاص متقوّم بخصوص عين النجس لهم لو تعدّى العين إلى المتنجس أيضا يجري عليه تمام أحكام النجس.

(29) أما عدم وجوب التعفير في الإناء الثاني فلاختصاص وجوبه بما ولغ فيه الكلب، و لا يصدق على الثاني أنّه ولغ فيه الكلب.

و أما الاحتياط فلإمكان أن يستظهر من أدلة التعفير أنّ موضوعه الإناء الذي يكون ظرفا لماء ولوغ الكلب، سواء كان بلا واسطة، أم معها، و يأتي الكلام في [مسألة 5] من فصل المطهّرات، فراجع.

(30) لاختصاص دليله بما فيه عين البول، فلا يشمل ما تنجس به مع عدم العين فيه، فالمرجع حينئذ المطلقات الدالة على كفاية المرة الواحدة في تطهير مطلق النجاسات، و يأتي في [مسألة 4] من فصل المطهرات ما ينفع المقام، فراجع.

ص: 455

يتنجس بالملاقاة (31) و لو مع الرطوبة المسرية. و يحتمل أن تكون رجل الزنبور، و الذباب، و البق، من هذا القبيل.

مسألة 13: الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس

(مسألة 13): الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس. فالنخامة الخارجة من الأنف طاهرة و إن لاقت الدم في باطن الأنف. نعم، لو أدخل فيه شي ء من الخارج، و لاقى الدم في الباطن فالأحوط فيه الاجتناب (32).

______________________________

(31) لأنّ استيلاء الماء على الشي ء أمر، و تأثره بالماء أمر آخر، و الأول أعم من الثاني وجدانا. ثمَّ إنّه يكفي الشك في التأثر في الحكم بالطهارة، للأصل، و لا يتوقف على إحراز عدم التأثر.

(32) راجع [مسألة 1] من فصل نجاسة البول و الغائط، و [مسألة 12] من نجاسة الدم، و ما يأتي في العاشر من المطهرات.

ص: 456

فصل يشترط في صحة الصلاة، واجبة كانت أو مندوبة إزالة النجاسة عن البدن

اشارة

(فصل) يشترط في صحة الصلاة، واجبة كانت أو مندوبة إزالة النجاسة عن البدن (1) حتّى الظفر، و الشعر (2)، و اللباس (2)، ساترا كان أو غير ساتر (3) عدا ما سيجي ء من مثل الجورب و نحوه مما لا تتم الصلاة (فصل يشترط في صحة الصلاة)

______________________________

(1) للنصوص المستفيضة الشاملة للصلاة الواجبة و المندوبة. منها: قولهم عليهم السلام: «لا صلاة إلا بطهور»(1) .

بل و ضرورة من المذهب بل الدين أيضا.

(2) لظهور إطلاق قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» في الأعم من الطهارة الحدثية و الخبيثة. و ما ورد في الاستنجاء (2) بعد القطع بأنّه لا خصوصية لتطهير مخرج البول و الغائط في ذلك، بل يكون ذكرهما من باب المثال لمطلق إزالة النجاسة عن الثوب و البدن، مضافا إلى مسلّمية الحكم في جميع ما ذكر بين الفقهاء.

(3) نصّا (3) و إجماعا، بل و ضرورة من المذهب. و أما عدم الفرق بين الساتر و غيره، فلإطلاق الأدلة، و معقد إجماع فقهاء الملة الشامل لهما و المذكور في النصوص و الفتاوى كما يأتي الثوب، و يعبّر عنه باللباس أيضا.

______________________________

ص: 457


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب النجاسات.

فيه (4). و كذا يشترط في توابعها من صلاة الاحتياط و قضاء التشهد و السجدة المنسيين (5). و كذا في سجدتي السهو على الأحوط (6). و لا يشترط فيما يتقدمها من الأذان و الإقامة، و الأدعية التي قبل تكبيرة الإحرام، و لا فيما يتأخرها من التعقيب (7). و يلحق باللباس (8)-

______________________________

(4) يأتي وجهه في فصل ما يعفى عنه في الصلاة عند قوله رحمه اللّه:

«الثالث مما يعفى عنه ما لا تتم فيه الصلاة».

(5) لما يأتي في [مسألة 1] من فصل كيفية صلاة الاحتياط من ظهور الإطلاق و الاتفاق.

(6) كما سيأتي في [مسألة 7] من فصل موجبات سجود السهو و كيفيته.

(7) كلّ ذلك لأصالة البراءة بعد عدم دليل على اشتراط الطهارة فيها.

نعم، تستحب الطهارة فيها، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

(8) الاحتمالات في مانعية النجاسة عن صحة الصلاة ثلاثة:

الأول: بطلان الصلاة في النجس مطلقا و لو بمثل شعرة متنجسة على لباس المصلّي، فيكون النجس كأجزاء غير المأكول، إلا ما استثني. و استظهر ذلك في مصباح الفقيه من قوله عليه السلام في خبر النميري: «لا تصلّ في شي ء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ» (1).

و فيه أولا: قصور سنده و عدم العمل به في مورده.

و ثانيا: أنّ المنساق منه الألبسة الحديدية كالمغفر، و الجوشن، و الخاتم من الحديد و نحوها مما يلبس، فلا يشمل ما إذا كانت إبرة من حديد في جيب المصلّي. و لذا خصوا الكراهة باستصحاب الحديد البارز، فراجع ما يأتي من مكروهات اللباس.

و ثالثا: أنّ ما اشتمل من الأدلة على الثوب يقيده، على فرض ظهور الإطلاق فيه.

______________________________

ص: 458


1- الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.

على الأحوط- اللحاف الذي يتغطى به المصلّي مضطجعا إيماء، سواء كان متستّرا به أولا، و إن كان الأقوى في صورة عدم التستر به- بأن كان ساتره غيره- عدم الاشتراط (9). و يشترط في صحة الصلاة أيضا إزالتها عن موضع السجود (10). دون المواضع الأخر (11). فلا بأس بنجاستها

______________________________

الثاني: الجمود على خصوص ما ورد في الأدلة مما يسمّى ثوبا عرفا، فلا تشمل مثل اللحاف.

و فيه: أنّه جمود بلا دليل مع كثرة الاختلاف الفاحش فيما يتغطّى به الناس آحادهم في كلّ عصر، بل في الحالات المختلفة لشخص واحد.

الثالث: التعميم إلى مطلق ما يتغطّى به و يلف على الجسد، سواء كان كالثياب المعهودة أم لا، فيكون ذكر الثوب في الأدلة من باب المثال فقط، فيشمل اللحاف، بل الحصير الذي يلفه الشخص على نفسه. و لا يبعد شمول الأدلة له.

(9) لأنّ المتيقن من التعميم إلى القسم: ما إذا كان ساترا. و أما مع عدمه فلا يصدق الثوب عليه، و لا أقلّ من الشك في ذلك، فيكون التمسك بالأدلة من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و المرجع حينئذ أصالة البراءة، و لا ينافي ذلك ما تقدم منه رحمة اللّه عليه من قوله: «ساترا كان أو غير ساتر»، لأنّه في صورة صدق الثوب و اللباس لغة و عرفا، فيشمله إطلاق الأدلة قهرا، لا في مورد الشك في الصدق الذي لا تشمله الأدلة و يأتي هذا الفرع في [مسألة 48] من فصل شرائط لباس المصلّي.

(10) على المشهور المدعى عليه الإجماع. و نسب إلى الوسيلة و الراوندي: أنّ الأراضي و البواري و الحصر إذا أصابها نجس و جففتها الشمس، لا تطهر و يجوز السجود عليها، و استظهر منها مخالفة المشهور.

و لكن يمكن أن يكون خلافها مع المشهور في كيفية تطهير الشمس، و أنّه ليس بحقيقي، بل يوجب صحة الصلاة فقط، كما عن بعض من أن التيمم يوجب إباحة الصلاة فقط، و حينئذ يتم الإجماع على اعتبار طهارة موضع السجود.

ص: 459

.....

______________________________

و استدل أيضا بإطلاق صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: «في البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه، فقال: إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (1).

فإنّ إطلاق قوله: «فصلّ عليه» يشمل السجود عليه أيضا. و بصحيح ابن محبوب عن الرضا عليه السلام قال: «سألته عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمَّ يجصص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطه: إنّ الماء و النار قد طهراه» (2).

و ظهوره في مسلّمية اعتبار الطهارة في مسجد الجبهة مما لا ينكر. و لكن أشكل عليه من جهتين:

الأولى: ظهوره في صحة السجود على الجص مع خروجه عن اسم الأرض، و يأتي ما يتعلق به في [مسألة 1] من فصل ما يصح السجود عليه.

الثانية: إجمال قوله عليه السلام: «إنّ الماء و النار قد طهراه»، إذ لا وجه لنجاسة الجص إلا الدخان المتصاعد من العذرة و عظام الموتى. مع أنّ دخان النجس يطهر بالاستحالة.

و يمكن أن يجاب عنه: بأنّه ليس المراد بالطهر الطهارة من النجاسة الشرعية، بل المراد دفع الاستقذار النفساني الحاصل لما يطبخ بالعذرة و عظام الموتى، فقال عليه السلام: إنّ الماء و النار يذهبان هذا الاستقذار، و الطهر يستعمل في الأحاديث في الأعم من إزالة النجاسات الشرعية أيضا، كقولهم عليهم السلام: «السواك مطهرة»، و «النورة طهور» (3)إلى غير ذلك من الاستعمالات، فراجع، كما أنّه يطلق لفظ (باك) المرادف في الفارسية للطهارة في مطلق رفع القذارة، نجاسة كانت أو غيرها من سائر القذارات، كما لا يخفى.

(11) على المشهور المتسالم عليه بين الأصحاب، للأصل، و قول

______________________________

ص: 460


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 81 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- تقدم ذكرهما في صفحة: 227.

إلا إذا كانت مسرية إلى بدنه، أو لباسه (12).

______________________________

الصادقين عليهما السلام بنفي البأس عن الصلاة على الشاذكونة (1)التي تصيبها الجنابة (2)، و بصحيح ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام: «عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول، و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلّى فيهما إذا جفّا؟ قال: نعم» (3).

فيحمل موثق ابن بكير: «عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام، أ يصلّى عليها؟

فقال عليه السلام: لا» (4).

إما على الكراهة، أو على ما إذا استلزمت السراية. و كذا موثق عمار قال:

«سأل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس، و لكنه قد يبس الموضع القذر، قال عليه السلام: لا يصلّى عليه- الحديث-» (5).

محمول على الكراهة جمعا. فما نسب إلى السيد رحمه اللّه: من اعتبار طهارة ما يلاقيه بدن المصلّي، و إلى الحلبي: من اعتبار طهارة مواضع الأعضاء السبعة، غير ظاهر الوجه.

(12) على المشهور، بل استفاض عليه نقل الإجماع.

فروع- (الأول): المدار في السراية، السراية إلى بدن المصلّي، أو لباسه. أما لو تعدت إلى سجادته، أو طرف تربته الملصق على الأرض فلا بأس بها.

(الثاني): لو تعدت إلى بدنه أو لباسه، و كان دما و بمقدار العفو فلا بأس به، لإطلاق دليل العفو الشامل لها عرفا. و ما عن الإيضاح من دعوى الإجماع على المنع مطلقا حتّى المعفو عنها. معارض بما عن التذكرة من الإجماع على

______________________________

ص: 461


1- الشاذكونة: هي ما يفترش فوق الفراش الذي ينام عليه توقيا عليه من إصابة البول و الاحتلام و نحوهما.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 6.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 4.

مسألة 1: إذا وضع جبهته على محلّ بعضه طاهر و بعضه نجس

(مسألة 1): إذا وضع جبهته على محلّ بعضه طاهر و بعضه نجس، صح إذا كان الطاهر بمقدار الواجب، فلا يضر كون البعض الآخر نجسا، و إن كان الأحوط طهارة جميع ما يقع عليه. و يكفي كون السطح الظاهر من المسجد طاهرا و إن كان باطنه أو سطحه الآخر، أو ما تحته نجسا، فلو وضع التربة على محلّ نجس، و كانت طاهرة و لو سطحها الظاهر، صحت الصلاة (13).

مسألة 2: تجب إزالة النجاسة عن المساجد

(مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد (14). داخلها

______________________________

طهارة المكان من النجاسات المتعدية، ما لم يعف عنها.

(الثالث): لو كان النجس يابسا، و كان على بدن المصلّي أو لباسه أو مكان صلاته، فلا بأس في الأخير. و يأتي حكم الأولتين في الرابع مما يعفى عنه في الصلاة.

(الرابع): لو شك في سراية النجاسة، فمقتضى الأصل عدمها.

(الخامس): لو علم بالسراية إلى البدن أو اللباس، و شك في أنّها كانت من المحل النجس أو من غيره، فمقتضى الأصل عدم وجوب التطهير عليه، و صحة صلاته بدونه.

(13) كلّ ذلك لإطلاق اعتبار الطهارة الشامل لجميع هذه الأقسام، مع ظهور تسالم الأصحاب عليه. و كذا الكلام في وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فيكفي كونه كذلك بحسب السطح الظاهر، و بالمقدار الواجب.

(14) لظهور تسالم الفقهاء عليه في كلّ عصر، و عن جمع نقل الإجماع عليه، منهم الشهيد و الفاضلان. و استدل أيضا بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ (1) بضميمة عدم الفصل بين المسجد الحرام و غيره من المساجد، و المشرك و غيره من أقسام النجاسات و بالنبوي المعروف:

______________________________

ص: 462


1- سورة التوبة (9) الآية: 28.

و سقفها و سطحها، و طرف الداخل من جدرانها (15)، بل و الطرف الخارج على الأحوط. إلا أن لا يجعلها الواقف جزءا من المسجد، بل

______________________________

«جنبوا مساجدكم النجاسة، و تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم» (1).

الظاهر عرفا في المساجد المعروفة، دون مطلق المكان الذي أعد للصلاة، أو خصوص مسجد الجبهة، و بما أن أبي جعفر عليه السلام: «أوحى اللّه إلى نبيه صلّى اللّه عليه و آله أن طهّر مسجدك و أخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل و مر بسد أبواب من كان له في مسجدك باب- الحديث-» (2).

و بما عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «قلت له: إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس، إنّ الأرض يطهر بعضها بعضا- الحديث-» (3).

بناء على أنّ مفهومه النهي عن دخول المسجد، لا الدخول في الصلاة، و لكن الظاهر أنّ تسالم الحكم عند الفقهاء و المتشرعة في كلّ عصر أظهر من أن يستند إليه بمثل هذه الأدلة القابلة للمناقشة، كما لا يخفى.

(15) لصدق المسجد عليه فيشمله الحكم قهرا. و كذا الطرف الخارج بعد الصدق العرفي، و إن أمكنت المناقشة: بأنّ عمدة الدليل التسالم و الإجماع و المتيقن منهما الداخل، و الأدلة اللفظية- على فرض التمامية- منصرفة إليه أيضا. مع أنّ المسجدية تدور مدار الجعل و القصد، و شمول الجعل بالنسبة إلى الخارج مشكوك. الا أن يقال: إنّ الجعل بالنسبة إلى المجموع جعل بالنسبة إليه أيضا.

______________________________

ص: 463


1- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 9.

لو لم يجعل مكانا مخصوصا منها جزءا لا يلحقه الحكم (16). و وجوب

______________________________

(16) لاختصاص الحكم بما يكون مسجدا، و تحقق المسجدية يتوقف على الجعل و القصد، و مع عدم الجعل لا موضوع لوجوب الإزالة، بل و كذا مع الشك فيه أيضا، لعدم جريان الأدلة إلا في مورد إحراز الموضوع. نعم، لو كانت قرينة معتبرة على الخلاف لا اعتبار بالشك حينئذ.

فروع- (الأول): يجوز أن لا يجعل ما يفرش به أرض المسجد من الآجر و نحوه جزء من المسجد، فلا تجب إزالة النجاسة عنه حينئذ، إلا إذا كانت هتكا. و لعلّ الأولى ذلك في بعض المساجد التي يكثر تردد غير المبالين بالنجاسة فيها مع عدم اعتناء الناس بتطهيرها.

(الثاني): آلات المسجد إن كانت موقوفة على المسجد، فمقتضى الأصل عدم حرمة التنجيس، و عدم وجوب الإزالة. إلا إذا جعل المحل المشتمل عليها مسجدا بحيث تكون جزء من المسجد مثل آجره و أحجاره على تأمل في صحة جعل الأشياء المنقولة جزء من المسجد. و لكن مقتضى إطلاق الكلمات و مرتكزات المتشرعة، بل و ظهور الاتفاق حرمة التنجيس مطلقا، و وجوب الإزالة لذلك فتأمل.

و قد يستدل على حرمة تنجيسها و وجوب تطهيرها بما يدل على حرمة إدخال النجاسة في المسجد (1)، و يأتي ما فيه آنفا. و كذا الفرش الموقوفة على المساجد لا يلحقها حكمها، إلا مع تحقق الجزئية على تأمل فيه، كما تقدم.

(الثالث): أنقاض المسجد بعد التخريب لا يلحقها الحكم، خصوصا بعد ما نقلت إلى محلّ آخر.

(الرابع): كون فضاء المسجد بحكم المسجد مشكل، فلو فرق النجس في الفضاء بقوة بحيث لم يصل إلى شي ء من المسجد، ثمَّ استحال إلى الهواء يشكل حرمته، بل الظاهر عدمها ما لم يكن هتكا.

______________________________

ص: 464


1- راجع الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد.

الإزالة فوريّ، فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي (17). و يحرم تنجيسها أيضا (18)، بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها، و إن لم تكن منجسة، إذا كانت موجبة لهتك حرمتها (19)، بل مطلقا على الأحوط (20). و أما إدخال المتنجس فلا بأس به (21) ما لم يستلزم الهتك.

______________________________

(الخامس): إذا اتصل موضع من المسجد بالماء المعتصم، كالمطر و الكر و الجاري، فالظاهر أنّ تنجيسه لا حكم له، لأنّ المتفاهم من التنجيس المحرّم غير ذلك. نعم، لو كان هتكا لا يجوز حينئذ.

(17) أما أصل اعتبار الفورية، فعلى المشهور بين الأصحاب، و تقتضيه ظواهر الأدلة بمناسبة الحكم و الموضوع. و أما كونها بمقدار الفور العرفي، فلعدم الدليل على اعتبار الأزيد منه.

(18) إجماعا، بل ضرورة. و يستفاد ذلك مما دل على وجوب الإزالة أيضا، لأنّ المستفاد منها مبغوضية الحدوث و البقاء مطلقا.

و أما موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة» (1). فليس في مقام البيان من كلّ جهة حتّى يشمل حائط المسجد أيضا.

(19) إجماعا، بل ضرورة، سواء تحقق الهتك بالتنجس أم بغيره.

(20) نسب ذلك إلى المشهور مستندا إلى ظاهر الآية الكريمة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ (2).

و إطلاق ما تقدم من الأخبار.

و نوقش في الآية بما مر مع دفعها، و في الأخبار: بأنّ المتبادر منها المتعدية الموجبة للتلويث، و لذا نسب إلى الأكثر الاختصاص بها، مضافا إلى الأصل،

______________________________

ص: 465


1- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 8.
2- سورة التوبة (9) الآية: 28.

مسألة 3: وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي

(مسألة 3): وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي (22) و لا اختصاص له بمن نجّسها أو صار سببا فيجب على كلّ أحد.

مسألة 4: إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدما على الصلاة مع سعة وقتها (23) و مع الضيق قدمها (24) و لو ترك الإزالة مع السعة و اشتغل بالصلاة عصى، لترك الإزالة. لكن في بطلان صلاته إشكال و الأقوى الصحة (25). هذا

______________________________

و إطلاق ما دل على جواز دخول الصبيان و النساء، و مرور الحائض، و دخول المسلوس، و المستحاضة، و قيام السيرة على دخول المجروح و المقروح.

و يمكن المناقشة: بأنّه لو تمت دلالة الآية الكريمة و الأخبار، يكون خروج هذه الموارد تخصيصا فيها، لا أن يخصص أصل الحكم.

(21) للأصل بعد انسباق النجس عن الأدلة- على فرض تمامية الدلالة و ما نسب إلى السرائر من دعوى الإجماع على التعميم، يشكل الاعتماد عليه مع ذهاب الأكثر إلى الاختصاص بخصوص المتعدية، كما عن الرياض.

(22) على المشهور، لأنّ المتفاهم من الأدلة لزوم التطهير و إزالة النجاسة من أيّ شخص تحقق. و نسب إلى الذكر الاختصاص بمن نجّسه.

فإن أراد الأولوية العرفية، فله وجه. و إن أراد اختصاص أصل التكليف بحيث لو عصى سقط عن الباقين، فلا وجه له، بل الظاهر كونه مخالفا لمرتكزات المتشرعة.

(23) على المشهور، لكونه حينئذ من المتزاحمين اللذين يكون أحدهما فوريا و الآخر موسعا، و لا بد حينئذ من تقديم الأول كما ثبت في محلّه.

(24) لكون الأهمية في الصلاة حينئذ، فيجب تقديمها على الإزالة.

(25) أما العصيان فلمخالفة الواجب المنجز الفعلي- و هو فورية الإزالة- و لا معنى للواجب إلا أنّ تركه العمدي يوجب العصيان.

و أما صحة الصلاة فلما استقر عليه المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها:

ص: 466

إذا أمكنه الإزالة. و أما مع عدم قدرته مطلقا أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته (26). و لا فرق في الإشكال في الصورة الأولى بين أن يصلّي في ذلك المسجد أو في مسجد آخر (27). و إذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة (28).

______________________________

من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النّهي عن ضده، لا بالمطابقة، و لا التضمن، و لا بنحو آخر، و قد حققنا ذلك في كتاب أصولنا (1).

فيكون المقتضي لصحة الصلاة موجودا- و هو فعلية الأمر بها- بناء على الترتب الذي أثبتنا إمكانه و وقوعه في العرفيات- و المانع عنها مفقودا، فتصح لا محالة. و على فرض عدم إمكان الترتب، تصح الصلاة بالملاك و قد حققنا جميع ذلك في كتاب أصولنا (2) بما لا مزيد عليه، فراجع.

إن قلت: بناء على عدم إمكان الترتب و سقوط الأمر للمزاحمة، لا وجه لبقاء الملاك أيضا.

قلت: لا ملازمة بين سقوط الأمر و سقوط الملاك، لأنّ سقوط الأمر- على القول به- إنّما هو لأجل المزاحمة، و لا تزاحم في مرتبة الملاك حتّى يسقط.

(26) لانحصار الأمر بالصلاة حينئذ، و لا أمر بالإزالة، لعدم القدرة.

(27) لأنّ المانع تحقق التضاد بين الصلاة و الإزالة، فعلى القول بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، تكون الصلاة منهيا عنها فتبطل، سواء أتى بها في ذلك المسجد، أم في محلّ آخر، مسجدا كان أو غيره.

(28) لسقوط الفورية بقيام الغير بها، فالمقتضي لصحة الصلاة موجود و المانع عنها مفقود، فتصح قهرا. نعم، لو احتاج إلى معاون و ترك المعاونة و صلّى، يكون مثل ما تقدم، لوجوب المعاونة فورا، كوجوب أصل الإزالة كذلك.

______________________________

ص: 467


1- تهذيب الأصول المجلد الأول صفحة: 214 ط: 2 بيروت.
2- تهذيب الأصول المجلد الأول صفحة: 220 ط: 2 بيروت.

مسألة 5: إذا صلّى ثمَّ تبيّن له كون المسجد نجسا

(مسألة 5): إذا صلّى ثمَّ تبيّن له كون المسجد نجسا كانت صلاته صحيحة، و كذا إذا كان عالما بالنجاسة، ثمَّ غفل، و صلّى (29) و أما إذا علمها أو التفت إليها في أثناء الصلاة، فهل يجب إتمامها ثمَّ الإزالة، أو إبطالها و المبادرة إلى الإزالة؟ وجهان، أو وجوه، و الأقوى وجوب الإتمام (30).

مسألة 6: إذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا

(مسألة 6): إذا كان موضع من المسجد نجسا لا يجوز تنجيسه ثانيا بما يوجب تلويثه (31) بل و كذا مع عدم التلويث إذا كانت الثانية أشدّ و أغلظ من الأولى (32). و إلا ففي تحريمه تأمل، بل منع، إذا لم يستلزم

______________________________

(29) لسقوط الأمر بالإزالة في الصورتين، لأجل الجهل في الأولى، و الغفلة في الثانية، فتكون الصلاة بلا مزاحم فتصح لا محالة.

(30) بلا إشكال فيه إن لم يناف الفورية العرفية، كما إذا كان في الركعة الأخيرة من الصلاة- مثلا- مع كونه سريعا في العمل. و أما مع المنافاة ففيه وجوه:

الأول: قطع الصلاة و الإزالة، لأنّ عمدة دليل حرمة القطع الإجماع، و المتيقن منه غير مثل المقام.

الثاني: وجوب الإتمام، لأنّ شمول دليل فورية الإزالة لمثل المقام مشكل، فإنّ عمدة دليلها الإجماع، و المتيقن منه غير صورة التلبس بالصلاة.

الثالث: التخيير، لتكافؤ احتمال الأهمية في كلّ منهما، فلا ترجيح في البين، و مقتضى الأصل حينئذ التخيير. و لعلّ الأوجه هو الثاني، إن لم تكن النجاسة مستلزمة للهتك، و إلا فالأول.

(31) لأنّ تلويث المسجد نوع هتك بالنسبة إليه، فيحرم.

(32) لأنّ الغلظة خصوصية زائدة، و لها حكم مخصوص، فيشمله إطلاق دليله، مضافا إلى أنّ مرتكزات المتشرعة عدم الجواز أيضا.

ص: 468

تنجيسه ما يجاوره من الموضع الطاهر. لكنّه أحوط (33).

مسألة 7: لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز

(مسألة 7): لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز بل وجب، و كذا لو توقف على تخريب شي ء منه (34)، و لا يجب طمّ الحفر و تعمير الخراب (35). نعم، لو كان مثل الآجر مما يمكن رده بعد التطهير

______________________________

(33) أما المنع عن الحرمة فلأصالة البراءة بعد عدم تنجس المتنجس ثانيا على ما تقدم في [مسألة 9] من الفصل السابق.

و أما الاحتياط فلاحتمال حصول الاشتداد في النجاسة، و ينبغي مراعاة عدم حصوله، هذا إذا لم يستلزم الهتك، و إلا فيحرم.

(34) للسيرة، و لأنّ مقتضى وجوب الإزالة وجوب مقدمتها أيضا.

و دعوى: أنّ وجوب الإزالة لا يشمل صورة التوقف على التخريب. مجازفة و مخالفة للسيرة، خصوصا في الأزمنة القديمة، هذا إذا كان التخريب يسيرا.

و أما إذا كان كثيرا، فإن وجد باذل للتعمير فعلا، فمقتضى أصالة البراءة الجواز، بل ربما يكون أولى إن كان من التبديل إلى الأحسن و إن لم يكن كذلك فالتخريب مشكل، خصوصا مع عدم احتياج المصلّين إليه.

(35) لا الوجوب التكليفي، و لا الوضعي- الذي يكون عبارة أخرى عن الضمان- للأصل فيهما، مع أنّه إصلاح محض، فلا وجه لتعقبه الضمان.

و مجرد الإذن الشرعي في التطهير و إن كان أعمّ من عدم الضمان، لكن المتفاهم منه في خصوص المقام عدمه، لأنّه بمنزلة ما لو قال المالك لخادمه: نظّف داري و لو توقف ذلك على تخريب بعض أجزائه. فلا ريب في سقوط الضمان حينئذ.

و أما ما يقال في وجه عدم الضمان: من أنّ المساجد من التحريرات فلا مالك لها، لا عينا، و لا منفعة، و الضمان يتقوّم بوجود المالك، و قد اشتهر أنّ ما لا يؤخذ بمنافعه، لا يؤخذ بقيمته.

فلا يدل على عدم الضمان، لأنّ الضمان يحصل بالاستيلاء على ما يصح اعتبار المالية فيه، و وجود من له حق المطالبة به مع عدم سقوط الضمان شرعا.

ص: 469

وجب (36).

مسألة 8: إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره

(مسألة 8): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره (37)، أو قطع موضع النجس منه، إذا كان ذلك أصلح من إخراجه و تطهيره، كما هو الغالب.

مسألة 9: إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع

(مسألة 9): إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع- كما

______________________________

و لا ريب في اعتبار المالية في المساجد و نحوها عينا و منفعة. نعم، لا ضمان فيما إذا كان التصرف بحق، لأنّ معنى كونها من المشتركات المجانية، عدم الضمان حينئذ، و أما إن كان بغير حق فقد تحقق الاستيلاء على المال عرفا بغير حق، فلا موجب لعدم الضمان من هذه الجهة. و يأتي التفصيل في إحياء الموات إن شاء اللّه تعالى.

(36) لأنّ ذلك مقتضى كونه وقفا على الجهة الخاصة، فلا يصح التصرف فيه في غير تلك الجهة، و يشهد له ما ورد في وجوب رد الحصى و التراب المأخوذ من المسجد الحرام إليه، ففي خبر معاوية: «أخذت سكا من سك المقام و ترابا من تراب البيت و سبع حصيات، فقال عليه السلام: بئس ما صنعت أما التراب و الحصى فرده- الحديث-»(1).

و ما يقال: من الفرق بينه و بين المقام، لأنّ الأخذ فيه محرم بخلاف المقام، فإنّ الأخذ فيه جائز، بل واجب، فلا وجه للاستشهاد.

ممنوع فإنّ وجوب الرد، لأجل بقاء الوقفية، و هو مشترك فيهما، جاز الأخذ حدوثا أو حرم. و ذلك لا يوجب الفرق في حكم البقاء.

(37) بلا إشكال فيه إن تعنون بعنوان المسجدية و جعل جزء المسجد. و أما إن كان من الوقف على المسجد، فمقتضى الأصل عدم الوجوب. و لكن يظهر من إطلاق الكلمات التعميم، فإن كان إجماع، و إلا ففيه إشكال، و قد تقدم في فروع [مسألة 2] التعرض لهذا الفرع، فراجع.

______________________________

ص: 470


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

إذا كان الجص الذي عمّر به نجسا، أو كان المباشر للبناء كافرا- فإن وجد متبرّع بالتعمير بعد الخراب جاز، و إلا فمشكل (38).

مسألة 10: لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا

(مسألة 10): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و إن لم يصلّ فيه أحد، و يجب تطهيره إذا تنجس (39).

مسألة 11: إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة

(مسألة 11): إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة لا مانع منه (40) إن أمكن إزالته بعد ذلك، كما إذا أراد تطهيره بصب الماء و استلزم ما ذكر.

______________________________

(38) أما الجواز، بل الوجوب في الصورة الأولى، فلشمول الدليل لها.

و أما الإشكال في الثانية: فلدعوى انصراف الدليل عنها، و لكن الظاهر اختلاف ذلك بحسب الموارد. فإذا استفيد من نفس العرصة بعد تخريب الجميع عين ما يستفاد من البناء، فالظاهر تعيين التخريب. و إلا فلا بد من تعيين الأرجح من التخريب و البقاء بعد ملاحظة الخصوصيات و الجهات المرجحة.

(39) لظهور اتفاقهم على عدم زوال المسجدية بزوال الآثار، و يقتضيه الأصل أيضا. نعم، يظهر من بعض الفقهاء رحمهم اللّه: أنّ ما بني في الأرض المفتوحة عنوة تزول المسجدية فيها بزوال الآثار، لأنّها فيها تابعة للآثار حدوثا و بقاء.

و يمكن الخدشة فيه: بأن يقال بكفاية حدوث الأثر الصحيح الشرعي لثبوت المسجدية الأبدية، و التحريم المطلق، بقيت الآثار بعد الحدوث أو زالت، فيكون المدار في تحقق المسجدية مطلقا على الحدوث فقط، لا أن تدور مدار بقاء آثار المسجد بقاء أيضا. و لا ثمرة لهذا البحث أصلا، إذ ليس أرض علم بالتفصيل أنّها فتحت عنوة. و المشكوكة كونها كذلك ملحقة بغير المفتوحة عنوة، كما ثبت في محلّه.

(40) للأصل و السيرة، و دوران الأمر بين إبقاء النجس في المسجد، تنجيس الطاهر ثمَّ تطهره. و لا ريب في ترجيح الأخير، فيتعيّن.

ص: 471

مسألة 12: إذا توقف التطهير على بذل مال وجب

(مسألة 12): إذا توقف التطهير على بذل مال وجب. و هل يضمن من صار سببا للتنجيس؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوة (41).

مسألة 13: إذا تغير عنوان المسجد

(مسألة 13): إذا تغير عنوان المسجد، بأن غصب و جعل دارا أو صار خرابا، بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه، و قلنا بجواز جعله مكانا للزرع، ففي جواز تنجيسه و عدم وجوب تطهيره- كما قيل-

______________________________

(41) أما أصل وجوب البذل، فللمقدمية، و لظهور الإجماع.

و أما ضمان من صار سببا. فإن كان لأجل الإتلاف، فلم يتحقق ذلك منه عرفا بالنسبة إلى المال الذي صرف في التطهير. و إن كان لأجل التسبيب، فظاهر اختصاصه بما إذا لم يتخلل بين السبب و التلف إرادة الفاعل المختار- كفتح باب قفص طائر فطار، أو فتح طريق الماء أو النار فحصل تلف بذلك- أو استند التلف إليه عرفا، كالمكره، و شاهد الزور. و قد ورد النص في الأخير (1). و المقام ليس كذلك، لأنّ الباذل بذل المال بإرادته و اختياره.

إلا أن يقال: إنّ المراد بالتسبيب مطلق صحة استناد التلف إليه عرفا، و لو كان بنحو إيجاد الداعي للغير في صرف المال، أو يتمسك بإطلاق قاعدة الغرور.

و لكن الأول خلاف ظواهر الكلمات، و الثاني خلاف المتيقن من الإجماع، و سيرة العقلاء في مورد الغرور.

و يمكن أن يقال: إنّه بعد صحة اعتبار المالية، و وجود من له حق المطالبة، كالمتولي أو الحاكم الشرعي. إنّ التنجس نحو نقص حصل بفعل من صار سببا له، و العرف يرى تدارك هذا النقص في عهدته، فيكون المقام نظير ما يأتي في [مسألة 27]. و الفرق بينهما أنّ في تلك المسألة تثبت المالكية و الملكية الفعلية، بخلاف المقام الذي ليس فيه إلا المالية الاعتبارية و من له حق المطالبة. و ذلك لا يكون فارقا و موجبا لعدم الضمان، مع أنّ العرف يرون نحو اختصاص به و لا يرون ذلك الاختصاص لغيره، كما هو واضح.

______________________________

ص: 472


1- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الشهادات.

إشكال. و الأظهر عدم جواز الأول، بل وجوب الثاني أيضا (42).

مسألة 14: إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد

(مسألة 14): إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد، فإن أمكنه

______________________________

(42) لأصالة بقاء المسجدية بالنسبة إلى ذات الأرض، و ظهور الإجماع على عدم الخروج عن المسجدية، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا. و لكن الماتن رحمه اللّه لم يستبعد في كتاب الوقف من الملحقات الخروج عنها حيث قال: «لا دليل على أنّ المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا»، و يظهر ذلك من كاشف الغطاء أيضا، و كلامهما مخالف للأصل، و ظهور الإجماع، و مرتكزات المتشرعة. و مع عدم الخروج عن المسجدية يتعلق به الحكم قهرا من حرمة التنجيس و وجوب التطهير.

و ما يقال: من أنّ حيثية التعبد في المسجد حيثية تقييدية يدور عنوان المسجدية مدارها حدوثا و بقاء، و مع زوال تلك الحيثية- كما هو المفروض- لا موضوع حتّى يتعلق به الحكم، لأنّ المفروض أنّ عنوان المسجدية يدور مدار بقاء تلك الحيثية.

مدفوع: بأنّ من ظهور الإجماع على عدم الخروج عن المسجدية، يستفاد أنّ تلك الحيثية واسطة في الحدوث فقط، لا في البقاء أيضا. مع أنّ المناط هو جعل المسجد بداعي التعبد فيه، وجد المتعبد أولا، و هذا المناط متحقق أبدا.

فروع- (الأول): لو اخرج فرش المسجد أو حصيرة إلى محلّ آخر، يجري عليه حكم الغصب. و كذا الترب الموضوعة فيه، فتبطل الصلاة عليها في محل آخر، إلا إذا أحرز بوجه معتبر أنّها لم توقف لذلك المسجد بالخصوص، بل وقفت لانتفاع المصلّين بها مطلقا. و إنّما وضعت في مسجد خاص، لأنّه من إحدى مواضع انتفاع المصلّين بها.

(الثاني): لو تغير عنوان المسجد و جعل دارا، أو مزرعة، أو شارعا، فمقتضى استصحاب بقاء المسجدية في ذات المكان من حيث هي، حرمة تنجيسه، و وجوب تطهيره، و ترتيب سائر الأحكام.

ص: 473

.....

______________________________

(الثالث): لا يجوز إجارة المسجد و لو بما لا ينافي المسجدية، بل و لو كانت محزوبة، لمنافاة ذات المسجدية لمثل الإجارة على تفصيل في الأخير موكول إلى نظر حكام الشرع.

(الرابع): مقتضى الأصل و السيرة جواز الانتفاع في المسجد بما لا ينافي المسجدية، و لا يزاحم العبادة، و الأحوط الاقتصار على ما جرت عليه السيرة.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 1، ص: 474

(الخامس): لو جعل محلا من السفينة أو القطار مسجدا تجري عليه أحكام المسجد. و هل يجوز جعل قطعات من الأحجار أو الأخشاب مسجدا. بحيث ينشر و يجمع و ينقل إلى كلّ مكان؟ و هل تجري عليها أحكام المسجد؟ فيه إشكال.

(السادس): لا ريب في كون أرض المسجد مسجدا. و هل تكون كذلك و لو بلغت إلى مائة ذراع أو أكثر، أو اللازم هو الرجوع إلى العرف؟ و لا يبعد الأخير و المسألة من صغريات الأقل و الأكثر. و ما يقال في الكعبة: «أنّها من تخوم الأرض إلى عنان السماء»(1).

إنّما هو بالنسبة إلى كونها قبلة، لا لجهة أخرى حتّى الطواف.

(السابع): البيوت المبنية في المساجد إن علم بكونها خارجة عنها لا يلحقها حكمها. و إلا فالظاهر كونها من المسجد.

(الثامن): لو كان شي ء نجسا عند أحد- اجتهادا أو تقليدا- فتنجس المسجد به، و كان طاهرا عند آخر كذلك، يختص وجوب الإزالة بمن يراه نجسا.

(التاسع): الأحوط دفع النجاسة عن المساجد كرفعها مثل ما إذا كان سطح المسجد موردا لبول مثل الهرة فالأحوط سد طريقه مع الإمكان.

(العاشر): لا ريب في اشتداد المحرّمات القولية و الفعلية و المكروهات كذلك في المسجد.

______________________________

ص: 474


1- ورد مضمونه في الوسائل باب: 18 من أبواب القبلة.

إزالتها بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها (43)، و إلا

______________________________

(43) لوجود المقتضي لفورية الإزالة، و فقد المانع عنها، فتجب لا محالة. هذا في غير المسجدين. و أما فيهما فحكم المرور فيهما، حكم المكث في غيرهما، و سيأتي ذلك. هذا حكم القسم الأول من الأقسام المتصورة في المقام.

القسم الثاني: ما إذا لم يمكن ذلك بدون المكث، يجب فيه التأخير إلى ما بعد الغسل، لدوران الأمر بين حرمة المكث للإزالة و ترك الفورية، و التأخير إلى ما بعد الغسل. و الظاهر أهمية الأول، خصوصا بعد عدم كون التأخير إلى الغسل منافيا للفورية العرفية، بل لا دوران حينئذ.

ثمَّ إنّه تجب المبادرة إلى الغسل. لفورية الإزالة، فتجب مقدمتها. هذا إذا كان زمان الغسل مساويا لزمان التيمم، أو كان أقصر. و إن كان زمان التيمم أقصر منه، فإن كان مما يتسامح فيه عرفا، يتعيّن الغسل. و إلا فهل يجب التيمم حفظا للفورية بقدر الإمكان أو لا يجوز، لأنّ العمدة في فورية الإزالة الإجماع، و المتيقن منه غير ذلك. مع أنّ شمول دليل بدلية التيمم عن الطهارة المائية لمثل المقام أيضا مشكل؟ وجهان: لا يبعد الأول، لإطلاق دليل البدلية فيما يتعلق غرض الشارع بالاهتمام به فورا.

القسم الثالث: ما إذا لم يمكن التطهير إلا بالمكث جنبا، بأنّ دار الأمر بين ترك الإزالة- و لو تسبيبا- و الإزالة جنبا، مع عدم كون البقاء هتكا، فيدور الأمر بين البقاء في المسجد جنبا و إزالة النجاسة عنه، و بين ترك البقاء و بقاء النجاسة. فهل الأهمية للأول أو للأخير؟ وجهان: لا يبعد كون بقاء النجاسة في المسجد أعظم حرمة عند المتشرعة من بقاء الجنب فيه، خصوصا إذا كان زمان الإزالة يسيرا جدا. هذا إذا لم نقل بوجوب التيمم لدخول المسجد، و إلا فلا إشكال.

و ما يقال: من أنّ تطهير المسجد لا يتوقف على الطهارة فلا غاية للتيمم حتّى يجب.

مردود بأنّ الغاية فيه دخول المسجد، و هو واجب فيجب لأجله و يأتي منه

ص: 475

فالظاهر وجوب التأخير إلى ما بعد الغسل. لكن يجب المبادرة إليه حفظا للفورية بقدر الإمكان و إن لم يمكن التطهير إلا بالمكث جنبا فلا يبعد جوازه، بل وجوبه و كذا إذا استلزم التأخير إلى أن يغتسل هتك حرمته.

مسألة 15: في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى إشكال

(مسألة 15): في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى إشكال (44) و أما مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فرقهم (45).

مسألة 16: إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزء من المسجد لا يلحقه الحكم

(مسألة 16): إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزء من المسجد لا يلحقه الحكم، من وجوب التطهير، و حرمة التنجيس، بل و كذا لو شك في ذلك (46) و إن كان

______________________________

رحمه اللّه في كتاب الصلاة في فصل أحكام المسجد احتمال وجوب التيمم لذلك، و عن المحقق رحمه اللّه وجوب الطهارة لدخول المسجد و قراءة العزائم إن وجبا و في الجواهر: «لا أعرف فيه خلافا».

القسم الرابع: ما إذا كان بقاء النجاسة هتكا للمسجد و لم يمكن الإزالة إلا بالمكث، فمع إمكان التيمم يتيمم و يزيل، لما تقدم في القسم الثالث و مع عدم إمكانه يسقط اعتبار الطهارة، لأهمية رفع الهتك عن المسجد من مكث الجنب فيه.

(44) من جهة الإضافة التشريفية فيها إلى اللّه (جلّ جلاله) بواسطة الأديان السماوية المنسوبة إليه تعالى، فتجعلها- تلك الإضافة- كمعابد المسلمين، و من جهة أنّ الشريعة الختمية نسخت عباداتهم فلا يبقى فضل لمعابدهم. و يمكن تقريب الأول بأنّ النسخ تعلق بكيفية العبادة، لا بأصل التخضع للّه تعالى و المثول بين يديه و السجود له تعالى، الذي هو مجمع جميع الشرائع الإلهية.

(45) على المشهور المتسالم عليه بين الفقهاء، و تقتضيه السيرة و إطلاق الأدلة.

(46) أما في صورة العلم بالعدم فلا موضوع للتنجس حتّى يلحقه الحكم.

ص: 476

الأحوط اللحوق.

مسألة 17: إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين، أو أحد المكانين من مسجد، وجب تطهيرهما

(مسألة 17): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين، أو أحد المكانين من مسجد، وجب تطهيرهما (47).

مسألة 18: لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا

(مسألة 18): لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصا و أما المكان الذي أعدّه للصلاة في داره فلا يلحقه الحكم (48).

مسألة 19: هل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟

(مسألة 19): هل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟

الظاهر العدم (49) إذا كان مما لا يوجب الهتك و إلا فهو الأحوط.

______________________________

و أما مع الشك فلأصالة عدم حرمة التنجيس و عدم وجوب التطهير ما لم تكن قرينة على الخلاف. و يمكن اقتضاء الظاهر كونه مسجدا و إن كان يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد، و من ذلك يعلم وجه الاحتياط.

(47) لتنجز العلم الإجمالي كالتفصيلي، و لا فرق بين كونهما موردا للابتلاء أو لا. نعم، لو علم إجمالا إما بنجاسة مسجد أو محلّ آخر يشترط حينئذ كونهما محلّ الابتلاء.

(48) للأصل بعد ظهور الأدلة في غيره، و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح له أن يجعله كنيفا؟ قال: لا بأس» (1).

و لا فرق في ذلك بين أن كان وقفا أو لا، لأنّ الوقفية أعمّ من عروض عنوان المسجدية.

ثمَّ إنّ عدم الفرق بين المسجد العام و الخاص، عموم السيرة و إطلاق الأدلة. هذا إذا كان المراد بالعام المسجد الجامع، و بالخاص مسجد القبيلة.

(49) للأصل إن علم بعدم قيام الغير بها أصلا. و إلا فيجب الإعلام بناء

______________________________

ص: 477


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.

مسألة 20: المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس

(مسألة 20): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس (50) بل وجوب الإزالة إذا كان تركها هتكا، بل مطلقا على الأحوط لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه و لا فرق فيها بين الضرائح و ما عليها من الثياب، و سائر مواضعها إلا في التأكد و عدمه.

مسألة 21: تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف

(مسألة 21): تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف،

______________________________

على أنّ وجوب الإزالة أعم من المباشرة و التسبيب. و لكن إثبات هذا التعميم مشكل، و إن كان مناسبا لمقام المسجدية و مرتكزات المتدينين، و يأتي منه رحمه اللّه الاحتياط الوجوبي في الصلاة (فصل بعض أحكام المسجد).

(50) أما مع الهتك فهو من ضروريات المذهب. و أما مع عدمه فلأنّها من مجامع العبادات الحقة، فتحقق فيها الإضافة التشريفية إلى حضرة المعبود جلّت عظمته، و تقتضيه السيرة من المتدينين أيضا. و لا تقصر هذه السيرة عن سائر السيرات التي يتمسك بها في الفقه.

و أما من ادعى السيرة على الخلاف فلعله أراد السيرة من أهل الريف و أهل البوادي.

و ما يقال: من أنّ الحكم كان ابتلائيا و مع ذلك لم يرد فيه نص، فيستكشف منه عدم حرمة التنجيس، و عدم وجوب التطهير.

مدفوع: بأنّه يمكن عدم ورود النص، لأجل وجود المانع من احتمال غلو الناس، لا لعدم المقتضي. مع أنّه قال في الجواهر في كتاب الديات عند قول المحقق رحمه اللّه: «و لو جنى في الحرم، اقتص منه فيه، لانتهاكه الحرمة.

و هل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام؟ قال به في النهاية». قال رحمه اللّه: «قال في التنقيح بعد أن حكى عن الشيخين ذلك: و هو قريب. أما أولا فلما ورد عنهم عليهم السلام أنّ بيوتنا مساجد. و أما ثانيا- إلى آخره»، و قد يستظهر من ذلك إلحاقها بالمسجدين.

ص: 478

و خطه بل عن جلده و غلافه، مع الهتك (51) كما أنّه معه يحرم مس خطه أو ورقة بالعضو المتنجس، و إن كان متطهرا من الحدث (52) و أما إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته (53).

مسألة 22: يحرم كتابة القرآن بالمركّب الحبر النجس

(مسألة 22): يحرم كتابة القرآن بالمركّب [الحبر] النجس و لو كتب جهلا أو عمدا وجب محوه (54). كما أنّه إذا تنجس خطه، و لم يمكن تطهيره يجب محوه.

مسألة 53: لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر

(مسألة 53): لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر و إن كان في يده يجب أخذه منه (55).

______________________________

(51) بضرورة من المذهب، بل الدين.

(52) لأنّ كلّ ما يوجب الهتك بالنسبة إلى القرآن مبغوض عند الشارع و المفروض تحقق الهتك.

(53) بضرورة الفقه، بل قد يوجب الارتداد. ثمَّ إنّ الأقوى حرمة التنجيس و وجوب التطهير مطلقا و لو لم يكن هتك في البين أصلا، لاقتضاء سيرة المتشرعة ذلك خلفا عن سلف، و يشهد له إطلاق قوله تعالى في شأن القرآن: «لأكرمنّ اليوم من أكرمك و لأهيننّ من أهانك- الحديث» (1).

فإنّ إطلاق الإهانة يشمل التنجيس و إبقاء النجس فيه، و قوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (2). بناء على تعميم الطهارة للحدثية و الخبثية.

(54) أما حرمة الكتابة بالحبر النجس فلأنّه إيجاد للنجاسة فيه، فيحرم، لما تقدم. و أما وجوب المحو فلحرمة إبقاء النجاسة فيه بعين الدليل السابق هذا إذا انحصرت الإزالة في المحو، و إن أمكن بالتطهير يطهر.

(55) بلا إشكال فيه مع الهتك. و كذا مع عدمه، لأنّه إما من وضع النجس على القرآن، أو العكس، فيشمله الدليل السابق.

______________________________

ص: 479


1- الوسائل باب: 2 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- سورة الواقعة (56) الآية: 79.

مسألة 24: يحرم وضع القرآن على العين النجسة

(مسألة 24): يحرم وضع القرآن على العين النجسة، كما يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه و إن كانت يابسة (56).

مسألة 25: يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية

(مسألة 25): يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية (57) بل عن تربة الرسول و سائر الأئمة (صلوات اللّه عليهم) المأخوذة من قبورهم، و يحرم تنجيسها. و لا فرق في التربة الحسينية بين المأخوذ من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرك، و الاستشفاء و كذا السبحة و التربة المأخوذة بقصد التبرك لأجل الصلاة.

مسألة 26: إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته

(مسألة 26): إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجه و لو بأجرة (58)، و إن لم يمكن فالأحوط و الأولى سدّ بابه (59). و ترك التخلّي فيه إلى أن يضمحل.

مسألة 27: تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه

(مسألة 27): تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره (60).

______________________________

(56) ظهر ممّا مرّ حكم هذه المسألة.

(57) لأنّ هذه كلّها من المقدّسات المذهبية، بل الدينية في الجملة فيحرم الهتك و الإهانة بالنسبة إليها، لمكان قداستها، و مقتضى سيرة المتدينين خلفا عن سلف حرمة التنجيس و وجوب التطهير حتّى مع عدم الهتك و الإهانة، و قد ذكر لها آداب خاصة (1). هذا إذا أخذت لأجل التبرك و الصلاة.

و أما لو أخذت لأجل الآجر و الخزف و نحوهما، فلا حرمة فيها، و مقتضى السيرة عدم حرمة التنجيس و عدم وجوب التطهير لو تنجست.

(58) لوجوب مقدمة الواجب الذي هو إزالة النجاسة عنه و تحفظه عن الانتهاك.

(59) بل الأقوى أنّ عدّ التخلّي هتكا بالنسبة إليه.

(60) لقاعدة الإتلاف التي لا فرق فيها بين إتلاف أصل العين أو فعل ما

______________________________

ص: 480


1- راجع الوسائل باب: 73 من أبواب المزار و ما يناسبه. (كتاب الحج).

مسألة 28: وجوب تطهير المصحف كفائي

(مسألة 28): وجوب تطهير المصحف كفائي (61) لا يختص بمن نجّسه و لو استلزم صرف المال وجب، و لا يضمنه من نجّسه إذا لم يكن لغيره (62) و إن صار هو السبب للتكليف بصرف المال. و كذا لو ألقاه في البالوعة فإنّ مئونة الإخراج الواجب على كلّ أحد ليس عليه، لأنّ الضرر إنّما جاء من قبل التكليف الشرعي (63) و يحتمل ضمان المسبب- كما قيل- بل قيل باختصاص الوجوب به، و يجبره الحاكم عليه لو امتنع أو يستأجر آخر و لكن يأخذ الأجرة منه.

______________________________

يوجب تنقيص ماليتها، بل لو حصل التنقيص بنفس التنجيس يكون ضامنا أيضا و لو لم يطهر جهلا أو غفلة.

و الفرق بين ما تقدم في تنجيس المسجد حيث حكم رحمه اللّه فيه بعدم الضمان بخلاف المقام، لعدم المالك هناك، بخلاف المقام مع أنّه تقدمت الخدشة فيه فراجع.

(61) لأنّ المقصود تحقق الطهارة خارجا من أيّ مباشر كان، مضافا إلى عدم ظهور الخلاف فيه.

(62) من نجّس القرآن، إما أن يكون القرآن له، أو لغيره، أو يكون وقفا. و لا وجه للضمان في الأول، لأنّ الشخص لا يضمن مال نفسه، فليس فيه إلا الحكم التكليفي فقط. و ما تقدم في المسألة السابقة من الضمان، حكم ما لو كان لغيره، كما تقدم في المسألة السابعة حكم الضمان في تنجيس المسجد الذي يكون من التحرير المطلق، فيكون الضمان في غيرها بالأولى.

(63) إنّ تحقق موجب الضمان من صدق الإتلاف عرفا، فمجرد حصول الضرر من قبل التكليف الشرعي لا ينفيه. مع أنّ نفس التنجس تنقيص، و الضرر الحاصل بالتطهير شي ء آخر، فيكون التنجيس في المقام كاستعمال ما يشترى من السوق، فإنّ نفس استعماله موجب لتنقيص قيمته في السوق و إن لم يتحقق

ص: 481

مسألة 29: إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال

(مسألة 29): إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال (64) إلا إذا كان تركه هتكا و لم يمكن الاستيذان منه فإنّه حينئذ لا يبعد وجوبه.

______________________________

موجب الضمان. فالاستناد إلى عدم المقتضي في نفيه أولى من الاستناد إلى وجود المانع.

(64) مع بنائه على التطهير مباشرة أو تسبيبا، و لا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، و مع بنائه على العدم كذلك، فالظاهر سقوط سلطنته، خصوصا مع كونه هتكا.

و ما اشتهر أنّه كلّما دار الأمر بين حق اللّه تعالى و حق الناس يقدم الثاني، لم تثبت كليته بنحو يصح الاعتماد عليه، خصوصا إن كان في مقام الامتناع عن حق اللّه تعالى.

و لو شك في أنّه في مقام البناء على التطهير أو البناء على العدم يتفحص عنه حتّى يظهر الحال. و مع عدم الإمكان، فالظاهر وجوب التطهير، خصوصا مع الهتك لعدم شمول دليل سلطنة المالك، و لزوم الاستيذان منه في التصرف في ماله لمثل ذلك مما يستلزم تعطيل حكم اللّه تعالى.

فروع- (الأول): يجب تطهير القرآن المخطوط و لو كانت له قيمة كثيرة، ما لم يكن مانع في البين.

(الثاني): يجوز بيع القرآن المتنجس، و كذا سائر المعاوضات بالنسبة إليه. و إن وجب على البائع تطهيره، أو الإعلام بتطهيره.

(الثالث): لا فرق في القرآن بين الخطوط كلّها، كما لا فرق بين أن يكون مكتوبا على الكاغذ، أو الحجر، أو الرصاص، أو الخشب أو غير ذلك، كما لا فرق بين جميع القرآن و بعضه، بل و لو آية منه.

(الرابع): يلحق بالقرآن في حرمة التنجيس و وجوب التطهير، أسماء اللّه تعالى و أنبيائه العظام و الدعوات المنسوبة إلى المعصومين عليهم السلام، بل

ص: 482

مسألة 30: يجب إزالة النجاسة عن المأكول

(مسألة 30): يجب إزالة النجاسة عن المأكول، و عن ظروف الأكل و الشرب، إذا استلزم استعمالها تنجس المأكول و المشروب (65).

مسألة 31: الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة

(مسألة 31): الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة، خصوصا الميتة، بل و المتنجسة إذا لم تقبل التطهير، إلا ما جرت السيرة عليه من الانتفاع بالعذرات و غيرها، للتسميد و الاستصباح بالدهن المتنجس. لكن الأقوى جواز الانتفاع بالجميع (66)، حتّى الميتة مطلقا

______________________________

الأحوط إلحاق الأحاديث النبوية و المعصومية عليهم السلام، خصوصا مع الهتك.

(الخامس): ترجمة القرآن بأيّ لغة كانت، لا يلحقها الحكم، و إن كان أحوط.

(السادس): لو علم بنجاسة أحد القرآنين، وجب تطهيرهما. و لو علم بنجاسة قرآن أو كتاب تاريخ- مثلا- لا يجب ذلك. و لو علم بنجاسة إحدى الصفحات من القرآن و لم يعلم بعينها وجب تطهير ما ترددت تلك الصفحة فيها.

(65) لحرمة أكل المتنجس و شربه إجماعا، بل ضرورة من المذهب إن لم يكن من الدين، و نصوصا كثيرة في الأبواب المتفرقة (1). فيكون وجوب التطهير مقدميا، لا نفسيا، و لذا لو كان نجسا، و لم يعلم بالتعدي إلى المأكول و المشروب، لا يجب التطهير.

(66) للأصل و العمومات من غير ما يصلح للتخصيص، إلا بعض ما ذكره المحقق الأنصاري رحمه اللّه في المكاسب المحرمة. و هو على فرض الاعتبار محمول على صورة عدم المنفعة المعتد بها، أو على الكراهة. فمقتضى الأصل و العمومات جواز الانتفاع غير المحرم مطلقا، كما أنّ مقتضى العمومات جواز المعاملة عليها كذلك، بأيّ أنحاء المعاوضات.

______________________________

ص: 483


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف و باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة.

في غير ما يشترط فيه الطهارة. نعم، لا يجوز بيعها للاستعمال المحرّم (67). و في بعضها لا يجوز بيعه مطلقا، كالميتة و العذرات (68).

مسألة 32: كما يحرم الأكل و الشرب للشي ء النجس، كذا يحرم التسبب لأكل الغير أو شربه

(مسألة 32): كما يحرم الأكل و الشرب للشي ء النجس، كذا يحرم التسبب لأكل الغير أو شربه (69). و كذا التسبب لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة، فلو باع أو أعار شيئا نجسا قابلا للتطهير يجب الإعلام بنجاسته. و أما إذا لم يكن هو السبب في استعماله بأن رأى أنّ

______________________________

(67) نصّا (1) و إجماعا، بل ضرورة.

(68) هذا الإطلاق ممنوع فيما فيه غرض معتد به غير منهي عنه شرعا و قد تقدم في نجاسة الميتة. و يأتي في المكاسب المحرمة ما ينفع المقام، فراجع.

(69) المراد بالتسبيب مطلق المدخلية، سواء كان بالعلية التامة، أم مجرد الاقتضاء كما أنّ المنساق منه عرفا فعل شي ء مع العلم و الالتفات إليه لأجل ترتب المسبب عليه، و لا يبعد صدق التسبيب مع الغفلة أيضا، فيكون أعم منه.

ثمَّ إنّ مقتضى أصالة البراءة عدم حرمة التسبيب إلى حرمة أكل النجس، أو شربه، لكونه من الشبهة التكليفية التحريمية، و قد ثبت كونها من مجاري البراءة.

و استدل على الحرمة تارة: بالعمومات و الإطلاقات الدالة على حرمة أكل النجس و شربه.

و فيه: أنّ دعوى ظهورها في الأكل و الشرب المباشري قريب، و شمولها لمطلق التسبيب بعيد.

و أخرى: بظهور التسالم على وجوب إعلام الجاهل بما يعطى، إن كان الانتفاع الغالب محرما بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام.

______________________________

ص: 484


1- راجع النصوص الواردة في بيع الميتة من الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به.

.....

______________________________

و بما ورد من حرمة سقي الخمر للصبيّ (1)، و بقول الصادق عليه السلام في بيع الزيت المتنجس: «و ينبه لمن اشتراه ليستصبح به» (2).

و نحوه غيره.

و يرد الأول: بأنّ المتيقن منه- على فرض كونه من الإجماع المعتبر- المحرّمات النفسية التي ثبتت حرمة التسبيب فيها، كقتل النفس المحترمة، و هتك الأعراض المحترمة و نحوهما.

و الثاني: بأنّ خباثة الخمر تقتضي مرجوحية التسبيب إلى شربه، حتّى بالنسبة إلى الحيوانات، كما في بعض الروايات (3).

و الثالث: بأنّه إرشاد إلى حسن بيان نقص المبيع، مع معارضته لموثق ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه و هو لا يصلّي فيه، قال عليه السلام: لا يعلمه. قلت: فإن أعلمه. قال عليه السلام:

يعيد» (4).

و لكن ظهور التسالم قديما و حديثا، و كونه من المنكرات عند المتشرعة في الجملة، و وهن الموثق بمخالفته لظهور الإجماع، يشكل القول بالجواز.

فالأحوط، إن لم يكن أقوى حرمة التسبب مطلقا للأكل و الشرب، و كلّ ما يشترط فيه الطهارة، و تقدم عند بيان قاعدة حرمة الإعانة على الإثم ما يرتبط بالمقام، فراجع. و حيث جرى ذكر التسبيب إلى الحرام فلا بأس بالإشارة إلى قاعدته، و لو بنحو الإجمال.

«قاعدة حرمة التسبيب إلى الحرام» مقتضى نصوص كثيرة جدا في أبواب متفرقة حرمة التسبيب إلى الحرام.

و يمكن أن يستدل عليها بالأدلة الأربعة. فمن الكتاب بآية حرمة الإعانة على الإثم

______________________________

ص: 485


1- تهذيب الأصول المجلد الأول صفحة: 214 ط: 2 بيروت.
2- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المحرمة.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب النجاسات حديث: 3.

.....

______________________________

و هي قوله تعالى وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ (1)، و بقوله تعالى وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ (2).

و من السنة: قوله عليه السلام: «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه» (3).

و قوله عليه السلام: «ليس من إمام يصلّي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير إلا كان عليه أوزارهم» (4).

أي تقصير مستند إلى مسامحة الإمام عمدا في صلاته. و في رواية أخرى «فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير إلا كان إثم ذلك عليه» (5).

و في رواية ثالثة: «لا يضمن الإمام صلاتهم إلا أن يصلّي بهم جنبا» (6).

و يأتي في [مسألة 32] و ما بعدها من فصل أحكام الجماعة ما يتعلق بهذه الأخبار و ما ورد في ضمان الزكاة إذا نقلها مع وجود المستحق، قال عليه السلام:

«إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» (7).

و ما ورد في اغتسال الجنب في البئر: «لا تفسد على القوم ماءهم» (8).

و قوله عليه السلام: «من أعان على المؤمن بشطر كلمة لقي اللّه عزّ و جل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي» (9).

و ما ورد في تحريم دلالة المحرم أو إشارته إلى الصيد، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا تدلنّ عليه محلا و لا محرما

______________________________

ص: 486


1- سورة المائدة: (5) الآية: 2.
2- سورة الأنعام: (6) الآية: 108.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.
4- تحف العقول صفحة: 179 طبعة (حيدري) طهران.
5- بحار الأنوار ج: 88 صفحة: 93.
6- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
7- الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
8- الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 22.
9- راجع الوسائل باب: 163 من أبواب أحكام العشرة.

.....

______________________________

فيصطاده، و لا تشر إليه فيستحل من أجلك- الحديث-»(1).

و ما ورد في تحريم العقد للمحرم و الشهادة عليه، قال عليه السلام: «ليس للمحرم أن يزوّج، و إن تزوج أو زوّج محلا فتزويجه باطل» (2).

و ما ورد في حرمة تمكين المحرمة من الجماع (3)، و ما ورد في لزوم الكفارة لكلّ واحد من الجماعة إذا أوقدوا نارا بقصد الصيد (4)، و ما ورد في النّهي عن المحاربة بإلقاء السم و النار (5)، و ما ورد في تحريم إذاعة الحق مع الخوف، ففي مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطإ، و لكن قتلنا قتل عمد» (6).

و ما ورد في تحريم كتابة الربا و الشهادة عليه (7)، و ما ورد في تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية (8)، و ما ورد في تحريم القيادة و الدياثة (9)، و ما ورد في عدم انعقاد النذر في المعصية، و لا في المرجوح (10). و ما ورد في تحريم أكل كلّ شي ء يكون فيه المضرة على الإنسان (11)، و ما ورد في تحريم الإضرار بالمسلم (12). و ما ورد في عدم جواز الجور بالوصية و الحيف بها (13). و ما ورد في تحريم شهادة الزور (14) إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى مما لها ظهور أو

______________________________

ص: 487


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب تروك الإحرام.
2- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب تروك الإحرام.
3- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب تروك الإحرام.
4- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب كفارات الصيد.
5- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب جهاد العدو.
6- راجع الوسائل باب: 34 من أبواب الأمر و النهي.
7- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب الربا.
8- الوسائل باب: 13 من أبواب النكاح المحرم.
9- راجع الوسائل باب: 16 و 27 من أبواب النكاح المحرم.
10- راجع الوسائل باب: 17 من أبواب النذر و العهد.
11- الوسائل باب: 42 من أبواب الأطعمة المباحة.
12- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات.
13- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الوصايا.
14- راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الشهادات.

.....

______________________________

إشعار في حرمة التسبيب إلى الحرام، و يأتي التعرض لها في محالّها إن شاء اللّه تعالى.

و من الإجماع تسالم المسلمين عليها.

و من العقل بأنّ التسبيب إلى المبغوض مبغوض عقلا و لو بنحو الإجمال.

ثمَّ إنّ التسبيب: تارة مع علم المسبب بالحرمة و قصده لوقوعها، و علم المسبب له بها. و لا خلاف و لا إشكال في الحرمة حينئذ.

و أخرى: تلك الصورة مع جهل المسبب له بالحرمة حكما، أو موضوعا، أو هما معا. و مقتضى ما يأتي في حرمة تقرير الجاهل على جهله، الحرمة هنا بطريق أولى.

و ثالثة: علم المسبب بالحرام و لكن مع عدم قصده لوقوعه و قد مر بعض ما يتعلق بها في قاعدة الإعانة على الإثم (1)، فإنّ هذه الصورة من بعض أقسامها، فراجع.

و رابعة: جهل المسبب به و عدم قصده له أصلا، و لا حرمة فيه من جهة التسبيب، و يأتي في المواضع المناسبة ما يتعلق بالمقام.

و أمّا قاعدة حرمة تقرير الجاهل على جهله، فسيأتي التعرض لها في الموضع المناسب لها. و لكن نقول هنا إنّ حرمة تقرير الجاهل على جهله بالنسبة إلى الأحكام، لا ريب فيها نصّا و إجماعا، لما دل على وجوب إبلاغ الأحكام و إرشاد الأنام حتّى تبقى الشريعة إلى يوم القيام «و إنّ اللّه لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال» (2) و يشمل متعلق الحكم و أجزاءه و شرائطه و موانعه.

و أما بالنسبة إلى الموضوعات، فإن انطبقت على قاعدة التسبيب، فهي منها. و إن لم تنطبق عليها، ففيها تفصيل نتعرض له في محالها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

ص: 488


1- راجع صفحة: 71.
2- أصول الكافي ج: 1 ص: 41 باب بذل العلم حديث: 1.

ما يأكله شخص أو يشربه، أو يصلّي فيه نجس، فلا يجب إعلامه (70).

مسألة 33: لا يجوز سقي المسكرات للأطفال

(مسألة 33): لا يجوز سقي المسكرات للأطفال، بل يجب ردعهم (71). و كذا سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرة لهم (72) بل

______________________________

(70) للأصل بلا دليل حاكم عليه، و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّي، قال عليه السلام: «لا يؤذيه حتّى ينصرف» (1)

و عن الصادق عليه السلام: «اغتسل أبي من الجنابة فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت، ثمَّ مسح تلك اللمعة بيده» (2).

(71) أما عدم جواز السقي لهم، فهو المشهور، بل لم يظهر الخلاف فيه. مضافا إلى جملة من الأخبار:

منها: ما عن الصادق عليه السلام، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«أقسم ربّي أنّه لا يسقيها عبدا لي صبيا صغيرا، أو مملوكا، إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة، معذبا كان، أو مغفورا له» (3).

و مثله غيره، و أما وجوب الردع، فهو الذي تقتضيه كثرة ما ورد من التشديد في الخمر (4)، مع أنّه لا خلاف فيه من أحد.

(72) لحرمة الإضرار بالغير مطلقا إن كان ذلك من التسبيب، بل الظاهر

______________________________

ص: 489


1- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.
4- راجع الوسائل من باب: 9 إلى باب: 20 من أبواب الأشربة المحرمة.

مطلقا (73). و أما المتنجسات فإن كان التنجس من جهة كون أيديهم نجسة، فالظاهر عدم البأس به. و إن كان من جهة تنجس سابق، فالأقوى جواز التسبب لأكلهم، و إن كان الأحوط تركه. و أما ردعهم عن الأكل أو الشرب مع عدم التسبب فلا يجب من غير إشكال (74).

مسألة 34: إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا

(مسألة 34): إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره بالرطوبة المسرية. ففي وجوب إعلامه إشكال، و إن كان أحوط، بل لا يخلو عن قوة. و كذا (75) إذا أحضر عنده طعاما، ثمَّ علم بنجاسته، بل و كذا إذا كان الطعام للغير و جماعة مشغولون بالأكل فرأى

______________________________

وجوب الردع، و لو لم يكن تسبيب في البين أصلا. أما بالنسبة إلى الوليّ، فلأنّ ذلك مقتضى ولايته. و أما بالنسبة إلى غيره، فللسيرة المستمرة على ردع الأطفال الذين لا يقدرون على دفع الضرر عن أنفسهم، و إن لم نقل بوجوبه بالنسبة إلى من يقدر عليه.

(73) لما أرسله المحقق الأردبيلي رحمه اللّه إرسال المسلّمات: من أنّ الناس مكلفون بإجراء أحكام المكلّفين عليهم. فإن كان ذلك إجماعا، و إلا فللمناقشة فيه مجال.

و أما الاستدلال على الجواز بما دل على جواز استرضاع اليهودية (1) كما يأتي في الرضاع من كتاب النكاح، فيمكن الخدشة فيه بأنّه من إدخال النجاسة في الباطن، و لا حكم له، كما مر و يأتي.

(74) كلّ ذلك للأصل و السيرة في الجملة. و قد تقدم في المسألة السابقة أنّه لا يجب إعلام الغير بالنجاسة، لو لم يكن تسبيب في البين.

(75) المدار في وجوب الإعلام و عدمه تحقق التسبيب و عدمه، فيجب في الأول، دون الأخير. و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص و الموارد.

______________________________

ص: 490


1- الوسائل باب: 76 من أبواب أحكام الأولاد.

واحد منهم فيه نجاسة، و إن كان عدم الوجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوة، لعدم كونه سببا لأكل الغير بخلاف الصورة السابقة.

مسألة 35: إذا استعار ظرفا أو فراشا أو غيرهما من جاره

(مسألة 35): إذا استعار ظرفا أو فراشا أو غيرهما من جاره، فتنجس عنده. هل يجب عليه إعلامه عند الرد؟ فيه إشكال، و الأحوط الأعلام، بل لا يخلو عن قوة إذا كان مما يستعمله المالك فيما يشترط فيه للطهارة (76).

______________________________

(76) لتحقق التسبيب حينئذ عرفا.

فروع- (الأول): لو علم بأنّ الطرف غير مبال بالطهارة و النجاسة أصلا، و لا يصلّي و لا يتطهر، فالظاهر سقوط وجوب الإعلام، و إن كان أحوط.

(الثاني): لو كان الدواء الذي يعطيه الطبيب إلى المريض نجسا أو متنجسا، وجب الإعلام، لأنّه من التسبيب.

(الثالث): لا فرق في جميع ما تقدم بين الموارد الشخصية و الموارد العامة، كالفنادق، و المطاعم و نحوهما.

ص: 491

فصل إذا صلّى في النجس

اشارة

(فصل) إذا صلّى في النجس. فإن كان عن علم و عمد بطلت صلاته (1).

و كذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم، بأن لم يعلم أنّ الشي ء الفلاني، مثل عرق الجنب من الحرام نجس، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة (2). و أما إذا كان جاهلا بالموضوع- بأن لم «فصل إذا صلّى في النجس»

______________________________

(1) إجماعا و نصوصا كثيرة تأتي الإشارة إليها:

منها: صحيح ابن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال عليه السلام: «إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمَّ صلّى فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى- الحديث-» (1).

و تقتضيه قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج في المقام.

(2) على المشهور، لقاعدة المشروط بانتفاء شرطه، و إطلاق ما تقدم من صحيح ابن سنان. بل لا يبعد ظهوره في الجاهل، لأنّ العالم بالحكم و الموضوع لا يقدم على الصلاة في النجس، فيشمل العالم بالأولى.

______________________________

ص: 492


1- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 3.

.....

______________________________

و أشكل عليه: بأنّ الطهارة الخبيثة شرط علمي، لا واقعي. مضافا إلى قبح تكليف الجاهل، و المآخذة عليه.

و يرد: بأنّ مقتضى الإطلاق كونها شرطا واقعيا، إلا فيما دل الدليل على الخلاف. و لا دليل كذلك في المقام. و قبح تكليف الجاهل إنّما هو فيما إذا كان ذلك بشرط جهله. و أما إنشاء التكليف مطلقا فيشمل الجاهل حين الجهل أيضا، فلا قبح فيه بوجه، و هو واقع في العرفيات و الشرعيات كثيرا، و المشهور، بل المتسالم عليه عند الفقهاء تكليف الكفار بالفروع مع جهلهم و غفلتهم، و قد أثبتوا في الأصول أنّ التشريع مطلق، و العلم طريق إليه و موجب لتنجزه، فلا محالة يشمل الجاهل أيضا. و قبح مؤاخذة الجاهل يختص بالغافل غير الملتفت و لا يشمل غيره، مع أنّه أعم من صحة العمل.

إن قلت: بعد تعلق الأمر بالجاهل، فتشمله قاعدة: «إنّ الإتيان بالأمر يقتضي الإجزاء» فيصح و لا شي ء عليه.

قلت: هذا الإشكال من الوهن بمكان، لأنّ الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء، لا كيف ما اتفق.

إن قلت: نعم، و لكن مقتضى حديث: «لا تعاد» الصحة، ففي صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة:

الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود. ثمَّ قال عليه السلام: القراءة سنة، و التشهد سنة و التكبير سنة، و لا تنقض السنة الفريضة»(1).

قلت أولا: إنّ في شموله للجاهل كلاما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: إنّه معارض بما تقدم من صحيح ابن سنان. و مع التكافؤ، فالمرجع إطلاقات الشرطية.

و ثالثا: إنّ التمسك به تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لاحتمال أنّ الطهور المذكور فيه، أعم من الطهارة الحدثية و الخبثية، فيكون دليلا للبطلان حينئذ.

______________________________

ص: 493


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14.

يعلم أنّ ثوبه أو بدنه لاقى البول- مثلا- فإن لم يلتفت أصلا أو التفت بعد الفراغ من الصلاة، صحت صلاته، و لا يجب عليه القضاء، بل و لا الإعادة في الوقت (3)

______________________________

و أما ما عن صاحب المدارك من الإعادة في الوقت، و عدم القضاء في خارجه، لأنّه بأمر جديد و الشك فيه يكفي في السراية.

فمخدوش: بما يأتي إن شاء اللّه تعالى: أنّ من كثرة اهتمام الشارع بالصلاة يستظهر بقاء الأمر الأول، و أنّ التحديد بالوقت كان من باب تعدد المطلوب. و الأمر الجديد يكون كاشفا عن بقاء الأمر الأول أيضا، لا أن تكون له موضوعية خاصة.

ثمَّ إنّه لا فرق في الجهل بالحكم بين الوضعي منه، و هو النجاسة و الشرطية، أو التكليفي منه، و هو وجوب الاستيناف، لإطلاق ما تقدم.

(3) على المشهور، بل المجمع عليه في نفي القضاء. و يدل عليه جملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن الحجاج عن الصادق عليه السلام: «عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال عليه السلام: إن كان لم يعلم فلا يعيد»(1).

و مثله غيره الناص في عدم لزوم الإعادة، و الظاهر في نفي القضاء، بناء على أنّ الإعادة في اصطلاح الروايات- سؤالا و جوابا- أعم منه، كما تشهد له الأخبار المختلفة في موارد متفرقة (2).

و منها: خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد، كيف يصنع؟ فقال عليه السلام: إن كان

______________________________

ص: 494


1- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 5 و في باب 11 منها.

.....

______________________________

رآه فلم يغسله، فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي و لا ينقص منه شي ء. و إن كان رآه و قد صلّى فليعتد بتلك الصلاة، ثمَّ ليغسله» (1).

و نحوه غيره (2) مما هو ظاهر بل نص في عدم القضاء، مضافا إلى الإجماع عليه.

و عن جماعة القول بوجوب الإعادة في الوقت، و عدم وجوب القضاء في خارجه، للجمع بين ما تقدم من الأخبار، و بين صحيح وهب بن عبد ربه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الجنابة تصيب الثوب، و لا يعلم بها صاحبه، فيصلّي فيه ثمَّ يعلم بعد ذلك، قال عليه السلام: يعيد إذا لم يكن علم» (3).

و خبر أبي بصير عنه عليه السلام أيضا: «فيمن صلّى و في ثوبه بول أو جنابة، فقال عليه السلام: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» (4).

لظهورهما في وجوب الإعادة. فيحمل الأولى على عدم وجوب القضاء جمعا بينهما.

و فيه: أنّ الجمع فرع التكافؤ، و لا تكافؤ في البين، لوهن الأخيرين بإعراض المشهور عنهما. مع إجمال قوله عليه السلام في صحيح وهب: «يعيد إذا لم يكن علم».

لاحتمال حمله على التعجب و الإنكار، و عن صاحب المدارك احتمال سقوط كلمة «لا» قبل «يعيد» عن الراوي سهوا، و احتمال أن يكون المراد بخبر أبي بصير: ما إذا علم في الأثناء، لا بعد الفراغ، كما يشهد له خبره الآخر: «فيمن صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم. قال عليه السلام: عليه أن يبتدئ الصلاة قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمَّ علم، قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه» (5).

______________________________

ص: 495


1- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 8.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 10.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 5 و في باب 11 منها.
4- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 9.
5- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 2.

و إن كان أحوط (4). و إن التفت في أثناء

______________________________

و يمكن حمل الجملة الأولى على صورة النسيان، كما يأتي، مضافا إلى أنّ حملها على الندب من الجمع الشائع الموافق لسهولة الشريعة.

ثمَّ إنّ المراد بالجهل في المقام: عدم العلم، فيشمل الشك و التردد أيضا، و قد عبر بعدم العلم في صحيح ابن الحجاج أيضا.

(4) خروجا عن خلاف من أوجبه، كالشيخ، و ابن زهرة، و المحقق في النافع، و العلامة و غيرهم، كما تقدم مع ضعفه.

ثمَّ إنّه قوّى في الحدائق التفصيل بين من تفحص عن طهارة ثوبه و صلّى فيه، ثمَّ بان أنّه متنجس فلا يعيد، و بين غيره فيعيد، و حكاه عن الشيخين رحمهما اللّه. فإن كان مدركهم المرسل المروي في المنيّ «أنّه إن كان الرجل حيث قام نظر و طلب فلم يجد شيئا فلا شي ء عليه، فإن كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته» (1).

و نحوه خبر الصيقل (2).

ففيه أولا: قصور سندهما، مع قوة اتحادهما.

و ثانيا: وهنهما بإعراض المشهور عن ظاهرهما، بل ظاهرهم التسالم على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إلا ما خرج بالدليل. مع ظهور صحيح زرارة- الطويل- في عدم وجوب الفحص في خصوص المورد: «قلت:

فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ فقال: لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك- الحديث-» (3).

فإنّه في مقام البيان. لعدم وجوب الفحص و عدم أثر له.

و إن كان مدركهم صحيح ابن مسلم قال عليه السلام: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صلّيت فيه ثمَّ رأيته بعد. فلا إعادة عليك فكذلك البول» (4).

______________________________

ص: 496


1- الوسائل باب: 41 من أبواب النجاسات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب النجاسات حديث: 2.

الصلاة. فإن علم سبقها. و أنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة، بطلت مع سعة الوقت للإعادة (5) و إن كان الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة (6). و مع

______________________________

و نحوه غيره، ففيه: أنّه في مقام بيان حكم ما لو علم بالنجاسة قبل الصلاة أو في أثنائها و أتمها مع النجاسة، أو بعدها و وجوب الإعادة في الأوليين، دون الأخيرين، و لا ربط له ببيان حكم التفحص و عدمه.

فتلخص من ذلك كلّه: صحة الصلاة الواقعة في النجاسة مع الجهل بها، تفحص المصلّي عنها أم لا، سواء كان ممّا يؤكل لحمه أم لا.

(5) حكي ذلك عن جماعة من المتأخرين، لصحيحة زرارة الطويلة:

«قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو شي ء من منيّ- إلى أن قال-: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة؟ قال: تنقض الصلاة و تعيد، إذا شككت في موضع منه ثمَّ رأيته، و إن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا قطعت و غسلته ثمَّ بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (1).

و احتمال أنّ الثوب كان من أطراف العلم الإجمالي بعيد جدا.

و أما الاستدلال للمقام بما تقدم من صحيح ابن مسلم.

ففيه: ما مر من أنّه ورد لبيان حكم ما لو علم بالنجاسة قبل الصلاة أو في الأثناء و أتمّها مع النجاسة، فتجب الإعادة فيهما، بخلاف ما لو رآها بعد الفراغ من الصلاة فلا تجب الإعادة حينئذ.

و أما خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم به، قال: عليه أن يبتدئ الصلاة- الحديث-» (2).

فيمكن حمله على صورة النسيان، كما يأتي، بل لا يبعد ظهوره فيها. فلا ربط له بما نحن فيه.

(6) لما نسب إلى المشهور: أنّه لو رأى النجاسة في الصلاة و علم بسبقها

______________________________

ص: 497


1- الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 2.

.....

______________________________

عليها، أو عروضها في الأثناء حين الرؤية، أو قبلها، فإن أمكن التطهير، أو التبديل، أو الإلقاء مع عدم اختلال شرط من شروطها، يفعل ذلك و يتم صلاته و لا شي ء عليه. و إن تعذر إلا بما يبطلها استأنفها.

و استندوا تارة: إلى إطلاق ما دل على صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة، فيشمل أبعاضها، كالشمول لتمامها، بل الشمول للأول يكون بالأولى.

و فيه: أنّ الأولوية ظنية لا اعتبار بها، و المنساق من الأدلة وقوع تمام الصلاة في النجاسة جهلا، فلا تشمل البعض.

و أخرى: بالمستفيضة الواردة في حكم الرعاف في أثناء الصلاة، كقول أبي عبد اللّه عليه السلام في الصحيح: «الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته فقال: إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت و ليبن على صلاته فإن لم يجد الماء حتّى يلتفت فليعد الصلاة، قال: و القي ء مثل ذلك» (1).

و فيه: أنّها معمولة بها في موردها و التعدي عنها إلى غير المورد يحتاج إلى دليل، و هو مفقود.

و ثالثة: بأنّ الصحة موافقة للقاعدة، لإحراز الطهارة ظاهرا بالنسبة إلى ما مضى، و تحصيلها بالنسبة إلى ما بقي من دون تخلل محذور في البين.

و فيه: أنّه صحيح إن دل دليل عليه بالخصوص، كما في الرعاف و كذا إن لم يمكن تحصيل الشرط بالنسبة إلى ما مضى بالاستيناف. و أما مع الإمكان فالإجزاء يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

و رابعة: يخبر محمد بن مسلم على ما في الكافي قال: قلت له: «الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم فضيعت غسله و صلّيت قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما

______________________________

ص: 498


1- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

ضيق الوقت إن أمكن التطهير أو التبديل- و هو في الصلاة من غير لزوم المنافي، فليفعل ذلك و يتم، و كانت صحيحة (7). و إن لم يمكن،

______________________________

صلّيت فيه» (1).

فإنّ صدره ظاهر فيما نسب إلى المشهور و بعد إلقاء خصوصية الطرح، و كون ذكره للمثال يشمل التطهير و التبديل أيضا، فيكون وافيا لجميع ما نسب إلى المشهور.

و فيه: أنّه يمكن حمله على ما إذا أحدثت النجاسة في أثناء الصلاة، لا ما إذا صلّى شيئا من الصلاة فيها.

و أما موثق ابن سرحان عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دما قال: يتم»(2).

فمحمول على ما إذا كان الدم أقل من الدرهم. و إلا فلا بد من رده إلى أهله.

و أما خبر ابن سنان عنه عليه السلام أيضا: «إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلّي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله قال: و إن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمَّ رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و أعد صلاتك» (3).

فلا بد من رده إلى أهله بعد عدم قبوله للحمل على الدم الأقل من الدرهم، بقرينة التفصيل في ذيله.

فتلخص: أنّ ما نسب إلى المشهور من الإتمام ثمَّ الإعادة- مع أنّه مخالف للاحتياط- يشكل إقامة الدليل عليه. و من ذلك كلّه يظهر وجه الاحتياط الذي ذكره (قدّس سرّه).

(7) كما عن جمع. و استدل على الصحة تارة: بأنّ ما دل على بطلان

______________________________

ص: 499


1- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 6.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 2.

.....

______________________________

الصلاة في النجس إذا التفت في الأثناء منصرف عن مورد ضيق الوقت. و حينئذ فمقتضى عموم ما دل على صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة صحتها.

و فيه: أنّه من الانصراف البدوي الذي لا اعتبار به، و يكفي الشك في شمول العموم للمقام في عدم جواز التمسك به، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و أخرى: بأصالة العذرية في الجهل إلا ما خرج بالدليل.

و فيه: أنّ مقتضى عموم الشرطية و إطلاقها عدم الإجزاء مطلقا، و العذرية إنّما تكون بالنسبة إلى العقاب فقط في خصوص القاصر و لا ربط له بالإجزاء.

و ثالثة: بأنّ المقام من التزاحم بين درك الوقت مع النجاسة، و القضاء في خارجه مع الطهارة. و الأول لو لم يكن أهم، يكون محتمل الأهمية قهرا، فيقدم.

و فيه: أنّ مورد التزاحم إنّما هو عند فعلية الخطابين مع عدم القدرة على الجمع، و الفعلية متوقفة على العلم، و المفروض عدم العلم بالنسبة إلى ما مضى.

إلا أن يقال: إنّ مجموع الصلاة من حيث المجموع واحد شرعا و عرفا، و لا يلاحظ فيها الأجزاء مستقلا، فيصدق التزاحم بالنسبة إلى المجموع من حيث هو فتصح لا محالة على التفصيل المذكور في المتن.

ثمَّ إنّ لا يضر الاشتغال بالتطهير أو التبديل أو الإلقاء في أثناء الصلاة مع عدم المنافي، سواء كانت الطهارة الخبثية شرطا للصلاة، أم للمصلّي. أما الأول فواضح، لفرض عدم اشتغاله بالصلاة. و أما الثاني فكذلك، لقصور الدليل عن شمول مثله على صحة فرض كونها قيدا للمصلّي، مؤيدا ذلك بإطلاق ما ورد في إزالة دم الرعاف في المستفيضة (1) فراجع.

______________________________

ص: 500


1- تقدم في صفحة: 498.

أتمها و كانت صحيحة (8). و إن علم حدوثها في الأثناء مع عدم إتيان شي ء من أجزائها مع النجاسة، أو علم بها و شك في أنّها كانت سابقا أو حدثت فعلا. فمع سعة الوقت، و إمكان التطهير أو التبديل يتمها بعدهما (9). و مع عدم الإمكان يستأنف (10). و مع ضيق الوقت، يتمها

______________________________

(8) لعين ما تقدم في سابقة. ثمَّ إنّ هذا الفرع مبنيّ على ما يأتي في [مسألة 4].

(9) و تصح صلاته و لا شي ء عليه، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها. أما صحة الأجزاء السابقة، فلصحيح زرارة قال: «و إن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا فقطعت و غسلته ثمَّ بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري لعلّه شي ء أوقع عليك، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (1).

فإنّه ظاهر، بل صريح في أنّ حدوث النجاسة في أثناء الصلاة لا يضر بها، سواء حدثت فعلا مع العلم بسبق العدم، أم شك في ذلك مع أنّ مقتضى الأصل الصحة ما لم يعلم بوقوع شي ء من الصلاة في النجاسة مضافا إلى المستفيضة الواردة في الرعاف الدالة على عدم مانعية حدوث النجاسة في الأثناء(2)، كما أنّ صريحها عدم البأس بالاشتغال بالإزالة مع عدم تحقق المنافي من استدبار و نحوه- هذا بالنسبة إلى الأجزاء السابقة و زمان الاشتغال بالإزالة. و أما الأجزاء اللاحقة فصحتها واضحة، لفرض ثبوت الطهارة فيها.

(10) لأنّ ذلك مقتضى مانعية النجاسة مع عدم التمكن من إزالتها في الأثناء، و في صحيح الحلبي الوارد في الرعاف: «و إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (3).

و في صحيح ابن أذينة: «فإن لم يجد الماء حتّى يلتفت فليعد الصلاة» (4).

______________________________

ص: 501


1- تقدم في صفحة: 497.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6 و غيرها.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1 و 8 و غيرها.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 11 و 10 و غيرها.

مع النجاسة و لا شي ء عليه (11). و أما إذا كان ناسيا فالأقوى وجوب الإعادة أو القضاء مطلقا (12)، سواء تذكر بعد الصلاة، أم في أثنائها أمكن التطهير أو التبديل أم لا.

______________________________

(11) بناء على أنّه عند الدوران بين الصلاة عاريا أو مع النجس، يقدم الثاني، و يأتي في [مسألة 4] ما ينفع المقام.

(12) على المشهور، بل عن غير واحد دعوى الإجماع. و يدل عليه:

مضافا إلى قاعدة الاشتغال المرتكزة في الأذهان، جملة من الأخبار: كصحيح زرارة: «قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منّي فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت، ثمَّ إنّي ذكرت بعد ذلك. قال: تعيد الصلاة و تغسله- الحديث-» (1).

و صحيح ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به، ثمَّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي، ثمَّ يذكر بعد ما صلّى، أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته، إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة» (2).

و صحيح الجعفي: «في الدم يكون في الثوب- إلى أن قال- و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة» (3).

إلى غير ذلك مما هو كثير، و تدل عليه المستفيضة الدالة على الإعادة في ناسي الاستنجاء مثل صحيح ابن أبي نصر قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي، ثمَّ أذكر بعد ما صلّيت قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوءك» (4).

______________________________

ص: 502


1- الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 2.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.

.....

______________________________

و عن غير واحد عدم وجوب الإعادة في الوقت، و لا القضاء في خارجه.

و استدل عليه- تارة: بما دل على عدم وجوب الإعادة على ناسي الاستنجاء (1).

و فيه: أنّها معارضة في موردها بالمستفيضة المعمول بها الدالة على الإعادة، و موهونة بهجر الأصحاب لها.

و أخرى: بصحيحة أبي العلاء عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثمَّ يذكر أنّه لم يكن غسله؟ أ يعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد، قد مضت الصلاة الحديث» (2).

و قريب منه غيره.

و فيه: أنّها من الأخبار الشواذ التي ادعي الإجماع على خلافها، فلا وجه للاستناد إليها.

و ثالثة: بحديث رفع النسيان (3) و حديث لا تعاد (4).

و فيه: أنّه لا وجه للاستدلال بهما مع وجود الأخبار الخاصة المعمول بها الدالة على البطلان، مع احتمال شمول الطهور في الأخير للطهارة الخبيثة أيضا، فيدل على المشهور حينئذ.

و حكي عن بعض وجوب الإعادة في الوقت و سقوط القضاء في خارجه جمعا بين الأخبار، و يشهد له خبر ابن مهزيار قال: «كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل و أنّه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنّه أصابه و لم يره، و أنّه مسحه بخرقة ثمَّ نسي أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه ثمَّ توضأ وضوء الصلاة فصلّى فأجاب بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلا ما تحقق، فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات

______________________________

ص: 503


1- الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب القواطع حديث: 2 (كتاب الصلاة).
4- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء حديث: 8 و باب: 2 من أفعال الصلاة و باب: 29 من أبواب القراءة.

مسألة 1: ناسي الحكم تكليفا أو وضعا، كجاهله

(مسألة 1): ناسي الحكم تكليفا أو وضعا، كجاهله في وجوب الإعادة و القضاء (13).

مسألة 2: لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته

(مسألة 2): لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته، ثمَّ صلّى فيه (14) و بعد ذلك تبيّن له بقاء نجاسته، فالظاهر أنّه من باب الجهل

______________________________

اللواتي كنت صليتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، و إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك إن شاء اللّه» (1).

و فيه: أنّه لا وجه للجمع بعد سقوط ما دل على نفي الإعادة عن الاعتبار، لإعراض الأصحاب مع أنّ إطلاق نفي الإعادة و إرادة عدم القضاء و إن أمكن في حد نفسه كما مر (2) و لكنه في المقام مشكل، و خبر ابن مهزيار لا يصلح للاستناد إليه، لجهالة الكاتب و المكتوب إليه، و اضطراب الجواب، حتّى نسب ذلك إلى الغلط من النساخ. فكيف يصلح لأن يستشهد له للجمع بين الأخبار، فالقول بالإعادة مطلقا- مع أنّه أحوط- أقوى، كما لا يخفى.

(13) لإطلاق أدلة المقام الشامل لناسي الحكم و الموضوع معا، مضافا إلى إطلاق أدلة اشتراط الطهارة في الصلاة الشامل للجميع أيضا- بناء على عدم شمول حديث الرفع (3)لمثل ذلك- مع إمكان دعوى أنّ ناسي الحكم جاهل به حين نسيانه. فتأمل.

(14) مقتضى قاعدة الاشتغال في الفروع السبعة المذكورة في هذه المسألة وجوب الإعادة أو القضاء، إلا أن يدل دليل على الخلاف.

______________________________

ص: 504


1- الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- صفحة: 502.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

بالموضوع (15)، فلا يجب عليه الإعادة أو القضاء. و كذا لو شك في نجاسته (16) ثمَّ تبيّن بعد الصلاة أنّه كان نجسا و كذا لو علم بنجاسته،

______________________________

و أما الأدلة اللفظية فهي: إما العمومات الدالة على اشتراط الطهارة في بدن المصلّي و لباسه (1). و الظاهر صحة التمسك بها أيضا، لأنّ العام المخصص بالمنفصل المردد بين الأقل و الأكثر، يصح التمسك به، و لا يسري إجمال الخاص إليه- بناء على إجماله في المقام- و لكن يأتي عدم الإجمال في تحقق الجهل في الجملة- فلا وجه للتمسك بالعمومات حينئذ.

و أما ما دل على حكم الناسي، فالظاهر أنّ التمسك به هنا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لعدم إحراز كون مثل هذه الموارد من النسيان.

و الشك فيه يكفي في عدم صحة التمسك به.

و أما ما دل على حكم الجاهل، مثل ما تقدم من صحيح ابن الحجاج المشتمل على قوله عليه السلام: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» (2).

فالظاهر صحة التمسك به، لأنّ عدم العلم بالنجاسة متحقق، و قد تقدم تحققه حتّى في مورد النسيان أيضا، و هذه الفروع لا تخلو من أحدهما. فأصل الجهل في الجملة واحد في هذه الفروع السبعة، فيشمله الدليل قهرا، و لذا أفتى رحمه اللّه في جميع هذه الفروع فإنّها من الجهل بالنجاسة، و لا تجب الإعادة و لا القضاء.

(15) لأنّ تحقق الجهل بالنجاسة قبل انكشاف الخلاف وجداني، فيشمله الدليل لا محالة. و دعوى: انصرافه عن مثل المقام، لا وجه لها كما أنّ عدم صدق النسيان عليه وجداني أيضا، إذ لا يصدق النسيان عليه وجدانا و عرفا.

(16) لصدق عدم العلم بالنجاسة، فيشمله صحيح ابن الحجاج المتقدم و كذا في الفرع اللاحق، لصدق عدم العلم بالنجاسة فيه أيضا حين الصلاة و أما

______________________________

ص: 505


1- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب النجاسات و باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 5.

فأخبره الوكيل في تطهيره بطهارته أو شهدت البينة بتطهيره ثمَّ تبيّن الخلاف. و كذا لو وقعت قطرة بول أو دم- مثلا- و شك في أنّها وقعت على ثوبه أو على الأرض (17) ثمَّ تبيّن أنّها وقعت على ثوبه. و كذا لو رأى في بدنه أو ثوبه (18) دما، و قطع بأنّه دم البق، أو دم القروح المعفو، أو أنّه أقلّ من الدرهم أو نحو ذلك ثمَّ تبيّن أنّه مما لا يجوز الصلاة فيه. و كذا لو شك في شي ء من ذلك ثمَّ تبيّن أنّه مما لا يجوز، فجميع هذه من الجهل بالنجاسة لا يجب فيها الإعادة أو القضاء.

مسألة 3: لو علم بنجاسة شي ء فنسي

(مسألة 3): لو علم بنجاسة شي ء فنسي، و لاقاه بالرطوبة و صلّى، ثمَّ تذكر أنّه كان نجسا، و أنّ يده تنجست، بملاقاته فالظاهر أنّه أيضا من باب الجهل بالموضوع، لا النسيان، لأنّه لم يعلم نجاسة يده سابقا، و النسيان إنّما هو في نجاسة شي ء آخر غير ما صلّى فيه. نعم، لو توضأ

______________________________

خبر الميسر عن الصادق عليه السلام: «آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنيّ فلا تبالغ في غسله فأصلّي فيه فإذا هو يابس؟ قال: أعد صلاتك، أما أنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء» (1).

فلا ربط له بالمقام لظهوره في أنّه اعتمد على من لم يصح الاعتماد عليه، فلا حاكم على استصحاب النجاسة.

(17) مع عدم كونها مورد الابتلاء، و إلا فيكون من موارد العلم الإجمالي المنجز.

(18) صدق الجهل بالنجاسة فيهما مشكل، فيشكل التمسك بإطلاق دليله. و يأتي منه رحمه اللّه الاحتياط الوجوبي في الإعادة فيهما، فراجع [مسألة 6] من الفصل التالي و [مسألة 3] من الثاني مما يعفى عنه في الصلاة.

______________________________

ص: 506


1- الوسائل باب: 18 من أبواب النجاسات.

أو اغتسل قبل تطهير يده و صلّى، كانت باطلة من جهة بطلان وضوئه أو غسله (19).

مسألة 4: إذا انحصر ثوبه في نجس

(مسألة 4): إذا انحصر ثوبه في نجس، فإن لم يمكن نزعه حال الصلاة، لبرد أو نحوه، صلّى فيه و لا يجب عليه الإعادة أو القضاء (20). و إن تمكن من نزعه، ففي وجوب الصلاة فيه، أو عاريا،

______________________________

(19) لما يأتي في الشرط الثاني من فصل شرائط الوضوء، و [مسألة 12] من فصل غسل الجنابة مستحب نفسي.

(20) على المشهور، للعمومات الدالة على أنّه: «ما من شي ء حرمة اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (1).

الشاملة للحرمة النفسية و الموضعية و الغيرية، لسوقها مساق التسهيل و الامتنان، و يأتي في موثق عمار إطلاق الحلية على الحلية الغيرية أيضا، مضافا إلى أخبار كثيرة خاصة، منها: صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره (آخر). قال: يصلّي فيه فإذا وجد الماء غسله» (2).

و قريب منه غيره الشامل لصورة الاضطرار إلى اللبس.

و نسب إلى الشيخ و ابن الجنيد وجوب الإعادة، لموثق عمار عنه عليه السلام أيضا: «عن رجل ليس عليه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلّي فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» (3).

و فيه: أنّ حمله على الندب من الجمع الشائع المتعارف في الفقه خصوصا

______________________________

ص: 507


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7 (كتاب الصلاة).
2- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 8.

أو التخيير وجوه: الأقوى الأول (21)، و الأحوط تكرار الصلاة.

______________________________

في الصلاة في النجس مع التيمم فإنّ الترغيب إلى إعادتها يناسب مذاق الشارع.

مع احتمال أن يحمل على ما إذا بادر إلى الصلاة في النجس مع عدم إحراز استمرار الاضطرار إليها.

(21) دوران الأمر بين الصلاة في النجس أو عاريا من صغريات التزاحم، و الحكم فيه تقديم ذي المزية أو محتملها، و مع فقدها فالتخيير. و قد ذكر لترجيح الصلاة في النجس وجوه كلّها مخدوشة.

منها: أنّه كلّما دار الأمر بين ترك القيد و ترك قيد القيد، يكون الثاني أولى.

و فيه: أنّه لم تثبت هذه الكلية بدليل عقليّ و لا نقليّ و لا عرفيّ.

و منها: أنّه يستفاد مما ورد في صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة (1)، أنّ الطهارة الخبثية ليست أهم من سائر الشرائط، بل يكون الأمر بالعكس.

و فيه: أنّه من مجرد الدعوى. مع أنّه قياس.

و منها: أنّ الصلاة في الثوب النجس واحدة للركوع و السجود التام، بخلاف الصلاة عاريا، لتبدلهما إلى الإيماء حينئذ. و لا ريب في تقديم الأول على الثاني.

و فيه: أنّه يمكن أن تكون في الصلاة في النجس منقصة خاصة غالبة على الركوع و السجود الحقيقيين، فلم يتحقق الترجيح.

و قد ذكر لترجيح الصلاة عاريا أنّ ذلك نحو اهتمام من الشارع بالطهارة الخبثية و ترغيب منه للناس عليها، فإنّه إذا لم يرض الشارع بالصلاة في النجس يهتم المصلون بالطهارة مهما أمكنهم ذلك.

و فيه: أنّه مجرد استحسان لا دليل على إثباته. فإذا لم يثبت الترجيح،

______________________________

ص: 508


1- راجع باب: 42 و 45 و 47 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

فمقتضى القاعدة هو التخيير لو لم يمكن الجمع. و إلا فهو المتعيّن، لقاعدة الاحتياط.

هذا كلّه بحسب القاعدة و أما النصوص الخاصة فهي على قسمين:

الأول: ما تدل على وجوب الصلاة في النجس مثل ما تقدم من صحيح الحلبي (1)، و صحيح ابن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كلّه دم، يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ قال: إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصل عريانا» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة (3).

الثاني: ما تدل على وجوب إتيانها عريانا، كموثق سماعة قال: «سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه إلّا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلّي عريانا قاعدا يومئ إيماء» (4).

و نحوه غيره. و نسب إلى المشهور العمل بها، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.

و هذه الأخبار من المتعارضين، و مقتضى القاعدة فيهما الترجيح، و مع فقده فالتخيير.

و رجح الأول بأكثرية العدد، و الثاني بعمل القدماء.

و فيه: أنّ الترجيح بذلك ممنوع. و على فرضه- فهما من المتكافئين، فلا بد من التخيير بعد ذلك.

و نوقش فيه: بأنّه من التخيير بين الضدين اللذين لا ثالث لهما فيكون التخيير تكوينيا، فلا وجه للتخيير الشرعي. و فيه: أنّ إطلاق دليل التخيير بعد التكافؤ يشمله، فيكون بالنسبة إلى هذا القسم من التخيير إمضائيا، لا تأسيسيا و لا بأس، لشمول الإطلاق لكلّ منهما.

و عن الشيخ حمل ما دل على الصلاة في النجس على الضرورة، بشهادة

______________________________

ص: 509


1- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 1 و 5 و غيرهما.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 1 و 5 و غيرهما.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 1 و 5 و غيرهما.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب النجاسات حديث: 1 و هناك روايات أخرى مثله.

مسألة 5: إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة

(مسألة 5): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما، يكرر الصلاة (22)، و إن لم يتمكن إلا من صلاة واحدة، يصلّي في أحدهما،

______________________________

خبر الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره، قال: يصلّي فيه إذا اضطر إليه» (1).

بدعوى: ظهوره في صورة الاضطرار إلى لبس الثوب.

و فيها أولا: أنّه يمكن أن يكون المراد من الاضطرار في مقابل العراء، لا من جهة العوارض الخارجية، فيكون من القسم الأول حينئذ.

و ثانيا: هذا الحمل خلاف ظواهر تلك الأخبار (2)، فراجع.

هذا: و لكن قول أبي الحسن عليه السلام في صحيح أخيه: «يصلّي فيه و لا يصلّي عريانا» (3) من المحكمات الناصة في وجوب الصلاة فيه و النهي عن الصلاة عريانا، فلا بد من رد غيره إليه، إن أمكن. و إلا فليرد إلى أهله، و طريق الاحتياط واضح.

(22) لقاعدة الاحتياط، و لقول أبي الحسن في صحيح صفوان: «يصلّي فيهما جميعا» (4).

و نسب إلى ابني إدريس و سعيد الصلاة عاريا. فإن كان ذلك لأجل أنّه لا جزم بالنية في مورد الاحتياط.

ففيه: أنّه لا دليل على اعتباره من أصله في مورد العلم التفصيلي بالتكليف فكيف بموارد الاحتياط، و مقتضى الأصل، و إطلاق الصحيح المزبور، عدم اعتباره. و إن كان ذلك لمرسل المبسوط روى: «أنّه يتركهما و يصلّي عاريا» (5).

______________________________

ص: 510


1- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 7.
2- تقدم تلك الأخبار صفحة: 509. كموثق سماعة.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 5.
4- الوسائل باب: 64 من أبواب النجاسات حديث: 1.
5- راجع المبسوط صفحة 12 آخر فصل تطهير الثياب و الأبدان من النجاسات.

لا عاريا (23)، و الأحوط القضاء خارج الوقت في الآخر أيضا، إن أمكن، و إلا عاريا.

______________________________

ففيه: مضافا إلى قصور سنده، معارض بالصحيح، فلا اعتبار به.

(23) بلا إشكال فيه بناء على وجوب الصلاة في النجس عند الانحصار، لدوران الأمر حينئذ بين الموافقة القطعية لأصل الستر، و المخالفة الاحتمالية بالنسبة إلى نجاسة الساتر، و الأولى مقدمة عند المتشرعة على الثانية.

و أما بناء على الصلاة عاريا، فقد يقال: بوجوب الصلاة فيه أيضا، لاستصحاب الوجوب الثابت حين التمكن، و بأولوية الصلاة فيه عن الصلاة عاريا، و لأنّ سقوط قيد القيد أولى من سقوط أصل القيد.

و يرد الأول: بأنّ الوجوب الثابت حين التمكن كان مقدميا لحصول العلم بالفراغ، و المفروض القطع بعدم التمكن منه.

و الثاني: بأنّ الأولوية احتمالية، لا قطعية.

و الثالث: بما تقدم، فيكون مقتضى القاعدة حينئذ التخيير بين الصلاة فيه و الصلاة عاريا.

فتلخص: أنّ من يقول بالصلاة في النجس عند الانحصار، يتعيّن القول به هنا. و من يقول بالصلاة عاريا، لا بد و أن يقول بالتخيير في المقام مع عدم التمكن من الاحتياط. و إلا فيحتاط بالصلاة في أحدهما أداء، ثمَّ القضاء في الثوب الطاهر مع تيسر ذلك. و أما مع التعجيل، لظنّ الموت، فيقضي في الثوب الآخر إن أمكن، و إلا فعاريا. و من ذلك تظهر الخدشة في وجه الاحتياط المذكور في المتن.

فائدة: الترجيح أو التخيير في موارد التزاحم إنّما هو مع عدم التمكن من الجمع بين المتزاحمين. و أما مع إمكانه يتعيّن ذلك بلا ريب فيه، سواء أحرز الملاك فيهما معا أم لم يحرز إلا في أحدهما، كما في مورد العلم الإجمالي بوجود الملاك إجمالا.

ص: 511

مسألة 6: إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر

(مسألة 6): إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر لا يجوز أن يصلّي فيهما بالتكرار (24)، بل يصلّي فيه. نعم، لو كان له غرض عقلائي في عدم الصلاة فيه، لا بأس بها فيهما مكرّرا.

مسألة 7: إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة، يكفي تكرار الصلاة في اثنين

(مسألة 7): إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة، يكفي تكرار الصلاة في اثنين، سواء علم بنجاسة واحدة و بطهارة الاثنين أو علم بنجاسة واحد و شك في نجاسة الآخرين، أو في نجاسة أحدهما، لأنّ الزائد على المعلوم محكوم بالطهارة (25) و إن لم يكن مميزا، و إن علم في الفرض بنجاسة الاثنين يجب التكرار بإتيان الثلاث، و إن علم بنجاسة الاثنين في أربع يكفي الثلاث و المعيار كما تقدم سابقا التكرار إلى حد يعلم وقوع أحدهما في الطاهر.

مسألة 8: إذا كان كلّ من بدنه و ثوبه نجسا

(مسألة 8): إذا كان كلّ من بدنه و ثوبه نجسا، و لم يكن له من الماء إلا ما يكفي أحدهما، فلا يبعد التخيير، و الأحوط تطهير البدن (26). و إن كانت نجاسة أحدهما أكثر أو أشد لا يبعد

______________________________

(24) نظائر هذه المسألة مكررة في العبادات. و هي من صغريات أنّه مع التمكن من الامتثال التفصيلي هل يصح الاكتفاء بالامتثال الإجمالي لوجود المقتضي و فقد المانع، و تحقق الإتيان بالمأمور به. فيثبت الإجزاء قهرا، أو لا يصح، لفقد الجزم بالنية، و قصد الوجه، و أنّ التكرار عبث بتكليف المولى؟

و الحق هو الصحة، لعدم الدليل على اعتبار الأولين بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار. و العبث إما قصدي أو انطباقي، و المفروض عدم تحقق كلّ منهما.

(25) لتحقق الإتيان بالمأمور به على وجهه و يترتب الإجزاء قهرا، و لا مانع عن الصحة في البين إلا الإخلال بالجزم، و قصد الوجه، و التمييز و مقتضى الأصل- كما تقدم- عدم اعتبار ذلك كلّه.

(26) لا ريب في أنّ تقليل القذارات مرغوب فيه عند العرف و العقلاء مهما

ص: 512

ترجيحه (27).

مسألة 9: إذا تنجس موضعان من بدنه أو لباسه، و لم يمكن إزالتهما

(مسألة 9): إذا تنجس موضعان من بدنه أو لباسه، و لم يمكن إزالتهما، فلا يسقط الوجوب (28) و يتخير. إلا مع الدوران بين الأقل و الأكثر، أو بين الأخف و الأشد، أو بين متحد العنوان أو متعددة، فيتعيّن الثاني في الجميع، بل إذا كان موضع النجس واحدا و أمكن تطهير بعضه لا يسقط الميسور، بل إذا لم يمكن التطهير، لكن أمكن إزالة العين وجبت (29). بل إذا كانت محتاجة إلى تعدد الغسل، و تمكن

______________________________

أمكن ذلك، و هذا هو المستفاد من الأدلة الشرعية (1) أيضا لو ردها على طبق المرتكزات، فتكون إزالة النجاسة- بنحو الطبيعة السارية- مطلوبة للشارع، فيجب كلّ ما أمكن، و يسقط الوجوب عما لا يمكن، لا أن يكون بنحو صرف الوجود حتّى لا تجب عند عدم التمكن من إزالة الجميع، و حينئذ مع عدم الترجيح يتخير قهرا، و معه يقدم الراجح. و احتمال الترجيح في إزالة النجاسة عن البدن ثابت. أما بناء على وجوب الصلاة عاريا، فهو المتعيّن. و أما بناء على وجوب الصلاة في الثوب النجس، فلأنّ البدن أقرب إلى المصلّي من ثيابه إليه.

(27) لأنّ احتمال الأهمية حينئذ أكثر من البدن.

(28) لما تقدم من وجوب الإزالة بنحو الطبيعة السارية، و انحلال التكليف حسب الأفراد و المراتب على ما هو كذلك في عادة العرف الجارية في دفع القذارات الظاهرة. و من ذلك يتضح حكم بقية المسألة.

(29) لما تقدم من انحلال التكليف حسب مراتب الميسور. و أما الاستشهاد بمعتبرة عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه،

______________________________

ص: 513


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام الملابس و ما بعده. و كذا أبواب آداب الحمام.

من غسلة واحدة، فالأحوط عدم تركها، لأنّها توجب خفة النجاسة، إلا أن يستلزم خلاف الاحتياط من جهة أخرى، بأن استلزم وصول الغسالة إلى المحلّ الطاهر.

مسألة 10: إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث أو لرفع الخبث من الثوب أو البدن

(مسألة 10): إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث أو لرفع الخبث من الثوب أو البدن، تعيّن رفع الخبث، و يتيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل (30). و الأولى أن يستعمله في إزالة الخبث أولا ثمَّ التيمم، ليتحقق عدم الوجدان حينه.

مسألة 11: إذا صلّى مع النجاسة اضطرارا، لا يجب عليه الإعادة

(مسألة 11): إذا صلّى مع النجاسة اضطرارا، لا يجب عليه الإعادة (31) بعد التمكن من التطهير. نعم، لو حصل التمكن في أثناء الصلاة، استأنف في سعة الوقت، و الأحوط الإتمام و الإعادة.

______________________________

يصلّي قبل أن يغسله؟ قال: نعم، ينفضه و يصلّي فلا بأس» (1).

فلا ربط لها بالمقام، لأنّ النفض في اليابس يوجب ذهاب العين و الأثر عرفا.

(30) لأنّه لو دار الأمر بين ما لا بدل له و ما له البدل يقدم ما ليس له البدل، و الطهارة الخبيثة لا بدل لها، بخلاف الحدثية التي يكون التيمم بدلا لها. هذا إذا لم يمكن جمع الغسالة و إزالة الخبث بها، و إلا يتعيّن ذلك، لإمكان امتثال التكليفين بلا محذور في البين.

(31) لأنّ امتثال الأوامر الاضطرارية يجزي عن الواقع، هذا مع استيعاب الاضطرار لتمام الوقت. و أما مع عدمه فالمسألة مبنية على صحة البدار في موارد الاضطرار، فمن قال به فيجزي أيضا، و من لم يقل فلا وجه للإجزاء، و مقتضى المرتكزات هو الأخير، و الأدلة منزلة عليه أيضا إلا مع الدليل على الخلاف. و منه يعلم حكم بقية المسألة.

______________________________

ص: 514


1- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 12.

مسألة 12: إذا اضطر إلى السجود على محلّ نجس

(مسألة 12): إذا اضطر إلى السجود على محلّ نجس، لا يجب إعادتها بعد التمكن من الطاهر (32).

مسألة 13: إذا سجد على الموضع النجس- جهلا أو نسيانا

(مسألة 13): إذا سجد على الموضع النجس- جهلا أو نسيانا- لا يجب عليه الإعادة (33)، و إن كانت أحوط.

______________________________

(32) بلا إشكال فيه مع استيعاب العذر لتمام الوقت، لما تقدم في المسألة السابقة. و أما مع عدمه، فقد يقال: بالإجزاء أيضا، لأنّ عمدة الدليل على طهارة مسجد الجبهة الإجماع، و المتيقن منه حال الاختيار.

و فيه: أنّ إطلاق الكلمات يشمل حال الاضطرار أيضا. مع أنّ طهارة مسجد الجبهة مستفادة من الأدلة اللفظية أيضا، فتكون هذه المسألة من صغريات جواز البدار في موارد الاضطرار، و يأتي في [مسألة 27] و ما بعدها من فصل مسجد الجبهة ما ينفع المقام.

(33) لأصالة عدم المانعية بعد عدم شمول الدليل لحالتي الاضطرار و النسيان، و لحديث الرفع (1)لنفي وجوب الإعادة أو القضاء، و لحديث «لا تعاد» (2) بناء على شموله لحالة النسيان و الاضطرار، و اختصاص الطهور المذكور فيه بخصوص الحدثية، لا ما يعم الخبثية أيضا، و كون طهارة مسجد الجبهة شرطا للصلاة، لا من مقوّمات السجود. و إلا يكون دليلا على الخلاف، هذا إذا كان في السجدتين.

و أما إذا كان في إحديهما، فيمكن أن يقال: في صورة النسيان إنّه إذا كان ترك أصل السجدة الواحدة نسيانا لا يوجب البطلان، فترك شرائطها لا يوجبه بالأولى.

______________________________

ص: 515


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء حديث: 8.

فصل فيما يعفى عنه في الصلاة

اشارة

(فصل فيما يعفى عنه في الصلاة) و هو أمور:

الأول: دم الجروح و القروح

اشارة

(الأول): دم الجروح و القروح ما لم تبرأ (1) في الثوب أو البدن، (فصل فيما يعفى عنه في الصلاة)

______________________________

(1) بلا خلاف فيه، لعموم أدلة الحرج مضافا إلى المستفيضة من الأخبار، كقول أبي جعفر عليه السلام بعد أن أخبر أنّ في ثوبه دما: «إنّ بي دماميل و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ» (1).

و عن الجعفي: «رأيت أبا جعفر يصلّي و الدم يسيل من ساقه» (2).

و عن الصادق عليه السلام: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدم»(3).

و عنه أيضا: «الرجل تكون به الدماميل و القروح، فجلده و ثيابه مملوّة دما و قيحا، و ثيابه بمنزلة جلده؟ فقال: يصلّي في ثيابه و لا يغسلها و لا شي ء عليه» (4).

و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟ فقال: يصلّي و إن كانت الدماء تسيل»(5).

______________________________

(5)

ص: 516


1- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 7.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 5 و 4.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 5 و 4.

قليلا كان أو كثيرا، أمكن الإزالة أو التبديل بلا مشقة، أم لا (2).

نعم، يعتبر أن يكون مما فيه مشقة نوعية (3). فإن كان مما لا مشقة في

______________________________

و هي ظاهرة في المشقة العرفية ظهورا لا ينكر. و الظاهر، بل المقطوع به: أنّ مراد الفقهاء من تعبيراتهم بالسائلة، و الدامية، و التي لا ترقى إلى غير ذلك، ليس إلا التعبير عن مفاد الأخبار، لا أن يكون شيئا آخر، كما أنّ الظاهر أنّ ذكر السيلان في الحديث و كلمات الفقهاء ليست لاعتباره بالخصوص، بل إنّما ذكر من حيث إنّ فيه المشقة في الجملة، فيكون المدار كلّه عليها، و يدل عليه ما تقدم من صحيح ابن مسلم، فإنّ ظاهر قوله عليه السلام: «يصلّي و إن كانت الدماء تسيل».

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 1، ص: 517

عدم اعتبار السيلان. و إلا لقال: يصلّي إن كانت الدماء تسيل.

(2) كلّ ذلك لإطلاق الأدلة و عمومها الشامل لجميع ذلك.

(3) لا ريب في أنّ للمشقة مراتب متفاوتة:

منها: ما تكون مساوقة لعدم القدرة أصلا، و لا إشكال في كون أدلة المقام أوسع منها، فإنّها تسهيلية امتنانية. مع أنّه يلزم أن يكون الجميع إرشادا إلى حكم العقل، إذا التكليف بغير المقدور قبيح عقلا، و هذا خلاف ظواهر تلك الأخبار التي سيقت لبيان الحكم الشرعي الامتناني.

و منها: المشقة الشخصية التي هي مورد قاعدة الحرج، و هذا أيضا خلاف ظاهر تلك الروايات الدالة على العفو مطلقا ما لم يتحقق البرء من غير اعتبار استمرار الجريان، بل و لا المشقة الرافعة للتكليف، لقضاء العادة بعدم كون إزالة الدم و تطهير الثوب أو تبديله قبل تحقق البرء على إطلاقه تكليفا حرجيا، خصوصا عند إشراف الجرح على البرء، و قد صرّح بذلك في مصباح الفقيه.

و منها: المشقة النوعية المتعارفة التي يدور عليها نوع التكاليف الشرعية، خصوصا مثل هذه التكاليف. فهذا التكليف كغيره يدور مدار المشقة النوعية و عدمه.

إن قلت: نعم، لو لا مثل صحيح أبي عبد الرحمن قال: «قلت

ص: 517

.....

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي، فقال: دعه فلا يضرك أن لا تغسله» (1).

و موثق سماعة قال: «سألته عن الرجل به الجرح و القرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه. قال: يصلّي و لا يغسل ثوبه كلّ يوم الا مرّة، فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة» (2).

معتبرة محمد بن مسلم: «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها و لا حبس دمها يصلّي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة» (3).

فإنّ ظاهرها المشقة الشخصية، و اعتبار سيلان الدم و استمراره.

قلت: عدم الاستطاعة له مراتب و الظاهر أنّ المراد به في المقام: عدم الاستطاعة العرفية و كون التطهير شاقا عليه عادة، لا عدم القدرة، و لا الحرج الرافع للتكليف. و المراد بالسيلان الاستعدادي منه، لا الفعلي من كلّ جهة، كما لعله واضح.

و خلاصة القول: إنّه إن كان المدرك خصوص قاعدة نفي الحرج يكون المدار على المشقة الشخصية. و إن كانت الأخبار الواردة في المقام، فالمدار على النوعية منها و الظاهر هو الأخير، كما لا يخفى.

و لكن مع ذلك كلّه كون المدار في سنخ الحرجيات مطلقا على الشخصي، دون النوعي هو الأنسب بالمرتكزات، كما في سائر المقام- مثل أحكام المسلوس و المبطون و الجبائر على ما يأتي-، فيصح أن يقال: إنّ الأصل في الحرج أن يكون شخصيا إلا ما خرج بالنص الصريح و لا صراحة في أخبار المقام في المشقة النوعية و إن أمكن استطهارها كما تقدم.

و دعوى: أنّ المشقة فيها حكمة تشريع الحكم، فلا يدور مدارها، بلا شاهد و لا دليل.

______________________________

ص: 518


1- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 6 و 2.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 6 و 2.
3- هذه الرواية مروية عن مستطرفات السرائر و أوردها المجلسي في البحار عن نوادر البزنطي ج: 80 صفحة: 83 الطبعة الحديثة.

تطهيره، أو تبديله على نوع الناس، فالأحوط إزالته، أو تبديل الثوب (4). و كان يعتبر أن يكون الجرح مما يعتد به، و له ثبات و استقرار (5)، فالجروح الجزئية يجب تطهير دمها، و لا يجب فيما يعفى عنه منعه عن التنجيس (6) نعم، يجب شده إذا كان في موضع يتعارف شده (7). و لا يختص العفو بما في محلّ الجرح، فلو تعدى عن البدن إلى اللباس، أو إلى أطراف المحلّ، كان معفوا لكن بالمقدار المتعارف (8) في مثل ذلك الجرح، و يختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر و الصغر، و من حيث المحلّ، فقد يكون في محلّ لازمه بحسب المتعارف التعدّي إلى الأطراف كثيرا، أو في محلّ لا يمكن شده، فالمناط المتعارف بحسب ذلك الجرح.

مسألة 1: كما يعفى عن دم الجروح، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه

(مسألة 1): كما يعفى عن دم الجروح، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه، و الدواء المتنجس الموضوع عليه، و العرق المتصل به في المتعارف (9). أما الرطوبة الخارجية إذا وصلت إليه

______________________________

(4) تقدم أنّه لا يخلو عن قوة.

(5) لظهور الأدلة فيه، و هو الموافق لمرتكزات المتشرعة، و المعلوم من مورد الإجماع على العفو.

(6) لملازمة القروح و الجروح لتنجيس الأطراف المجاورة غالبا، و هذا هو مورد الإطلاقات أيضا.

(7) لتعارف ذلك في أصحاب القروح و الجروح، و الأدلة منزلة على المتعارف.

(8) لأنّ ذلك من لوازم القروح و الجروح، خصوصا في الأزمنة القديمة التي قلّت وسائل التطهير و التنظيف لديهم، فتشملها الأدلة التسهيلية الامتنانية.

(9) لإطلاق الأدلة الشامل لما هو المتعارف، و المفروض أنّ ذلك كلّه من المتعارف.

ص: 519

و تعدت إلى الأطراف، فالعفو عنها مشكل (10) فيجب غسلها إذا لم يكن فيه حرج.

مسألة 2: إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها

(مسألة 2): إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها، و لا عفو، كما أنّه كذلك إذا كان الجرح مما لا يتعدّى فتلوثت أطرافه بالمسح عليها، بيده، أو بالخرقة المتلوثتين على خلاف المتعارف (11).

مسألة 3: يعفى عن دم البواسير

(مسألة 3): يعفى عن دم البواسير، خارجة كانت، أو داخلة. و كذا كلّ قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى الظاهر (12).

مسألة 4: لا يعفى عن دم الرعاف

(مسألة 4): لا يعفى عن دم الرعاف، و لا يكون من الجروح (13).

______________________________

(10) لعدم كون ذلك من المتعارف، فلا تشملها أدلة المقام، فيبقى عموم ما دل على وجوب الإزالة بلا مخصص.

(11) لإطلاق أدلة عدم صحة الصلاة في النجس بعد عدم شمول أدلة المقام له، لفرض كونه على خلاف المتعارف.

(12) بناء على شمول الحكم للأعم من الجروح، و ما يحتمل كونه من منابع الدم. و التسهيل و الامتنان يقتضيه. و الجمود على ظاهر الأدلة ينفيه حيث إنّ ظاهرها خصوص الجراحات الظاهرية. لكن يمكن أن يكون هذا الظهور من باب الغالب، فلا اعتبار به حينئذ.

(13) أما عدم كونه من الجروح، فهو واضح لا ريب فيه لغة و عرفا و شرعا.

و أما عدم العفو عنه، فلانتفاء الحكم بانتفاء الموضوع. مع أنّه قد ورد في خصوص الرعاف أخبار مستفيضة تقدم بعضها(1).

______________________________

ص: 520


1- صفحة: 498.
مسألة 5: يستحب لصاحب القروح و الجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كلّ يوم مرة

(مسألة 5): يستحب لصاحب القروح و الجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كلّ يوم مرة (14).

مسألة 6: إذا شك في دم أنّه من الجروح أو القروح أم لا، فالأحوط عدم العفو عنه

(مسألة 6): إذا شك في دم أنّه من الجروح أو القروح، أم لا، فالأحوط عدم العفو عنه (15)،

______________________________

(14) لما تقدم من خبري سماعة و محمد بن مسلم المحمولين (1) على الندب، لإباء أخبار المقام عن تقييدها بهما، مع أنّه لم ينقل القول بالوجوب عن أحد غير ما نسب إلى صاحب الحدائق، مضافا إلى أنّ المنساق منهما مجرد الإرشاد إلى التنظيف فقط، لا التعبد الشرعي. و حينئذ فاستفادة الاستحباب الشرعي أيضا مشكل، إلا بناء على المسامحة فيه.

(15) لأنّ مقتضى الإطلاقات و العمومات وجوب الإزالة النجاسة عن ثوب المصلّي و بدنه إلا ما أحرز ثبوت العفو عنه، و بأصالة عدم تحقق القروح و الجروح بالعدم الأزلي، يثبت موضوع العموم و الإطلاق، فلا يكون التمسك بهما حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لإحراز موضوعهما بالأصل- و هو بمنزلة الإحراز الوجداني و الحجة المعتبرة- و معه لا بد من الفتوى بعدم العفو. و لعلّ تردده لأجل أنّ جريان الأصل في الأعدام الأزلية، خلاف مرتكزات العرف المبنية عليها أدلة الأصول. هذا إذا كان المراد عدم حدوث القروح و الجروح بالعدم الأزلي.

و أما العدم النعتي فلا وجه لجريان الأصل فيه، لعدم العلم بالحالة السابقة.

و دعوى: أنّ القرحية و الجرحية من صفات بقاء الدم، لا حدوثه فتجري أصالة عدمهما. خلاف الوجدان، لأنّ الدم الذي يكون مع المصلّي إما أن يحدث من قرحه و جرحه، أو من غيرهما، فهما من خصوصيات أصل الحدوث، لا البقاء.

______________________________

ص: 521


1- تقدما في صفحة: 518.
مسألة 7: إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة

(مسألة 7): إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة بحيث تعد جرحا واحدا عرفا، جرى عليه حكم الواحد فلو برئ بعضها لم يجب غسله، بل هو معفو عنه حتّى يبرأ الجميع (16). و إن كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة العرفية، فلكلّ حكم نفسه، فلو برئ البعض وجب غسله، و لا يعفى عنه إلى أن يبرأ الجميع.

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم

اشارة

(الثاني) مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم (17)

______________________________

(16) لأنّ ذلك مقتضى عدها جرحا واحدا عرفا، و الأدلة منزلة على ما هو المتعارف، فلا وجه لدعوى أنّ مقتضى الإطلاق تطهير مما برئ، لعدم شمول الإطلاق لمثل الفرض.

(17) نصا و إجماعا، بل ضرورة من الفقه، إن لم يكن من المذهب. قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح الجعفي: «في الدم يكون في الثوب إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة» «1».

و قريب منه غيره. و لعلّ الحكمة في ذلك أنّ الناس لا يخلون غالبا عن دم مثل البراغيث، و ذلك يشتبه بدم غيرها، فإذا لم يكن مقدار الدرهم معفوّا، لصار ذلك منشأ للوسواس فدفع الشارع ذلك بالعفو. و أما إن كان أكثر من الدرهم فلا عفو عنه نصّا و إجماعا بقسميه. و كذا ما كان بقدر الدرهم بلا زيادة و نقيصة على المشهور، لما تقدم من الصحيح، و معتبرة عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام- «و إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصلّ فيه» «2».

و الدينار بقدر سعة الدرهم، كما في الوسائل: و نسب إلى سلار و الانتصار العفو عن قدر الدرهم، كما عفى عن الأقل منه، للأصل، و معتبرة ابن مسلم:

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 8.

ص: 522

سواء كان في البدن، أو اللباس (18). من نفسه أو غيره (19). عدا الدماء

______________________________

«و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم. و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء فإن رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» (1).

و لخبر الجعفي المتقدم.

و فيه: أنّ الأصل لا وجه له مع العمومات الدالة على عدم صحة الصلاة في النجس مطلقا. و الخبران محمولان على مقدار الدرهم فما زاد و هذا الحمل شائع في المحاورات، جمعا بينهما و بين صحيح ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به، ثمَّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي، ثمَّ يذكر بعد ما صلّى، أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته. إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة» (2).

و مرسل جميل: «ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» (3).

مع أنّه لو دل خبر الجعفي على المفهوم، لتناقض صدره مع ذيله. و على فرض استفادة المفهوم من الخبرين، يحصل التعارض بينهما و بين ما تقدم من صحيح ابن أبي يعفور، و الترجيح معه من جهات، و على فرض التكافؤ فالمرجع القاعدة الكلية المتلقاة من الشارع من موارد متفرقة: من عدم صحة الصلاة في النجس مطلقا إلا في المتيقن من مورد الدليل، و قد صرّح بذلك في مصباح الفقيه و الجواهر. فتأمل. و مع المناقشة في هذه القاعدة، فالمرجع أصالة عدم المانعية، و لكن لا وجه للمناقشة فيها.

(18) لظهور الإجماع على عدم الفرق بينهما، بل عن الانتصار دعوى الإجماع عليه صريحا. و مورد غالب الأخبار و إن كان الثوب و اللباس، و لكن الظاهر أنّهما من باب المثال، لا التقييد، بقرينة الإجماع، و خبر المثنّى عن

______________________________

ص: 523


1- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 6.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 4.

الثلاثة من الحيض و النفاس و الاستحاضة (20)، أو من نجس العين، أو الميتة، بل أو غير المأكول مما عدا الإنسان، على الأحوط، بل لا

______________________________

الصادق عليه السلام قال: «قلت له: إنّي حككت جلدي فخرج منه دم، فقال إن اجتمع قدر حمصة فاغسله، و إلا فلا» (1).

و هو و إن كان مخالفا للمشهور من حيث تحديد الدم، لكن لا موجب لطرحها بالمرة حتّى بالنسبة إلى الإطلاق الشامل لدم البدن، مع أنّ الظاهر من الأخبار أنّه قاعدة كلية غير المختصة بجهة دون أخرى ما لم يدل على الخلاف مع أنّ الثوب و اللباس في غالب الأخبار ذكر في كلام السائل، و ذلك لا يكون مخصصا لعموم الجواب.

(19) لإطلاق الأدلة الشامل لهما. و أما مرفوعة البرقي عن الصادق عليه السلام: «دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلا أو كثيرا فاغسله». (2) و في الفقه الرضوي: «إنّ دمك ليس مثل دم غيرك» (3).

فأسقطهما عن الاعتبار قصور سندهما، و إعراض الأصحاب عنهما، فلا يصلحان لتقييد المطلقات الآبية في نفسها عن التقييد فما عن صاحب الحدائق من عدم العفو عن دم الغير، مخدوش.

(20) أما دم الأول، فلخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهما السلام: «لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره الا دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء» (4).

______________________________

ص: 524


1- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب النجاسات حديث: 2.
3- البحار مجلد 80: صفحة: 87.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب النجاسات حديث: 1.

يخلو من قوة (21). و إذا كان متفرقا في البدن أو اللباس أو فيهما، و كان المجموع بقدر الدرهم، فالأحوط عدم العفو (22) و المناط سعة

______________________________

مضافا إلى دعوى الإجماع عن جملة من الأصحاب عليه.

و أما دم الأخيرين فقد حكي الإجماع عن جماعة على عدم العفو عنهما أيضا، و يأتي إن شاء اللّه تعالى جريان أحكام الحيض على النفاس إلا ما خرج بالدليل. و قد أرسل أنّ النفاس حيض محتبس، إرسال المسلّمات. و يشهد لعدم العفو أغلظية النجاسة في الدماء الثلاثة عند المتشرعة، و لما يأتي في نجس العين و غيره الشامل لها أيضا.

(21) لأنّ الشك بالنسبة إليها شك في أصل التخصيص و المرجع فيه العموم الدال على وجوب الإزالة، فإنّ ظاهر نصوص العفو (1) إنّما هو العفو من جهة الدمية فقط، لا من سائر الجهات التي قد تتحد مع الدم. مع أنّه لو كان الشك في مقدار المخصص، فمع انفصاله و تردده بين الأقل و الأكثر، كما في المقام يتعيّن الرجوع إلى العام- كما ثبت في محلّه- لرجوعه إلى الشك في أصل التخصيص أيضا في الجملة.

و ما يقال: من أنّ أصالة الإطلاق في المخصص حاكمة على أصالة العموم في العام. لا وجه له في المقام، لأنّه فيما إذا شك في سريان الإطلاق و شموله، لا فيما إذا شك في أصل ثبوته. هذا مع ما يأتي في لباس المصلّي من عموم المنع عن الميتة، و غير المأكول الشامل لليسير و الكثير، كما يأتي استثناء أجزاء الإنسان. راجع فصل شرائط لباس المصلّي [مسألة 15]. و عمدة الوجه انصراف الأدلة عنه مع ظهور التسالم عليه.

(22) اختاره جمع منهم الشهيد و العلامة و المحقق الثاني و نسبه في كشف الالتباس إلى الشهرة. و عن بعض نسبته إلى أكثر المتأخرين، لأصالة وجوب

______________________________

ص: 525


1- راجع الوسائل باب: 20 و 21 و 22 من أبواب النجاسات.

.....

______________________________

الإزالة عن الثوب و البدن، و إطلاقات المنع الشامل للمجتمع و المتفرق من الأخبار، و معاقد الإجماعات، و في صحيح ابن أبي يعفور: «الا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا»(1).

و في مرسل جميل: «فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» (2).

و الظاهر أنّ قوله عليه السلام: «مجتمعا» حال من المستتر في المضارع، فيكون المعنى ما لم يكن الدم في حال الاجتماع بقدر الدرهم. و المنساق من صدرهما كون الدم متفرقا، فيصير حال الاجتماع فرضيا لا محالة و ينطبق على المقام.

و نسب إلى جمع، منهم صاحبا السرائر و الحدائق: العفو عنه، بل نسب إلى المشهور. و لكن في الجواهر «لم أتحققه» لما تقدم من صحيح ابن أبي يعفور، و مرسل جميل- بناء على كون مجتمعا خبرا للمضارع- فيعتبر في العفو حينئذ أمران: كون الدم أقل من الدرهم، و كونه مجتمعا فعلا. و مع انتفاء أحد القيدين ينتفي الحكم لا محالة.

و فيه: أنّه يحتاج إلى تقدير الضمير، لما ثبت في محلّه من أنّه إذا كان الخبر مشتقا لا بد من استتار الضمير. قال ابن مالك:

و المفرد الجامد فارغ و إن يشتق فهو ذو ضمير مستكن

و هو خلاف الأصل، مع أنّه يصير الاستثناء حينئذ منقطعا، لفرض التفرق في المستثنى منه، و هو أيضا خلاف الأصل. فاحتمال الخبرية مخالف للأصل من جهتين، بخلاف الحالية، و على فرض تساوي الاحتمالين، فالمرجع ما ذكره صاحب الجواهر: «من العمومات الدالة على المنع»، لأنّ الشك في أصل التخصيص. و إلى أصالة عدم صحة الصلاة في النجس إن كان في الثوب و البدن إلا ما خرج بالدليل، و هذا الأصل مستفاد من الأدلة، كأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير، و أصالة عدم الولاية و نحوها من الأصول المعتبرة. و مع المناقشة فيها: بأنّ الأول من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و الجزم

______________________________

ص: 526


1- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 4.

الدرهم، لا وزنه (23). و حدّه: «سعة أخمص الراحة» و لما حده بعضهم بسعة عقد الإبهام من اليد، و آخر بعقد الوسطى، و آخر بعقد السبابة (24) فالأحوط الاقتصار على الأقل، و هو الأخير.

______________________________

باعتبار الثاني مشكل، فالمرجع أصالة البراءة عن المانعية.

(23) لأنّه المقطوع به في كلام الأصحاب. و الذي يقتضيه الأصل عند التردد، و أنّها القدر المتعيّن. فإنّ ما كان وزنه درهما يبلغ سعته أضعاف ذلك قطعا، كذا في المستند.

(24) لم يرد فيما عندنا من الأخبار تحديد للدرهم بوجه إلا ما في الفقه الرضوي من تحديده بالوافي (1)، و عن بعض- كما في المستند- اتفاق الأصحاب عليه. و عن المحقق في المعتبر، و الشهيد في الذكرى: أنّ الوافي هو البغليّ، و عن الحلّي في السرائر دعوى: مشاهدة الدرهم البغلي و يقرب سعته الراحة، و عن العماني: أنّ سعته سعة الدينار، و عن الإسكافي: أنّ سعته العقد الأعلى من الإبهام، و عن بعضهم: من السبابة و الوسطى.

و الكل لا يصلح للحجية، كما لا يخفى. مع أنّ أخمص الراحة من الأمور التشكيكية، مضافا إلى كثرة الاختلاف في سعة الدراهم في عصر واحد، فكيف بأعصار مختلفة، فراجع الكتب الموضوعة في هذا الموضوع (2)، ثمَّ راجع الدراهم الموجودة فعلا في المتاحف. تجد بأنّ ما ذكرها في المقام من الإحالة على المجهول، و مما لا يمكن إقامة الدليل عليه بوجه، مع أنّه لم يعرف القائل بالأخيرين. و في الرياض: تشهد القرائن بفساد التحديد بعقد الوسطى قطعا، فاللازم هو الرجوع إلى دليل آخر و مقتضى العمومات لأنّه بناء على أنّ العفو إنّما هو بالنسبة إلى الأقل من الدرهم لا بد و أن تكون الأقلية عن مطلقه، دون بعض

______________________________

ص: 527


1- مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- راجع تاريخ التمدن الإسلامي لجورج زيدان ج: 1 من صفحة: 140 إلى صفحة: 146، و شذور العقود للمقريزي و حياة الحيوان- مادة: بغل.
مسألة 1: إذا تفشّي من أحد طرفي الثوب إلى الآخر، فدم واحد

(مسألة 1): إذا تفشّي من أحد طرفي الثوب إلى الآخر، فدم واحد. و المناط في ملاحظة الدرهم أوسع الطرفين (25). نعم، لو كان الثوب طبقات فتفشّى من طبقة إلى أخرى، فالظاهر التعدد (26) و إن كانتا من قبيل الظهارة و البطانة، كما أنّه لو وصل إلى الطرف الآخر، دم آخر لا بالتفشي، يحكم عليه بالتعدد (27)، و إن لم يكن طبقتين.

مسألة 2: الدم الأقل إذا وصلت إليه الرطوبة من الخارج فصار المجموع بقدر الدرهم أو أزيد

(مسألة 2): الدم الأقل إذا وصلت إليه الرطوبة من الخارج فصار المجموع بقدر الدرهم أو أزيد، لا إشكال في عدم العفو عنه (28). و إن لم يبلغ الدرهم، فإن لم يتنجس بها شي ء من المحلّ بأن لم تتعدد عن محلّ الدم، فالظاهر بقاء العفو (29) و إن تعدّى، و لكن لم يكن

______________________________

مصاديقه، كما لا يخفى. بل و يصح الرجوع إلى القاعدة المستفادة من مجموع الروايات: و هي بطلان الصلاة في النجس مطلقا إلا في المتيقن من مورد التخصيص، و هو الأقل من الجميع كما ذكره (قدس سره).

(25) أما أنّه دم واحد فلحكم العرف به، بلا فرق بين الثياب الرقيقة و غيرها. و أما ملاحظة أوسع الطرفين فلتحقق الموضوع عرفا، فيشمله الحكم قهرا. و مع الشك يبنى على عدم العفو، لأصالة عدم صحة الصلاة في الثوب النجس إلا ما خرج بالدليل.

(26) بل الظاهر اختلافه باختلاف الموارد، فمع الانفصال العرفي يتعدد، و مع الاتصال كذلك يتحد، و مع الشك يبنى على عدم العفو، لما تقدم. و يعلم من ذلك حكم الطهارة و البطانة أيضا.

(27) لتحقق التعدد موضوعا حقيقة فيكون كذلك شرعا.

(28) لأنّه إما بحكم الدم، فيكون بقدر الدرهم و لا يكون أقل منه، فلا يشمله دليل العفو، كما تقدم. أو بحكم غيره فلا دليل على العفو عن غيره، بل مقتضى الإطلاقات و العمومات عدمه.

(29) لأصالة بقائه، بناء على عدم شمول أدلة وجوب تطهير الثوب و البدن

ص: 528

المجموع بقدر الدرهم، ففيه إشكال (30)، و الأحوط عدم العفو.

مسألة 3: إذا علم كون الدم أقل من الدرهم و شك في أنّه من المستثنيات أم لا

(مسألة 3): إذا علم كون الدم أقل من الدرهم و شك في أنّه من المستثنيات أم لا، يبني على العفو (31).

______________________________

لمثل هذا المتنجس الذي لا أثر له في التنجيس. و أما بناء على الشمول، فتجب الإزالة ما دامت الرطوبة باقية.

و أما إذا جفت فالظاهر أنّه لا حكم له، لأنّه مع تحقق النجاسة العينية و العفو عنها، لا أثر للنجاسة الحكمية.

(30) من شمول أدلة العفو له بالأولى، مع كونه موافقا لسهولة الشريعة.

و من العمومات و الإطلاقات الدالة على وجوب التطهير، و أصالة وجوب الإزالة مطلقا إلا في المتيقن من مورد الدليل، و يأتي منه رحمه اللّه الفتوى بعدم العفو في المسألة الرابعة التي تكون نظير المقام. إلا أن يفرق بينهما: بأنّ المسألة الآتية فيما إذا وصل المتنجس بالدم من الخارج إلى الثوب، و في المقام تنجس الثوب بما ثبت حكم العفو بالنسبة إليه.

(31) هذا الفرع و ما يلحقه يدخلان تحت دليل واحد جوازا أو منعا فلا وجه للتفكيك بينهما. و هو أنّه لو شك في دم أنّه من المستثنيات- كيفية أو كمية- فهل يبنى على العفو أو لا؟ وجهان، بل قولان. و لا يجوز التمسك بعدم العفو بالأدلة الدالة على عدم صحة الصلاة في النجس كما لا يصح التمسك للعفو بما دل على العفو عن الدم الأقل من الدرهم، لأنّ كلا منهما تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بلا فرق بين شرطية الطهارة الخبثية للصلاة، أو مانعية النجاسة عنها، فلا محالة تصل النوبة إلى الأصول العملية. و هي أقسام:

الأول: أصالة عدم تحقق مقدار الدرهم، و عدم تحقق الدماء الثلاثة- مثلا- و بجريانها يصح التمسك بالدليل اللفظي أيضا- بناء على أنّ موضوعه كلّ ما لم يعنون بعنوان الدرهم و بعنوان الدماء الثلاثة- مثلا- و لو كان ذلك بالأصل.

ص: 529

.....

______________________________

و فيه: أنّ جريان الأصل في العدم الأزلي لا مانع منه ثبوتا، فيشمله إطلاقات أدلة الاستصحاب. و لكنّه خلاف المرتكزات العرفية المنزلة عليها أدلة الأصول.

الثاني: أصالة البراءة عن المانعية.

و فيه: أنّه أيضا لا مانع منه لو لم يكن مقتضى الأصل و القاعدة المستفادة من الأدلة عدم جواز الصلاة في النجس إلا ما خرج بالدليل الصريح.

الثالث: أصالة جواز الصلاة في الثوب أو البدن مع سبق الجواز، و لا إشكال فيه.

و ما يقال: من أنّها مثبتة، لعدم ثبوت عنوان العفو بها.

مردود: لعدم ذكر لفظ العفو في شي ء من الأخبار، و إنّما ذكره الفقهاء لأجل الاختصار في الكلام. و كذا لا وجه للإشكال عليها بأنّها المعلق، إذا لا تعليق فيها. مضافا إلى اعتبار الاستصحاب التعليقي، كما أثبتناه في الأصول (1)، و مع عدم جريانها للعلم الإجمالي أو لعدم العلم بالحالة السابقة، فالمرجع أصالة عدم صحة الصلاة في الثوب النجس، و قاعدة وجوب إزالتها في الصلاة مطلقا بناء على اعتبار هذا الأصل و القاعدة، و إلا فالمرجع أصالة البراءة عن المانعية، و لا فرق في ذلك بين الفرعين.

إن قلت: لعلّ الفرق بينهما أنّ في الثاني قد علق العفو على إحراز كون الدم أقل من الدرهم فلا بد في العفو من إحرازه، و إلا فالمرجع عمومات المانعية.

قلت: لا دليل على كلية دعوى أنّه مهما علق الحكم على أمر وجودي لا بد من إحرازه. حتّى مع وجود الأصل المعتبر في البين، كأصالة عدم صحة الصلاة في النجس على ما يستفاد من الأدلة، أو أصالة عدم المانعية، بناء على المناقشة في أصالة عدم صحة الصلاة في النجس، كما تقدم.

______________________________

ص: 530


1- راجع تهذيب الأصول ج: 1 صفحة: 248 ط: 2 بيروت.

و أما إذا شك في أنّه بقدر الدرهم أو أقل، فالأحوط عدم العفو.

إلا أن يكون مسبوقا بالأقلية و شك في زيادته (32).

مسألة 4: المتنجس بالدم، ليس كالدم

(مسألة 4): المتنجس بالدم، ليس كالدم في العفو عنه (33) إذا كان أقل من الدرهم.

مسألة 5: الدم الأقل إذا أزيل عينه، فالظاهر بقاء حكمه

(مسألة 5): الدم الأقل إذا أزيل عينه، فالظاهر بقاء حكمه (34).

مسألة 6: الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل

(مسألة 6): الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل، و لم يتعد عنه، أو تعدّى و كان المجموع أقل، لم يزل حكم العفو عنه.

مسألة 7: الدم الغليظ الذي سعته أقل، عفو

(مسألة 7): الدم الغليظ الذي سعته أقل، عفو، و إن كان بحيث لو كان رقيقا صار بقدره أو أكثر (35).

مسألة 8: إذا وقعت نجاسة أخرى، كقطرة من البول مثلا- على الدم الأقل

(مسألة 8): إذا وقعت نجاسة أخرى، كقطرة من البول- مثلا- على الدم الأقل، بحيث لم تتعدّ عنه إلى المحلّ الطاهر و لم يصل إلى الثوب أيضا. هل يبقى العفو أم لا؟ إشكال (36) فلا يترك الاحتياط.

______________________________

(32) فتستصحب القلة و تجوز الصلاة فيه حينئذ.

(33) لاختصاص دليل العفو بخصوص الدم. و ما يقال: من أنّ الفرع لا يزيد عن الأصل لا يكون من القواعد المعتبرة، خصوصا في الأحكام الشرعية التي لا تحيط العقول بخصوصيّاتها. لكن في الجواهر: «يقوي إلحاقه كما عن النهاية احتماله، بل عن المعالم اختياره».

(34) للإطلاق و الاستصحاب. و كذا في المسألة اللاحقة.

(35) لشمول إطلاق أدلة العفو له أيضا.

(36) من احتمال الإطلاق في أخبار العفو، و من أصالة عدم التداخل في الحكم، و تقدم في [مسألة 9] من فصل كيفية تنجس المتنجسات ما ينفع المقام، فراجع.

ص: 531

الثالث: مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة

(الثالث): مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة من الملابس كالقلنسوة، و العرقجين، و التكة، و الجورب، و النعل، و الخاتم و الخلخال و نحوها (37). بشرط أن لا يكون من الميتة (38)، و لا من

______________________________

فروع- (الأول): لا يلحق بالدم غيره من النجاسات في العفو عما دون الدرهم، للأصل بعد عدم الدليل عليه.

(الثاني): لو اعتقد كونه أقلّ من الدرهم فصلّى فيه ثمَّ بان أنّه بمقداره أو أكثر منه يترتب عليه حكم الجهل بالنجاسة.

(الثالث): لو اعتقد كونه من المستثنيات فصلّى فيه ثمَّ بان كونه معفوّا عنه، تصح صلاته مع حصول قصد القربة منه.

(الرابع): لا فرق في العفو بين ما إذا كان قبل الصلاة أو حدث في أثنائه، أمكن التطهير و التبديل أولا.

(الخامس): لا فرق في العفو بين الرطب و اليابس منه، و يعتبر في الأول أن لا يكون متعديا بما يزيد عنه، و لو كان في الجبهة يعتبر أن لا يتعدى إلى مسجد الجبهة.

(37) للنصوص المستفيضة، و الإجماع تحصيلا و نقلا، كما في الجواهر و في موثق زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب» (1).

و عن الصادق عليه السلام في مرسلة ابن سنان: «كلّ ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه، و إن كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك» (2).

و نحوه غيره، و إطلاق قوله عليه السلام: «و ما أشبه ذلك» يشمل جميع ما في المتن.

______________________________

ص: 532


1- الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 5.

أجزاء نجس العين، كالكلب و أخويه (39). و المناط عدم إمكان الستر

______________________________

هذا مع أنّ الأخبار المانعة عن الصلاة في النجس (1) تشتمل على الثوب و اللباس. و المراد بالثاني هو الأول أيضا، لا مطلق ما يلبس و لو مثل الخاتم و ظهورهما فيما تتم الصلاة مما لا ينكر، و بعض الأخبار المطلقة (2) ظاهرة فيهما أيضا، فيكون العفو فيما لا تتم تخصصا لا تخصيصا. إلا أن يتمسك بأصالة بطلان الصلاة مع النجس مطلقا، كما اعتمد عليها صاحب المستند و يظهر من غيره أيضا، فيكون المقام تخصيصا حينئذ.

(38) لأنّه المتيقن من الإجماع، و المتفاهم قوله عليه السلام: «عليه الشي ء» و قوله عليه السلام: «فيه القذر»، و قوله عليه السلام: «يصيب القذر» كما في خبر أبي البلاد (3)، لأنّ ظهور مثل هذه التعبيرات في المتنجس مما لا ينكر. و قول الصادق عليه السلام في الميتة: «لا تصلّ في شي ء منه و لا في شسع» (4).

غير قابل للتقييد بأخبار المقام. و كذا موثق ابن بكير الوارد فيما لا يؤكل لحمه (5)، فإنّه أيضا آب عن التخصيص بمثل هذه الأخبار.

و أما خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلّى فيه» (6).

______________________________

ص: 533


1- الوسائل باب: 19 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب النجاسات حديث: 4 و باب: 1 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.
6- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.

بلا علاج (40). فإن تعمم، أو تحزم بمثل الدستمال مما لا يستر العورة بلا علاج، لكن يمكن الستر به بشدة بحبل، أو بجعله خرقا، لا مانع من الصلاة فيه. و أما مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلت، فلا يكون معفوا (41) إلّا إذا خيطت بعد اللف بحيث تصير مثل القلنسوة (42).

______________________________

و الموثق عنه عليه السلام أيضا بعد أن سئل عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المصلين، فقال: «أما النعال و الخفاف فلا بأس بهما» (1). فإن قبل الحمل على المتنجس فهو، و إلا فلا بد من طرحه، لعدم صحة الصلاة في شي ء من الميتة مطلقا، كما يأتي في فصل لباس المصلّي.

(39) لانصراف الأدلة عنها قطعا، إذ لم يعهد بين المسلمين صنع ما لا تتم الصلاة من أجزاء نجس العين، و تقدم أنّ ظاهر الأدلة هو المتنجس، لا النجس.

(40) لأنّه المتفاهم من الأدلة، و المتيقن من إجماع فقهاء الملة. و إلا كانت القلنسوة و نحوها مما تتم فيها الصلاة في بعض الأحوال.

(41) لصدق أنّها مما تتم فيها الصلاة عرفا، فلا تشملها الأدلة.

(42) لصدق عدم كونها حينئذ مما تتم فيها الصلاة، و تقدم أنّه لا يكفي مجرد الإمكان و لو مع العلاج. و لعلّ قول الصدوق رحمه اللّه بالجواز فيها، يراد به هذه الصورة، فيكون النزاع لفظيا.

فروع- (الأول): المراد بما لا تتم الصلاة فيه ما لا يستر عورة الرجل، كما صرّح به في الجواهر، لا المرأة لأنّ كلّها عورة.

(الثاني): لا فرق في النجاسة بين القليلة و الكثيرة، و لا بين الدماء الثلاثة و غيرها. و ما تقدم من خبر أبي بصير (2) في عدم العفو عن دم الحيض و إن كان

______________________________

ص: 534


1- الوسائل باب: 38 من أبواب لباس المصلّي حديث: 3.
2- تقدم في صفحة: 524.

الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة

اشارة

(الرابع): المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة، مثل:

السكين، و الدرهم، و الدينار و نحوها (43).

______________________________

أقلّ من الدرهم، مورده الثوب، فلا يشمل المقام. كما لا فرق بين كون النجاسة من نجس العين و غيرها، لظاهر النصوص المتقدمة و الفتاوى. و الأولى الاحتياط في الدماء الثلاثة، بل الأحوط في نجاسة غير المأكول.

(الثالث): لا فرق فيما لا تتم الصلاة. بين كونه من جنس الساتر كالقلنسوة و نحوها، أو غيره كالحلّي من الخاتم، و الخلخال، و السوار، و الدملج، و المنطقة، و السيف، و السكين و نحوها، لعموم الأدلة، و خصوص إجماع السرائر. و ليس العفو عنها مبنيا على جواز حمل النجس في الصلاة، كما سيأتي من الماتن رحمه اللّه، بل لصدق الملبوس على الجميع كما صرّح به في الجواهر.

(الرابع): لا فرق في جميع ما مرّ بين أن يكون واحدا، أو متعددا، كان المصلّي لابسا لبعضها أو تمامها، للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(الخامس): لا فرق بين كونها في محالّها و عدمه، كما لو أخذ القلنسوة بيده و وضع التكة على عنقه، للإطلاق. و عن بعض الاختصاص بالأول، للانصراف.

و فيه: أنّه بدوي، و لا ثمرة له بناء على صحة الصلاة في المحمول المتنجس. نعم، بناء على عدمها، فالأحوط ما ذكره البعض.

(43) نسب العفو عنها إلى جمع من الفقهاء. منهم الشهيدين و المحقق الثاني و صاحب المدارك رحمهم اللّه، و يظهر من المحقق في الشرائع، و كلّ من قيد وجوب الإزالة بالثوب و البدن، و اختاره صاحب الجواهر و غيره لما تقدم من خبر ابن سنان (1)، و لأصالة عدم المانعية، و لأنّ العفو عن الملبوس الذي لا تتم فيه الصلاة يستلزم العفو عن المحمول كذلك بالأولى.

______________________________

ص: 535


1- راجع صفحة: 532.

.....

______________________________

و حكي عن غير واحد: عدم العفو، مستندا إلى وجوه:

منها: أصالة عدم صحة الصلاة في النجاسة محمولة كانت أو ملبوسة.

و فيه: أنّها على فرض التمامية في الملبوس دون غيره مع أنّها محكومة بما دل على العفو كرواية زرارة و غيره (1).

و دعوى: انصرافها إلى الملبوس مردودة لأنّه بدوي.

و منها: أنّ أولوية العفو في المحمول مما لا تتم فيه الصلاة إذا كان ملبوسا ظنية، لا اعتبار فيه.

و فيه: أنّها لا تقصر عن سائر الأولويات التي اعتمدوا عليها في الفقه.

و منها: قول الصادق عليه السلام: «لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ»(2).

و عن الكاظم عليه السلام: «في ثوب أصابه الخمر، قال: لا تصلّ فيه فإنّه رجس» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها المنع عن الصلاة في مطلق ملابسة النجس و لو بنحو الظرفية التوسعية.

و فيه: أنّ المنساق منها ما كان ملبوسا أو من توابعه، كالأزرار و نحوها، فلا تشمل المحمول.

و استدلوا أيضا بخبر عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه أ يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال عليه السلام: نعم، ينفضه و يصلّي فلا بأس» (4).

و فيه: أنّه إرشاد إلى التنزه عنها، و لا يستفاد منه أزيد من التنفر النفسي

______________________________

ص: 536


1- الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 1 و غيره من الروايات المذكورة فيه.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلّي حديث: 6.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 4.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 12.

و أما إذا كان مما تتم فيه الصلاة، كما إذا جعل ثوبه المتنجس في جيبه- مثلا- ففيه إشكال (44)، و الأحوط الاجتناب. و كذا إذا كان من الأعيان النجسة (45)، كالميتة، و الدم، و شعر الكلب و الخنزير، فإنّ الأحوط اجتناب حملها في الصلاة.

______________________________

المرتكز في الأذهان، مع أنّه في عين النجس. و الكلام في المحمول المتنجس.

و بخبره الآخر عنه عليه السلام أيضا: «عن الرجل يصلّي و معه دبة من جلد حمار أو بغل، قال: لا يصلح أن يصلّي و هي معه إلا أن يتخوف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلّي و هي معه» (1).

فإنّ ظاهره المنع إلا في الضرورة، و في مكاتبة عبد اللّه بن جعفر إلى أبي محمد عليه السلام: «يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة مسك؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان ذكيا»(2).

و فيه: أنّهما وردا في الميتة، و يمكن الفرق بينهما و بين غيرهما من أنواع النجاسات، كما يصح حملهما على الكراهة فلا دليل يصح الاعتماد عليه في مقابل أصالة عدم المانعية للمحمول المتنجس.

(44) مقتضى أصالة البراءة عن المانعية الجواز. و مقتضى ما تقدم في أدلة المانعين في مطلق المحمول هو المنع. و قد عرفت الجواب عنها. و يمكن أن يستدل للمنع بما دل على طهارة لباس المصلّي بدعوى شموله لما إذا كان ملبوسا أو محمولا. فتأمل.

(45) من إطلاق دليل العفو و أصالة عدم المانعية، فيجوز و ما تقدم من خبري ابن جعفر، فلا يجوز، و تقدمت المناقشة فيهما، و يأتي في لباس المصلّي ما ينفع المقام، كما يأتي من الماتن رحمه اللّه الفتوى ببطلان الصلاة في الميتة

______________________________

ص: 537


1- الوسائل باب: 60 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب لباس المصلّي حديث: 2.
مسألة 1: الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعدّ من المحمول

(مسألة 1): الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعدّ من المحمول، بخلاف ما خيط به (46) الثوب، و القياطين، و الزرور و السقائف، فإنّها تعدّ من أجزاء اللباس، لا عفو عن نجاستها.

______________________________

و أجزاء ما لا يؤكل لحمه- حتّى مع عدم اللبس- في [مسألة 11 و 13] من فصل لباس المصلّي، فراجع.

(46) لفظ المحمول لم يرد في شي ء من الأدلة، و إنّما الوارد فيها «كلّ ما كان على الإنسان» «أو معه»، كما تقدم في خبر ابن سنان (1)و عبّر الفقهاء عن قوله عليه السلام: «أو معه» بالمحمول.

و مرجع الكلّ إلى عنوانين: أحدهما ما تتم فيه الصلاة. ثانيهما ما لا تتم الصلاة فيه، ملبوسا كان، كالخاتم و نحوه أو لا، و في الأول وجب الاجتناب، بخلاف الثاني، و لا ريب في أنّ ما خيط به الجرح من الثاني عرفا بخلاف ما خيط به الثوب إذ يصدق نجاسة ما تتم فيه الصلاة عرفا، فلا تصح الصلاة فيه. ثمَّ إنّه كلّ ما كان في الباطن لا يتصف بما لا تتم فيه الصلاة عند المتشرعة، بل العرف مطلقا، بل و لا يتصف بالنجاسة أيضا، لأنّ موضوعها الظاهر دون الباطن فمن أكل شيئا متنجسا أو شرب الخمر، لا يكون من المقام تخصصا. و كذا الدماء التي تزرق بالإبر الحديثة في هذه الأعصار.

فرعان- (الأول): الترقيعات الحاصلة من أجزاء نجس العين، إن كانت في الباطن، فلا حكم لنجاستها، كما تقدم. و إن كانت في الظاهر، عظما كانت، أو عينا أو نحوهما، فإن حصلت الجزئية الحقيقية بمن رقع به- بأن حلّت فيها الروح- لا تكون من المحمول، و لا وجه لبقاء نجاستها، لكونها جزءا للشخص المرقع به حقيقة، و المتيقن من الإجماع- المدعى في الجواهر على وجوب الإزالة، تارة: من الأصحاب، و أخرى: من المسلمين- غير هذه الصورة قطعا. و إن لم تحصل الجزئية كذلك، فهو من المحمول، و يصح

______________________________

ص: 538


1- تقدم في صفحة: 532.

الخامس: ثوب المربية للصبيّ

اشارة

(الخامس): ثوب المربية للصبيّ (47)، أمّا كانت أو غيرها متبرعة أو مستأجرة (48)، ذكرا كان الصبيّ أو أنثى (49)، و إن كان

______________________________

إجماعهم حينئذ. و وجوب الإزالة مقدمي بالنسبة إلى الصلاة، لا أن يكون واجبا نفسيا.

(الثاني): لا فرق في حمل النجاسة- جوازا أو منعا- بين أن تكون ظاهرة، أو مستورة، كانت في ظرف أولا، كما لا فرق فيه بين أن يكون في تمام حالات الصلاة، أو في بعضها.

(47) على المشهور- نقلا و تحصيلا- بل إجماعا إلا ممن لا يعتد بخلافه، كما في الجواهر. و في خبر أبي حفص المنجبر عن الصادق عليه السلام قال:

«سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد و لها مولود فيبول كيف تصنع، قال:

تغسل القميص في اليوم مرة» (1).

و تشهد له قاعدة العسر و الحرج في الجملة.

ثمَّ إنّه يجب الاقتصار في الحكم المخالف للإطلاقات و العمومات، على المتيقن من مورد الدليل، و التعدّي عنه إلى غيره يدور مدار حصول العلم بالمناط. فمن حصل له العلم، يصح له الحكم. و من لم يحصل له ذلك، يقتصر على خصوص مورد الدليل. و الفروع المذكورة في هذه المسألة مبتنية على ذلك.

(48) بدعوى: شمول الامرأة في خبر أبي حفص المتقدم، و المربية في كلمات العلماء: للجميع مع القطع بوحدة المناط، كما ادعاه صاحب الجواهر.

و لكن الأول خلاف الظاهر، و الثاني ينفع لخصوص القاطع. نعم، ذلك مقتضى سهولة الشريعة- خصوصا مع كثرة المستأجرات لتربية الصبيان- مضافا إلى أنّه لم يظهر خلاف فيه.

(49) نسب ذلك إلى أكثر المتأخرين، لإطلاق المولود لها- و لو تغليبا-

______________________________

ص: 539


1- الوسائل باب: 4 من أبواب النجاسات.

الأحوط الاقتصار على الذكر. فنجاسته معفوّة، بشرط غسله في كلّ يوم مرّة مخيّرة بين ساعاته (50)، و إن كان الأولى غسله آخر النّهار (51)

______________________________

و لكن الجمود على ظاهر النص، يقتضي الاختصاص بالذكر، و نسب ذلك إلى فهم الأصحاب أيضا. و ربما يؤيد بقول عليّ عليه السلام: «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمها. و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم، لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين» (1).

و لكن الخبر ضعيف سندا، مهجور و موافق للعامة، فلا يصلح للتأييد. و لا دليل على اعتبار فهم الأصحاب لغيرهم، مع أنّه نسب التعميم إلى أكثر المتأخرين. و في المدارك «ينبغي القطع به»، و طريق الاحتياط معلوم.

(50) أما وجوب الغسل في كلّ يوم مرة، فللنص كما مر و الإجماع. و أما التخيير فلإطلاقهما الشامل لجميع الساعات و الآنات.

و ما يقال: من أنّ وجوب الغسل مقدمي للصلاة، فإن وجب قبل وجوبها يلزم وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها.

مدفوع: بما ثبت في محلّه من صحة تصوير وجوبها قبل حدوث وجوبه بطرق شتّى، و يأتي ما يتعلق بإطلاق التخيير في الفروع الآتية إن شاء اللّه تعالى.

(51) استحسنه جمع منهم المحقق رحمه اللّه في الشرائع، و لا ريب في حسنه عند المتشرعة. و عن العلامة احتمال وجوبه، و يمكن تقويته: بأنّه قد جرت عادة المتشرعات من مربيات الصبيان على الجمع بين صلاتهنّ الظهرين و العشاءين بطهارة واحدة، حدثية كانت أو خبثية، بل الغالب في النساء تأخير الظهرين إلى قبيل الغروب. و أما في العشاءين فلا تؤخر كثيرا، لأجل الابتلاء بالنوم، خصوصا في الأزمنة القديمة التي كانوا ينامون بعد المغرب بقليل، و هذه عادة المصليات، و قد ورد الحديث على طبق هذه العادة، و هي بمنزلة قرينة

______________________________

ص: 540


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 4.

لتصلّي الظهرين و العشاءين مع الطهارة، أو مع خفة النجاسة و إن لم يغسل كلّ يوم مرّة فالصلوات الواقعة فيه مع النجاسة باطلة (52).

و يشترط انحصار (53) ثوبها في واحد، أو احتياجها إلى لبس جميع ما

______________________________

محفوفة بالكلام، فلا وجه معها لاستفادة الإطلاق منه. فقوله عليه السلام:

«تغسل القميص في اليوم مرة»(1)- أي قبل الصلوات الأربع التي جرت عادتهنّ على الجمع بينها، و هو آخر النهار- و أما صلاة الصبح فالظاهر وقوعها في القميص الطاهر، لأنّ الصبيّ في الليل يقمّط و يلف بالخرق، فلا يتعدّى بوله عن قماطه و خرقه إلى غيرهما بحسب العادة المستمرة قديما و حديثا، و مع جريان هذه العادة، لا وجه لاستفادة إطلاق التخيير من الحديث و الكلمات، لأنّ هذه كلّها من الموضوعات الخارجية التي لا بد فيها من الرجوع إلى أهلها، و الدليل ناظر إلى ما هو الواقع في الخارج.

(52) للعمومات و الإطلاقات الدالة على شرطية الطهارة. و لكن الظاهر أنّه لا تبطل إلا الصّلوات التي وقعت بعد حدوث النجاسة، لأنّ ذلك هو المرتكز في أذهان المتشرعة و المنزلة عليه الأدلة.

و أما احتمال بطلان جميع الصلوات، لإطلاق الأمر بغسل الثوب في كلّ يوم مرّة، فيكون غسل الثوب بالنسبة إلى بعضها من الشرط المتقدم و بالنسبة إلى الآخر من الشرط المتأخر، فهو احتمال ممكن ثبوتا يبعده مرتكزات المتشرعة إثباتا.

و كذا اختصاص البطلان بخصوص الصلاة الأخيرة، لكونها القدر المتيقن في البطلان، بعيد أيضا مع وقوع غيرها في الثوب النجس أيضا.

(53) أما الأول، فلذكره في النص المتقدم (2)، و لأنّه المتيقن من الإجماع

______________________________

ص: 541


1- الوسائل باب: 4 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب النجاسات و تقدم في صفحة: 539.

عندها، و إن كان متعددا. و لا فرق في العفو (54) بين أن تكون متمكنة من تحصيل الثوب الطاهر- بشراء أو استيجار أو استعارة- أم لا، و إن كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكن.

مسألة 1: إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته، محلّ إشكال

(مسألة 1): إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته، محلّ إشكال (55)، و إن كان لا يخلو عن وجه.

مسألة 2: في إلحاق المربّي بالمربية، إشكال

(مسألة 2): في إلحاق المربّي بالمربية، إشكال. و كذا من تواتر بوله (56).

______________________________

و أما الثاني فللعفو عن النجاسة مع الاضطرار و الحاجة مطلقا، و يأتي في السادس فيما يعفى عنه في الصلاة.

(54) جمودا على إطلاق النص و جملة من الكلمات. و منشأ الاحتياط صحة الانصراف إلى صورة عدم التمكن، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة في الجملة، مع حكاية القول به عن جماعة من المتأخرين.

(55) وجه الإلحاق غلبة وصول البول إلى البدن، مع عدم الأمر بغسله في الخبر المتقدم، مضافا إلى أنّ الحكم تسهيلي امتناني، و هو يقتضي الإلحاق.

و وجه عدمه أنّ ترك الأمر بغسل البدن أعم من عدم وجوبه، و الفرق بين الثوب و البدن في تعسر التطهير في الأول و عدمه في الثاني غالبا.

(56) من الجمود على النص، فلا يلحق. و من دعوى القطع بوحدة المناط، فيصح الإلحاق. و لكن إثبات ذلك مشكل، و يأتي الكلام في الحيض.

فروع- (الأول): مقتضى الجمود على المتيقن اختصاص الحكم بخصوص الفرائض، فلا يلحق بها قضاؤها، فكيف بالنوافل. و عن صاحب الجواهر عدم استبعاد الإلحاق تمسكا بالإطلاق.

(الثاني): لا يلحق سائر النجاسات حتّى غائط الصبي ببوله، للأصل.

(الثالث): مقتضى الإطلاق وجوب غسل الثوب، و إن كان الصبيّ تغذّى بالطعام الذي لم يكف فيه الصب، كما يأتي في [مسألة 17] من الفصل الآتي.

ص: 542

السادس: يعفى عن كلّ نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار

(السادس): يعفى عن كلّ نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار (57).

______________________________

(الرابع) مقتضى الإطلاق ثبوت الحكم للمتغذّي بغير لبن المرأة كالألبان الصناعية العصرية و نحوها، و الأحوط الاقتصار على غير المتغذّي مطلقا.

(الخامس): لو أمكنها احتفاظ الصبيّ عن تعدّي بوله بما لا مشقة فيه، كما هو شائع في هذه الأعصار، و مع ذلك فرّطت. فهل يشملها دليل المقام أو لا؟

وجهان. أحوطهما الثاني.

(السادس): حكي عن جمع العفو عن نجاسة ثوب الخصيّ الذي يتواتر بوله إذا غسله في النهار مرة، لقاعدة الحرج، و لخبر عبد الرحيم القصير قال:

«كتبت إلى أبي الحسن الأول عليه السلام أسأله عن خصيّ يبول، فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل بعد البلل، فقال: يتوضأ و ينضح مرّة واحدة» (1)، أو «ينضح ثوبه».

على ما رواه الصدوق و فيه: أن قاعدة الحرج تنفي التكليف، لا أن تثبت وجوب الغسل مرّة في كلّ يوم، الا أن تنضم إليها قاعدة الميسور. و الخبر مجمل متنا إذ يمكن أن يكون المراد به المسلوس الذي يأتي حكمه، أو من البلل المشتبه، فلا يصح الأخذ بإطلاقه.

(57) نصّا و إجماعا. قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ما من شي ء حرّمه اللّه الا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (2).

و المراد من الاضطرار العرفي منه، دون العقلي، كما أنّ المراد من الحلية و الحرمة أعم من النفسية و الغيرية.

و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على أشرف أنبيائه المرسلين.

و للّه الحمد أولا و آخرا.

محمد الموسوي السبزواري.

______________________________

ص: 543


1- الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 8.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.

ص:544

فهرست الجزء الأول من كتاب «مهذب الأحكام»

المقدمة...5

طرق إحراز صحة العمل إما بالاجتهاد، أو الاحتياط، أو التقليد ...7

عدم الموضوعية لهذه الطرق ...8

وجوب الاجتهاد و تعريفه ...9

جواز العمل بالاحتياط ولو كان مجتهدأ، وبيان أدلة القائلين بعدم جوازه والمناقشة فيها ...9

أقسام الاحتياط ...10

جواز الاحتياط ولو كان مستلزمة التكرار، والجواب عن أدلة المانعين عنه ...11

جواز الاحتياط لابد وأن يستند إلى الاجتهاد أو التقليد ...12

لا تقليد ولا اجتهاد في الضروريات...13

عمل العامي بلا تقليد ولا احتباط باطل ...13

معني التقليد والأخبار الواردة فيه...14

فروع وفيها:

كفاية الالتزام الإجمالي في التقليد ...16

عدم اعتبار السبق الزماني في التقليد...16

صحة العمل المطابق لرأي المجتهد ولو لم يكن بغير التزام والثبات. ...16

اعتبار التعيين في المجتهد وعدمه..17

تقليد الميت وأقسامه ...18

(الأول): تقلید، ابتداء مع الموافقة لرأي الحي ...18

(الثاني): تقلید، ابتداء مع المخالفة لرأي الحي...18

(الثالث): البقاء على تقليده مع الموافقة لرأي الحي...21

ص:545

الرابع) البقاء على تقليده مع المخالفة لرأي الحي ... 22

فروع وفي:

المناط في الموافقة والمخالفة وموردهما ...23

اعتبار کون الموافقة والمخالفة لرأي المجتهد ...24

لابد من إحراز المخالفة بطريق معتبر...24

موارد جواز العدول إلى الحي وعدمه ...24

أدلة وجود تقليد الأعلم والمناقشة فيها ...24

الاستدلال على جواز تقليد العالم والجواب عنه...24

وجوب تقليد الأعلم ...25

يجب الفحص عن الأعلم، والأقسام المنصورة في وجوده ...29

حكم الشك في حدوث الأعلمية...29

التخيير بين المجتهدين المتساوین، وهل يجب اختيار الأورع؟...30

حكم ما إذا لم يكن للأعلم فتوى في المسألة ...31

وجوب الرجوع إلى الحي في البقاء على تقليد الميت ...31

حكم عمل الجاهل ...32

أقسام الجاهل وحكم كل واحد منها...32

فروع وفيها:

إن المناط في صحة العمل مطابقته لرأي المجتهد سواء

حصلت حين العمل أو بعده ...33

هل يكون الرأي المجتهد موضوعية أو أنه طريق إلى الواقع؟ ...33

بیان المراد من الأعلم...34

حكم تقليد المفضول إذا وافق فتواه مع الأفضل...34

لا يجوز تقليد غير المجتهد ...35

طرق ثبوت الاجتهاد ...35

الاجتهاد والأعلمية هل يثبتان يقول مطلق بالثقة؟...36

حكم الظن بالأعلمية ...37

ص:546

شرائط مرجع التقليد وبيان أدلتها ...38

حكم تقليد المتجزي ...40

فروع وفيها:

مراتب التجزي ...40

معنی التجزي...41

نفوذ حكم بعض أقسام المنجزي ...41

الإقبال على الدنيا وأقسامه ...42

فائدتان:

انقسام الرياسة الدينية حسب الأحكام الخمسة التكليفية...42

الكلام في العدالة التي هي من المفاهيم اللغوية...43

مراتب الاستقامة والاستواء ...46

المراد من صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في العدالة ...46

فروع وفيها:

ترتب آثار العدالة إذا شك في زوالها ...48

حكم من لم يرتكب ذنبا بعد البلوغ. حكم من ترك المعاصي لقصور... 48

حكم التجري بالنسبة إلى العدالة ...49

طرق ثبوت العدالة...50

الأول): حسن الظاهر، والمراد منه وبيان أدلته ...50

فروع وفيها:

هل يعتبر في حسن الظاهر حصول الظن بالواقع؟

كفاية الظن النوعي بحسن الظاهر، حكم ما لو شك في حسن الظاهر ... 50

كان للتدليس أولخوف من الله تعالى...51

الثاني): البيئة والدليل على اعتبارها ...51

فرع وفيها:

إن الشهادة الفعلية كالقولية ...52

حكم البينة التي لا يحصل الوثوق منها ...52

ص:547

وهل يكفي أخبار الموثوق به بالعدالة؟...52

الثالث: الشياع المفيد للعلم ...52

إذا عرض للمجتهد مایوجب فقده للشرائط ...53

حكم تقليد من لم يكن جامعا للشرائط... 54

لو قلد من يحرم البقاء على تقليد الميت ...54

وجوب تعلم العبادات والأحكام الابتلائية ...55

فرعان:

حكم ما لو اطمأن بعدم الابتلاء في أثناء العمل فاتفق الابتلاء ... 56

وجوب تعلم مسائل الصلاة ... 57

موارد وجوب التقليد ...57

فروع وفيها:

عدم وجوب التقليد فيما خرج عن الابتلاء... 57

وحكم ما لو علم أن أفعاله تطابق الاحتياط ... 58

المدار في الابتلاء ...58

عدم جواز البقاء على التقليد مع تبدل رأي المجتهد ... 58

جواز التبعيض في التقليد ...59

حكم تقليد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم...60

حكم ما إذا قلد المجتهد بتخيل أنه زيد فبان غيره...61

طرق معرفة فتوى المجتهد ...62

حكم تقليد غير الأهل، وما إذا انحصر الأعلم في شخصين... 62

والشك في موت المجتهد أو تبدل رأيه ... 63

حكم من علم أنه كان في عبادته بلا تقلید... 63

فروع وفيها:

عدم الفرق في اليقين بالبطلان بین کونه بالوجدان أو من جهة المخالفة الرأي المجتهد ...64

جریان قاعدة الفراغ والصحة في صورة الغفلة...64

ص:548

وجوب القضاء على من شك في أصل إتيان العمل ... 64

حكم ما لو شك في الصحة والفساد قبل العمل ... لو شك في زمن بلوغه ...65

جریان قاعدة الفراغ فيما لو علم كيفية العمل وشك في انطباق المأتي به عليها ...65

حكم الشك في صحة التقليد وعدمها ...65

إذا قلد مجتهدأ ثم شك في أنه جامع الشرائط ...66

حرمة الافتاء على غير الأهل ...66

فروع وفيها:

جواز العمل برأي الفاقد للشرائط إذا کان مطابقة للاحتياط ...66

حكم فتوى الفاقد للشرائط ثم صار واجدأ لها ...67

لو حصل الملكة في حال الفقد للشرائط ثم صار مستجمعة...67

حرمة القضاء على غير الأهل ...67

كفاية التقليد الصحيح في القضاء وفصل الخصومة ...69

فروع فيها:

عدم جواز تصدي العامي للقضاء إلا إذا كان مستندا إلى علم قطعي أو تقلید صحيح...70

هل يعتبر تحققق سائر الشرائط في المقلد المتصدي للقضاء...70

إذا كان المترافعان مقلدین لمن لا يجوز قضاوة غير المجتهد ...70

عدم جواز الترافع إلى غير الأهل وعدم نفوذ حكمه ...70

قاعدة حرمة الإعانة على الإثم ...71

أقسام الإعانة ...71

وجوه تحقق الإعانة و شرائطها، والإشارة إلى قاعدة الإغراء للقبيح...72

فروع وفيها عدم الفرق في الإعانة المحرمة بين الكبائر و الصغائر...76

لا فرق في تحقتها بين العلم التفصيلي والإجمالي ...76

ص:549

عدم تحقق الإعانة فيمن لم يقصدها ...76

ارتفاع الحرمة في الإعانة بالاضطرار والإكراه...76

اعتبار تعداد الأشخاص في الإعانة ...76

حكم الشك في مورد الإعانة ...77

تبعية إثم الإعانة للإثم المعان عليه ...76

هل المدار في الإثم بحسب تكليف المعان أو المعين ...76

حكم ما لو أمكن للمعان دفع المعين ولم يدفعه...77

وجوب التوبة عن الإعانة ...77

حكم ما لو علم شخص بأنه إذا لم يعن تحقق الحرام بإعانة غيره...77

قاعدة وجوب دفع المنكر ...78

حرمة الشهادة عند غير الأهل. وحكم المال المأخوذ بحكمه ...79

فروع وفيها:

حكم من قضى اتفاقا مع عدم كونه أهلا ...82

حكم احقاق الحق وإطال الباطل بغير إذن الحاكم الشرعي ...83

حكم المتصدي لأخذ الزكاة من الممتنع عن أدائها...83

الاضطرار إلى حكام الجوار...83

يشترط في المفتي والقاضي العدالة وكفاية الاطمئنان يتحققها ...84

حكم الأعمال الماضية إذا شك في أنها كانت عن تقلید صحيح أو لا... 85

وجوب تقليد الأعلم في مسألة تقليد الأعلم إذا كان أحد المجتهدين أعلم في العبادات والآخر في المعاملات ... 85

وجوب الإعلام مع ظهور الخطأ في نقل الفتوى ...85

فروع وفيها:

وجوب الإعلام مع السؤال...88

وجوب إبلاغ الأحكام ...89

احتمال کون التبليغ واجبا عينية ... 89

حكم ما إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها...90

ص:550

وجوب الاحتياط في زمان الفحص عن الأعلم ...90

بطلان الاذن والوكالة يموت المجتهد أو اغمائه ...90

حكم - من لم يقلد الحي في مسألة جواز البقاء...92

من قلد مجتهدأ ثم قلد غيره يخالفه في الفتوى...92

فروع وفيها:

عدم الفرق في الأجزاء وعدمه بین اعتراف المجتهد الثاني بخطأ الأول وعدمه...95

لا فرق بين ظهور الخلاف لأجل التقصير من المجتهد الأول أو من العامي في الفحص...95

حكم عمل الوكيل والوصي عن الغير فروع وفيها ...95

حكم ما لو خالف الأجير ما عينه الموجز ثم أجازه هل تفرغ ذمة المنوب عنه ...96

إذا خالف التائب ما عينه وأتي العمل صحيحا...96

حكم العمل إذا اختلف الوكيل والموكل في صحته وفساده...97

إذا اختلف المتعاملان في صحة المعاملة وفساده اجتهادة أو تقليدا ...97

في المرافعات تعيين الحاكم بيد المدعي ...98

حكم ما إذا مختار المدعي عليه أعلم...98

فروع وفيها:

التخيير عند تساوي الحكام في العلم ...100

التخيير في المتداعیین... 100

جواز اختبار مجتهدين أو أكثر لفصل الخصومة ...100

اعتبار الأعلمية في القضارة إنما هو في صورة مخالفة رأيه مع الأعلم ...100

حكم ما إذا ترافع المقلدان لأعلم إلى عالم ...100

عدم جواز نقض حکم الحاکم...101

أقسام حکم الحاکم101

فروع وفيها:

رد الحكم من المعاصي الكبيرة ...104

ص:551

حرمة الرد حكم تكليفي...104

تنفيذ الحكم واجب...104

الفرق بين الفتوى والحكم ...104

جواز نقض الفتوى بالفتوى. حكم ما لو شك أنه حكم أو مجرد اخبار ...105

حكم ما لو كان الحكم خطأ عند حاكم وصوابا عند حاكم آخر، وكذا الحكم الصادر تقية...105

ما يتعلق بالحكم الصحيح المطابق للموازين الشرعية الصادر عن من لم يكن أهلا للحكومة ...105

لا فرق في الحكم الذي يحرم نقضه بين أقسام مستندة ...105

في تعارض نقل الفتوى ...109

من عرضت له مسألة لا يعلم حكمها ولا يمكنه الرجوع فيها إلى الأعلم ...107

إذا قلد مجتهدأ ثم مات فقلدغيره ثم مات وقلد من يقول بوجوب البقاء أو جوازه...108

ما يتحقق به التقليد ...109

حکم احتياطات الأعلم ... 110

أقسام الاحتياط، و تبعیض التقليد...110

وجوب التقليد في كيفية الاحتياط و تشخیص موارده ... 112

الموارد التي لا يجوز التقليد فيها ...113

عدم اعتبار الأعلمية في المجتهد إلا في التقليد ...115

ولاية الفقيه الجامع للشرائط ...115

موارد وجوب الإعلام على المجتهد عند تبدل رأيه ...117

عدم جواز أجراء العامي الأصل في الشبهات الحكمية ... 117

المجتهد المجهول الحال لا يجوز تقليده، ولا يثبت له وظائف المجتهد...118

عدم كفاية الظن برأي المجتهد إلا إذا استند إلى حجة ...119

ص:552

كتاب الطهارة

تقديم أمور...120

الأول): في بيان أن الطهارة و النظافة من المفاهيم المينية ...120

الثاني): في بيان تفاوت مراتب كل من الطهارة و النظافة

تعريف كل من الطهارة والنجاسة ...120

الثالث: أنهما أمران وجودیان متضادان ... 120

الرابع): استقلال لجعل والاعتبار فيهما... 121

الخامس): مطلوبية الطهارة لنفسها كمقبوضية القذارة كذلك... 121

فصل في المياه

الماء إما مطلق أو مضاف وبيان كل واحد منهما ...123

أقسام الماء المطلق، وهو بأقسامه طاهر و مطهر ...123

معنى الطهور...125

الماء المضاف لا يرفع الحديث والخبث مطلقة وأدلة ذلك ...129

اتفعال ماء المضاف بملاقاة التجس وإن كان كثيرة، وحكم انفعال المائعات غیر الماء ...130

قاعدة الانفعال) ...134

مايعتبر في مورد جریان القاعدة ...134

المناط في الانتقال وكيفيته...135

حكم التدافع في ملاقاة الطاهر للنجس...136

الماء المطلق المصعد والمضاف المصعد...137

قاعدة انتقاء الحكم بانتفاء الاسما)...137

حكم تردد المايع بین گونه مطلقة أو مضافا ...138

المضاف النجس يطهر بالاستهلاك في المعتصم ...140

حكم ما لو خرج الكر عن اطلاقه بالقاء المضاف التجس فيه ...140

أقسام الاستهلاك ...140

ص:553

قول الشيخ رحمه الله في اعتبار عدم تغير الماء المعتصم بوصف المضاف والمناقشة فیه...141

حکم انحصار الماء في ماء مخلوط بالطين بحيث يخرجه عن اطلاقه ...143

انفعال الماء المطلق بتغير أحد أوصافه الثلاثة - الطعم، واللون و الرائحة -...143

شروط انفعال الماء المطلق ...144

الأول) و(الثاني: أن يكون الانفعال بملاقاة النجس، دون المتنجس...145

حكم التغير بالمتنجس الحامل لأوصاف النجس...145

الثالث: التغير الحسي...145

أثر للتغيير بغير الأوصاف الثلاثة ...163

انفعال المعتصم بالتغيير ولو كان بغير وصف النجس، وحكم ما لو شك في إضافته إلى النجس...144

لا فرق زوال الوصف بين الأصلي والعارضي... 148

حكم تغير بعض الماء المعتصم، والكلام في اعتبار الإمتزاج وعدمه في التطهير...148

قاعدة أن الماء الواحد في سطح واحد لا يختلف حكمه ...151

حكما لو وقع النجس في الماء فلم يتغير إلا بعد مدة... 152

صور الشك في التغير وعدمه، وحكم الشك في استناد التغير .153

(قاعدة الطهارة)

حكم ما لو استند التغير بملاقاة الطاهر والتجس معا ...155

حكم ما لو زال التغير بنفسه ...155

(فصل في الماء الجاري)

مفهوم الماء الجاري فرعان وفيهما:

لا فرق في صدق الجاري بين ذي المادة وغيرها ...158

الجريان أعم من أن يكون بالذات أو بالآلات ... 158

ص:554

اعتصام الجاري ولو كان أقل من الكر، وبيان أدلته ...160

الجاري على الأرض من غير مادة في حكم القليل...162

حكم الشك في أن الجاري له مادة أو لا...162

جریان الأصل في الاعدام الأزلية والأشكال عليه ...163

اعتبار دوام التبع والمراد منه ...165

و... 115 حكم الثعد والراكد المتصل بالجاري ...166

حكم العيون التي تنبع في الشتاء وتتقطع في الصيف ...166

حكم تغير بعض الجاري دون بعض ...166

قاعدة نجاسة ماء القليل بالملاقاة...191

فصل في الراكد بلا مادة)

أدلة عدم انفعال ماء القليل والمناشة فيها...168

تفصيل المحدث الكاشاني والمحقق الخراساني (قدس الله سرهما) بين النجس والمتجس، والمناقشة فيه ...199

انفعال ماء القليل بما لا يدركه الطرف من الدم ...177

حكم الكر في حفر متعددة...178

عدم الفرق في تنجس الماء القليل بین گونه واردة على النجاسة أوموردة ... 178

تحديد الكر بحسب الوزن ... 178

تحديد الكر بحسب المساحة ... 182

تنبيهات وفيها:

عملية استخراج ما عليه المشهور ...

الكلام في اختلاف المياه، واختلاف الوزن مع المساحة ...183

183 المدار على الخفية الأفراد من المياه واقصر الأشيار ... 183

اعتبار الدقة في تحديد الكر ...187

حکم ملاقاة القليل للنجاسة مع اختلاف سطوحه أو تدافعه ... 188

حكم ما إذا جمد بعض ماء الحوض...188

ص:555

حكم الماء المشكوك کرینه ... 189

بطلان قاعدة المقتضي والمانع ...189

إذاجهل السابق من الملاقاة والكرية في الكر المسبوق بالقلة الملاتی للنجاسة... 191

إذا وجدت نجاسة في الكر ولم يعلم أنها وقعت قبل الكرية أو بعدها...193

حكم ما إذا حدثت الكرية والملاقاة في آن واحد...193

قاعدة في تنجز العلم الإجمالي ...194

إذا وقعت نجاسة في أحد مائين يعلم إجمالا بكرية أحدهما ...195

العلم الإجمالي بووع التجسس في الماء الطاهر أو النجس...197

حكم ما لو وقعت نجاسة في کر لم يعلم أنه مطلق أو مضاف أو في أحد کرین أحدهما مطلق والآخر مضاف ...197

القليل التجس المتمم كرا ...197

فروع وفيها:

كرية القليل النجس المتمم کرا بالاتصال بالمعتصم وطهارته ... 200

حكم القليل المشكوك في النجاسة والطهارة المتمم کرا ... 200

عدم الفرق في الأقسام بين أن تكون الحالة السابقة القلة ثم عرضت الكرية أو بالعکس...200

(فصل في ماء المطر)

اعتصام ماء المطر حال تقاطره من دون اعتبار الجريان فيه ...201

أدلة اعتبار الجريان على وجه الأرض في اعتصام العطر، والمناقشة فيها ...201

الكلام في أو اعتبار الجريان من الإحالة إلى المجهول...205

لا فرق في اعتصام ماء المطر بین کونه واردة على النجاسة أو بالعكس ...205

يشترط في اعتصام ماء المطر دوام التقاطر من السماء...201

فروع وفيها:

ما شك في كونه مطرة لا يجري عليه أحكام المطر ...208

ص:556

عدم الفرق في المطر بین کونه من السحب المتعارفة أو من غيرها ... 208

عدم ترتب أحكام المطر فيما لو دخلت الغمامة في البيوت العالية ومطرت ...208

عدم اعتبار العصر والتعدد في التطهير بالمطر . المطر مطهر للماء القليل النجس وعاصم له ... 211

كيفية تطهير الأرض النجسة بالمطر ... 212

فروع مطهرية ماء المطر وأنه يعتبر في عاصمينه التقاطر على النجس من السماء بلاواسطة شي، فلو تقاطر على شي، ثم وقع منه لم يعصم و لم يطهر، وكما أنه ل تقاطر على التجسس و ترشح على شيء طهر لم ينجس... 213

(فصل في ماء الحمام)

المراد من ماء الحمام ...216

الأخبار الواردة في ماء الحمام وبيان دلالتها ...217

عدم انفعال ماء الحمام ... 219

الأقوال في ماء الحمام ...220

الكلام في تقوى السافل بالعالي وعكسه...221

فروع وفيها:

حكم اتصال العالي...221

حكم الدوش...221

الشك في اعتصام ماء الحمام ...222

يعتبر في عاصمية ماء الحمام بلوغ المادة كرة أو الاتصال بذي المادة ... 222

(فصل في ماء البئر)

المراد من البئر...223

الأقوال في ماء البئر...224

اعتصام ماء البئر إذا كان له مادة نابعة ...225

ص:557

الاستدلال على انفعال البشر والمناقشة فيه... 226

حكم ما إذا تغير ماء البئر بالنجاسة ثم زال غيره بنفسه...224

طهارة الماء الراكد باتصاله بالمعتصم وإن لم يمتزج به ...228

حكم الماء المتنجس بالتغير إذا زال التغير بألقاء الكر عليه، وعدم اعتبار علو الكر ...228

الكلام في اعتبار الدفعة في القاء الكر... 229

طرق ثبوت النجاسة ...232

قاعدة اعتبار البينة...232

إن ما ورد في حجية البيئة إرشاد إلى مرتكز عقلي ... 232

يشترط في اعتبارها الاطمينان النوعي إن لم يقم اطمینان على خلافها ... 230

حجية مثبتات الأمارات تدور مدار دليها ...235

يعتبر في الشهادة العلم المشهود به ... 235

جريانها في جميع الموضوعات، وتقدمها على جميع الأصول

والقواعد...237

الكلام في اعتبار خبر العدل الواحد في الموضوعات... 238

ثبوت النجاسة بقول ذي اليد...237

(قاعدة اعتبار قول ذي اليد) ...240

الأدلة الدالة على حجية قول ذي اليد وعدم اشتراط الإيمان فيه ... 240

فرعان:

لا فرق في حجية قول ذي اليد بين كونه مالكا أو لا... 241

هل يقبل قول ذي اليد إذا كان صبيا؟ ... 241

لا تثبت النجاسة بالظن المطلق ... 239

أصالة عدم الاعتبار في كل ما شك في اعتباره ...241

تقديم البينة عند تعارضها مع ذي اليد...242

حكم تعارض بينة الطهارة والنجاسة ... 242

إذا تعارض شهادة الإثنين مع شهادة الأربعة...243

ص:558

طرق ثبوت الكرية ...244

حرمة شرب ماء النجس..244

جواز سقي ماء النجس للحيوانات والأطفال وأقسام المناهي في الشريعة المقدسة...244

جواز بيع الماء النجس مع الإعلام ...244

فصل في الماء المستعمل

الماء المستعمل في الوضوء والاغسال المندوبة طاهر ومطهر...246

حكم الماء المستعمل في الحديث الأكبر ...246

الكلام في الأدلة الدالة على عدم جواز استعمال الغسالة من الحدث الأكبر...249

فروع وفيها:

لا تتحقق الغسالة إذا اغترف من الماء وبه في الخارج ...252

شمول الحكم المطلق الحدث الأكبر ...252

معنى الغسالة ...252

المناط هو الغسل الصحيح في الغسالة ...252

إشتداد الكراهة إذا اجتست اغسال متعددة على المرأة...252

إن حكم الغسالة من الوضعيات ...252

الحكم مترتب على تمام الغسل ...252

استهلاك الغسالة لا يوجب رفع الحكم...253

لا فرق في الغسل بين الترتيبي وغيره ... 253

بقاء الحكم ولو صارت غسالة الحدث الأكبر بقدر الكر...253

عدم ترتب الحكم على المستعمل في الغل الاحتياطي ...253

لا فرق في الحكم بين المغتسل بنفسه أو بغيره...253

ماء الاستنجاء...254

ماء الاستنجاء طاهر ويرفع الخبث...254

عدم جواز استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث...255

ص:559

أدلة القائلين بطهارة الماء المستعمل في رفع الخبث، والمناقشة فيها ...256

القواعد التي استندوا عليها الطهارة الغسالة والمناقشة فيها ... 259

أدلة القول بنجاسة الغسالة وتقدها ...259

بیان ما هو المختار...260

الجمع بين الكلمات ...263

حكم القطرات التي تقع في الأناء عند الغسل ...263

شروط طهارة ماء الاستنجاء، وفروع تتعلق بها ...263

حكم ما إذا أخرج الغائط من غير المخرج الطبيعي وحكم ما إذا تردد الماء بين غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات ...266

إذا اغتسل واستنجي في الماء المعتصم لا يجري عليه حكم الغسالة ...266

حكم الشك في وصول نجاسة من الخارج ...267

طهارة اليد تبعة لطهارة المحل ...268

إذا جرى الماء على المحل زائدة على المقدار المعتبر في التطهير، فالمقدار الزائد طاهر ...268

غسالة ما يحتاج إلى التعدد إذا لاقت شيئا لا يعتبر فيه التعدد ...268

فصل في الماء المشكوك

الماء المشكوك طهارته طاهر إلا مع العلم بنجاسته سايق ...269

حكم الماء المشكوك إطلاقه ...269

إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور أو غير محصور ... 270

حكم المضاف المشتبه في المحصور ... 271

حكم ما إذا انحصر ماء في مشكوك اطلاقه وإضافته ...271

إذا تردد الماء بين النجاسة والإضافة أو تردد بين العصبية والإضافة ... 272

حكم ما لو أريق أحد المشتبهين بالنجاسة أو الإضافة... 272

الكلام في ملاقي الشبهة المحصورة ...273

حكم ما إذا انحصر الماء في المشتبهين ...274

ص:560

إذا كان أتاء ان أحدهما المعين نجس والأخر طاهر فريق أحدهما ... 275

حكم ما إذا تردد الأثناء بين المأذون فيه وغیره...275

حكم الوضوء أو الغسل من المائين المشتبهين...279

إذا استعمل أحد المشتبهين بالخصية لا يحكم عليه بالضمان... 278

فصل في الاسئار

معنى السور...279

أقسام السور...280

فروع وفيها:

نجاسة سؤر نجس العین وطهارة سؤر طاهر العين ...281

الأستار المكروهة. سؤر من لا يبالي بالنجاسة... 282

حكم سؤر الحائض غير المأمونة والمأمونة ...282

معنى المتهمة...283

فصل في النجاسات

مفهوم النجاسة ...284

النجاسات اثنتا عشرة

(الأول والثاني) البول والغائط من غير مأکول اللحم بشرط أن يكون له دم سائل ...284

فروع وفيها:

طهارة بول الرضيع ...286

المرجع في صدق البول والغائط هو العرف...286

حكم ما لو تغيرت حقيقتها ...286

الكلام في بول وخرء الطيور المحرمة...287

بول الخشاف طاهر ...291

عدم الفرق في غير مأکول اللحم بین کونه أصلية أو عارضية، كالموطونة ونحوها ...291

ص:561

فروع وفيها:

قول الاسكاني في طهارة لحم الجلال وطهارة بوله والإيراد عليه ... 293

اعتبار اشتداد المعظم في حرمة الجدي إن رضع من لبن خنزيرة...293

طهارة مدفوع ما ليس له نق ساتلة إذا تغذى بالعذرة ...293

حرمة نسل الطيور الموطونة ...293

طهارة بول وغائط حلال اللحم أو مكروهه...294

طهارة بول و غائط ما لا نفس له ولو كان محرم الأكل...296

حکم ملاقاة النجاسة في الباطن وأقسام الملاقاة ...297

الكلام في بيع البول و الغائط من غير المأكول والانتفاع بهما...299

طهارة البول والغائط من الحيوان المشكوك حلية لحمه، والكلام في أصالة عدم التذكية...300

طهارة نضلة الحية... 302

الثالث) المني من كل حيوان له دم سائل ...302

طهارة المذي والوذي والودي ورطوبات الفرج...304

الرابع) الميتة من كل ما له دم سائل ... 305

نجاسة ميت الإنسان ...307

نجاسة الأجزاء المبانة من الميتة وطهارة ما لا تحله الحياة من الحيوان الميت الطاهر العین ...308

الكلام في الأنفحة ... 311

فروع وفيها:

طهارة ما يجين به من الأدوية الحديثة...312

للأنفحة الطبيعة وقت خاص ...312

المدار في الأنفحة الصدق العرفي لا الأثر الخارجي. ... 313

حكم اللبن في ضرع الميتة...313

نجاسة الأجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة ...314

562

فروع وفيها؛

لو ذهبت روح عضو من أعضاء الحيوان وكان متصلا به ثم ذکی..315

الجزء المبان على قسمين ...315

حكم ما لو أتصل جزء من الحيوان بحيوان آخر... 315

حكم الصلاة في أجزاء الحيوان المتصلة بالمصلي ...316

طهارة الأجزاء الصغار المياة من الحي ...316

الكلام في فأرة المسك...316

حكم مهنة مالا نفس له ...320

طهارة ما شك في أنه من الحيوان أو لا...321

المراد من الميتة...321

قاعدة «أن كلما كان قابلا للتذكية ولم يذك شرعا فهو ميتة»...322

طهارة ما يؤخذ من يد المسلم...323

قاعدة اعتبار ید السملم و سوق المسلمين وأرض الإسلام في الطهارة ... 323

بیان أمور:

هل يكون لليد والأرض السوق موضوعية أو أن اعتبارها من حيث الكشف ...325

الجلود المجلوية من بلاد الكفر ...326

عدم الفرق في يد المسلم وسوقه بین المذاهب المختلفة ... 327

المراد من اليد والسوق ...327

حكم يد المسلم والكافر على وجه الأشتراك والأقسام المنصورة فيه ... 328

مرجوحية التفحص...328

حكم القرائن المعارضة لليد.

قبول خبر الكافر يسبق يد المسلم ...329

حكم ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم...329

نجاسة جلد الميتة حتى بعد الديغ ...330

حكم السقط والفرخ في البيض ...330

ص:563

ملاقات الميتة لا توجب النجاسة إن كانت بلا رطوية...331

قاعدة (كل يابس ذكي) ...332

يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح عن جميع جسده دون بعضه... 333

مجرد خروج الروح يوجب النجاسة وإن كان قبل البرد ... 333

نجاسة المضغة والمشيمة وما يخرج مع الطفل ...334

حكم الجلد الرقيق المحيط بالطفل...334

طهارة العضو المقطوع إذا كان متصلا بالحي وحكم الجند المعروف أنه خصية كلب الماء ...335

ما ينفصل من اللحم مع الظفر والسن حكم العظم المردد بين كونه من نجس العین أو طاهره...335

الجلد المطروح المشكوك كونه من ذي النفس أو من غيره...336

الكلام في بيع الميتة...336

حكم الانتفاع بالميئة فيما لا يشترط فيه الطهارة ...336

الخامس) الدم من كل ما له نقس سائلة...339

تحقيق أن الأصل في الدم هل هو النجاسة أولا ...339

طهارة ما لا نفس له، وكذا ما كان من غير الحيوان ...341

طهارة الدم المتخلف في الذبيحة وما يشترط فيها...342

نجاسة العلقة المستحيلة من العني، وحكم تقطة الدم في البيض...344

حرمة أكل الدم مطلقة، وحكم دم الأبيض...345

نجاسة الدم الذي يوجد في اللين عند الحلب ...346

حكم دم الجنين المذكی، وحكم دم المتخلف في الصيد...346

طهارة الدم المشكوك بأقسامه، وبيان أدلة نجاسته والمتاشة فيها...346

لو علم بأن الدم من المتخلف وشك في أنه من مأکول اللحم أو غيره فرع :

في أقسام دم المتخلف في الذبيحة ...346

طهارة الشيء الأصفر الخارج من الجرح أو الدمل. وكذا الرطوبة الخارجة عند حك الجسد...348

ص:564

فروع وفيها :

لو ظهر على الدم الداخل في الجرح ماء أصفر ...349

حكم استحالة الدم...349

حكم الجلد النابت تحت دم المنجمد ... 349

الدم العراق في الأمراق نجس ومنجس والمناقشة فيما استدل به على الطهارة ...349

حکم ملاقاة الدم في الباطن، كما لو غرز ابرة ... 351

طهارة الدم الخارج من بين الأسنان المستهلك في ماء الفم. ... 351

حكم الدم المنجمد تحت الأظفار والجلد ...352

(السادس والسابع) من النجاسات الكلب والخنزير البريان دون البحري منهما...352

نجاسة رطبتهما وأجزائهما وإن لم تخلها الحياة ...354

حكم الحيوان المتولد منهما...354

(الثامن): الكافر...355

نجاسة المشرك...355

أدلة نجاسة أهل الكتاب والمناقشة فيها ...355

الاستدلال على طهارة الكتابي والمناقشة فيها ... 362

بیان المختار في حكم الكافر الكتابي ...358

فروع وفيها:

نجاسة المجوسی مطلقة ... 369

أقسام أهل الكتاب ...369

إن الكتابي منكر لجملة من الضروريات...370

حكم المرتد بقسميه.... 370

نجاسة رطويات الكافر وأجزائه مطلقا .... 370

المناط في تحقق الكفر... 371

حكم منكر الضروري ومراتب الإيمان والكفر ... 372

ص:565

فروع وفيها:

كفاية الاعتراف الاجمالي بالألوهية والتوحيد والرسالة ... 375

حكم من أنكر الضروري للشبهة ...375

من أنكر الرسالة في بعض الضروريات حكم من أول بعض الضروريات إلى غير ظاهره ...375

المناط في الكفر هو الإنكار القلبي لا اللساني وأن يكون عن عمد واختيار ...376

حکم انکار غير الضروري مع الاعتراف بالرسالة ... 376

حكم الانكار التقليدي ...376

حكم من تولد في مجتمع لا يعتقد بعض الضروریات ... 376

حرمة التسبيب إلى انكار الضروري... 377

ولد الكافر يتبعه في النجاسة قبل البلوغ...377

صحة السلام ولد الكافر إذاكان عن بصيرة ومايتصور في منع اسلامه والمناقشة فيه... 378

فروع وفيها:

حكم ما لو اختار الصيي المتولد من المسلم الكفر...379

حكم ولد الكافر الذي نشأ بين المسلمين ... 379

حكم الصبي الذي يوجد في البلد المشترك ... 379

حكم ولد الكافراذا ولد عن زنا ولو في مذهبه وتبعية الولد لأشرف الأبوين...379

طهارة ولد الزنا من المسلمين ...380

الأدلة الدالة على كفر ولد الزنا ونجاسته والمناقشة فيها... 380

طهارة ولد الزنا وإن كان أحد الأبوين مسلما ...380

فروع وفيها:

صحة إسلام ولد الزنا ... 381

المناط في تحقق الزنا هو الواقعي منه ...381

حكم المتولد من تزريق النطفة.... 382

الوطي الواقع من غير عقد شرعي أعم من الزنا...382

ص:566

نجاسة الغلاة والخوارج والتواصب وأقسامهم...382

الكلام في المجسمة والمجبرة ...382

الكلام في المفوضة والقائلين بوحدة الوجود ...387

حكم غير الاثني عشرية من فرق الشيعة ... 388

من شك في إسلامه وكفره طاهر ... 391

التاسع من النجاسات: الخمر ...392

الأدلة الدالة على نجاسته ودفع ما نوقش فيهما...392

النصوص الدالة على طهارة الخمر والمناقشة فيها...393

نجاسة كل مسكر مائع بالأصالة ...396

حكم العسكر الجامد ...397

فروع وفيها:

نجاسة الخمور المستحدثة ...397

حكم بخار الخمر ... 397

عدم الفرق في نجاسة العسكر المايع بين ما إذا شرب بعلاج أو بغيره ... 398

المدار في الأسكار هو أول مراتب السكر يكفي في النجاسة ...398

نجاسة الخمر حتى لو ذهب اسکاره ... 398

الأجتناب عن قليل المسكر ولو لم يسكر، وكذا لو كان مختصا بحال أو فصل دون غيره...398

حكم العسكر المشكوك میعانه أنه بالأصل أو بالعارض... 398

الكلام في العصير العنبي، والاستدلال على نجاسته والمناقشة فيه...398

طهارة العصير العنبي ...398

لا فرق في حرمة العصير العنبي بين غليانه بالنار أو بغيرها كالتشيش بالشمس الكلام في العصير التمري ...402

حكم العصير الزيبي ...403

حرمة العصير إذا صار دبسأ قبل ذهاب ثلثيه ...408

طهارة الزبيب الكشمش في الأمراق ...409

ص:567

العاشر من النجاسات الفقاع ...409

حقيقة الفقاع والأخبار الواردة فيه ... 411

حکم ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ...413

الحادي عشر) من النجاسات:عرق الجنب من الحرام، الكلام في النصوص الدالة على النجاسة...413

حكم العرق الخارج حال الاغتسال ...415

إذا أجنب من حرام ثم من حلال أو بالعکس ...415

حکم تیمم المجنب من حرام. الكلام في عرق الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ...416

فروع وفيها:

المدار في الحلية والحرمة على الواقع المتجر... 416

لا فرق في الاستمناء بأي وجه حصل، کمالا فرق بين أن يكون العرق من نفسه أو من غيره رطبة أو ایسا محمو أو ملبوسا ...416

الجنابة الحاصلة من النكاح الباطل أعم من الجنب من الحرام ...416

طهارة العرق الحاصل من الوطي بالشبهة...417

حكم من نذر ترک وطي الزوجة فخالف ...417

الثاني عشر من النجاسات: عرق الإبل الجلالة والكلام في نجاسته...417

حكم عرق مطلق الجلال من الحيوان ...418

الكلام في المسوخات ...419

طهارة كل مشكوك النجاسة، ذاتية كانت أو عرضية، وحكم الرطوبة الخارجد بعد البول وقبل الاستبراء ...412

الكلام في غسالة الحمام وأقسامها...421

فروع وفيها:

طهارة أرض الحمام وآلاته...423

طهارة البخار الساقط من سقف الحمام ...423

طهارة أرض الحمام إذا اتصل بالماء القليل ...423

ص:568

یستجب رش الماء فی المعابد الیهود و النصاری و المجوس مع مالشک فی نجاستها . و استحباب الرش فی الموارد أخری...423

فروع وفيها:

استحباب الرش غيري ...424

كفاية الاستنابة في الرش...424

عدم كفاية الغسل عن الرش. كفاية رش واحد عن المتعدد ...424

عدم وجوب الفحص عند الشك في الطهارة والنجاسة...424

(فصل في طرق ثبوت النجاسة)

تثبت النجاسة بالعلم الوجداني أو البيئة العادلة...425

عدم الاعتبار بمطلق الظن بالنجاسة ... 425

حكم الاحتياط في الشبهة البدوية ...425

و البحث في الوسواس من جهات ...426

العلم الاجمالي کالعلم التفصيلي...428

أقسام القدرة ومعنى الابتلاء وعدمه ...428

لا يعتبر في البيئة حصول الظن بصدقها ...430

لا يعتبر في البيئة ذكر مستند الشهادة ... 430

أقسام شهادة البيئة وأحكامها...430

كفاية الشهادة بالاجمال، وحكم اختلاف الشاهدين في الاجمال والتعيين...432

إذا شهد أحدهما بالنجاسة فعلا والآخر بالنجاسة سابقا...433

لو شهد أحدهما بالنجاسة فعلا و الآخر بالطهارة فعلا والنجاسة سابقا ... 433

تثبت النجاسة بقول صاحب اليد...435

إذا كان الشيء بيد شخصين بسمع قول كل منهما إن لم يتعارضا...435

لا تعتبر العدالة في حجية قول ذي اليد. وحكم ذي اليد إذا كان صبيا ... 435

لا يشترط في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال ولا أن يكون في يده ... 436

ص:569

(فصل في كيفيد تنجس المتنجسات)

يشترط في تنجس المتنجس وجود الرطوية الموجبة لإنتقال النجاسة...438

يتنجس المائع كله إذا لاقي النجس أو المتنجس ...438

لا تسري النجاسة من السافل إلى العالي ...439

إذا شك في أحد المتلاقيين أو سراية الرطوبة ...440

فروع وفيها:

طهارة الملاقي الذي فيها اللزوجة...441

طهارة ما لو كان لأحد المتلاقيين رطوية مسرية وكان في الآ خر مائع عن قبولها...441

طهارة ما شك في السراية ...441

حكم ما لاقاه الذباب الواقع على النجس الرطب ...441

المناط في الميعان سراية النجاسة لتمام الجسم الملاقي لها ...442

حكم ترشح الماء من الإبريق الموضوع على المحل النجس ... 443

نقطة الدم في النخاعة الغليظة لا توجب نجاسة جميعها، ولا ينجس الأنف... 443

يكفي نقض الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس ...443

يعتبر في تنجس الرطوبة المسرية مجرد المیعان ... 444

المتنجس لا يتنجس إلا إذا اختلف حكمهما ... 445

إذا شك في ملاقاة المتنجس لنجس له أثر خاص...447

الكلام في أن المتنجس منجس...448

أقسام سراية النجاسة وأدلة تنجس المتنجس والمناقشة فيها ... 445

طهارة الملاقي الذي لا يتأثر بالنجس... 455

العلاقات في الباطن لا توجب التنجس...456

(فصل يشترط في صحة الصلاة)

يجب إزالة النجاسة عن البدن وأجزاته واللباس الأماالستثني...457

الاحتمالات في مانعية النجاسة عن الصلوات والمناقشة فيها ...458

ص:570

اعتبار طهارة موضع السجود... 459

الأشكال على صحیح این محبوب الوارد في تطهير الماء والنار للجص الذي يوقد عليه. بالعذرة وعظام الموتی...460

لا يشترط إزالة النجاسة عن غير موضع السجود إلا إذا كانت مسرية ... 460

فروع وفيها:

المدار في السراية إلى بدن المصلي ...461

لو تعدت النجاسة إلى بدن المصلي وكانت بمقدار العفو صحت صلواته ...461

حكم الشك في السراية ...462

حكم ما إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر وبعضه نجس ...462

تجب إزالة النجاسة عن المساجد...462

فروع وفيها:

يجوز عدم جعل ما يفرش به المجد جزء من المسجد...464

عدم حرمة تنجيس آلات المسجد انقاض المسجد بعد تخریبه لا يلحقها الحكم ...464

حكم فضاء المسجد...464

إذا اتصل موضع من المسجد بالمعتصم فلا حكم لتنجيسه...465

وجوب الأزالة فوري، وحرمة تنجيس المساجد... 465

وجوب ازالة النجاسة عن المساجد كفائي ...466

الكلام في مزاحمة ازالة النجاسة مع الصلوة ... 466

إذا صلى ثم تبين له كون المسجد نجأصحت صلاته، وحكم ما إذا علم في أثناء الصلاة ...468

حرمة تنجيس الموضع النجس من المجد ثانيا ...468

حكم تطهير المسجد إن توقف على تخريب شيء منه...469

حكم تطهير حصير المسجد ...470

إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع ...470

ص:571

حرمة تنجيس المسجد الذي صار خرابا ...471

حكم تطهير المسجد إذا توقف على تنجيس بعض مواضعه ... 471

وجوب بذل المال إن توقف تطهير المسجد عليه ... 472

عدم جواز تنجيس المجد إذا تغير عنوانه ...472

فروع وفيها:

لو أخرج فرش المجد إلى محل آخر يجري عليه حكم الغصب ... 473

لا يجوز إجارة المساجد ولو بما لا ينافیی المسجدية ...474

جواز الانتفاع عن المسجديما لا ينافي المسجدية ...474

لو جعل محلا من السفينة أو القطار مسجدا ...474

حد المسجد عمقا ...474

حكم البيوت المبنية في المساجد...474

تختص الإزالة عن المسجاد بمن يراه نجسا اجتهادا أو تقليدا. حكم الإزالة عن المسجد ...474

الكلام في ما إذا رأى الجنب نجاسة المسجد ...475

أحكام مساجد اليهود والنصاری...476

صحن المسجد وجدرانه لا يلحق بالمسجد إذاعلم عدم جعل الواقف جزء منه وكذا لو شك ...476

إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين ... 477

لا يلحق بالمسجد المكان الذي يعد للصلاة في الدار، وهل يجب إعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة ... 477

المشاهد المشرقة كالمساجد في حرمة التنجيس ...478

تجب الازالة عن ورق المصحف وخطبه وأجزائه ... 478

يحرم كتابة القرآن بالحبر التجسس ووجوب محوه إذا تنجس خطه ... 479

يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية وتربه الرسول وسائر الأئمة عليهم السلام ...480

يجب إخراج القرآن وغيره من المحترمات عن بیت الخلاء أو مكان قذر ...... 480

ص:572

تنجيس مصحف الغير موجب لضمان تقصه...480

وجوب تطهير المصحف كفائي، وكذا ما يصرف لتطهيره... 481

حكم تطهير مصحف الغير... 482

فروع وفيها:

وجوب تطهير القرآن المخطوط ولو كانت قيمته كثيرة ...482

يجوز بيع القرآن المتنجس وسائر المعارضات عليه... 482

لا فرق في القرآن بين الخطوط وبين ما كتب عليه ... 482

يلحق بالقرآن في حرمة التنجيس أسماء الله تعالى والمعصومين عليهم السلام ...482

ترجمة القرآن لا يلحقها حكم نفس القرآن...483

لو علم بنجاسة أحد القرآنين ...483

يجب إزالة النجاسة عن المأكول وعن ظروف الأكل والشرب ...483

حكم الانتفاع بالأعيان النجسة ... 483

يحرم التسبيب لأكل الغير للنجس أو شربه ... 484

قاعدة حرمة التسبيب الى الحرام ...485

لا يجب الأعلام إذا لم يكن هو السبب في استعمال شخص للنجس قاعدة ... 489

قاعدة حرمة تقرير الجاهل على جهله ... 488

لا يجوز سقي المسكرات للأطفال ووجوب ردعهم. وكذاسائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرة لهم...489

حكم التسيب لأكل الأطفال المتنجس ... 490

هل يجب عليه إعلام الغير لو باشر شيئا نجسا؟...490

هل يجب عليه إعلام الشخص إذا استعار منه ظرفة ورده علیه متنجسا...491

فروع وفيها:

سقوط الإعلام لوكان عالما بأن الظرف غير مبال بالطهارة والتجاسة ... 491

يجب على الطبيب إعلام المريض بنجاسة الدواء ... 491

عدم الفرق في ذلك بين الموارد الشخصيد والعامة ... 491

ص:573

(فصل إذا صلي في النجس)

تبطل الصلاة إذا صلاها في نجس عن علم وعمد. وكذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم وكذا عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة ...492

لا تجب الإعادة والقضاء لو كان جاهلا بالموضوع ...494

مناقشة فيي قول من يذهب إلى وجوب الإعادة في الوقت وعدم وجوب القضاء في خارجه...494

المناقشة في قول صاحب الحدائق... 496

حكم من علم بالنجاسة في أثناء الصلاة ...501

ناسي الحكم كالجاهل به ...504

إذا تنجس ثوبه فطهره أو قامت الحجة على تطهيره فصلى فيه ثم تبين بقاء نجاسته ...504

إذا اعتقد خطة أن الدم من القسم الطاهر أو اعتقد أنه بمقدار العفو لو نسي نجاسة شيء فلاقاه برطوية ثم صلی غافلا عن ذلك ...506

حكم الصلاة إذا اتحصر ثوبه في النجس ...507

حكم الصلاة لو علم اجمالا بنجاسة أحد الثوبين ... 512

هل يجوز الصلاة في الثوبين المشتبهين وعنده ثوب طاهر...512

حكم الصلاة في أطراف العلم الإجمالي ...512

إذا كان كل من بدنه وثوبه نجس ولم يكن له من الماء إلا ما يكفي لأحدهما ... 512

حكم ما إذا تمكن من تقليل النجاسة أو تخفيفها ... 513

دوران الأمر بین رفع الخبث أو الحدث ...514

حكم ما إذا صلي في النجس اضطرارا ...515

إذا اضطر إلى السجود إلى محل نجس، وحكم ما إذا سجد على النجس جهة أو نسيانا ...515

(فصل فيما يعفى عنه في الصلاة)

وهي أمور: (الأول): دم الجروح والقروح ما لم تبرء ...515

ص:574

اعتبار لزوم المشقة التوعية في الإزالة ومراتب المشقة...517

اعتبار أن يكون الجرح مما يعتد به وله ثبات و استقرار ... 519

عدم اختصاص العفو بما في محل الجرح ...519

العفو عن القيح المتنجس الخارج مع الجرح والدواء المتنجس الموضوع عليه والعرق المتصل به ...519

يجب تطهير اليد إذا تلوث يده ي مقام العلاج ...520

العفو عن دم البواسير ...520

لا يعفى عن دم الرعاف ...520

استحباب غسل الثوب عن دم القروح والجروح كل يوم مرة ...521

حكم الشك في أن الدم من الجروح أو القروح أم لا...521

حكم الجروح والقروح المتعددة المتقارية والمتباعدة ...522

الثاني): مما يعفى عنه في الصلاة الدم الأقل من الدرهم...522

عدم العفو عن الدماء الثلاثة ولا دم نجس العين والميتة وغير المأكول ... 526

حكم تفرق الدم في البدن أو اللياس ...525

المناط سعة الدرهملا وزنه. وبيان حده ... 527

حكم تفشي الدم من أحد طرفي الثوب...528

إذا وصل بالدم الأقل رطوية خارجية ...528

حكم الشك في أن الدم الأقل هل هو من المستنيات أو لا ...529

حكم المتنجس بالدم...531

حكم ما إذا أزيل عين الدم الأقل ...531

حكم الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل ...531

حكم الدم الغليظ...531

إذا وقعت نجاسة أخرى على الدم بحيث لم تعد، هل يبقى العفو؟ ... 531

الثالث) مما يعفى عنه: ما لا تتم الصلاة فيه ...532

يشترط فيه أن لا يكون من الميتة ولا من أجزاء نجس العین ...532

بیان مما لا تتم الصلاة فيه...534

ص:575

فروع وفيها:

لا فرق في النجاسة بين القليلة والكثيرة كما لا فرق بين الدماء الثلاثة وغيرها ... 534

لا فرق فيما لا تتم الصلاة فيه بين كونه من جنس الساتر أو غيره...534

لا فرق في ذلك بين أن يكون واحدة أو متعددا...535

عدم الفرق في ما لاكتم الصلاة بين أن يكون في محالها وعدمه ... 535

الرابع) المحمول المتنجس الذي لا تتم الصلاة فيه ...535

الكلام في المحمول إذا كان من الأعيان التنجسة ...536

حكم الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح ...538

الخامس): ثوب العربية للصبي...539

يشترط غسله في كل يوم مرة ...539

يشترط انحصار ثوبها في واحد أو احتياجها إلى ليس جميع ما عندها ... 540

هل يلحق بدنها بالتوب في العفو؟ ...541

هل يلحق العربي بالعربية؟...542

فروع وفيها:

اختصاص الحكم بخصوص الفرائض ...542

عدم الحاق سائر النجاسات بالبول ...542

وجوب غسل الثوب وإن لم يتخذ الصبي بالطعام...543

هل يشملها الحكم لو أمكنها احتفاظ بالصبي عن تعدي بوله؟ ...543

السادس): العفو عن كل نجاسة في حال الاضطرار ... 543

ص:576

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.